أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد زكريا توفيق - زقاق المدق لنجيب محفوظ















المزيد.....


زقاق المدق لنجيب محفوظ


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 7229 - 2022 / 4 / 25 - 23:44
المحور: الادب والفن
    


من هو نجيب محفوظ؟
نجيب محفوظ، هو واحد من أشهر الروائيين العرب. يهتم عمله في الغالب ببلده الأصلي مصر، ويغطي مساحة واسعة من القضايا، بخصوص حياة الطبقة الوسطى والطبقة الدنيا. له روايات أخرى عن التاريخ المصري القديم.

ولد في القاهرة عام 1911، وهو الأصغر من بين سبعة أطفال. كان الدين مهما جدا في عائلته، التي عاشت في قسم الجمالية في القاهرة، حيث يقع زقاق المدق. بدأ محفوظ الكتابة في سن 17 عاما. تأثر بشدة بالثورة المصرية عام 1919، مما دفعه إلى تبني المثل الوطنية الموجودة في الكثير من أعماله.

بدأ تعليمه في كتّاب. خلال دراسته الابتدائية والثانوية، أصبح مفتونا بالأدب العربي الكلاسيكي. ومع ذلك، كان تأثيره الأول هو حافظ نجيب، وهو كاتب روايات بوليسية بدأ قراءتها في سن 10 سنوات، بناء على نصيحة من زميل له في المدرسة الابتدائية. في الكلية، تعرف محفوظ على أعمال سلامة موسى، التي يقول محفوظ إنه تعلم منها "الإيمان بالعلم والاشتراكية والتسامح".

كما أعطى سلامة موسى محفوظ دفعة كبيرة له، عندما نشر أول رواية لمحفوظ، بصفته رئيس تحرير مجلة "المجلة الجديدة". تأثر محفوظ بنفس القدر بعدد من الكتاب الغربيين بما في ذلك فلوبير وزولا وكامو ودوستويفسكي، وخاصة بروست. كما أنه تأثر بكتاب عرب آخرين مثل طه حسين ومحمد حسين هيكل وإبراهيم المازني، الذين تعلم منهم فن القصة القصيرة.

في الكلية في جامعة القاهرة، درس محفوظ الفلسفة، لا الأدب، مما ألهمه بكتابة عدد لا يحصى من المقالات غير القصصية لمختلف المجلات والصحف. ثم بدأ الدراسة للحصول على درجة الماجستير في الفلسفة، لكنه تخلى عنها في نهاية المطاف للتركيز على الكتابة. بالإضافة إلى عمله ككاتب، كان لمحفوظ نشاط سياسي متزامن، وعمل في العديد من وزارات الحكومة المصرية.

كان يعمل خلال النهار ويكتب أثناء الليل. نشر أكثر من 30 رواية وأكثر من 100 قصة قصيرة في 13 مجموعة قصصية، فضلا عن حوالي 200 مقالة. كان أيضا كاتب سيناريو، يستكمل دخله بكتابة سيناريوهات للشاشة.

تم تحويل رواياته إلى ما لا يقل عن 30 فيلما باللغة العربية، ومسلسلات تليفزيونية، وأعمال مسرحية. منها خان الخليلي والحرافيش واللص والكلاب وثرثرة فوق النيل والثلاثية والسرداب والسمان والخريف وميرامار وغيرها.

كل هذا جعل نتاجه الأدبي مادة غنية للبحوث والدراسات المتنوعة، صدرت على شكل كتب وأعداد متزايدة من دراسات الدكتوراه والماجستير، وعدد وافر من المقالات في المجلات الأدبية والاكاديمية بعدة لغات.

بعد الحرب العالمية الثانية، سببت له أفكاره الاشتراكية تشاؤما عميقا. لم يستطع تحمل التغيير السياسي خلال هذه الفترة، وقام بالانخراط في مناقشات طويلة ونقدية حول معنى الحياة مع زملائه الكتاب، عادل كامل وأحمد زكي مخلوف.

بالرغم من أن محفوظ كان معروفا في العالم العربي، إلا أنه لم يبن سمعته في مصر إلا بعد كتابته "الثلاثية" عام 1957. التي تمحورت حول الحياة في القاهرة للطبقة المتوسطة بين الحربين العالميتين، وترجمت إلى العديد من اللغات المختلفة. باعت الثلاثية أكثر من 250,000 نسخة. ووضعت الأساس لشهرة محفوظ الدولية، التي بلغت ذروتها بحصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1988.

في عام 1972، عن عمر يناهز 60 عاما، تقاعد محفوظ من الوظيفة الحكومية، لكنه استمر في الكتابة. فاز بجائزة الدولة المصرية مرتين، وانتخب عضوا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم عام 2002. على الرغم من نجاحه المالي، استمر في العيش في شقة متواضعة مع عائلته بقية حياته.

كانت حياة محفوظ الخاصة هادئة في الغالب. لم يتزوج حتى سن 43. عاش هو وزوجته عطية وابنتاهما، فاطمة وأم كلثوم، في العجوزة، إحدى ضواحي القاهرة. ترك مصر ثلاث مرات فقط في حياته. استمر محفوظ في الكتابة حتى وفاته عن عمر يناهز 94 عاما عام 2006.

في حين أن الدين هو موضوع مركزي في أعمال محفوظ، إلا أنه اشتهر أيضا بنظرته الفلسفية التي غالبا ما أغضبت الأصوليين. في عام 1994، في أعقاب التهديد بالقتل الذي تعرض له سلمان رشدي، وصدور روايته "أولاد حارتنا"، طعن متعصب ديني محفوظ في رقبته خارج شقته.

نجا محفوظ من الموت بأعجوبة، لكن الإصابات منعته من الكتابة لأكثر من نصف ساعة يوميا على الأكثر. خلال فترة شفائه، كتب العديد من القصص القصيرة بناء على أفكاره. لا يتعرض فيها للشأن العام.

قالت مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" ذات مرة إن نجيب محفوظ لم يكن فقط "هوجو وديكنز، بل كان أيضا مان وزولا وجول رومان". وقال الكاتب المصري علاء الأسواني إن محفوظ هو "مؤسس الرواية العربية الجديدة، لقد فتح الأبواب أمام خمسة أجيال من الروائيين العرب. إنه والدنا".

رواية زقاق المدق:
نشرت رواية زقاق المدق في مصر عام 1947. تدور أحداث الرواية في حي الجمالية في القاهرة، حيث عاش نجيب محفوظ وعائلته في السنوات الأولى من حياته. ظلت واحدة من أشهر أعماله، وكانت من أوائل رواياته التي تبين بالتفصيل نمط حياة الطبقة الدنيا في القاهرة. تتميز رواية "زقاق المدق" بسرد يتتبع حياة كل أفراد مجموعة السكان، بدلا من حياة بطل واحد.

تبدأ الرواية بوصف الزقاق هكذا:
«تنطلق شواهد كثيرة بأن زقاق المدق كان من تحف العهود الغابرة، وأنه تألق يوما في تاريخ القاهرة المعزية كالكوكب الدري. أي قاهرة أعني؟ الفاطمية؟ المماليك؟ السلاطين؟ علم ذلك عند الله وعند علماء الآثار».

"زقاق المدق يحمل بين جوانبه نكهة الأحياء القديمة بما فيها من أرابيسك، وبما فيها من حياة اجتماعية مغرقة بالبساطة. لينتهي سريعا كما انتهى مجده ببيتين متلاصقين عند باب، يوصله بحي الصنادقية. ومن جانب آخر، ينتهي الزقاق ليتصل بالحوذية ثم إلى الحلمية".

"ولا تستغرب إذا انتهى إلى سمعك صوت عال مثل: اصح يا عم كامل واغلق الدكان، غير يا سنقر ماء الجوزة، أطفئ الفرن يا جعدة، الفص كبس على قلبي.."

"فعم كامل بائع البسبوسة يقتعد كرسيا على عتبة دكانه، ويغط في نومه «والمنشة» في حجره، لا يصحو إلا إذا ناداه زبون، أو داعبه عباس الحلو. وعم كامل كتلة بشرية جسيمة، ينحسر جلبابه عن ساقين كقربتين، وتتدلى خلفه عجيزة كالقبة، مركزها على الكرسي ومحيطها في الهواء، ذو بطن كالبرميل وصدر يكاد يتكور ثدياه، لا ترى له رقبة فبين الكتفين وجه مستدير منتفخ محتقن بالدم.."


رواية "زقاق المدق"، هي أول رواية لمحفوظ تترجم إلى لغات أخرى، تبعتها باقي رواياته. فقد ظهرت رواية الزقاق في أكثر من 30 طبعة أجنبية، ب 15 لغة. في مقابلة عام 1992 مع مجلة باريس ريفيو، قال محفوظ إن الذي قام بنشر الترجمة أول مرة، هو لبناني يدعى خياط.

لم يحصل محفوظ ولا المترجم على أي أجر منه، لأن الناشر خدعهما. ثم قامت بنشر الرواية، مترجمة مرة أخرى للإنجليزية، مؤسسة هاينمان عام 1970. بعد ذلك، تمت ترجمتها إلى الفرنسية، وسرعان ما تبعتها ترجمات لأعمال محفوظ الأخرى.

في المقابلة نفسها، قال محفوظ إنه فوجئ عندما ادعى النقاد أن شخصية حميدة كانت رمزا لمصر. بالرغم من أنه لم يكن ينوي أن تكون رمزا صريحا، إلا أنه أدرك لاحقا العلاقة، التي جاءت من عقله الباطن دون وعي، عندما تخيل رحلة حميدة في حياتها البائسة.

في عام 1963، صدر فيلم زقاق المدق بطولة شادية وإخراج حسن الإمام عن قصة مقتبسة من الرواية، مع تغيير نهايتها لكي تموت فيها بطلتها حميدة، بعكس نهاية الرواية الأصلية، التي يموت فيها عباس حبيب حميدة. حتى يساير الفيلم العرف الذي يقول "الخاطئة يجب أن تموت".

في عام 1994، تم تحويل رواية زقاق المدق إلى فيلم مكسيكي، صدر باسم "زقاق المعجزات"، وبطولة سلمى حايك. نال الفيلم استحسان النقاد في المكسيك، وفاز ب 11 جائزة أرييل، التي تقدمها سنويا الأكاديمية المكسيكية للأفلام. نهاية الفيلم المكسيكي أقرب للرواية من الفيلم المصري.

ملخص رواية زقاق المدق:
تتبع رواية زقاق المدق حياة العديد من الشخصيات التي تعيش في الزقاق. تدور أحداثها عام 1940، خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كان يتمركز الجيش البريطاني في القاهرة.

زقاق المدق هو شارع جانبي فقير في أحد أحياء القاهرة، يتكون من عدد قليل من المتاجر والمنازل. يتجمع العديد من سكان الزقاق الذكور كل ليلة في مقهى المعلم كرشة.

عباس، الحلاق، صديق مقرب جدا من العم كامل، المالك السمين لمحل الحلويات. السيدة سنية عفيفي هي صاحبة بيت قديم، أرملة في منتصف العمر. البيت مكون من ثلاث شقق في زقاق المدق.

واحدة من مستأجريها هي أم حميدة، خاطبة تعيش مع ابنتها بالتبني، حميدة الشابة الجميلة. في أحد الأيام، أبدت السيدة سنية عفيفي لأم حميدة رغبتها في الزواج مرة أخرى، وطلبت من أم حميدة مساعدتها في العثور على رجل مناسب.

في الوقت نفسه، تشعر حميدة بالإحباط بسبب عدم وجود رجال مناسبين لها في الزقاق يصلحون للزواج. بالرغم من أن عباس كان يحبها بجنون منذ فترة طويلة، إلا أنها تحلم بزوج ثري يمكنه أن ينتشلها من الفقر، ويأخذها بعيدا عن الزقاق الرث.

يحب عباس زقاق المدق، لكن صديقه حسين، ابن المعلم كرشة، يشجعه على الاستفادة من فرص العمل التي وفرتها الحرب. كان حسين يعمل في كامب الجيش البريطاني بالتل الكبير، وقام بإقناع عباس بأنه فقط من خلال تحويش بعض المال، يمكنه كسب قلب حميدة.


نقطة ضعف المعلم كرشة هي شربه للحشيش وشغفه بالعيال، وهي أمور معروفة جيدا لأهل زقاق المدق. كان يتردد مؤخرا على متجر صغير حيث لفت بائع صبي انتباهه. يدعو المعلم كرشة الصبي إلى مقهاه، فتعرف زوجته سلوكه المخزي، لكنها عاجزة عن فعل أي شيء بخصوص هذه المسألة.

يوجد مخبز في زقاق المدق تديره حسنية الفرانة القوية وزوجها الجبان جعدة، الذي تقوم بضربه بالشبشب في النهار، وتخضع له أثناء الليل. إنهما يؤجران مبنى خارجي صغير لرجل يدعى زيطة، وهو صانع عاهات.

إنه يشل المتسولين أو يفقأ عيونهم، حتى يتمكنوا من التسول بشكل أكثر ربحية. الدكتور بوشي، طبيب الأسنان في الزقاق، الذي ليس لديه أي تدريب طبي، لكنه يكسب بسبب انخفاض أسعاره. غالبا ما يعمل مع زيطه من خلال جلب الزبائن له.

سليم علوان، هو رجل أعمال وثري حرب، يدير مشروعا تجاريا في زقاق المدق. عمله مربح، حتى خلال زمن الحرب. ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه يعمل في السوق السوداء. لديه شهية جنسية زائدة، يحافظ عليها من خلال تناول البليلة التي يأكلها كل يوم، والتي تعمل كمنشط جنسي. مع تقدم زوجته في السن وعدم قدرتها على تلبية مطالبه الحميمية، بدأ يشتهي الشابة حميدة.

تقرر زوجة المعلم كرشة مواجهة زوجها بخصوص شذوذه وعلاقته الجديدة بالصبي، فتقوم بينهما معركة رهيبة. في هذه الأثناء، يقرر عباس مقابلة حميدة لكي يعترف لها بمشاعره. بالرغم من رفضها القاسي له، إلا أنها وافقت أخيرا على مضض، عندما أخبرها أنه سيبحث قريبا عن عمل في كامب الجيش البريطاني، لكسب المزيد من المال.

تطلب زوجة المعلم كرشة من رضوان الحسيني، وهو أحد سكان الزقاق المعروف بتقواه وحكمته، المساعدة في وضع زوجها. يوافق الحسيني على التحدث إلى كرشة حول ميوله الشاذة، لكن كرشة يتجاهل تحذيرات الحسيني، بقوله "لكم دينكم ولي دين". شعرت زوجته بالإحباط، ودخلت المقهى في إحدى الليالي وقامت بضرب الصبي الذي يمارس كرشة معه الشذوذ.

بعد إضفاء الطابع الرسمي على خطوبته مع حميدة، يستعد عباس للمغادرة لمدة سنة أو سنتين للعمل في كامب الجيش البريطاني. في الليلة التي سبقت مغادرته، تسمح له حميدة بقبلة الوداع.

في الوقت نفسه، يشعر حسين ابن المعلم كرشة بالغيرة لرؤية صديقه يغادر، بينما هو عالق مرة أخرى في الزقاق. أخبار فضيحة والده الأخيرة هي القشة التي قصمت ظهر البعير، فيقوم حسين بمغادرة منزل والديه والزقاق بعد مشادة عنيفة.

أخيرا تجد أم حميدة رجلا للسيدة سنية عفيفي. اسمه أحمد أفندي طلبه، وهو موظف حكومي يبلغ من العمر 30 عاما. هو أصغر من عروسه ب 10 سنوات. بالرغم من أنه يرفض دفع المهر، إلا أن سنية شعرت بسعادة غامرة بهذا العريس.

بعد ذلك بوقت قصير، يقرر سليم علوان طلب يد حميدة لكي تصبح زوجته الثانية. تشعر حميدة وأمها بالحيرة بسبب خطوبة حميدة لعباس. لكنهما تقرران قبول خطبة علوان وفك الارتباط السابق مع عباس.

لكن لسوء الحظ، عندما تعود أم حميدة إلى سليم علوان لتخبره بالموافقة، تعلم أن الرجل قد عانى من نوبة قلبية مفاجئة. من ثم، لم يعد الزواج ممكنا. وهنا، أدركت حميدة حقيقة مشاعرها. فهي في الواقع، لا تستطيع الزواج من رجل فقير مثل عباس.

إبراهيم فرحات، رجل سياسي، يعقد اجتماعا حاشدا في زقاق المدق. خلال الاحتفال، ترى حميدة رجلا من الطبقة المتوسطة يراقبها عن كثب. تشعر بميل فوري نحوه، لكنها تنزعج عندما يبدأ في زيارة مقهى المعلم كرشة، حتى يتمكن من النظر إلى نافذتها. في نهاية المطاف، يقابلها أثناء سيرها، ويخبرها بأنه يحبها بجنون. وهو الأمر الذي يثيرها ويرعبها في نفس الوقت. تصده، لكنها سرعان ما تبدأ في إعادة النظر في مشاعرها نحو عباس.

تزور سنية عفيفي الدكتور بوشي للحصول على مجموعة جديدة من الأسنان الذهبية، وهي تعلم أن أسعاره هي الأدنى في زقاق المدق. في ذلك الوقت، يتعافى سليم علوان من وعكته الصحية ويعود إلى عمله. لكنه الآن مصاب بالاكتئاب. قلق بصفة دائمة من احتمال وفاته. بات يعتقد أن طلب زواجه من حميدة، كان مجرد فكرة سخيفة.

لدى حميدة أشياء أخرى في ذهنها. خطيبها الجديد هو إبراهيم فرج. يأخذها إلى الجزء الثري من المدينة، حيث يعيش في منزل فاخر. هناك، تحلم بحياة أفضل معه. لكنها سرعان ما تكتشف أنه لا يريد الزواج منها.

إنه يريد إعدادها لكي تكون عاهرة على مستو من الدرجة العالية. بالرغم من رفضها واحتجاجها في بادئ الأمر، إلا أنها تستسلم في نهاية المطاف. فيتم تدريبها على الرقص وتعليمها اللغة الإنجليزية وتسويقها لنفسها.

لقد تطورت وأضحت شخصية جديدة اسمها تيتي. وهو الاسم الذي أطلقه عليها فرج. الرجل الذي ظلت مخدوعة طول الوقت بأنه يحبها.

يعود حسين ابن المعلم كرشة إلى منزل عائلته مع زوجته وصهره. لقد تم تسريحه من معسكر الإنجليز، لأن الحرب قاربت من نهايتها. كان والده غاضبا في البداية لرؤيته، ولكن بمجرد أن يرى صهر حسين الشاب الوسيم وينجذب إليه، يسمح لهم بالبقاء.

في إحدى الليالي، يخبر الدكتور بوشي زيطة عن رجل ذو أسنان ذهبية، توفي مؤخرا. يصبح من الواضح أنهما يقومان بسرقة القبور لجمع الأشياء الثمينة. في محاولة لسرقة القبر، يتم القبض عليهما. عندما ينتشر الخبر عبر زقاق المدق، تنزع السيدة سنية عفيفي أسنانها من فمها ويغمى عليها. لحسن الحظ، زوجها الجديد كان موجودا بجوارها لمساعدتها.

يعود عباس إلى زقاق المدق في إجازة قصيرة من الجيش البريطاني. يتحمل العم كامل مسؤولية إخبار صديقه العزيز باختفاء حميدة المؤسف. يكتئب عباس. وعندما يعلم من بعض أصدقائها خارج الزقاق، أنها قد غادرت مع رجل آخر، يصبح عازما على الانتقام.

يبدأ في الشرب، بناء على إلحاح صديقه حسين. بعد تناول بعض الخمور في يوم من الأيام، يتجولان في المدينة. أثناء غارة ليلية، يلاحظان امرأة جميلة ترتدي ملابس شبه عارية في عربة. يتعرف عليها عباس على أنها حميدة، ويطارد العربة.

كانت حميدة قد فرت مؤخرا من منزل فرج غاضبة، بعد أن أدركت أن حكاية حبه لها كانت مجرد تمثيلية وحيلة للإيقاع بها. عندما أمسك بها عباس، غضبت في البداية، لكنها أدركت أنها تستطيع استخدامه في الانتقام من فرج.

ادعت حميدة أن فرج قد أجبرها على حياتها الجديدة، وعندما رأت غضب عباس، أخبرته أين سيكون فرج يوم الأحد المقبل. كانت تتوقع منه أن يفعل شيئا، ولكن ليس قتل القواد فرج. عباس، كان رجلا معروفا بلطفه ودعته.

بالعودة إلى زقاق المدق، يستعد رضوان الحسيني للحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة. إنه يقول كلمة وداع للجميع، وخاصة لعباس. يتجاهل عباس نصيحته الحكيمة، ويخبر صديقه حسين كرشة بما خطط له.

بالرغم من أن حسين يشكك في خطة عباس، إلا أنه يرافقه إلى الحانة للبحث عن فرج. هناك، يرى عباس حميدة تقوم بإغراء مجموعة من الجنود البريطانيين. يثور عباس ويغلي من الغضب، فيلقي بكوب البيرة في وجهها، فيجرحها بشكل رهيب. فقام الجنود البريطانيون على الفور بضرب عباس حتى الموت.

تسدل هذه المأساة كآبة على زقاق المدق، لكن الحياة تعود ببطء إلى طبيعتها. تبدأ حميدة في التعافي، وتستأنف علاقتها مع والدتها بالتبني. عائلة جديدة تنتقل إلى شقة الدكتور بوشي السابقة. مع اقتراب موعد عودة رضوان الحسيني، يعود الزقاق إلى إيقاعه القديم.

ملاحظات على الرواية

الدين
تنعكس تربية نجيب محفوظ الدينية على كل مكان في جميع أنحاء زقاق المدق. بعض الشخصيات، مثل رضوان الحسيني والشيخ درويش، هي نماذج صريحة للمتدينين الإسلامين.

رضوان الحسيني، الذي يمكن القول إنه واحد من أكثر الشخصيات غير الملوثة في الرواية، يقدم نصائح مخلصة للنفوس الحائرة والضمائر الغائبة في الزقاق، في حين أن الشيخ درويش، يعيش في ماضي وظيفته كمدرس لغة انجليزية.

مع ذلك، فإن كل شخصية مجبرة على موازنة قراراتها الأخلاقية مع الطقوس الإسلامية. تلاوة القرآن لها معنى خاص بالنسبة لأم حميدة، بالرغم من أنها مستعدة لفسخ خطوبة حميدة وعباس.

الزواج
الزواج في عالم زقاق المدق هو في الغالب معاملات تجارية. هو الطريقة الرئيسية لتأمين مستقبل المرأة. هذا هو السبب في أن حميدة تتردد كثيرا في موضوع الزواج من عباس ثم سليم علوان ثم إبراهيم فرج.

ترجع خيبة أملها الشديدة من إبراهيم فرج إلى رفضه الزواج منها، بالرغم من أنه قد وفر لها ما يشبه الحياة التي تريدها. شخصيات أخرى، مثل المعلم كرشة، أو رضوان الحسيني، لديها زيجات غير سعيدة، لكنهم ملتزمون بها. لأن الزواج في الزقاق ضرورة اجتماعية.

وضع السيدة سنية عفيفي يظهر أيضا لب المشكلة. بالرغم من أنها تعرف أن زواجها يعني نهاية عملها ونهب ثروتها، إلا أنها ليس لديها خيار آخر في علاقة خارج رباط الزوجية. فالمجتمع لا يسمح بذلك. لذلك، تقرر في النهاية العثور على زوج بأي ثمن.


التطلع الطبقي
معظم الشخصيات في زقاق المدق تتطلع إلى حياة أفضل. هذه الطموحات هي انعكاسات للفرص التي وفرتها الحرب. في حين أن الفشل في تحقيق هذه الطموحات، يكون بسبب عجز الطبقات الدنيا والقيود المفروضة عليها.

حميدة وحسين كرشة يبحثان عن الثروة ويريدان الانتقال إلى طبقة أعلى. يعتقد سليم علوان أن ثروته تؤهله للحصول على حميدة. حتى عباس، يعتقد أن المال وحده، هو الذي سيحل مشاكله، ويجعله مناسبا لحبيبته.

من الواضح أن الشخصيات التي تبدو أكثر سعادة هم أولئك الذين ليس لديهم طموح. رضوان الحسيني والشيخ درويش، راضيان طوال الرواية. عباس كان راضيا بوضعه قبل أن يقرر العمل مع الجيش البريطاني. محفوظ هنا لا يلوم التطلع إلى حياة أفضل، بل يبين مدى مأساوية تطلع الناس إلى شيء لا يمكن تحقيقه عادة.

الغيرة
في زقاق المدق، تغذي الغيرة الرغبات المتوقدة التي لا يمكن السيطرة عليها للعديد من الشخصيات. تشعر حميدة بالغيرة من فتيات المصنع، معتقدة أنها تستحق أن تكون مثلهن. يموت عباس بسبب غيرته التي لا يمكن السيطرة عليها. زوجة المعلم كرشة، تصاب بالجنون بسبب الغيرة، وتخلق مشكلة كبيرة في مقهى زوجها.

في بعض النواحي، يكون هذا انعكاسا للصعوبات الاقتصادية في تلك الفترة. إلا أن الغيرة طبيعة بشرية وصفة عالمية، تتسم بها الإنسانية كلها. وهذا ما يجعل أدب نجيب محفوظ أدب عالمي.


وضع المرأة
في الوقت الذي تعيد فيه مصر تأكيد هويتها كبلد مستقل، بدأت الأدوار التقليدية للجنسين في التحول، وبدأت المرأة في تحقيق مكاسب معينة. بسبب الحرب، بدأت النساء العمل، كما تفعل صديقات حميدة في المصنع.

بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من النساء في زقاق المدق يتمتعن بالسلطة على الرجال. حسنية قوية وشرسة، تعكس الحالات الشائعة للعنف المنزلي. فهي تضرب زوجها المرعوب.

كما تمارس حميدة السلطة على جميع الرجال الذين تجذبهم بجمالها، لكنها ترفض أن تصبح زوجة خانعة وأم لأولاد. معتقدة أنها تستحق حياة أفضل. السيدة سنية عفيفي، هي امرأة مكتفية ذاتيا، لا تريد سوى زوج ونس ورفيق.

يبقى الجمال هو الأصل الأساسي للمرأة، كما هو الحال بالنسبة لحميدة. العديد من الرجال تزدري النساء علنا أو في الخفاء. هذا الصراع بين الازدراء والرغبة في الوصال والحب بين الجنسين، هو واحد من أكثر الصراعات روعة في الرواية.


الوطنية المصرية
قال نجيب محفوظ في مقابلاته، إن ميوله السياسية تتسلل إلى جميع أعماله. وباعتباره مؤيدا لحزب الوفد، وقوميا مصريا قويا، فإن وجهات نظره تلقى بالتأكيد صدى في زقاق المدق.

لقد اعترف بأنه صاغ شخصية حميدة دون وعي منه، كرمز لمصر نفسها. إنها امرأة محبطة بسبب القيود التي تفرضها عليها ظروفها. وعندما تبغي الحرية، تجد نفسها في وضع جديد لا تحسد عليه من العجز.

من المؤكد أن الرواية لها صدى مع قصة مصر، التي قامت بثورتين ضد بريطانيا، ثورة 19 وثورة 52. علاوة على ذلك، تستكشف الرواية المواقف السياسية المختلفة. الأكثر وضوحا هو شخصية إبراهيم فرحات، السياسي المتلاعب بعواطف الجماهير، الذي يعد بإعادة الظروف إلى مثل الوفد القديمة في عام 1919.

يبدو أن محفوظ كان متشائما إلى حد ما، بشأن فرص التغيير إلى الأفضل، في عالم سياسي فاسد. هذه الشخصيات، لا يحركها الشعور الوطني، وإنما المخاوف الاقتصادية. إنهم يتخذون قرارات بشأن كيفية خدمة أنفسهم قبل كل شيء. لذلك يبدو من غير المرجح أن يحدث تقدم مجتمعي كبير.

فرص زمن الحرب
زقاق المدق هو صورة مصغرة لمصر خلال الحرب العالمية الثانية. في حين أن الحرب تعيث في الأرض فسادا، إلا أنها توفر فرصا جديدة لسكان زقاق المدق. يستفيد سليم علوان من تداول السلع في السوق السوداء. فهو من هذه الجهة "غني حرب".

حسين ابن المعلم كرشة وعباس يحصلان على عمل في كامب الجيش البريطاني. عندما تصبح حميدة عاهرة، تعتمد على أموال الجنود البريطانيين. كما قايض المعلم كرشة، سمعته بإمكانية تحقيق متعة فاسدة.

زقاق المدق شبه المحاصر، يشهد نهاية مأساوية لكثير من سكانه. فالمعلم زيطة ينتهي به المطاف هو والدكتور بوشي إلى السجن، بعد القبض عليهما وهما يقومان بمحاولة سرقة طقم أسنان ذهبي لأحد الموتى.

حسين كرشة يسّرح من الجيش فيعود ذليلا مفلسا باحثا عن ملاذ له ولزوجته، في الحي الذي تمرد على الحياة فيه. عباس الحلو الذي أحب حميدة وخطبها، يصدم في محبوبته بعد عودته من عمله في الجيش البريطاني. يحاول الانتقام من القواد الذي أغواها فيدفع حياته ثمنا لذلك.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مائة عام من العزلة
- خريف البطريرك، صرخة ضد الدكتاتورية وحكم الفرد
- رواية المحاكمة لكافكا
- العصيان المدني – هنري ثورو
- عالم جديد شجاع - ألدوس هكسلي
- كوندورسيه - خاتمة فلاسفة التنوير
- ما هي أهمية دوستويفسكي؟
- الإخوة كارامازوف ملخص وتعليق
- الإخوة كارامازوف (1)، دوستويفسكي
- آنا كارينينا لتولستوي
- إبراهيم عيسى والإسراء والمعراج
- جحا والحمار وظلم الإنسان
- جحا والحمار
- -موبي ديك- لهيرمان ملفيل
- أسطورة سيزيف لكامو
- الأرض الطيبة لبيرل بك
- النحلة، هذا الكائن الرائع
- حكايات زن يابانية (1)
- كل ما تريد معرفته عن القمر
- من يقود الإصلاح الديني؟


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد زكريا توفيق - زقاق المدق لنجيب محفوظ