أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله حتوس - تحولات الجسم الاجتماعي المغربي !














المزيد.....

تحولات الجسم الاجتماعي المغربي !


عبد الله حتوس

الحوار المتمدن-العدد: 7160 - 2022 / 2 / 12 - 17:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"يحتاج الجسم الاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة لجسم الإنسان، إلى الكثير من المعادن والتي بدونها لا يمكنه أن يحافط على توازنه وحماية نفسه من الهشاشة والأمراض الاجتماعية والصمود أمام الآفات التي تجتاح بيئته باستمرار، وتتمثل معادن الجسم الاجتماعي في منظومتي القيم والأخلاق والوعي الجماعي المؤسس على شبكات التضامن والالتزام الاجتماعي".

قبل مأساة ريان خلص بعض الكتاب والباحثين المغاربة إلى أن الجسم الاجتماعي المغربي مريض جدا، فقد استبد به تحلل القيم والأخلاق و تفسخ الوعي الجماعي للمغاربة؛ بل هناك من الباحثين من أصابهم اليأس من مجتمع مغربي يقال أن 40 % من مواطنيه يعانون من أمراض نفسية وعقلية متعددة، كما أشار إلى ذلك أحد وزراء الصحة السابقين داخل قبة البرلمان، وهناك من الكتاب من كتب عن الانتحار الاجتماعي وتحلل القيم والأخلاق وفشل السياسات العمومية كأسباب لهذه الآفات أحيانا وكنتائج لها أحيانا أخرى .

أخرون استعانوا بكتابات "إيميل دوركهايم" (1917 - 1858) ، أحد مؤسسي السوسيولوجيا المعاصرة ،لشرح أسباب ما يئن تحت وطئته الجسم الاجتماعي المغربي؛ بالنسبة لهؤلاء هناك سبب جوهري لما يجري ويدور، إنها الأنوميا (Anomie) أو اللاقانون وفقدان المعايير الاجتماعية، بالنسبة لهم، المجتمع المغربي يعاني من تفكك الروابط الاجتماعية وتراجع الإحساس بالانتماء إلى كُلِّ، يسمى الجسم الاجتماعي المغربي، بعد ان تراجعت الروابط التقليدية كالأسرة والقبيلة.

كيف تغيرت، إذن، أحوال جسمنا الاجتماعي في خمسة أيام؟ كيف وصل صدى مأساة ريان إلى كل بقاع العالم دون غيره من مئات الأطفال الذين يسقطون ضحايا الحرب والإهمال وكل أسباب الموت اللاطبيعي في سوريا واليمن وفي كل بلاد الدنيا؟ لماذا حركت "تراجيديا ريان" شيخ الأزهر، وجعلت البابا فرنسيس ينوه بتضامن المغاربة، وجعلت اليهود عبر العالم يصلون من أجل ريان، ودفعت الأمين العام للأمم المتحدة وقادة سياسيين ومشاهير للتعبير عن إعجابهم بعرى التضامن بين كل مكونات وعناصر جسمنا الاجتماعي؟

إذا صدقنا جدلا كتابات اليائسين من حالة الجسم الاجتماعي المغربي، فسيكون ما حصل خلال الأيام الخمس من المأساة، مجرد قوس فتح بشكل استثنائي مع سقوط الطفل ريان في البئر وأغلق بإعلان وفاته، أو على أبعد تقدير سيكون ما حصل خلال تلك الأيام الخمسة، مجرد تراجيديا حولتها بعض وسائل الإعلام، معتمدة على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى تراجيديا مغربية دارت احداثها في الواقع بهدف التنفيس عن الذات الجماعية وتطهير نفوس المغاربة (catharsis) وتخليصها من الكثير من الأمراض التي زادت من حدتها، خلال العامين الماضيين، التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لجائحة كوفيد.

لكن، إذا أخذنا بعين الاعتبار معطيات أخرى وَسَمَت العامين الماضيين، من قبيل المنسوب العالي للثقة بين المواطنين والحكومة خلال الأربعة أشهر الأولى من تدبير جائحة كورونا، وقدرة الدولة على تدبير تداعيات الجائحة رغم ضعف إمكانياتها، وإذا أخذنا بعين الأعتبار، أيضا، حجم تحويلات مغاربة العالم من العملة الصعبة، برسم سنة 2021 ، لإعالة أسرهم المتضررة من تداعيات الجائحة هنا بالمغرب (تم تحويل أزيد من عشرة ملايير من الدولارات وهو رقم أدهش الكثير من المحللين والمتتبعين) ، فيمكن ان نستنتج أن تدبير المغاربة لهذه الماسأة لم يكن مجرد قوس فتح وأغلق، بل تأكيد على أن جسمنا الاجتماعي ما زال في رصيده ما يُمَكِّنُه من تحمل الصدمات (Capacité de résilience) ومواجهة تحديات زمن اللايقين وعالم الخوف السائل.

كيف استطاع جسمنا الاجتماعي أن يظهر أقوى مما كنا نعتقد جميعا؟

في اعتقادنا المتواضع، لا يمكن الجواب عن هذا السؤال إلا باستحضار العوامل الثقافية وخصوصا ما لا يظهرمن جبل جليدنا الثقافي والذي يعتبر مصدرا مهما للكثير من المعادن التي يأخذ منها جسمنا الاجتماعي مقومات استمراره وصموده؛ إن استحضار المخزون الثقافي من شأنه تفسير هذا التحول السريع من وضع ساد فيه اليأس من عودة مَغْرِبِ تِيوِيزِي (التْوِيزَة) وقيم تَمْغْرَبيتْ، إلى وضع مناقض تماما انبهر فيه العالم من هبة المغاربة جميعا لإنقاذ طفل من المغرب العميق.

فالمدخل الأساسي لفهم ما حصل يمر بالأساس عبر العوامل الثقافية، وبالعودة إلى شريط مأساة ريان يمكن القول أنه كلما توغلت آلات الحفر في باطن الأرض للوصول إلى الفقيد ريان، كلما توغل جسمنا الاجتماعي بعيدا في باطن جبل جليدنا الثقافي بحثا عن المعادن التي يحتاجها ليكون في مستوى مأساة أدخلتها تكنولوجيا الإعلام إلى بيوت كل المغاربة. لقد شاهد العالم كيف أسقطت مأساة ريان كل الانتماءات المناطقية، رأينا كيف عادت روح تِيوِيزِي ولو لبعض الوقت، رأينا كيف تفاعل الجميع مع الجميع وأصبح المغاربة على قلب طفل واحد، وتابعنا كيف أعادت هذه المأساة سردية تَمْغْرَبِيتْ إلى الواجهة.



#عبد_الله_حتوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخاض الدولة الثقافية بالمغرب
- هل تهدد المواطنة العالمية مواطنتنا المغربية؟
- حتى لا يخفي سقف الثلاثين الوضع المخيف للمنظومة التعليمية الم ...
- أسئلة بشأن صندوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية
- زواج الفقر والسياسة
- النخب الإسبانية ووصية إيزابيلا بتشتيت المغرب
- ذئاب رمادية في حزب العدالة والتنمية المغربي
- فوبيا قيادة رجال الأعمال للأحزاب وأراجيف زواج المال والسياسة
- أسئلة الثقة الهشة بين المواطن والحكومة بالمغرب
- تَمْغْرَبيتْ وعنف الهوية الخالصة المتفوقة
- تَمْغْرَبيتْ في مواجهة حملات الرفض والتشكيك
- لمصلحة من ينشر الإسلاميون الأضاليل والفتنة؟
- الأمازيغية واستحقاقات الفرصة الأخيرة
- المغاربة وأسئلة ثقافة الإلتزام
- الأمازيغية والمسألة الحزبية بالمغرب
- الهوية المغربية والخطايا الأصلية


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله حتوس - تحولات الجسم الاجتماعي المغربي !