أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - همام الشريفي - المحاكمة العقلية لتاريخ العقيدة والشريعة















المزيد.....


المحاكمة العقلية لتاريخ العقيدة والشريعة


همام الشريفي
باحث فس الفلسفة والتاريخ

(Humam Al-sharifi)


الحوار المتمدن-العدد: 7268 - 2022 / 6 / 3 - 21:29
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بقلم: همام الشريفي - المملكة المتحدة
03/06/2022
الجزء الأول - (فهم التراث الإنساني)
يتفق علماء الاجتماع على ان صناعة عقول المجتمع تتشكل في مراحل الدراسة المختلفة والضابط الأساسي لها هو وجود ثقافة متطورة في النظرة الى الآداب والعلوم والفنون والعقائد والتراث ضمن منهج منطقي يسمى اصطلاحا "بالعقلانية". في موضوع التراث تحديدا، فانه لا يمكن تشكيل او تطوير ثقافة عامة بدون تنقيح التاريخ بمحاكمة عقلية تضبط النصوص وسأعرج مضطرا على مناطق حساسة في هذا التاريخ قد تثيرا نقدا وعدم ارتياح شديدين لدى البعض. أُقر بأني لست من اهل الاختصاص الاكاديمي في تحليل التاريخ وشواهده ولكن الذي وصلنا منه جاء بفصول غير متسلسلة زمنيا اضافة الى الضبابية التي تحيط فصولاً مطوّلة منه، لذلك ارى انه من حقي نشر أسئلة منطقية لغرض تحفيز اهل الاختصاص في كشف الحقيقة وتصويب ما كتب في المناهج المدرسية او ما تتداوله وسائل الإعلام والدراما. ليس الغرض من هذا الموجز مناقشة أصول العقيدة الإسلامية، بل مناقشة التفكير العقلاني في تحليل التاريخ بدون تقديس او تسقيط، ولا ادعو فيه الى تغيير القناعات او المسلمات او الموروثات، بل ادعو الى قراءة التاريخ بأسلوب موضوعي وعلمي. سأحاول ان اجرد هذا الموجز التاريخي من اي إشارات دينية او عقائدية لغرض تغطية طرفي المعادلة من أقصى الإيمان الى أقصى الإنكار بحيث لا يُحابي اي توجه او مذهب ديني او لاهوتي او فكري. ارجو التفضل بقراءة الاجزاء الموجزة اللاحقة بتجرّد كامل حيث ان الغرض من هذه الكتابة هو "تحليل احداث التاريخ بعقلانية" وليس "مناقشة التفكير العقلاني في تحليل التاريخ". حيث ان الموضوع الثاني هو من حصة اهل الاختصاص الاكاديمي وعلى قدر تجردهم عن العاطفة في كتابة التاريخ.
الجزء الثاني - (دخول الاسرائيليات الى التراث الإسلامي)
دخلت هذه القصص والتفسيرات ضمن نسق المعرفة للتراث الإسلامي واستقرت فيه وقد تكون نقلت اليه عن طريق ثلاثة افراد على الأرجح:
1- "الصحابي" عبد الله بن سلّام (من بني القينقاع) والذي يمثل الجيل الأول والمتوفي عام ٤١ هجري.
2- "التابعي" كعب الأحبار يهودي يمني (وكان صديق الخليفة الثاني عمر بن الخطاب) والذي يمثل الجيل الثاني والمتوفي عام ٣٥ هجري.
3- "المخضرم" وهب بن منبّه والذي يمثل الجيل الثالث والمتوفي عام ١١٤ هجري. ويعود القسم الأكبر من الاسرائيليات الى هذه الشخصية.
تنسب بعض اخبار الاسرائيليات الى كتاب التيجان في ملوك حِميَر (حِميَر - هي اخر مملكة يمنية قبل الإسلام) وتحديدا الى وهب بن منبّه ولكن الملفت للنظر العبارة التي كتبت بعد بسملة الكتاب:
(حدثنا ابو محمد عبد الملك ...... عن ..... عن ...... عن جده لامه وهب ابن منبه، قرأت ٩٣ كتاب انزل الله على الأنبياء ووجدت ان مجموع الكتب التي انزل الله على الأنبياء هي ١٦٣). هذا الادعاء المعرفي والموسوعي يحتاج الى قرائن عقلية للوثوق به اضافة الى التناقل الحاصل عبر ثلاثة اجيال متعاقبة. استنادا الى أعلاه، فان وهب بن منبّه هو رجل موسوعي يدعي العلم المكتسب (وليس العلم اللدُنّي) ويجيد اللغات العبرية القديمة والآرامية والسريانية بدليل قراءته لكتب مدونة في ازمنة سحيقة. ابتداءا يجب التأكد من وجود هذه المكتبة المعرفية وهي مدونة اما على الرقاق او البرديّات او كلاهما و ثانيا امانة النقل الشفهي او النسخي عبر ثلاثة اجيال لتصل إلينا بالصيغة المتداولة من هذا الكتاب. التسليم بتقديس كتابة او تدوين السلف لا ينطبق مع قواعد العقل.
بطبيعة الحال جاءت الديانة اليهودية الى الوجود بعد بعث النبي موسى والذي يعتقد ولادته تقريبا ١٣٠٠ عاما قبل الميلاد. ان معتنقي هذه الديانة كانوا يُنسبون الى النبي يعقوب والملقب بإسرائيل والترجمة الحرفية لهذه الاسم "يصارع الله" وهو وصف يشير الى ضحالة الفكر وسطحيته وسخفه. عموما فان بني اسرائيل سُمّوا عبرانيين وقد يكون ذلك لكثرة ترحالهم و عبورهم بين الأقطار والأمصار على الأرجح، كما ان لغتهم العبرية كانت تنتمي الى عائلة اللغات السامية نسبة الى سام الابن الأكبر للنبي نوح. من المهم التنويه ان اليهود لا يذكرون ملوكهم (أنبيائهم بالتعريف الإسلامي) باحترام و ينسبون لهم افعال غير إنسانية بالاضافة للعلاقات الاجتماعية المشوهة وانا شخصيا لا افهم هذا المنطق او دوافعه. السؤال المفتوح والموجه لاهل الاختصاص هو هل ان للاسرائيليات وجود خارجي مستقل ولا علاقة له بالتراث الاسلامي؟ ام انها جاءت لتكمل او توضح وجودها الاصيل داخل التراث الاسلامي من خلال القصص القرانية. ان عملية الغربلة والتمحيص ستكون حتما شاقة على الباحثين الاكاديميين.
الجزء الثالث - (التدوين باللغة العربية)
بدأ التدوين باللغة العربية لاول مرة في بداية القرن الثالث الهجري مع توفر الورق والأحبار واستقرار رسم الخط والتنقيط. عموما و بدون ادنى شك، فان القران دُوّن منذ عهد الرسول وهو الذي كان حريصا اشد الحرص على جمعه وترتيبه بدلالة وجود مصحف علي ومصحف فاطمة مع الحواشي التي تضمنت تفسيرات معينة له وهما لا يختلفان عن المصحف المتداول بين الدفتين بدلالة الدراسات المستفيضة في هذا الموضوع. هذا اللمحة التاريخية السريعة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان الرسول قد اتقن القراءة والكتابة طوال فترة التنزيل.
اما الرسم القراني للخط العربي فقد تطور بدلالة اضافة الامام علي صيغة التنقيط لضبط الحروف المرسومة ومخارجها اللفظية، ويذكر التاريخ لنا اللغوي ابو الاسود الدُؤلي كشخصية رائدة في هذا المجال. من المؤكد أيضا فان توثيق القران جاء عن طريق مناقلة الصيغة المسموعة والمحفوظة في عقول وصدور جيل المعاصرين لحياة الرسول و ما بعدهم مقرونا بالتدوين والمخطوطات المحدودة لصعوبة الحصول على الرقاق والاحبار. يعود الرسم القرآني الى عثمان الخطاط في الدولة العثمانية قبل حوالي مائتي عام ولا علاقة له بالخليفة الثالث عثمان بن عفان، لذلك لا ادرك دوافع تقديس هذا الرسم دون سواه.
فيما يخص العقائد والعلوم الأخرى فان كتب ما قبل عهد الإسلام في مناطق الجزيرة والشام كانت مخطوطة باللغة السريانية واليونانية. بالمجمل كان هناك تدوين محدود لشعر المعلقات حصرا باللغة العربية كما وردنا عن المؤرخين ومنها القصيدة المشهورة لزهير بن ابي سُلمى. من الاكتشافات المهمة هي حادثة كشف رقاع القران(جمع رقعة) في جدران ودعامات الجامع الكبير في صنعاء علم ١٩٧٢ والتي يعود تاريخها بين ١٠٠ الى ٢٠٠ عام للهجرة وتتميز القديمة منها بعدم التنقيط بينما تطور شكل الحرف العربي ونُقّط في النسخ المتأخرة. هذا الكشف التاريخي يؤكد تطور رسم الخط من النبطي (المتصل بالآرامية) الى الحجازي ومن ثم الى النُسُخ.
يقول المؤرخون ان السيد المسيح كان يتكلم ويبشّر باللغة الآرامية, اما اللغة السريانية فهي تعّرف كلغة لاحقة او امتداد للغة الآرامية ولكن بلهجة اخرى. يقول المؤرخون أيضا ان العرب ذُكروا لاول مرة قرابة ألف عام قبل الميلاد على مدونات بابلية مع ترجيح تخاطبهم فيما بينهم بمفردات عربية معينة. من الانصاف ان نذكر ان هناك من يعتقد ان العرب تعود اصولهم الى بابل وليس اليمن وقد توجد مسوغات تاريخية لذلك. يعتبر كتاب الموطّأ للحديث النبوي والذي ألفه الامام مالك بن انس ووصلنا بأربع نسخ غير متطابقة، من أوائل الكتب العربية المدونة في حينها بما يشير الى اتساع الفجوة الفكرية بين السلف في المناقلة والتوثيق.
الجزء الرابع - (مصطلح صحابة الرسول مقابل تعريف المهاجرين والأنصار)
اطلق معاوية بن ابي سفيان هذا المصطلح لاول مرة في مراسلاته مع الامام علي قبل وقوع معركة صفين وذلك عندما احتج عليه الامام علي ببيعة المهاجرين والانصار له والاصطفاف مع جيشه، فرد عليه معاوية بوجود افراد من صحابة الرسول في جيشه. تعريف معاوية يجري على كل من جالس او مشى او التقى مع الرسول ولو لفترة قصيرة وهو تعريف لا يضيف اي فضل او منزلة للمُجالس او المُرافق في حِلٍّ او تِرحال، بدليل وجود المنافقين الذين كانوا يشاركون الرسول تفاصيل حياته اليومية ويخططون لافشال دعواته الإصلاحية كما اكده القران في مواضع متعددة. من جهة اخرى فان تقاتُل نفرٌ من الصحابة مع بعضهم البعض لمصالح دنيوية ضيقة تتعلق بالسلطة والجاه بعد وفاة الرسول يؤكد عدم جدوى هذه المنزلة او هذا الفضل على وجه الاطلاق. بالرغم من هذا التاريخ الدموي فان هؤلاء "الصحابة" كان لهم دور كبير في ايصال الدين الاسلامي الى مناطق جغرافية بعيدة وشاسعة ضمن دوافعهم المشروعة وغير المشروعة. كمبدأ عام فان الأصل في فضل المعاصرين لعهد الرسول يكمن باقرار الإيمان و مصاديقه المشهودة على المستويين الشخصي والعام لغاية نهاية مسيرة حياة كل فرد منهم.
الجزء الخامس - (هل يجوز الخلط بين التاريخ وأدواته وبين العقيدة ودلائلها؟)
دوّن المؤرخ سليم حسن تاريخ مصر في ١٦ جزء في ١٩ مجلد ابتداءا من اول شاهد تاريخي للملك مينا والذي وحد قطري الشمال والجنوب حوالي ٤٣٠٠ عام قبل الميلاد، ولم يذكر في هذا التاريخ المسجل اثارا للنبي موسى. بغض النظر عن الحضارة المصرية، فمن المؤكد ان الأنبياء الذين بُعثوا لمجتمعات بشرية محددة كانوا قد استهدفوا النظام العام للمجتمع بما يخص مصطلح "الانضباط الشخصي" ومصطلح "العقل الجمعي" والذي يفترض مطابقتهما للاخلاق الانسانية. في كل من هذه البعثات الإصلاحية، كانت دعوة النبي تُقابل برفض ومعارضة أهل الحل والعقد في قمة هرم السلطة بينما تساندها شريحة ضئيلة وضعيفة من المجتمع وهي تمثل الهامش المنسي والصامت منه، لذلك غابت هذه الدعوات عن الحضور في الشواهد التاريخية المدونة او المشيدة من قبل اصحاب السلطة والنفوذ لان التاريخ يُكتب حصرا بواسطة القوي او المنتصر وليست هناك حضارة تدوّن أُفولها او تسجل انتكاساتها. الحقيقة التي تطرح نفسها هي هل ان الاثار المصرية المكتشفة في عصرنا الراهن تمثل القصة الكاملة للفصول التاريخية الواقعية ام اننا امام اكتشاف المزيد. حسب اعتقادي لا يستطيع اي باحث تاريخي ان يفصل او يعزل بين دوافع العقيدة وحركة الاحداث لذلك تكشف الاثار التاريخية الشكل العام للعقيدة في ذلك الزمن.
الجزء السادس - (مفهوما الوحي والتنزيل)
يمثل التعريف الأول مفهوما عاما بينما يمثل التعريف الثاني مفهوما قرآنيا وإسلاميا. قالت اليهودية ان عزرا الكاتب (وهو حبر من أحبار اليهود) قد دوّن التوراة بوحي و تسديد من روح مقداش (روح القدس بالتسمية الإسلامية) وهو الأسفار الخمسة المختصة بالنبي موسى حوالي ٥٠٠ عام قبل الميلاد لذلك لا ينطبق مفهوم التحريف او التزييف لنص غير منزّل (بالنسبة للنسخة الأصلية) . قالت النصرانية ان الأناجيل الأربعة متى، و مرقس، ولوقا، و يوحنا (بضمنها سفر الرؤيا الأخير) قد كتبت بوحي وتسديد من روح القّدوس (روح القدس بالتسمية الإسلامية) من قبل اربع تلاميذ للسيد المسيح لذلك لا ينطبق مفهوم التحريف او التزييف لنص غير منزّل كذلك (بالنسبة للنسخة الأصلية). اذا سلمنا بان العهد القديم والعهد الجديد من الكتاب المقدس جاءا بطريق الوحي فان تفسير (مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) يتعلق بتبديل مواضع الأحكام ضمن وحي وليس بتبديل نص منزّل.
ان رواية قصص الأولين وتشريعات العبادات والمعاملات بلسان إنسان لم يتقن القراءة والكتابة (كما ادعى المؤرخون) في الجزيرة العربية ولم يتحدث باللغة الكنعانية او العبرية او الآرامية او السريانية او اليونانية لقراءة كتبها ولم يُعرف له اي تقارب او وُد مع يهود الجزيرة العربية ليُلقّن باسرائيليات معينة، ينسجم وينطبق عقليا مع مفهوم التنزيل من الخارج بدون وجود معلّم معاصر من البشر.
في تاريخ اللغات استعملت اللغة العبرية حوالي ١٠٠٠ عام قبل الميلاد كامتداد للغة الكنعانيين (ضمن عائلة اللغات السامية) وهم الذين استوطنوا فلسطين قبل العبرانيين ثم اضمحلت اللغة العبرية القديمة لتحل محلها اللغة الآرامية حوالي ٥٠٠ عام قبل الميلاد اثر السبي البابلي. من المرجح ان الأسفار الخمسة للتوراة كتبت لاول مرة باللغة العبرية القديمة
الجزء السابع - (هل يجوز تقديس القديم والموروث؟)
ان شهادة محمد بن جرير الطبري في كتابه جامع البيان في تأويل القران كأول تفسير بقولته الشهيرة (إنما نُؤدي ما أُدِّيَ إلينا)، تشير الى عدم يقينه بكل ما نُقل اليه من الموروث الديني ولتبرئة نفسها من الاخطاء والتناقضات. اضافة الى أعلاه، ليس هناك اي منطق عقلي لمفهوم "اجمع العلماء على كذا وكذا ...." لان المكتبة العربية في القرون الهجرية الخمسة الأولى لم تنشر دراسات مقارنة بين المذاهب الفلسفية والفكرية وإنما كانت الإصدارات تمثل علماء مستقلين بافكارهم حتى تم تكفير وقتل قسم كبير منهم باسلوب متوحش.
من المفيد ايراد مقالة لعلاء بن النفيس وهو طبيب دمشقي ولكنه عاش في مصر حيث أسس مستشفى الرمد قبل حوالي ٨٠٠ عاما خلت، حيث يقول فيها:
(وربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولاً عن المشهور والمتعارف ، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده ، فلا يبادرنّ بالإنكار ، فذلك طيش ، فرُبَّ شنعٌ حق ومألوفٌ محمودٌ كاذب ، والحق حقٌ في نفسه ، لا لقول الناس له ، ولنذكر دومًا قولهم: إذا تساوت الأذهان والهمم ، فمتأخرُ كل صنعةٍ خيرٌ من متقدمها). ان تقديس الموروث قد جلب الكثير من المآزق التاريخية وأدّى الى تشويه او تجميل شخصيات معينة بدون وجه حق وحرّف تعريف الاخلاق العامة في العصور السالفة وجعل القيم العقائدية في وادٍ مستقل عن القيم الانسانية حتى استدرك المفكر الاسلامي السيد كمال الحيدري ليقول (اذا تعارضت قيم العقيدة مع قيم الانسانية فعليكم بترجيح الثانية على الاولى). هذا التصريح بعينه يشير بوضوح الى أزمة "مزاوجة العقيدة مع فطرة الانسان" بما ينقح التاريخ المكتوب من التكييف الاخلاقي غير المبرر لمفاسد اقوال وافعال بعض السلف.
الجزء الثامن - (الفتوحات قبالة الغزوات)
تضمنت كتب الصّحاح مبادئ واحكام مخالفة للآيات المُحكمات في القران، كما تعرضت للأسف الى شخص الرسول بإساءات لا تتناسب مع شخصيته كمصلح عظيم أعاد صياغة العقل الجمعي واستبدل الروابط القبلية والطبقية المتحجرة بأواصر فكرية واخلاقية جديدة في ذلك العصر. اود ان اشير الى ان اعادة "تشكيل العقل الجمعي" يعني بالضرورة هدم اركان سلوك القطيع من العامة لصالح فكر اصلاحي برؤية مستحدثة. من المخالفات المشهورة في كتب الصحاح، ورود إشارات عن جواز إنزال العقوبة الفردية والجماعية بسبب اعتناق فكر معين، بينما تتناقض هذه الإشارات مع حرية الإنسان في اختيار فكره وعقيدته وحصر العقوبة مقابل الفعل والعمل اللذان يهدّدان السِلم المجتمعي والحقوق الفردية كما نص عليه القران في اياته المُحكمات.
ان فهم التراث الإسلامي تحديدا ضمن أدوات العقل سيسلط الضوء على الفتوحات وشرعيتها. جرت العادة في كل حملة عسكرية تاريخية ان يطلق الطرف المنتصر تعبير الفتح عليها بينما يستخدم الطرف المهزوم تعبير الغزوة، لذلك يتوجب علينا تشخيص دعوة الإصلاح لاستبدال الظلم بالعدل ودعوة استرداد الحقوق التاريخية المسلوبة لشرعنة تعبير الفتح. اذا كانت الحملة العسكرية تتضمن استلاب حقوق الآخرين الفكرية والعينية مقابل وجود عقد اجتماعي مسبق لاحلال السلام وتأدية شروطه، فأقرب تعبير لها سيكون غزوة. يتبين لنا وبالاستناد الى آيات القران المحكمات ان اي حملة عسكرية لا تتضمن شروط إقامة الحجة الشرعية على الطرف المقابل لا يمكن ان تصنف كفتح إسلامي. ان اقامة حجة على شعب معين لتبرير استلاب حقوقه في الحرية والكرامة والسلام قد تكون مهمة شبه مستحيلة.
الجزء التاسع - (أمثلة للحملات العسكرية)
عند دخول عمرو بن العاص مصر استسلم المقوقس (يعني القوقازي) وانسحب مع جيشه عبر البحر بعد قتال محدود وباتفاقية استسلام وبقيت مصر على الديانة المسيحية (القبطية) في الإسكندرية وضواحيها والديانة الوثنية في جنوب القاهرة الحالية حتى القرن الرابع الهجري. لقد أسس عمرو بن العاص الفسطاط (وهو معسكر للجيش الإسلامي) وكان يستوفي الخراج الجزية لغرض توفير الحماية. فتح بن العاص الإسكندرية مرتين كعاصمة مصر وكان قد دخل البلاد تعقبا لقائد بيزنطي التجا اليها وقد كان بن العاص على راس جيش من ٣٥٠٠ - ٤٠٠٠ جلّهم من قبيلة "عك" اليمنية. وحسب المراسلات بينه وبين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فان الأخير نصحه بعقد تحالف مع القبائل العربية المستوطنة هناك (وهذا ما اكدته الكتابات اليونانية في القرن الخامس الميلادي) على أساس قومي وعروبي وليس ديني أو عقائدي. احدى برديات المخطوطات تظهر الخليفة الثاني يخاطب بن العاص ب (الى العاصي بن العاص - بما يشير الى امتعاض وغضب الخليفة منه) يدعي المؤرخون ان جيش بن العاص فقد ٢١ مقاتل فقط (اذا صح هذا الرقم) بما يشير الى محدودية القتال ودخول المقوقس في اتفاقية استسلام وعلى اثرها غادر جيش الاخير عبر البحر في حملة سميت في الذاكرة الشعبية (المركِب اللي توَدّي).
دخلت مصر الديانة الإسلامية بداية القرن الرابع الهجري وبدأ المصريون يتكلمون اللغة العربية مع بداية الدولة الفاطمية. يعزى لفظ جيم باللفظ گيم وكلمة "عَكّيت" نسبة الى قبيلة "عك" واستعمال "إم" التعريفية اليمنية(مثل إمبابة و إمبارح) بدل "أل" التعريفية القرشية الى هذا الأصل اليمني. هذه المرويّات تسلط الضوء على حقيقة ان نشر الاسلام لم يكن هدف الحملة العسكرية على مصر بقدر وجود نزعة توسعية لجمع الثروة والاستفادة من الفرص التاريخية المواتية في حينها.
الجزء العاشر - (القراءات القرانية)
لضبط دلالات المعاني فان القران تعبير عما يُقرأ والمصحف (والذي يجمع بين الدفتين صحف مدوّنة على رقاق الجلد المدبوغ ثم انتقلت الى أوراق البردي) تعبير عما يُكتب وقد صرح المؤرخون بثلاث مفارقات تاريخية اولها ان الرسول لم يجمع القران في مصحف واحد وثانيهما ان اول مصحف معروف هو مصحف حفصة بنت عمر وثالثهما ان الخليفة الثالث عثمان بن عفان اتلف كل المصاحف في زمانه وحرر اربع نسخ فقط منها لامصار العراق والشام ومصر مع الاحتفاظ بنسخة واحدة في المدينة المنورة. هذا الادعاء يفتقد الى القرائن العقلية ومنها ان التهاون في عملية جمع وترتيب القران الكريم في صحف مدونة بين دفتين كونه الإعجاز الأبدي للرسالة السماوية لا يتناسب مطلقا مع شخصية الرسول الذي استأمنه خالقه على خاتم الرسائل السماوية. على الجانب الآخر، يقول المؤرخون ان ترتيب السور في القران كان مستندا في مراحل لاحقة على مصحف الامام علي الذي كان يلازم الرسول ملازمة الظل للجسد، فأين هو مكان هذا المصحف في التاريخ ولماذا لم يُستفتى اولاد علي من بعده عن هذا المصحف؟
لايُنكر ان الخليفة الثالث عثمان بن عفان كان محاطا بالمهاجرين والانصار الحفظة للقران الكريم لذلك فان عملية تحرير النسخ الأربعة جاءت نتيجة عمل جماعي متفق عليه بين إعلام ذلك الزمان ويستحق الاشادة به. يورد المؤرخورن ثلاث كتب لذلك "البرهان في علوم القران" للزركشي و "الاتقان في علوم القران" للسيوطي (مصري متوفي عام ٩١١ هجرية) و "تاريخ القران" للألماني ثيودور نولدكه صدر عام ١٩٠٠ قرابة الف صفحة. يظهر جليا مما ذكر، ان ازاحة فضل جمع القران الحالي من الرسول الى اصحاب الرسول اللاحقين يدخل المؤرخين في مأزقين اولهما عدم اهتمام الرسول بختم الصياغة النهائية للقران في حياته وهذا ما يتناقض مع شخصيته الحريصة وثانيهما اعطاء اصحاب الرسول من بعده منزلة قدسية كونهم حملة امانة الصياغة النهائية للقران وهذا ما يتقاطع حتما مع سلوك البعض منهم في تصفية الحسابات الدنيوية.
الخاتمة:
هذه السطور المختصرة لمفاهيم متشابكة بين العقيدة والتاريخ يجب ان تاخذ طريقها الى الابحاث الاكاديمية في اللاهوت والفلسفة لغرض تثبيت القيم الانسانية ازاء العقيدة وتحرير العقل البشري من تقديس كل ما هو موروث والبحث عن مصاديق الاخلاق في التاريخ قبل عناوينها. اذا كان واضعوا صحاح السنة قد اسقطوا الاف المرويّات كونها غير مطابقة لعقولهم في ذلك الزمان، فما أحرانا ان نتبع سنتهم في تمحيص ذات الروايات الواردة في صحاحهم، لان العقل البشري غير معصوم عن الخطأ او الزلل بل هو يحاكي في جانب منه المحيط الاجتماعي والفكري في ذلك العصر، بما يرجّح الاخذ بشروط عصرنا الذي نعيشه وفكرنا الذي نستوعبه في اجراء المحاكمة العقلية المطلوبة لتاريخ العقيدة والشريعة.



#همام_الشريفي (هاشتاغ)       Humam_Al-sharifi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحاكمة العقلية لتاريخ العقيدة والشريعة


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - همام الشريفي - المحاكمة العقلية لتاريخ العقيدة والشريعة