أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله حتوس - حوار الحضارات وحرب الجهالات على أرض أوكرانيا















المزيد.....

حوار الحضارات وحرب الجهالات على أرض أوكرانيا


عبد الله حتوس

الحوار المتمدن-العدد: 7193 - 2022 / 3 / 17 - 23:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" إن الصدام لا يكون إلا بين الجهالات، أما الحضارات فإن جوهرها التفاعل، لما فيه خير الإنسانية جمعاء، في نطاق احترام خصوصيات الهويات والثقافات."*

ما الذي يجري بأوكرانيا؟ لماذا رفضت الأطراف فضيلة الحوار والتجأت إلى لغة القنابل والمدافع والعقوبات الاقتصادية؟ هل نحن على أبوب حرب عالمية ثالثة أو على أقل تقدير في طور صياغة نظام عالمي جديد؟ هل نحن أمام صدام مسلح بين الحضارة الغربية من جهة و الحضارة الأوراسية مدعومة بالكونفشيوسية الصينية من جهة أخرى؟ هل اندلعت حروب التقسيم الحضاري كما تصورها صامويل هنتنجتون؟ من المستفيذ من كل هذا الخراب الذي بدأ من أفغانستان والعراق مرورا بالبلقان وصولا إلى أوكرانيا؟

لا أحد اليوم له ما يكفي من عناصر الجواب على هذه الأسئلة أو على الأقل على واحد منها، فقد أضاف التضليل الإعلامي، الذي تمارسه كل أطراف الحرب في أوكرانيا، الكثير من التعقيد على مجريات الأحداث حتى ساد التيه واستبد التطرف العاطفي بحشود الأطراف؛ فزواج كبريات مؤسسات الإعلام وشركات المال والأعمال العابرة للقارات برعاية من كبرى عواصم السياسة، تمخص عنه أخطبوط يتحكم بالجماهير، يتلاعب بعواطفها من خلال تضخيم حجم الأخطار، ويختلق الأعداء حتى تستمر فوبيا الآخر وهستيريا الحرب وآثارها النفسية المدمرة على كل سكان القرية العالمية التي تفتقد لعلاقات القرية وتقاليدها الإنسانية.

ما الذي يجعل جنديا روسيا يقتل جنديا أوكرانيا انتقاما لمقتل مواطن أوكراني في شرق أوكراني يفتخر سكانه بلغتهم وثقافتهم الروسية؟ كيف تحولت أخوة الشعبين إلى عداوة مدمرة شثتت شمل الكنيسة الأرتودوكسية الروسية بعد ان أعلنت كنيسة أوكرانيا انفصالها عنها؟ كيف أصبحت مدينة كييف هدفا لنيران المدمرات الروسية وهي التي يعتبرها الروس مهدا لحضارتهم؟ هذه الأسئلة وغيرها تحيل إلى تشعب هذه الحرب واستثنائيتها، فهي تعيد إلى الواجهة نظرية صدام الحضارات التي شرحها صامويل هنتنجتون، عام 1996، في كتابه "صراع الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي".

خصص صامويل هنتنجون الفصل الأول من كتابه للحقبة الجديدة في السياسة العالمية، وفيه أشار إلى تنبؤات بخصوص حرب مدمرة بين أوكرانيا وروسيا كتجل من تجليات ما سماه حروب التقسيم الحضاري، وهي بتعريفها حروب يغذيها انتماء المحاربين إلى كيانات ثقافية وحضارية مختلفة؛ الماسكون بزمام الحكم في أوكرانيا، وفق هذه التنبؤات، يعتبرون انفسهم أبناء للحضارة الغربية ويسعون إلى الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، في المقابل، تعتبر روسيا الفيديرالية نفسها مسؤولة عن حماية الحضارة الأوراسية الاورتوذوكسية وحماية مصالح شعوبها .

في ذات الفصل من الكتاب وردت تنبؤات على لسان جون ميرشمير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، جاء فيها، أن الموقف بين روسيا وأوكرانيا ناضج لنشوء حرب منافسة امنية بينهما، ويضيف هنتنجتون إلى تنبؤات ميرشمير، عاملا آخر سيساهم في تفجير الوضع بين روسيا وأوكرانيا، ألا وهو خط التقسيم الحضاري الذي يفصل بين أوكرانيا الشرقية الأورثوذوكسية وأوكرانيا الغربية المنتمية للكنيسة الشرقية؛ فخط التقسيم الحضاري وفقا لنظرية صدام الحضارات يشير إلى احتمال تقسيم أوكرانيا إلى إثنين وانفصال شرقها عن غربها، استنادا إلى عوامل ثقافية وحضارية تتحول إلى وقود حرب حضارية على الأرض الأوكرانية.

لكن، هل تجد حروب ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كل أسبابها في خطوط التقسيم الحضاري؟ هل بسبب هذه الخطوط نزل الغرب وروسيا وبعض الدول الإسلامية بكل الثقل اللازم في البلقان لتقسيم يوغوسلافيا إلى ست دول على أسس ثقافية، إثنية، ودينية، خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي؟ ولماذا تحرك الغرب بكل إمكانياته الاقتصادية والعسكرية والسياسية للوقوف إلى جانب أوكرانيا وكأن أوكرانيا تخوض حربا بالوكالة؟ لماذا خرجت الصين للإعلان عن شراكتها الاستراتيجية الصلبة كالصخر مع روسيا متجاهلة تهديدات واشنطن؟ هل نحن على أبوب نظام عالمي جديد سيفرض في أحسن الأحوال بالمفاوضات وفي اسوئها بالحرب الشاملة؟

يقول الفيلسوف الياباني تاكشي أوميهارا: "الإخفاق التام للماركسية والتفكك الدرامي للاتحاد السوفياتي ليسا سوى نذر سقوط الليبرالية الغربية التي هي تيار التحديث الرئيسي، وبعيدا عن كونها بديلا للماركسية والأيديولوجية الحاكمة في نهاية التاريخ، ستكون الليبرالية هي حجر الدومينو الذي عليه الدور في السقوط". استنادا إلى ما أشار إليه تاكشي أوميهارا، يمكن الحديث عن سعي حثيث للولايات المتحدة الامريكية لإيجاد عدو يساعد في إبعاد شبح السقوط، من خلال إثارة حماس شعوب الغرب للانخراط في حروب جديدة ضد "محور الشر الروسي-الصيني" وبنفس الشعارات والمبررات التي استخدمتها إبان الحرب الباردة؛ فالكثير من الكيانات والقوى في حاجة دائمة إلى عدو.

حينما بدأ الاتحاد السوفياتي في التفكك والانهيار، قال مستشار ميخائيل غورباتشيف لأحد محاوريه من الإدارة الأمريكية: "نحن نقوم بأمر مروع لكم، نحن نحرمكم من عدو". نعم، الغرب في حاجة إلى عدو حتى يستمر وَهْمُ خُلُود نموذج الديمقراطية الليبرالية كشكل نهائي للمجتمع الإنساني كما سبق وأن بَشَّر به فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"؛ الغرب في حاجة إلى عدو للإلتفاف على أزمة الديمقراطية التمثيلية في أوروبا وأمريكا؛ الغرب في حاجة إلى عدو لشحذ همم شعوبه في مواجهة استعداد الصين للانقضاض على عرش الاقتصاد العالمي؛ الغرب في حاجة إلى النظام الروسي كعدو حضاري بمخالب نووية؛ الغرب في حاجة دائمة إلى "محور للشر" يناصبه العداء.

على سبيل الختم

انتصرت الجهالة على الحضارة في أوكرانيا، وما يجري هناك يهدد بحرب عالمية ثالثة قد تعجل بنهاية تاريخ البشرية، بعد أن يلفط الإنسان الأخير أنفاسه؛ فصدام الحضارات/الجهالات هو الخطر الأكثر تهديدا للسلم العالمي، والضمان الأكيد ضد حرب عالمية مدمرة هو نظام عالمي يقوم على حوار الحضارات.

لا أحد يعلم ما يدور بذهن الرئيسين الأمريكي والروسي، فلا أحد يعرف زعيما أو قائدا عسكريا صرح بأهدافه ومصالحه الاستراتيجية الحقيقية عند تعبئته للجماهير ودفعها إلى أتون وسلخانة الحرب، لكن يبدو مؤكدا، بعد أربعة أسابيع من المعارك، أن حال لسان كل واحد منهما يقول: أَلاَ لاَ يَجْهَلَنَّ أَحَد عَلَيْنَا فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا.

* " إن الصدام لا يكون إلا بين الجهالات، أما الحضارات فإن جوهرها التفاعل، لما فيه خير الإنسانية جمعاء، في نطاق احترام خصوصيات الهويات والثقافات". هذه المقولة من أقوال الملك محمد السادس، وهي مقتطفة من نص الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في ندوة " تحالف الحضارات في الفضاء العربي الإفريقي الإيبرو لاتينو أمريكي".



#عبد_الله_حتوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكومة في مواجهة اللَّايَقِينْ وتداعيات تَأْثِيرْ الفَرَاشَ ...
- تحولات الجسم الاجتماعي المغربي !
- مخاض الدولة الثقافية بالمغرب
- هل تهدد المواطنة العالمية مواطنتنا المغربية؟
- حتى لا يخفي سقف الثلاثين الوضع المخيف للمنظومة التعليمية الم ...
- أسئلة بشأن صندوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية
- زواج الفقر والسياسة
- النخب الإسبانية ووصية إيزابيلا بتشتيت المغرب
- ذئاب رمادية في حزب العدالة والتنمية المغربي
- فوبيا قيادة رجال الأعمال للأحزاب وأراجيف زواج المال والسياسة
- أسئلة الثقة الهشة بين المواطن والحكومة بالمغرب
- تَمْغْرَبيتْ وعنف الهوية الخالصة المتفوقة
- تَمْغْرَبيتْ في مواجهة حملات الرفض والتشكيك
- لمصلحة من ينشر الإسلاميون الأضاليل والفتنة؟
- الأمازيغية واستحقاقات الفرصة الأخيرة
- المغاربة وأسئلة ثقافة الإلتزام
- الأمازيغية والمسألة الحزبية بالمغرب
- الهوية المغربية والخطايا الأصلية


المزيد.....




- دراسة جديدة تثبت نظرية أينشتاين بشأن الثقوب السوداء
- كلوب يُغادر ليفربول.. بصمة لا تمحى وعشرات الألقاب
- جلسة برلمانية في تايوان تتحول إلى حلبة مصارعة (فيديو)
- الدفاع الروسية: تحرير بلدة جديدة في خاركوف وخسائر أوكرانيا ت ...
- مركز -صدى سوشال- يدعو إلى تحقيق عاجل لـ-تسريب ميتا بيانات مس ...
- مراسلنا: إصابة 11 ضابطا وجنديا من الجيش التركي بينهم حالات ح ...
- بولندا ستنفق 2.5 مليار دولار لتعزيز حدودها مع روسيا وبيلاروس ...
- حزب الله يستهدف ثكنة للاحتلال وإسرائيل تقصف جنوب لبنان
- الدويري: عملية القسام شرق رفح تحتاج مهارة عالية لتنفيذها
- الجلادون الإسرائيليون التوّاقون للفظائع


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله حتوس - حوار الحضارات وحرب الجهالات على أرض أوكرانيا