أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العثماني - توفيق بكار الكاتب المتفرّد















المزيد.....



توفيق بكار الكاتب المتفرّد


إبراهيم العثماني

الحوار المتمدن-العدد: 7268 - 2022 / 6 / 3 - 03:43
المحور: الادب والفن
    


مقــــــــــــــــــــدّمة:

قد تتضافر جملة من العوامل فتجعل من شخص مّا كاتبا مبدعا وباحثا متفرّدا وناقدا متميّزا. وقد يتّخذ هذا التّفرّد أشكالا شتّى فيتجلّى في كيفيّة تحليل الظّواهر الأدبيّة وفي طرافة المقاربات النّقديّة وفي عمق المداخلات الّتي تُقدّم في النّدوات العلميّة،كما يتجلّى في تعدّد المسؤوليّات وتنوّع الاهتمامات. وتوفيق بكّار أفضل تجسيد لهذا النّموذج. وفي استعراضنا لجوانب من مسيرته الحافلة بالأنشطة دليل على ذلك.

I - الكتابة في المجلاّت الأدبيّة والثّقافيّة:

لم يكن الأستاذ توفيق بكّار ممّن يتهافتون على الكتابة في المجلاّت الثّقافيّة أو ممّن يلهثون وراء الظّهور في المنابر الإعلاميّة. فالكتابة، عنده، لم تكن بحثا عن شهرة هو في غنى عنها، أو رغبة في بروز لا يضيف إليه شيئا جديدا بل هي واجب ونداء الواجب لا رادّ له. ومسوّغات كتابته في المجلاّت عديدة. فقد تكون تخليد ذكرى علم من أعلام الثّقافة بتونس أو الاحتفاء بأحد أدبائها أو الاستجابة لطلب صديق عزيز أو المشاركة في ندوة من الندوات. وهكذا تكاد تكون لكلّ مساهمة من مساهمات الأستاذ بكّارفي معظم المجلاّت الثّقافيّة (1) منذ ستّينات القرن العشرين حكاية.

1 - مجلّة"التّــــــــــــجديد":

نشرت مقالا موسوما ب"علي الدّوعاجي فنّان الغلبة"- الجزء الأوّل، عدد5/6-جوان- جويلية 1961 ( ص ص62- 78) الجزء الثّاني، عدد1 نوفمبر1962 ( ص ص4-20).
توفيق بكّار عضو هيئة تحرير هذه المجلّة فالواجب يقتضي منه إذن أن تكون له مساهماته المخصوصة فكانت البداية هذه الدّراسة وهي باكورة إنتاجه. وستكون للدّوعاجي منزلة وأيّ منزلة في قلب الأستاذ بكّار ستُكشف لاحقا.

2 – حوليّـــــــات الجامــــعة التّونســيّة:

تضمنت مساهمة بعنوان "مشاركة في دراسة أبي القاسم الشابي بمناسبة مرور ثلاثين سنة على وفاته"- العدد2، سنة 1965 ( ص ص133-231). وهذه الدّراسة عبارة عن كتيب تضيق عنه أيّ مجلّة أخرى ( لا توجد في تلك الفترة إلاّ مجلّة وحيدة هي "الفكر" الّتي لا تتجاوز صفحات العدد الواحد المائة). ولعلّ اسم توفيق بكّار وانتساب المجلّة إلى الجامعة واسم الشابي وقيمة الدّراسة كلّها عوامل سوّغت نشر هذا البحث على طوله.

3– مجـــــــــلّة "الحيــاة الثّقــــــافيـــــّة":
بدأت علاقة الأستاذ بكّار بمجلّة "الحياة الثّقافية منذ ثمانينات القرن العشرين حيث نشر دراسته الموسومة ب"جدلية الانكشاف والاحتجاب"في العدد 18 –ديسمبر 1981 وتواصلت إلى شهر فيفري 2016، عدد268حيث نشر فيها دراسة له بعنوان " من أدب الثّورة قبل أوانها صراع العقل للسّلطان" (ص ص 58-63)، وبين هذا التّاريخ وذاك توزّعت دراساته بين القديم والحديث والشّعر والنّثر...

4- مجــــــلّة "الفــــــكر":

ساهم الأستاذ بكّار فيها بمقال "معنى الحرية في أدب البشير خريف"-العدد8- ماي1982( ص ص17-21).
نظّم المركز الدّولي بالحمّامات ندوة"البشير خريف وأثره الأدبي يومي20 و21فيفري1982 وتولّت مجلّة "الفكر" نشر بعض البحوث الّتي قُدّمت في هذه النّدوة، واختار الأستاذ بكّار معنى الحرية"لأنّ الحرية أفق كلّ أديب أصيل يسعى إليه في الكتابة وعبر الكتابة لأنّ الأدب في صميمه صراع مع الواقع قصد تحوّله إلى مزيد من طلاقة الحركة"( ص17). وليس من باب الصّدف أن يكتب بكّار عن البشير خريف.فهو يعتبره"كاتبا موهوبا أعطى للأدب التّونسي الحديث أوّل رواية حقيقيّة" (2).

5 – مجــــــــلّة "دراســــــات أندلســــيّة":

تضمنت المقال "جدليّة المماثلة والمقابلة في "التّوابع والزّوابع" لابن شهيد"، القسم الأوّل،العدد 3، جمادى الأولى1410/ديسمبر1989( ص ص71-81) القسم الثّاني عدد10،جوان 1993( ص ص5-7). وقع الحافر على الحافر. فالمجلّة تُسمّى دراسات أندلسيّة.والمدروس أثر لعلم من أعلام الأدب في الأندلس. والدّارس ناقد متيّم بأندلس يهزّه الشّوق إليها من حين لآخر. والمناشبة"رغبة من زميل كريم غامر في بحر الأندلسيّات على متن مجلّته والتمس منّا أن نجدف معه السّفينة حتّى تشقّ طريقها فاقترح علينا موضوع "التّوابع والزّوابع".فلم يعد من الأمر بدّ.فكيف لا نستجيب والطّلب عزيز وللعلم فرائضه وبالنّفس صبوة إلى الأندلس" ( ع 3 ص 73).

6– مجلــــّة" رحــــاب المــعرفة":

"عمران في مرآة إخوته أو فنّ التّنويع في قصّة الإنسان"،السّنة 5، العدد26، مارس- أفريل 2002 (ص ص 9-14).[عدد ممتاز: محمود المسعدي في عيون النقاد]. خُصّص هذا العدد للمسعدي بمناسبة مرور تسعين سنة على ولادته. ومن البديهي أن تكون للأستاذ بكّار مساهمة بهذه المناسبة. فأدب المسعدي تلبّسه وتحقيق مخطوط من مخطوطاته مناسبة أخرى لكشف جوانب جديدة من هذا الأدب. وعندما يلتقي هذا الثّلاثي:المؤلّف (المسعدي) والمحقّق (محمود طرشونة) والقارئ (توفيق بكّار) تحصل متعة أدبيّة منقطعة النّظير قد لا تتكرّر ولم تتكرّر فعلا.

7- مجـــــــــلّة" الـــــــبديل":

"الحداثة في الثّقافة والمجتمع- اسم الحداثة دون صورتها وجسمها"؟، عدد4/5 السنة 2013 (ص ص 45-50).
خصّت هيئة تحرير مجلّة"البديل" الحداثة بملف وارتأت نشر مقال الأستاذ بكّار الصّادر ب"ورقات ثقافيّة عدد9-11/3/1994 بعد استشارته فقبل ذلك مشكورا. وعلّلت هيئة التّحرير اختيارها بقولها:"وما حفزنا إلى ذلك هو استجابته ( أي المقال) لملف العدد وعمق محتواه ونقد صاحبه حداثة العرب الموهومة وسخريته المرّة من سذاجة عقولهم وبساطة تفكيرهم".

8- مجــــــلّة "الفــــــــكر الجـــــديد":

نشرت هذه المجلة عدة مقالات هي كالتالي: "رحلة في ضياء المكان تأصيلا للذّات- قراءة في أعمال محمود السهيلي"، السّنة2، العدد5، جانفي2016 ( ص ص24-33). هذا النّصّ أعيد نشره وفاء لذكرى الفنّان المرحوم محمود السهيلي
" ما بين الجدّ والهزل، إلحاح الذّباب على قاضي البصرة"- السّنة 3- العدد10- أفريل 2017 (ص ص 7-14).
" من كتاب كليلة ودمنة: المدينة الفاضلة وحلم الفلاسفة"، السّنة الثّالثة العدد11، جويلية 2017(ص ص107-110).
هكذا كان للأستاذ بكّار حضور في المجلاّت الأدبيّة والثّقافيّة متفاوت الدّرجات لا يعكس غزارة إنتاجه وحضوره المتواتر في النّدوات العلميّة وإسهامه الكبير في تنشيط الحياة الثّقافية. لكنّ مقالاته وحواراته في الصّحف التّونسيّة تكاد تكون غائبة باستثناء الملحق الثّقافي لجريدة الصّحافة:

II– ندرة الكتابة في الصّحف التّونسيّة:

الصّحافة وسيلة تواصل مهمّة وذات قدرة عجيبة على الإخبار والتّثقيف ونقل الأنشطة أينما وقعت.وقد يفضّل البعض الصّحافة لتبليغ أفكاره ومواقفه وقد لا يتبنّى البعض الآخر مثل هذا التّوجّه.وتوفيق بكّار ضعيف الصّلة بعالم الصّحافة ولم يظهر إلاّ لماما.

1– ورقــــات ثقـــــافيّـــــة:

لمّا كان الأستاذ توفيق بكّار مشرفا على "ورقات ثقافيّة" الملحق الثّقافي لجريدة الصّحافة كانت له مساهمات لافتة للانتباه بطرافتها وتنوّع مضامينها وجمعها بين الفنّ والأدب والفكر والتّقديم:
• "نصب للشّهداء للهادي السّلمي...تخفّ به الأجساد من أثقالها !"، عدد3، السّنة الأولى، الجمعة28/1/1994.وهذا المقال هو جزء من دراسة بكّار الموسومة ب"الهادي السّلمي: من لحم ومن معدن"( "الحياة الثقافية" ع 101/جانفي 1999 ص ص113-114).
• "عن الحداثة في المجتمع والثّقافة- اسم الحداثة دون صورتها وجسمها"، عدد9، السّنة الأولى، الجمعة 11/3/1994
• "مصارع الإنسان، من مقدّمة دماء جديدة للكاتب العراقي مهدي عيسى الصّقر ستصدر قريبا في عيون المعاصرة عن دار الجنوب"،عدد41،السّنة الأولى، الجمعة 9/12/1994
• "التّوابع والزّوابع لابن شهيد الأندلسي: أرض الجن، أرض الفن"، عدد45، السّنة الأولى، الجمعة16/1/1995.
• "مقاطع من نصّ شعري جديد "مرايا"لجعفر ماجد تقديم توفيق بكار ع 45، 16/1/1995.

2– الطّـــــــــــريق الجـــــــديد:

"توفيق بكّار يتحدّث عن جدليّة الثّقافة والواقع"، أجرى الحوار مصطفى التّواتي، عدد28،30 أفريل 1983 ص ص 12/13.
من خلال هذا الحوار أجاب الأستاذ توفيق بكّار عن الأسئلة الّتي طرحها عليه مصطفى التّواتي من قبيل مكانته المتميّزة رغم أنّه لم يؤلّف أيّ كتاب وتحوّل النّقد عنده إلى إبداع وإقامة حوار مع المسعدي رغم اختلافه معه (المسعدي وجودي وبكار ماركسي)، وإعجاب الطيب صالح والمشارقة بقراءته لمقدّمة"موسم الهجرة إلى الشّمال"،كما تحدّث بوصفه ماركسيّا عن علاقة النّاقد بالتّراث والأدب التّونسي ورأى أنّ قوّة النّصوص تتجاوز الحدود الإيديولوجيّة واستشهد بإعجاب ماركس ب"بلزاك"البورجوازي وإعجاب لينين بتولستوي الإقطاعي ثمّ أطنب في الحديث عن التّجذّر في العصر وبيّن كيف يتمّ ذلك وهو شعار سلسلة عيون المعاصرة، وعلاقة العرب بالغرب وفهم الشيوعيين العرب الماركسيّة وتجاوزهم لأخطائهم...

3 – المـــــــــــــلاحـــــــــظ:

حديث عن الجامعة والسّياسة والإبداع ومستقبل الثّقافة العربيّة، الملاحظ عدد 107 من 8 إلى 14 فيفري، 1995.
ارتأى الحبيب الشابي أن يقدّم هذا الحوار بطريقته الخاصّة فاكتفى بتلخيص كلام الأستاذ توفيق بكّار الّذي تحدّث عن تأسيس مجلّة" التّجديد" وعن دور الأساتذة في الجامعة باعتبارهم علماء ودورهم في المجتمع بوصفهم مثقّفين، وعاد إلى الماضي للحديث عن المهام الّتي اضطلع بها في دور الثّقافة ولنا عودة إلى هذا الموضوع.

4– جريــــــــدة الصـــــــّباح:

لا نجد للأستاذ بكّار مقالات أو حوارات في هذه الصّحيفة. ولكن المسؤولين عن الصّفحات الأدبيّة دأبوا على تقديم تلاخيص للنّدوات الّتي تُعقد هنا وهناك أو متابعة أنشطة الجهات. لذا كان الأستاذ بكّار حاضرا بانتظام في هذه الصّحيفة وكانت المقتطفات المأخوذة من مداخلاته بارزة للعيان. وسنكتفي بذكر مثالين. فقد تضمّن "الصّباح الأدبي"-الثلاثاء 12 سبتمبر1995 ملخّصا مطوّلا لمداخلة قدّمها الأستاذ بكّارفي ملتقى أدب التّسعينات في المنستير واختارت آمال موسى عنوانا لافتا للانتباه جمعت فيه بين التّلخيص ومحاورة صلاح الدّين بوجاه: "مواجهة بين صاحب النّخاس وناقده"
توفيق بكّار: ما رأيت نخّاسك مقنعا إلاّ في نخس النّساء
صلاح الدّين بوجاه:لن أدفع عنه هذه التّهمة الجميلة ( ص8).
ونجد في جريدة "الصّباح" بتاريخ الثلاثاء24 أكتوبر1995 عنوانا كبيرا: ورشة الكتابة المسرحيّة بصفاقس
إشكاليات عديدة للنّصّ شغلت الكتاب والنقاد وصورا لتوفيق بكار وبول شاوول والأسعد الجموسي ومقتطفات من مداخلات المشاركين ومن بينهم الأستاذ بكار وسنعود إلى رأيه في المسرح.
وفي الحقيقة نحن لا نزعم أنّنا أتينا على كلّ ما كتب الأستاذ بكّار في المجلاّت والصّحف حسْبُنا أنّنا قمنا بعمل توثيقي متواضع جدّا قد تكمله مجهودات أخرى فتتّضح الصّورة.

III- الجمع بين الكتابة باللّسان الفرنسي والتّرجمة :

ليست الكتابة باللّسان الفرنسي أمرا عسيرا على أستاذ في قيمة توفيق بكّار. فهو يتقن اللّغة الفرنسيّة إتقانه اللّغة العربيّة، درسها هنا في تونس ودرسها هناك في فرنسا فتشبّع بروحها وتمثّل حضارتها تمثّله قواعد نحوها وصرفها، ولاغرو فالأستاذ بكّار ينتمي إلى جيل أنجز بحوثه وأطروحاته عن الأدب العربي باللّغة الفرنسيّة فكابد عناء التّرجمة وذلّل صعوباتها، وظلّ الأستاذ بكّار مثل أبناء جيله ينهل من معين هذه اللّغة ويرتوي من أدبها ومناهجها حتّى أضحت جزءا منه يتجلّى في ما كتبه أو في ما ترجمه كلّما دعت الحاجة إلى ذلك. وسنسوق بعض الشّواهد (قد تكون مقدّمة كتاب أو دراسة أوترجمة).
1/Jean fontaine 20 ans de littérature tunisienne, Préface de Taoufik Baccar (p p 5-8), Maison Tunisienne de l’Edition, 1977
لمّا ألّف جون فونتان كتابه "عشرون سنة من الأدب التّونسي" استعان بالأستاذ بكّار ليكتب له المقدّمة. ولعلّه رآه مؤهّلا أكثر من غيره لكتابة مقدّمة لكتاب يعرّف بالأدب التّونسي لجمهور لسانه غير عربي. فقد دافع بكّار عن وجود أدب تونسيّ من لحم ودم وأكّد أنّ أرضا أنجبت الحدّاد والشابي والدّوعاجي والمسعدي ما هي إلاّ أرض معطاء فلا داعي إلى الاشمئزاز والازدراء كلّما ذُكر اسم الأدب التّونسي ولا داعي إلى التّمادي في نُكران هذا الأدب. وهكذا كُتب هذا التّقديم بلغة فرنسيّة محكمة وعبّر عن موقف منافح عن وجود الأدب التّونسي.

2/ Ecrivains de Tunisie Taoufik Baccar et Salah Garmadi, Sud Editions, mars 2017.

هذا الكتاب يعدّ من أهم المراجع التي عرّفت بنماذج من الأدب التونسي، وقد قدّم له الأستاذ بكار بدراسة مطوّلة تعرض فيها لأهم المراحل التي قطعها الأدب التونسي المعاصر
3- Mahmoud Messaadi, La Genèse de l’oubli, traduit de l’arabe par Taoufik Baccar, Beit alhikma, carthage, 1993.
4- Taoufik Baccar, “Mhamed Ferid Ghazi une personnalité originale qui promettait”, Tunis, Tribune du Progrès, n° 16-17 -1962.

5- تعــــريــــــــــب:

عرّب الأستاذ توفيق بكار نصّي " هيكل الرواية" (ص ص 22-26) و" بين هيكل الرواية وهيكل التبادل"(ص ص 36-40) المأخوذين من كتاب" في سبيل اجتماعية الرواية" لقولدمان وتحديدا من القسم الأوّل الموسوم ب " مدخل إلى قضايا اجتماعية الرواية "
Goldmann : « Introduction aux problèmes d’une sociologie du roman », in : Pour une sociologie du roman, Editions Gallimard, 1964.
6- أورد عبد الوهاب الدخلي النصوص التّونسيّة التي ترجمت إلى الاسبانية ومن بينها مقال الأستاذ توفيق بكار المعنون ب "
“De la rhétorique médievale aux formes de l’écriture modern”, Le Monde, 8-11-1974, page 20.
« De la retorica medieval a las formas de escritura moderna”, Trad. MIKEL De Epalza, L.T.C.P P, 270-276
انظر عبد الوهاب الدّخلي : دليل الأدب التونسي المترجم، القسم الاول الإبداع بيت الحكمة 1990- ص 39.

إنّ المطّلع على ما كتب الأستاذ بكّار باللّغة الفرنسيّة وما نقل إليها يدرك سلاسة أسلوبه وثراء معجمه وانتقاء عبارته وعمق دلالتها. وهي صفات تجعل منه كاتبا يرتقي إلى مصاف جهابذة الأدب الفرنسي دون منازع. ففهم نصوصه يتطلّب تضلّعا من اللّغة الفرنسيّة وتمثّلا لأسرارها اللّغويّة وإدراكا لأساليبها الفنّية.
إنّ حبّ بكّار للأدب التّونسي وتحمّسه للتّعريف به حفزاه إلى تحمّل مسؤوليّاته في نشره ومناقشة خصوصيّاته وإبراز قيمته و ساعده كل ذلك على تحمّل عدّة مسؤوليّات.

IV– تعدّد المسؤوليّات الإداريّة والأنشطة الثّقافيّة:

من المثقّفين من يؤثر التّنظير والانزواء في برج عاجيّ بعيدا عن ضجيج المجتمع وصخب الحياة، ومنهم من يجمع بين القول والفعل ويتّخذ الالتزام شعارا له،ومنهم من يفتح صراعا مع السّلطة الحاكمة ضاريا فيفرد في مكان قصيّ، ومنهم من يبحث عن ثغرة يتسلّل منها لتقديم ما يمكن تقديمه في ظلّ سلطة غاشمة تصادر الرّأي الحرّ وتجفّف منابع المختلفين معها. والأستاذ توفيق بكّار مثقّف يساري ملتزم آلى على نفسه خدمة الثّقافة في وطنه دون جلبة أو ضجيج. لذا لم يقصر نشاطه على التدريس وتأطير الطّلبة بل كان واعيا لضرورة الإسهام في الحياة الثّقافيّة قولا وفعلا والانخراط في نحت ملامح جديدة لمجتمع لا يزال يرزح تحت نير عادات وتقاليد مكبّلة له معرقلة لتطوّره،وكان مدركا أنّ الثّقافة سلاح فعّال من الضّروري تجريبه. وما إن عاد من باريس حتّى أسّس، في بداية الستّينات، بمعيّة جمع من الأساتذة الجامعيّين مجلّة" التّجديد" وكان أحد أعضاء هيئة التّحرير. كانت هذه المجلّة مشروعا طموحا عكست أهدافَه كلمة" التّجديد" و"بياننا" والأعداد الّتي صدرت منها (11) والأقلام الّتي كتبت فيها، والمواضيع الّتي طرحتها والقضايا الّتي أثارتها (3).
لكنّ هذا المشروع لم يعمّر طويلا لأسباب ذكرها الأستاذ بكار في حواره مع حسن بن عثمان (4).
إلاّ أنّ فشل هذه التّجربة لم يثبّط عزيمة الأستاذ بكار ولم يدفعه إلى الانكفاء على نفسه فراح يبحث عن مبادرات أخرى تمكّنه من النّشاط. وفي بداية السّبعينات كانت له أنشطة أخرى عدّدها في حواره مع الحبيب الشابي (5).فقد ذكر أنّه نشط في دار كان مقرّها في مدخل حديقة البلفيدير وكانت تُسمّى نادي العزيزة عثمانة، وهي في حقيقة الأمر دار منسوبة إلى النّساء ومديرتها جليلة حفصيّة ثمّ أُغلقت لأنّه ومن معه نظّموا نقاشا حول الاشتراكيّة العربيّة.
ويؤكّد الأستاذ بكّار،في هذا الحوار، أنّ الأستاذ المسعدي أعانهم على إعادة تأسيس النّادي في ساحة التريبينال واقترح الأستاذ الشاذلي القليبي اختيار اسم له فسمّوه الطّاهر الحدّاد بما أنّه في الأصل ناد من نوادي النّساء.
ومع نهاية السّبعينات(1979) أسّس السيد محمد المصمودي دار الجنوب للنّشر فاستعان مرّة أخرى بالأستاذ توفيق بكار بعد أن سبق له أن طلب إعانته لمّا كان مسؤولا عن الدّار العربيّة للكتاب فور تأسيسها. وهكذا أضحت دار الجنوب منارة تشعّ على الثّقافة العربيّة مشرقا ومغربا وعُرفت بإصداراتها القيّمة والمقدّمات الّتي كتبها الأستاذ بكّار وغيره من أدباء تونس والمشرق.
والأستاذ بكّار لا يعرف الكلل ولا الملل وقد يتحمّل أكثر من مسؤوليّة ويقوم بأكثر من نشاط في وقت واحد إذ أضاف، إلى مسؤوليته في دار الجنوب، مسؤوليّة أخري في فترة الثّمانينات.يقول في حواره مع الحبيب الشابي:" لمّا كُلّف عبد العزيز العاشوري بإدارة الدّار التّونسيّة للنّشر ناداني وطلب منّي أن أعينه، بما لديّ من تجربة، على تأسيس مجموعة علامات الّتي أصدرت تقريبا خمسة وعشرين كتابا للأدباء والأساتذة الجامعيّين.."
وهذه المسؤوليّات لم تشغله عن البحث والكتابة. فقد كلّفته وزارة الشّؤون الثّقافيّة بإعداد مختارات من الأدب التّونسي المعاصر فكان نصيبه من الجزء الثّاني( القصّة والمسرح) قسم القصّة مع كتابة مقدّمة متميّزة أرادها "أن تكون ممثّلة( قدر الإمكان) لمختلف التيّارات الفنية والمواقف الفكريّة، وصنّفها حسب عدد من الأغراض الأصليّة دون تقيّد وثيق بترتيبها الزّمني لتداخل تواريخها" (ص7)، وقد نُشر هذا الكتاب سنة 1985.
ثمّ عاد إلى التّنشيط الثّقافي بعد انقطاع دام سنوات. يقول محمّد بن رجب:" وقد ينسى الكثير ممّن يهتمّون بالأدب أنّ الرّاحل توفيق بكّار أشرف على تنشيط ناد أدبيّ في المركز الثّقافي البلدي بشارع محمد الخامس...وآخر حصّة تنشيطيّة ضمن هذه السّلسلة كانت للتّعريف بالشّاعر أحمد اللّغماني، وكان ذلك يوم الجمعة خمسة نوفمبر[ كذا !]1987".(6)
ثمّ استأنف هذا النّشاط وغيّر مواضيعه. يقول محمد هشام الرّيفي:" ولقد اهتمّ سي توفيق بالفنون أيضا الرّسم والنّحت بالخصوص. وعقد لقاءات نصف شهريّة بالمركز الثّقافي لمدينة تونس في الموسم 1988-1989" (7) وكان في نفس الوقت أحد أعضاء الهيئة الاستثارية بمجلّة" الحياة الثّقافيّة" لمّا كان الأستاذ المنجي الشّملي مدير التّحرير.
وختم هذه الأنشطة وهذه المسؤوليّات بتأسيس "ورقات ثقافيّة (سنة 1994) "في جوّ من الشكّ وفي جوّ من اليأس كان النّاس يشكّون في أنّ هذه التّجربة ستنجح لأنّ العصر ليس بعصر أدبي،فعاندنا وكابدنا" ( حوار مع الحبيب الشابي). وظلّ مدّة طويلة مشرفا على هذا الملحق فبل أن ينسحب.
نخرج، بعد استعراضنا لهذه الأنشطة وتعديدنا لهذه المسؤوليّات، بجملة من الاستنتاجات:
• تميّزُالأستاذ بكّار برغبة جامحة في النّشاط والفعل خدمة للبلاد والعباد. فمنذ ستّينات القرن العشرين وهو يكتب ويحاضر ويعرّف بالأدب التّونسي وكتّابه ويغني الثّقافة العربيّة دون كلل وملل.
• الاستئناس في نفسه القدرة على الإسهام، من موقعه، في إضافة ما به يفيد الآخرين.
• ثقة أهل الثّقافة فيه فينتدبونه للقيام بمهامّ قد لايوجد أفضل منه للقيام بها. وكلّما تحمّل مسؤوليّة كان جديرا بذلك.
• تعدّد الأنشطة والمسؤوليّات دليل على تعدّد المواهب وأمارة من أمارات التّميّز.
ولكنّ أطرف ما تميّزت به هذه الشّخصيّة هو ولعها بفنّ لايمتّ بأيّ صلة إلى الأدب ويعتبر غريبا عن هواة الأدب. إنّه عشق الفنون.

V- توفيق بكّار عاشق الفنون:

للفنون طقوسها ونواميسها، ولها أسرارها وخفاياها. وللفنّانين عوالم مكنونة يعسر فكّ رموزها على من لم يوطّن نفسه على الدّخول إلى محاريبها أو على من قصر نشاطه على الإيغال في عوالم الأدب. إذن على من أراد أن يقترب من هذا العالم السّحري أن يُعدّ له عُدّة تخالف عدّة النّاقد الأدبي.ويبدو أنّ الأستاذ توفيق بكار استعدّ كأفضل ما يكون الاستعداد قبل أن يلج عالم الفنّانين "المجانين" كما استعدّ قبل ذلك للإبحار في عالم الأدب. فلولاه لما كان للدّوعاجي والمسعدي والبشير خريف مثل هذه الحظوة، ولولاه لما عرفنا القيمة الحقيقيّة لفنّانين أفذاذ استهواهم الفنّ التّشكيلي فأفنوا أعمارهم في نحت ملامح مدرسة تونسيّة أصيلة تنافس المدارس الشرقية والغربيّة. وقد افتتن توفيق بكار بثلاث شخصيّات هي حاتم المكّي (1918- 2003) والهادي السّلمي (1934- 1995) ومحمود السّهيلي(1931- 2015). وكأنّ "قدر" توفيق بكّار التّعريف برموز الثّقافة التّونسيّة على اختلاف اهتماماتهم وتباين مشاربهم.

1- توفيق بكار ورموز الفن التّشكيلي في تونس:

اتّبع توفيق بكّار منهجا موحّدا في دراسة هذه الشّخصيّات الفنيّة الثّلاث إذ يبدأ بالحديث عن طفولتهم والعوامل الّتي حدّدت ميولاتهم الفنية في الصّبا ثمّ دراستهم الثّانويّة والجامعيّة في تونس وفي فرنسا لصقل مواهبهم وتعميق رؤاهم، ورحلاتهم خارج الوطن وتأثيرها في فنّهم، ويشرح بإطناب واستفاضة خصائص فنّ كل واحد منهم. وهكذا يقدّم للقارئ لوحة متكاملة قد تغنيه عن مزيد البحث.

أ-الهادي ا لسّلمي:

في حديثه عن الهادي السّلمي (8) توقّف الأستاذ بكّار عند السّلمي الصّبي والسّلمي التّلميذ والطّالب والسّلمي الرحالة. فقد تأثّر السّلمي في صباه بأجواء الحلفاوين وحضر سهرات رمضان الطّويلة وشاهد ألاعيب"كراكوز" و"إسماعيل باشا" وتأثّر شديد التّأثّر بجاره صانع الفخار في حيّ "الرحيبة" وهو يسوّي آنية الطّعام والشّراب. وتميّزت هذه المرحلة بالعفويّة والتّقليد.
وتمثّل دراسته بالمعهد العلوي مرحلة حاسمة في مسيرته الفنيّة إذ تنبّه أساتذة الرّسم لمواهبه فعرّفوابه لدى أترابه وأولوه اهتماما أكبر. وتعمّقت معرفته بأحوال الفنّ لمّا دخل مدرسة الفنون الجميلة بتونس فكان طالبا متفوّقا توّج تخرّجه بالفوز بالجائزة الأولى في الرّسم والحصول على منحة من إدارة المعارف والسّفر إلى باريس والالتحاق بأكاديمية الفنون الجميلة حيث تلقّى دروسا في تاريخ الفن وفلسفته.
والانتقال إلى باريس ليس رحلة في المكان والزّمان فحسب بل هو رحلة في الرّؤية والاختيار وتحديد المصير. فهناك اتّخذ السّلمي قرارا مصيريّا بانتقاله من فنّ الرّسم إلى فنّ النّحت وبتأثّره بالنّحات الفرنسي الكبير"رودان"(1840-1870). وبعد الاستقلال يعود السّلمي إلى تونس لتدريس الرّسم بمعهد خزندار ثم يرتقي بعد ذلك إلى مدرسة الفنون ويرتحل مرّة أخرى إلى باريس.
ويختم الأستاذ بكّار هذه الدّراسة الشيّقة بتقسيم منحوتات السّلمي إلى عهدين :العهد الحجري والعهد المعدني وينتقي من كلّ مرحلة لوحات يحلّلها ويفكّك رموزها ويدعّم كلامه تارة بالشّعر وطورا بالرّسم.

ب-محمود السّهيلي:

والأمر لا يختلف كثيرا عند محمود السهيلي. فقد لاحظ الأستاذ بكّار تأثير البيئة في فنّه (9). فأهمّ سمة تميّز عالمه الفنّي هي عشقه الضّياء ويعلّل ذلك بأثر مسقط رأسه المرسى ذات الموقع الجميل على ساحل البحر وأثر جمال قصور البايات ودور الحاشية والأعيان وازدهاء الحياة بأبّهة المهرجانات الرّسميّة. أليس الفنّان ابن بيئته منها يغتذي ويرتوي وبسحرها يفتتن وبجمالها ينتعش.
هكذا ترسّخت هذه المشاهد في ذهن السهيلي الصّبيّ وسيزداد إعجابه بها عندما يأخذه أبوه البحّار في رحلة صيد في السّحر. لذلك توطّدت صلته بالطّبيعة منذ الّصغر إذ قسّم وقته بين ماء البحر ورمله والسّماء والشّمس والهواء والنّور.
وكان للدّراسة دور في إضافة اختيار جديد أغنى به رصيده الفنّي وعمّق به رؤيته للوجود والكون. فقد درس في المدرسة الابتدائيّة ببطحاء خير الدين وفي المعهد الصّادقي وفي مدرسة الفنون الجميلة بدريبة بني عيّاد. درس في هذه المدينة العتيقة رمز الهوية والتّأصّل فشعر بالدّفء في أحضانها وراحة الأمان والاحتماء بها من وحشة المستعمر. لذا خلت لوحات السهيلي من مظاهر العمران الحديث، ومن التّمدّن الّذي يرمز إلى كلّ ما هو دخيل. فلا معنى للعمران في مفهوم السهيلي" إلاّ بالإنسان أليف الطّبيعة وصانع المكان."
تخرّج السهيلي في مدرسة الفنون الجميلة بباريس حيث تعلّم صناعة الرّسم على خيرة أساتذتها وأنشأ من ذاته شيئا أصيلا ونحت لنفسه طابعا مخصوصا وتخلّص من النّماذج المفروضة. وتجلّى هذا التّميّز في الرّسوم الّتي احتفظت بها ذاكرته من رحلاته المتعدّدة.
فلمّا زار السّهيلي حومة السّوق وفاس ومرّاكش وأم درمان نقل منها كلّ مايرمز إلى الأصالة والانتماء. فالمعالم المنقولة هي المساجد والأسواق والمقهى والحمّام والدّروب الملتوية والسّاحات الشّعبيّة. وهكذا ظلّ السهيلي ينتقل من الشّمال إلى الجنوب ومن الشّرق إلى الغرب وكأنّه سندباد جديد لا بحري ولا برّي." يرحل في الضّياء إلى الضّياء ليستكشف بدائع ألوانه وأنغامه."
شخصيّة السهيلي عصارة جملة من العناصر بعضها موروث وبعضها مُكتسب. فقد ورث عن أبيه حبّ البحر وآلة العود( كان أبوه من رجال المألوف) الّتي يحتضنها كلّما أعيته اللّوحة وترك الفرشاة. فكان أفضل عازف في الجلسات الخاصّة ومن ملحّني الأغاني التّونسيّة (لحّن أغنيّتين لنعمة وعليّة)، وكان رحّالة جاب مشارق الأرض ومغاربها، وفنّانا أصيلا يتمسّك بالجذور وينبذ القشور
ج- حاتم المكي:
أمّا شخصيّة حاتم المكّي(10) فتختلف عن شخصيّتي السّلمي والسّهيلي من حيث المولد والنّشأة والتّكوين. فأمّه أندونيسيّة وأبوه أصيل الجنوب وجزء من طفولته قضّاه في جاوة حيث وُلد. "تلتقي فيه مناخات وطبائع بيئة الجريد الواحيّة الصّحراويّة وبيئة جاوة الأقيانوسيّة و"ريح السّموم" وأمطار" الموسم"،حدّة الجفاف ولين الخصوبة"(11)
وقد انتقى الأستاذ بكّار من حياة حاتم المكّي ما يعينه على فهم رسمه وتتبّع المراحل الّتي قطعها. فأوّل عهده بالرّسم مطبعة أبيه صاحب الجريدة"بروبدور" حيث لعب حاتم/ الطّفل بآلاتها وطبع عليها بالألوان بطاقات البريد. وقد كان الطّبع جسرا للرّسم.
ثمّ تعلّم مبادئ الوشي والزّخرفة من النّساء اللّواتي يجتمعن إلى أمّه في البيت ويتعاطين ضروبا من الصّناعات اليدويّة كالنّسج والطّرز والتّزويق.(ص3)
وما كاد حاتم المكي يبلغ السّادسة من العمر حتّى قرّر أبوه أن يرسله وأخاه وأخته صحبة خاله وزوجته إلى تونس لزيارة جدّه...وحيثما رست الباخرة رأى المكي من مناظر الطّبيعة وطراز العمران وأزياء النّاس وهيآت الحيوان وألوان البحر والسّماء ما يلفت الانتباه.( ص ص5-6).
إلاّ أنّ زيارة الجدّ تحوّلت إلى استقرار نهائي فأحسّ الفتى بالغربة وأحسّ بأنّ كلّ شيئ تغيّر وبدأت مرحلة جديدة علّمه فيها جدّه اللّهجة بالإشارة والصوت وعلّمه المؤدّب القرآن ومبادئ العربيّة ثمّ دخل مدرسة خير الدّين الابتدائيّة. وفي عالم الغربة القاسية كان الرّسم ملاذه وذاع صيته في الحيّ. ثمّ انتقل إلى معهد كارنو حيث تجلّت موهبته في الرّسم ونال كلّ الجوائز وعرض مع أساتذته وعمل في دكّان في "المدينة"مع الخطّاط محمّد صالح الخمّاسي.
ويمثّل انتقاله إلى باريس مرحلة فنية جديدة حيث تأثّر بثلاثة أساتذة ترى آثارهم في عدد من لوحاته من قبيل كشف البواطن من خلال الوجوه (رنبردت) وحدّة الخطّ في رسم الشوائه + (قويا) وحمرة الشّمس في السّماء وعلى الحقول (فان قوق). وفي باريس تعرّف إلى مدير مجلّة"ماريان" وهناك ظهرت أوّل رسومه.
وظلّ حاتم المكّي ينتقل بين تونس وباريس.وحيثما حلّ برزت رسومه في المجلاّت الثّقافيّة التّونسيّة ("المباحث" و"الثّريّا" و"النّدوة"و"الفكر") أو مجلّة"كومبا" بباريس بعد الحرب العالميّة الثّانية.
وبعد الاستقلال غزر إنتاجه وتنوّع: فسيفساء وطوابع بريديّة ومسلسلات من الكاريكاتور، ملصقات وإعلانات...وهكذا ظلّ يجدّ ويسخر ويقسو ويلين ويستلهم عنفوان الواقع (الجزائر الثّائرة وتونس المستقلّة).
ويختم الأستاذ بكّار هذه الدّراسة بتقسيم فنّه إلى محاور ويختار لكلّ محور اسما مثل "التّونسيّات" –و"الطّبيعيّات" و"الذّاتيّات" و"الخرافيات" و"الفكريّات"، ويحلّل بعض لوحاته.
تلك هي رحلة الأستاذ بكّار مع حاتم المكّي، رحلة أديب عالم بفنّ الرّسم مع رسّام يجهل الحرف العربي ويعيش غربة في وطنه في مرحلة الصّبا ثمّ يصبح رمزا من رموزه الثّقافيّة وعلامة فارقة في تاريخه الفنّي.
هكذا مكّنتنا دراسة هذه الشّخصيّات الثّلاث من الوقوف على وجه آخر من وجوه شخصيّة توفيق بكّار الثّريّة.فهو ناقد تلبّسه حبّ الفنّ كما تلبّس شيطانه هؤلاء الرسامين. فحديثه حديث المطّلع الحصيف على حياة هؤلاء الفنّانين، الملازم لهم في حلّهم وترحالهم أو المقتفي أثرهم أينما حلّوا.
وكلام بكار متشعّب يبدأ بالرّسم والرّسام وينتهي بالموسيقى والشّعر والقرآن والأدب العربي قديمه وحديثه والشّعر الفرنسي والشابي والمسعدي والدوعاجي والباجي المسعودي ورسّامي فرنسا وهولندا...وهكذا تستحيل دراساته نصوصا تستدعي نصوصا وتستحضر شواهد من هنا وهناك.نصوصه عوالم متداخلة بلا تنافر متجاورة بلا تنازع. هي متعة للذّوق والرّوح وفسحة في الخيال وامتداد في المكان.
إنّ قارئ هذه النّصوص تنتابه الحيرة أمام ثقافة بكّار الفنية الغزيرة والاستشهاد برموز الفن الغربي واطّلاعه الدّقيق على خصائص مدارسهم. ولكنّ سعة ثقافته الفنية يقابلها عمق ثقافته الأدبيّة. وكأنّ لسان حاله يردّد كم فنّ يألفه الأديب وحنينه دوما للأدب حبّه الأوّل.
إنّ قارئ هذه النّصوص تستوقفه أحيانا شخصيّة بكّار الدّارس قبل شخصيّة الفنّان المدروس ويعسر عليه تصنيفه في خانة الأدباء أم في خانة الفنّانين.

2-توفيق بكار والمسرح:

ولتوفيق بكّار ولع بالمسرح قد لا يماثله إلاّ ولعه بالفنون التّشكيليّة بل إنّ اهتمامه بالمسرح سبق اهتمامه بالفنون الأخرى.

أ-علاقة توفيق بكار بمسرح الدّوعاجي:

يتبيّن المتابع لكتابات الأستاذ بكار أنّ شخصيّة ا لدوعاجي وأدبه تلبّساه وظلاّ حاضرين باستمرار ضمن مشاغله الأدبيّة وبحوثه النّقديّة إلى أن وافته المنيّة. فأوّل دراسة نقديّة أُنجزت في بداية الستينات وُسمت ب"الدّوعاجي فنّان الغلبة" (12) وآخر ما كتب الأستاذ بكّار هو جمع تراثه القصصي وتقديمه (13)، وبين هذا وذاك انكبّ على دراسة مسرح الدوعاجي والتّعريف به ونشره وتقديمه إلى القارئ العربي حتّى يكون مادّة للدّرس والنّقد. فقد كتب تقديما لمسرحية" راعي النّجوم" في نهاية الستينات (14) تحدّث فيه عن علي الدوعاجي وفنّه القصصي. وقد وجد عسرا في تحديد طبيعة هذا النّص هل هو مسرحية أم قصّة؟ وخلاصة ما انتهى إليه الأستاذ بكارهي أن هذا النّص جنس أدبي هجين بقدر ما يأخذ من مقوّمات المسرح يأخذ من خصائص القصّة. يقول:" على أنّ راعي النّجوم نسيج وحده، فهي لا تشبه بقيّة أقاصيصه وما ذكرته من مذهبه الفنّي فيها. والحقيقة أنّنا لا نعلم أكان يُعدّها من القصص أم كان يعدّها من المسرح، فقد نُشرت للمرّة الأولى بمجلّة المباحث التّونسيّة سنة1944 بعنوان"أقصوصة المباحث"، ولكنّ شكلها بعيد عن شكل القصّة، في مفهومها التّقليدي على الأقلّ، لأنّها من بدايتها إلى نهايتها حوار مسترسل...وليست هي عندنا مع ذلك بالمسرحيّة لأنّها لا تطول فتكون ولو مسرحيّة ذات فصل علاوة على أنّها لا تصوّر مشهدا أو موقفا من المشاهد أو المواقف الدراميّة بالمعنى المسرحي المتعارف، فهي نوع طريف بين القصّة والمسرحيّة، وهي آخذة من هذه وآخذة من تلك" (ص9).
ثمّ شرع في جمع نصوص الدّوعاجي المسرحيّة فأصدر مصنّفا سمّاه "مسرح علي الدّعاجي- 1". وقد قال في مقدّمة هذا الكتاب متحدّثا عن أسلوب الدوعاجي :" كان كاتبا ساخرالرّوح، جريء الفكر، يخفي نابا حديدا وراء البسمة الظّاهرة، حيلته، ربّما، في التّعبير عمّا لا يباح له أن يقول" ( ص 10)، ومادّة مسرحه:" فقصر همّه على نقد مظاهر التّأخرفي عقليّة النّاس وسلوكهم عسى أن يتخلّص المجتمع من عبء العادات المعرقلة لنموّه، فيصلح من نفسه فيقوى، فيتحرّر من كلّ عبوديّة. شديد التّعلّق بالبلاد فنّه، وبأهلها، شعبيّ صميم وتقدّميّ سمح" ( ص 10) (15).
وبعد سنوات قليلة- ثماني سنوات تحديدا- عاد إلى جمع تراث الدّوعاجي وإصدار أعماله الكاملة فكان المجلّد الأوّل (16) مخصّصا للمسرح مع مقدّمة مطوّلة (38ص) كان فيها نصيب المسرح قليلا جدّا (ص 35/36) وإعادة- تقريبا- لأهم ما جاء في مقدّمة "مسرح علي الدعاجي".
ولم يقصرالأستاذ توفيق بكاراهتمامه على مسرح الدوعاجي. فقد اهتمّ بنصوص أخرى دراسة ونشرا.

ب- توفيق بكار والأدب المسرحي في تونس:

نشر الأستاذ توفيق بكار في سلسلة"عيون المعاصرة" ال"سد" للمسعدي وخصّ هذا النّصّ بتقديم مطوّل (33ص) وحدّد جنسه الأدبي بقوله:" "مسرح ذهني" " كبعض الحكيم"، لا ينقل لنا ملموس الوقائع بل معانيها مجرّدة في النّفوس فيسعه الكتاب ولا تسعه الأخشاب. وإن أخطأ به المسعدي الرّكح فقد أصاب الأدب" (ص28) (17).
كما نشر في سلسلة "عيون المعاصرة" مسرحية "الطّوفان" لمصطفى الفارسي وتيجاني زليلة ( تقديم عبد الفتّاح إبراهم). وبعثت"عيون المعاصرة" سلسلة سمّتها "المسرح الحيّ" عُنِيَت بنشر نصوص نالت حَظوة كبيرة لدى أهل الذّكر وعشّاق المسرح وجمهور المشاهدين من أمثال إسماعيل باشا لمحمد إدريس وفاميليا للفاضل الجعايبي وكلام الليل لتوفيق الجبالي وجنون والبحث عن عائدة لجليلة بكّار...

ج- آراؤه في المسرح:

إنّ ولع الأستاذ توفيق بكّار بالمسرح التّونسي لا يقف عند هذه النّماذج المتفرّقة الّتي ذكرناها والّتي أبانت افتتانه بهذا الفنّ الجذّاب. فقد ظلّ يواكب ما يُنشر في الكتب وما يُعرض في المسارح ويحاضر في النّدوات الّتي تُعقد هنا وهناك. لذا كانت له آراء متفرّقة في المسرح (18)عبّر عنها في ورشة الكتابة المسرحيّة الّتي انتظمت بصفاقس من14 إلى18 أكتوبر 1995 على هامش الدّورة السّابعة لأيّام قرطاج المسرحيّة.وقد طرح المثقّفون من خلالها جملة من الأسئلة، وشارك فيها جامعيّون من مصر وسوريا والعراق وفرنسا والمغرب ولبنان ومن تونس( توفيق بكار وخالد الغريبي ولسعد الجمّوسي.)
يرى الأستاذ بكّار أنّ العرض المسرحي عابر إذ لا يدوم سوى سويعات في حين يبقى النّصّ لأنّه فنّ من فنون الإبداع، وهو قطعة من الآداب بل هو فرع من فروعه الأساسيّة، ويضيف قائلا " ليس لنا دراما بل ميلودراما.فنحن أي العرب ناس عاطفيّون وقلّما وصلنا إلى مستوى ما يسمّى بالتراجيدي، ويلاحظ أنّ الاقتباس تعويض للإبداع، وهذه المسألة غير بريئه فعندما نقتبس نحذف ما يستفزّنا.

خاتـــــــــــــــــــــــمة:

توفيق بكّار شخصيّة متعدّدة الأوجه ومثقّف موسوعيّ، سلك شعابا بكرا في التّدريس منذ ستّينات القرن العشرين واستنّ طرائق في شرح النّصوص وتحليلها لم يُسبق إليها، باحث ثبت وناقد حصيف، علامة فارقة في مسار النّقد الأدبي بتونس ورمز من رموز التّجديد مشرقا ومغربا. يكتب فيبدع ويتكلّم فيقنع، مدرك أسرار اللّغة ومتمكّن من أفانين الكلم. فإذا كتب استحال المنثور منظوما وجاورت فصاحة القدامى إضافات المحدثين لا يستنكف من أن يمتح من لغة الشّعب وينقل ما يعتمل في قاع الحارات والأزقّة ويكشف ما يمور في نفوس المعذّبين في الأرض.
أصالة دون انغلاق وانفتاح دون قطيعة.
كان توفيق بكّار شعلة تتّقد ومنارة تُشعّ يعشق الأدب عشقه الفنّ ويقتتن بالمسرح افتتانه بالموسيقى كأنّ به قلق المبدعين العظام الّذين آمنوا بأنّ الحياة فعل مستمرّ وتحوّل دائم.
لكلّ هذه الأسباب مجتمعة يُعدّ توفيق بكاّر كاتبا متفرّدا.

المــــــــــــــراجـــــــــــــع:

1) لم تكن لتوفيق بكار مساهمات في مجلّة"ثقافة" ( 1969- 1972) الصّادرة عن دار الثّقافة ابن خلدون، و"المسار" مجلّة اتحاد الكتاب التّونسيّين.
2) كتاب من تونس تأليف بكار والقرمادي، منشورات الجنوب، مارس 2017 ص224..
3) أحمد جليد، مجلّة"التّجديد" التّونسيّة تعريف، فهرسة وتبويب ( ص ص 103-117)، مجلّة"الحياة الثّقافيّة" عدد54/1989.
4) انظر "مع توفيق بكا ر في الموجود والمنشود ص63-64.
5) الحبيب الشابي، الملاحظ عدد107.
6) محمد بن رجب، النّاقد توفيق بكار وداعا، مجلّة"الفكريّة" السنة الخامسة/العدد33- ماي- جوان 2017 ص48.
7) محمد هشام الريفي، واجب درس المشروع واستجلاء آفاق البحث المفتوحة به، الفكر الجديد-عدد خاص، السّنة3 العدد11-جويلية 2017 – ص81.
8) توفيق بكار، الهادي السّلمي، من لحم ومن معدن—( ص ص 105-121) مجلّة "الحياة الثّقافيّة" العدد101-جانفي 1999.
9) توفيق بكار،رحلة في ضياء المكان تأصيلا للذّات- قراءة في أعمال محمود السهيلي (ص ص 24-33)- الفكر الجديد- السنة الثانية- العدد5- جانفي 2016
10) حاتم المكّي نص توفيق بكّار (روعة الفنّ ولوعة الفاجعة)- أليف- تونس 1989
11) م.س.
12) فنّان الغلبة م.س.
13) علي الدّوعاجي، الأعمال الكاملة- المجلّد الثّاني- القصص / تقديم توفيق بكار/ وزارة الشؤون الثقافية- دار الجنوب للنشر/ تونس 2015.
14) راعي النّجوم،منشورات ثقافة- دار الثّقافة ابن خلدون 1969.
15) مسرح علي الدوعاجي -1- (في الأسرة والعلاقات الاجتماعيّة) جمع النّصوص وراجعها وقدّم لها توفيق بكار- دار الجنوب للنشر تونس 2002.
16) علي الدّوعاجي، الأعمال الكاملة- المجلّد الأوّل- المسرح 1- جمع وتحقيق وتقديم وبيبليوغرافيا توفيق بكار/ وزارة الثقافة والمحافظة على التّراث/ دار الجنوب للنشر تونس جانفي 2010.
17) محمود المسعدي،السدّ تقديم توفيق بكّار/ دار الجنوب للنشر –تونس 1992.
18) محمد القبّي ، الصّباح الأدبي- الثلاثاء 24 أكتوبر1995 ص8.



#إبراهيم_العثماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توفيق بكّار في عيون دارسيه
- في أدب السجون: -مناضل رغم أنفه- لعبد الجبّار المدّوري نموذجً ...
- حول المسألة النّقابيّة (مقرّر المؤتمر الخامس للأمميّة الشيوع ...
- تطوّر مصر الاقتصادي وأهداف الحركة النّقابيّة المصريّة (معرّب ...
- مقاومة النّقابات الفاشيّة
- فلسطين الطبقة العاملة العربيّة وحركتها النقابيّة
- المدرسة والاستعمار
- حول المؤتمرالاستثنائي للاتحاد أو في الرّدّ على مغالطات الدّك ...
- غسّان كنفاني والريادة الروائيّة


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العثماني - توفيق بكار الكاتب المتفرّد