أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي عبد العال - باثولوجيا الثقافة .. الفاشل















المزيد.....

باثولوجيا الثقافة .. الفاشل


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 7222 - 2022 / 4 / 18 - 17:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفشل أحد أشكال الحياة المعاصرة، وليس مجرد إخفاق شخصي يصف آحاد الناس. ومن سوء التقدير محاولة التفتيش عن جذوره في تفاصيل الأفراد وأعمالهم الخاصة. لأنَّ الفشل مسار عمومي يرسم خريطة الأنظمة المختلفة التي تحمل عناصر إخفاقها في باطنها. حيث تظل أبرز سمات العصر هي ابتلاع الإنسان في باطن الظواهر العابرة للمجتمعات والدول مفرّغةً إياه من المعنى ومن إنسانيته أحياناً. نظراً لأنَّ حياتنا الراهنة غدت حياةً معقدةً ومترامية الأطراف وتتطلب قدرات كثيرة في مواقع المسئولية. وبخاصة أنَّ أية مسئولية تفترض تنظيماً وتطويراً ليس بإمكان أي شخص أنْ يقوم بهما وحده.

يمكننا القول إنّه يوجد نظام فاشل لا أشخاص فاشلون، توجد آليات فاشلة لا أفعال فاشلة، يوجد نمط إدارة فاشل لا تصرفات فاشلة، توجد ممارسات عمومية فاشلة لا أعمال فردية فاشلة، توجد استراتيجيات فاشلة لا عقول فاشلة، يُوجد توظيف فاشل لمعطيات معينة لا إرادة فاشلة. الأساس أنَّ الأنظمة المختلفة كفيلة بكشف الأخطاء التي قد يرتكبها الأفراد ومدى قدرتهم على مواكبة تطوراتها أم لا.

فلو ظهرت سلبيات أو عوامل فشل، فيجب مراجعة كامل النظام لا جزء من أجزائه، وعليه أنْ يصحح مساراته بنفسه. وإلَّا لما سُمي نظاماً عاماً، فقد نطلق على هذا الشيء أي اسم آخر إلَّا أنْ يكون كذلك. والفاشل من جهة التوصيف يعني: أنَّه لم يفهم معنى العمل العمومي وحقوقه وآلياته وكيف ينحج في ممارسة أدواره الفاعلة على هذا النطاق. أي أنه يفشل في أنْ يصنع من نفسه إنساناً كلياً وعمومياً بهذا المعنى الموضوعي.

منذ ظهور فكرة الدولة ( ومؤسساتها ) لايجب التحدث عن الفشل همساً كأنه حدث النفس إلى النفس. ذلك أن الدولة مبنية على نقيض الفشل الفردي الذي يناقض بالأساس فكرة المجال العمومي. كل ما ينتمي إلى هذا المجال العمومي يتعلم ( في ذاته ) آليات وطرائق تجنب الفشل الفردي. فلا توجد قرارات فردية ولا مفاهيم فردية ولا إجراءات إحادية ولا نتائج أحادية، هناك دوماً قدرتنا الديمقراطية الحرة معاً على إدارة الشأن العمومي وهناك عمل مؤسسي يُشكل نظاماً أو لا يكون من حيث المبدأ. وهذا الوضع يفترض النجاح دوماً، لكونه غير متوقف على رؤية وفكر الأشخاص ولدية كم وافر من المرونة في ضوء الرؤى المشتركة.

القضية الأكبر في ثقافتنا العربية هي عجزنا عن صناعة الإنسان العمومي القادر على فهم طبيعة المجال الفاعل فيه. نظراً لتراث الإخفاق طويل الأمر في بناء الأنظمة، دوماً يكون النظام لدينا مرهون بالأشخاص والأفراد لدرجة أنهم يصبحون الأهم والأكثر تأثيراً منه. إنَّ نمط الحاكم المطلق هو الذي يهيمن على العقول وعلى شئون المجتمعات بضربةٍ واحدة. فهناك كاريزما وارادة الزعيم المطلق هما الأساس في أعقد المؤسسات وأصغرها. وهذه الفكرة ولّدت ظواهر عمومية من الجنس نفسه الذي يتوقف على الأفراد.

والفاشل بهذا المعنى يمثل نظريةً في ثقافةٍ مازالت ترى في الأفراد والنخب والطبقة الحاكمة ورجال السلطة هم الأولى بالإهتمام:

1- أن الثقافة بهذا المنحى تُفشِل نفسها بنفسها من مرحلة إلى أخرى، لكونها ترتد بما هو كلي ( وينبغي أنْ يظل كذلك ) إلى شكلٍّ فردي. وهذا هو السبب وراء الإستبداد والديكتاتورية القائمة على الفشل، نظراً لاختزال الشأن الجمعي في صورة حاكم أو مسئول أو نخبة مسيطرة أو طبقة أو عائلة أو جماعة.

2- الثقافة لدينا تسير بظهرها إلى غابر الزمن عكس العالم والمستقبل، فهي تعتبر الفرد مفتاحاً لكل الحلول وهو المخلص الأول لكافة المشكلات .. وهذا ما يخفق في النهاية. لأنَّ المُخلص هو النظام واستمراريته إلى نقطةٍ يراها هو دون غيره. بينما مجتمعات العالم ترى في الحياة وجوداً متداخلاً، بالتأكيد يعدَّ الفرد فيها مؤثراً، لكنه ليس مخلصاً.

3- أنَّ تضخم الفردية خطر على المجتمعات، لأنَّها كهف الأوهام التي تدمر كل شيء يقابلها. ومن الفردية يخرج كل نزوع مدمر لأي نظام عام.

وتلك قضية الفلسفة الرئيسة: حين تحاول أنْ تجعل من ( إنسانيتناً الفاعلة ) إنسانية كلية لا تجزيئية ولا قائمة على الأثرة وأخلاقيات الاستحواذ والهيمنة. إذن الفشل مركب هو الآخر، وله مستوىات من الفعل الجمعي غير المباشر. ولو كان الأمر عكس ذلك، أي لو كانت القضية قضيةً فرديةً، لتمت معالجة المشكلات على وجه السرعة بمجرد تغيير الأشخاص أو نقلهم من مكان لآخر. وهذا من جانب أول يفرض على الأفراد تطوير أنفسهم. وأمَّا من جانب آخر، فيضع الأنظمة الحاكمة أمام مسئوليات كبيرة يجب الاهتمام بها لا التلاعب بالأشخاص والأفراد.

كما أنَّ عوامل الثقافة أكثر تأثيراً مما نتوقع، لدرجة كونها تنشيء منظومات تتجاوز التاريخ وتعطي الأفراد مبررات قويةً للفعل والتصور. والفشل يتخفى في أكثر الأبنية عمومية، لأنه يترصد الثغرات والسلبيات التي توجد في جدار المجتمعات. وحين تترهل الثقافة ولا تقوي إرادة فاعليها على الإنجاز والإنتاج والعمل، فإن أفرادها يجدون منفذاً للهروب من المسئوليات.

ولعلنا ندرك أنَّ الإنسان كائن ثقافي بالمقام الأول، حيث تحول الثقافة (تتوسط- تتشكل) بين المرء ونفسه. لكونها الأطول باعاً وتاريخاً، وفي الوقت عينه تستبق الأحداث عن طريق التحولات الاجتماعية، فالثقافة لا تموت مهما كانت بعيدة النشأة والزمن. لكنها تظهر وتعيد إحياء جذورها وانباتها مرات لا تنتهي.

والفشل - بهذا المعنى - مقولة حول تعجيز الإنسان ( بفعل فاعل ) عن أنْ يكون إنساناً ناجحاً وفق القوانين والآليات المُتاحة. ولذلك ففي بعض الأنظمة الحاكمة يعبر الفشل عن هذا التحجيم لقدرات النظام وجوانبه الإنسانية. وبحكم أنها أنظمة مستبدة، فهي نوع من ممارسة الفشل في أغلب مرافق الحياة.

من تلك الزاوية، يكاد الفاشل كنموذج ثقافي أنْ يكون واضحاً وضوح الشمس. ولا يصح أن يتم تبادل مكانته على أساس شخصي. وإذا أردت أنْ تدرك هذا، فليس عليك إلَّا أن تلاحظ لعبة الكراسي الموسيقية في المجال العام، حين يتم نقل مسئول ثبُت فشله من موقع الي موقعٍ آخر أكثر خطورة. إمَّا أنْ يكون ناجحاً في موقعه الأول، وبالتالي يستحق زيادة نجاحه في موقع غيره، وإمَّا أنه قد أخفق ومن ثمَّ يستبعد لأسباب موضوعيةٍ. وعليه لابد من معرفة الأدوار التنظيمية التي أداها وكيف يمكن تلافيها في المستقبل؟

لقد بات الفشل صناعة من داخل الأنظمة الحياتية المختلفة في ثقافتنا العربية، ولذلك ليس غريباً أنَّ كل من يتولى مسئوليةً هنا أو هناك ينتهي به الحال كمن سبقه بالضبط. فالفشل مقرر سلفاً أو بالأحرى ناجح سلفاً. ويحتاج لكي يتم الإفلات منه أنْ تتغير طبيعة الأنظمة ذاتها، وأن تكون ثمة قواعد وآليات جديدة لا قديمة. وأنْ توجد معايير تهتم بالإنسان في المقام الأول، وأن يكون النجاح المقصود غير فردي، كأنَّ الأشخاص هم خالقو هذا النجاح من عدم. وفي ثقافتنا العربية لا بد من وجود بديل واحد هو النجاح ولا شيء غير النجاح. الفشل رفاهية لا تملكها المجتمعات العربية، وكم كانت رفاهية الفشل بمثابة الخبز اليومي للعرب منذ وقت ليس بالقصير. لأن حياتنا العمومية باءت كثيراً بفشل الأنظمة وأفشلت كل شيء معها: شخصيات وموارد ومعطيات ومجتمعات.

على المجتمعات العربية إدراك أنه لا مجال للفشل الجمعي، لأنَّ الفشل مثله مثل الهزائم المصيرية في الحياة، هو هزيمة حضارية تتزعزع فيها الهوية والتاريخ والمستقبل. وأنَّ الفشل الجمعي هو أسوأ أنواع الفشل التي قد تمرُ به أمةٌ من الأمم. ذلك بفضل إدخال المجتمعات في دائرة جهنمية من إجهاض قدراتها وتبديد مواردها الإنسانية. ولذلك يجب تغيير أبنية الثقافة، بحيث تعتبر النجاح وظروفه وشروطه ومعاييره وتطويره أشياءً ضروريةً.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باثولوجيا الثقافة .. الوقح
- باثولوجيا الثقافة .. الفاسد
- باثولوجيا الثقافة .. الجاهل(2)
- باثولوجيا الثقافة ..- الجاهل -
- لماذا تغيب الفلسفة؟.. باثولوجيا الثقافة(5)
- لماذا تغيب الفلسفة؟.. سلطة القول (4)
- في غياب الفلسفة، ماذا تفعل الثقافةُ؟(2)
- في غياب الفلسفةِ، ماذا تفعل الثقافةُ؟(1)
- في غياب الفلسفة.. ماذا تفعل الثقافة؟(3)
- العَراء الافتراضي: الفلسفةُ والمَسْخ (2)
- العراء الافتراضي .. الفلسفة والمسْخ (1)
- لماذا يغيب التسامح؟! (2)
- لماذا يغيب التسامح؟! (1)
- مقولة الأم .. نحو تحديدٍ فلسفي
- المرتزقة .. رقيق الحروب
- الأنا واللغـة: مقدمةٌ فلسفيةٌ لنبذ الوهم
- الأثرُ الجمالي والفن
- الخطيئة والوباء!!
- القَصْعَةُ .. فنُ المستحيلِ
- فلسفياً: لماذا نكره الإرهاب؟!


المزيد.....




- بعيدا عن الكاميرا.. بايدن يتحدث عن السعودية والدول العربية و ...
- دراسة تحذر من خطر صحي ينجم عن تناول الإيبوبروفين بكثرة
- منعطفٌ إلى الأبد
- خبير عسكري: لندن وواشنطن تجندان إرهاببين عبر قناة -صوت خراسا ...
- -متحرش بالنساء-.. شاهدات عيان يكشفن معلومات جديدة عن أحد إره ...
- تتشاركان برأسين وقلبين.. زواج أشهر توأم ملتصق في العالم (صور ...
- حريق ضخم يلتهم مبنى شاهقا في البرازيل (فيديو)
- الدفاعات الروسية تسقط 15 صاروخا أوكرانيا استهدفت بيلغورود
- اغتيال زعيم يكره القهوة برصاصة صدئة!
- زاخاروفا: صمت مجلس أوروبا على هجوم -كروكوس- الإرهابي وصمة عا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي عبد العال - باثولوجيا الثقافة .. الفاشل