|
براميل من بارود ..
روني علي
الحوار المتمدن-العدد: 1673 - 2006 / 9 / 14 - 00:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك أن الذي يمتلك إرادة الفعل في واقعنا، والغيور على مستقبل الإنسانية، حين يقف أمام الحقيقة وجهاً لوجه، ويمعن في تفاصيل التاريخ، وتراجيديا الفعل السياسي المتوارث وفق مشيئة القوة وسطوة القرار، وهذه الكوارث التي لحقت بشعوبنا، في هذه الرقعة التي ننتمي إليها بطقوسها وثقافاتها، وكذلك الأصول المعرفية والثقافية المتراكمة فيها، وما يجري الآن من قتل ودمار، بالترافق مع اتساع ظاهرة الإرهاب وإباحة دم المخالف أو المختلف، لا بد وأن ينحاز إلى موقف ما، يختاره وفق سياقات البيئة السياسية والفكرية التي تحتضنه، وكذلك المصالح والمنابع الثقافية التي تغذي المناخات التي تساهم في بلورة شخصيته، أو أن يميط اللثام عن العنة التي لحقت بكيانه كإنسان أولاً، وكعنصر في المجتمع له رسالته، والواجب الأخلاقي الذي يحرضه على أداء دوره تجاه البشرية عموماً وبني ملته خصوصاً، ضمن استحقاقات المستقبل ثانياً، وبالتالي إعماله لملكاته العقلية في تفسير الواقع وتحليل الأمور، كي يصل إلى نوع من استنباط الحلول، أو حتى أنصاف الحلول، في وقت أصبحت فيها الأنصاف والأجزاء تتداخل وتتفاعل، بحكم أن الحلول الجذرية ما زالت بعيدة عن المنطق السائد والذهنية المتحكمة بمقاليد الأمور، وإن كان يدرك جيداً حجم الفاتورة، أو ضريبة الخروج عن الصمت، في دائرة بات الصمت فيه انتحاراً والخروج عليه انتحاراً، كون الأول يجسد العدمية ويحول الإنسان من كائن فاعل إلى ما يشبه الدمى، والثاني يحيله إلى واجهة المواجهة في وجه ثقافة الاقصاء وأنظمة القمع والاستبداد، بمعنى آخر، الدخول في مواجهات مع ما يمكن أن نسيمها بالمقدسات الموروثة .. ومع كل هذا وذاك، ولكون التاريخ لا يرحم السكون، والمستقبل لا بد وأن يقيم الدور والفعل، فلا بد من استنطاق الوقائع والدخول في عوالم المستقبل وفق آليات ورؤى، تهدف الخروج من رحم الجبن وعنق زجاجة الواقع، المفروض بالأمر والقرار، وذلك بغية التأسيس لعالم تنتفي بداخله أشكال الخوف وأهواله، ويعيش الجيل والأجيال اللاحقة حالة من الاستقرار النفسي، بعيداً عن كل حالات الخطر التي تداهم الآمال لحظة بعد لحظة .. إن الوصول إلى حالة التوازن، وكذلك الاستقرار النفسي والفكري، لا بد وأن يستند إلى نوع من محاكاة الحقائق، والوقوف على سياقات التاريخ التي أفرزت النموذج السائد في التعامل والتعاطي مع استحقاقات المستقبل، وبالتالي التخلي عن تقمص دور النعامة في رصد المعطيات والتجاوب مع الحلول، كون المرحلة وبحكم تطوراتها في كافة المجالات، قد أزاح القناع عن كل كبيرة وصغيرة، وعن ما نسيمه بالأسرار أو التكتيكات، أو ما نحاول إخفاؤه والسكوت أو التستر عليه، ولذلك فإن المطلوب من أجل مستقبل يمتلك القدرة على بناء ذاته وفق روح العصر ومفاهيمه، هو التصدي لمجمل الأزمات والمشاكل العالقة وفق خيارات تجسد طموحات الشعوب والأفراد، وتعزز من روح التفاعل والتعاضد بين أبناء المنطقة عموماً .. ووفق ما نرصده من معطيات سياسية، وما تدفعها شعوب المنطقة من فواتير باهظة الثمن، نرى أننا ما زلنا أسيري سياسات لم تتجاوز بعد حدود ما هو مرسوم أو مقولب بحكم الذهنيات المتوارثة، وبالتالي فإن مجمل التخبطات الحاصلة في المعادلة السياسية وأشكال التعاطي مع الاستحقاقات، تعود بمردها إلى الخيارات التي نستند إليها في طرحنا للحلول، وتجاوبنا مع هذه الحلول، لأن المنطق الذي نعتمده هو منطق الرهان على توازنات لا حيلة لنا بها، ولا دور لنا فيها، ولا قوة نمتلك كي نحتل موقعاً فيها، وبالتالي فإن دورنا محصور في التصارع حول النتائج، والدخول في المعادلة من منطلق ما يستجد من نتائج، دون أن نعيد قراءة التاريخ أو نتلمس الحقائق والوقائع التي أفرزت وأنتجت معالم الخريطة الجيوسياسية في المنطقة، وبالتالي امتلاك الرؤية والقدرة على التقرب من ملامسة الأسباب التي تفضي إلى ما نحصدها من نتائج كارثية سواء بحق الشعوب أو بحق الأفراد، وكذلك بحق التاريخ والمستقبل .. فما تشهدها المنطقة من قتل ودمار، وما تتمخض عن الصراعات من فعل وردود فعل، ومن اتساع رقعة التناحر والاحتراب، واحتضان قوى الشر والإرهاب، ما هي إلا نتيجة طبيعية للذهنية التي طمست معالم الحراك المجتمعي، وعاشت في سراب الانتصارات الوهمية، وهي تصارع الهزيمة حيناً بعد آخر، بل ما زالت غافلة عن حركة التاريخ وماضيةً في غيها، كونها تستفيد من بعض التناقضات التي تحصل بين المشاريع وأشباه المشاريع، سواء الدولية منها أو الإقليمية، وترتكن إلى الصمت الذي تعيشه الجماهير في مواجهة القمع والاستبداد، مع أن الدلائل وآفاق المستقبل توحي بأن ما هو قادم قد يحول المنطقة إلى ساحة مفتوحة أمام احتقانات أكثر حدية وأكثر دموية إذا ما سارت الأمور على المنوال ذاته في تعاطي مراكز القرار السلطوي في المنطقة مع الحقائق، وفقاً لما تفرزها من نتائج ودون الدخول في الأسباب .. إن كل قضية مفتوحة، وكل حدث أو صراع يظهر على السطح، لا بد وأن لها جذورها التاريخية، وإن كان هناك من الأحداث ما تتولد في أحشائها أو تحتضنها، لأن قضايا المنطقة، سواء الأساسية منها أو الثانوية، باتت معروفة لدى العامة، كونها مطروحة منذ عقود من الزمن، وأن آلية التعامل مع استحقاقاتها كما هي عليها، لا بد وأن تدفع بالمنطقة إلى المزيد من الهلاك كما أسلفنا، فالقضية الفلسطينية أو القضية الكردية أو قضية الصراع العربي الإسرائيلي، أو ما تفرزها هذه القضايا من محاور سياسية، إقليمية منها أو دولية، لا يمكن التعامل معها وفق آليات الطمس والتجاهل، بل لا بد من مواجهتها والتصدي لها، كون تفاعل الأحداث وتداخلها، تؤكد لنا بأن المنطقة قائمة على براميل من بارود، وما نشهده من بعض الجوانب في الصراع ما هي إلا شرارات لا أكثر، وإذا كان الهاجس هو إبعاد شبح الخوف والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، فإن المطلوب هو قراءة تاريخ المنطقة من جديد، وإعادة النظر في مجمل القضايا العالقة، ووضعها على طاولة الحوار والمعالجة بعيداً عن المورث الثقافي الذي أباح الدم وشرعن للقمع والاستبداد ..
#روني_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
..بين الاقصاء والانفتاح
-
على مقربة من خطوط التماس
-
كل التضامن مع الأستاذ محمد الغانم .. الإنسان
-
إعلان دمشق .. والموقف الكردي
-
القضية الكردية في أجندة دعاة الديمقراطية .. - قراءة هادئة في
...
-
الديمقراطية .. - ما لها وما عليها
-
المرجعية الكردية في سوريا .. بين الرغبة والواقع
-
!الحزب ( السياسي ) الكردي بين حكايا الليل وإملاءات النهار ..
...
-
« البعض الكردي » .. إلى متى ..؟
-
هل من قراءة جديدة للوحة الكردية ..؟
-
العراق .. بين الفكر السلفي والرؤية الواقعية
-
ماذا تحمل الرياح العاتية من لبنان ..؟؟ المؤتمر القطري خطوة أ
...
-
دعاة الديمقراطية .. وحوانيت السياسة
-
هل سيستمر شهر العسل ( السياسي ) الكردي ..؟ (3) .. الصراع على
...
-
هل سيستمر شهر العسل ( السياسي ) الكردي ..؟ تحية إلى ذكرى آذا
...
-
أين تكمن حرية المرأة ..
-
خوف الضعفاء من وهج الحقيقة .. - إلى الصديق إبراهيم اليوسف
-
ها قد عاد شباط … زغردي يا هولير
-
نحن (الكل) .. إلى أين ..؟.
-
فوق أراجيح الوطن
المزيد.....
-
نائب ترامب يثير احتجاجات السكان المحليين بعد زيارته لهذه الق
...
-
بوتين يشيد بترامب لـ-جهوده الصادقة- لإنهاء الحرب.. شاهد ما ق
...
-
الأردن.. حقيبة الأميرة رجوة ومدى اناقتها باستقبال طلاب متوفق
...
-
الأنظار تتجه نحو قمة ألاسكا: هل سيختار ترامب مواجهة بوتين بح
...
-
قبيل قمة ألاسكا المرتقبة... ترامب يؤكد أن بوتين -لن يتمكن من
...
-
الجزيرة نت تعرض كل ما يتعلق بقمة ترامب وبوتين في ألاسكا
-
غارات عنيفة على مدينة غزة والاحتلال ينسف منازل بخان يونس
-
المقاتلة الشبح -قآن-.. درع تركيا لتقليص الاعتماد على السلاح
...
-
-كنياز بوجارسكي- غواصة روسية نووية باليستية
-
السعودية.. فيديو رد فعل مواطن اكتشف انه يتكلم مع وزير السياح
...
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|