أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - غربة فان جوخ














المزيد.....

غربة فان جوخ


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7186 - 2022 / 3 / 10 - 02:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
١٢٦ -فان جوخ وإستراحة السجناء

ليس هناك ما هو أصعب للإحتمال بالنسبة للإنسان المعاصر من فقدانه لحريته الأساسية، أي حرية الحركة والتفكير والعمل، كما هو الحال في الأنظمة الرأسمالية، الديكتاتورية منها أو الليبرالية. ذلك أن حصار الإنسان في كينونة مغلقة وغير قابلة للتجاوز والتطور، هو في الحقيقة نوع من الموت والتحجر والتشيء. وحالات الحصار والإنغلاق والحبس، والتي تقيد حرية الإنسان، متعددة الأنواع والأشكال في هذه المجتمعات. ولا شك أن السجن والمصحات العقلية وكل أنواع المؤسسات الإجتماعية التي تحاول تطويع الإنسان وجعله يناسب القالب الإجتماعي القائم ـ سرير بروكست ـ هي مؤسسات تساهم في تعميق الإستلاب الوجودي، وجعل الإنسان - الفرد مجرد "حالة" بين ملايين الحالات الأخرى. والعمل بدوره، بدلا من أن يكون وسيلة لتحقيق وجود الإنسان ومعبرا عن جوهر الإنسان المعاصر، أصبح مجرد وسيلة لإستلاب الإنسان وخطوة أخرى لفقدان هويته كوجود واع. مثل أن يقوم الإنسان بعمل لا معنى له ولا يهمه إطلاقا أو لا فائدة منه - صخرة سيزيف - مما يجعله يدور في حلقة فارغة بلا نهاية. ولا شك أن السجن هو خير مثال لحالة فقدان الإنسان لذاته وتشيئه.
ولقد عبر فان جوخ عن حالة الحصار هذه في لوحة من روائع أعماله، لوحة جولة السجناء La ronde des prisonniers، وهي لوحة زيتية رسمها فان جوخ في فبراير ١٨٩٠ في مصحة سان بول (Saint-Paul Asylum) في مدينة Saint-Rémy في الجنوب الفرنسي. هذه اللوحة ٨٠x٦٤ سم، مستوحاة من نقش للفنان غوستاف دوريه - Gustave Doré يرجع لسنة ١٨٧٢، لساحة التمرين في سجن نيوجيت (Newgate).
عانى فان كوخ من اعتلال الصحة العقلية في عام ١٨٨٨، ودخل طواعية في مستشفى للأمراض العقلية من مايو ١٨٨٩ إلى مايو ١٨٩٠. خلال الفترة التي قضاها في المصحة، لم تكن له إمكانية الخروج والتجول في الحقول لإختيار مواضيع لوحاته أو للرسم في الهواء الطلق وفي الحقول كما كانت عادته، لذلك طلب من شقيقه ثيو أن يرسل له بعض الرسوم المطبوعة لأعمال فنانين آخرين ليقوم بتحويلها إلى رسومات زيتيه. وقد شجع مدير المستشفى، الدكتور بيلون، وشقيق فان كوخ ثيو على مواصلة الرسم للمساعدة في شفائه. وقد أرسل له ثيو العديد من الصور والنقوش المطبوعة في بعض الدوريات والمجلات الفنية، مثل المجلة الهولندية، (De Katholieke Illustratie) التي وجد فيها هذه الصورة، أصل اللوحة التي نحن بصددها. تُصور اللوحة مجموعة من السجناء يسيرون في دائرة في ساحة صغيرة تشبه الزنزانة، ساحة سجن خانقة، محاطة بجدران من الطوب مع عدد قليل من النوافذ المقوسة الصغيرة في الأعلى، ويبدو أنّ السجناء يستعرضون أمام محقق أو شرطي ليتعرف أو ليتذكر وجوه السجناء. ويهيمن على العمل خفض درجات اللونين الأزرق والأخضر في الأعماق المظللة للفناء، مع وجود بقع حمراء على الطوب الأفضل إضاءة. وفي أعلى اللوحة توجد فراشاتان باللون الأبيض تكاد لا ترى. بعد بضعة أشهر فقط من رسمه لهذا العمل الخانق المفعم باليأس والتشاؤم بمصير البشرية، أطلق فان جوخ النار على نفسه في يوليو ١٨٩٠، وكانت هذه اللوحة أحد الأعمال المعروضة حول نعش فان كوخ أثناء جنازته. ولقد كتب إميل برنارد عن هذه اللوحة قائلا : "المحكوم عليهم يسيرون في دائرة محاطة بجدران عالية للسجن، لوحة مستوحاة من "غوستاف دوريه " من ضراوة مرعبة والتي هي أيضًا رمز لنهايته. ألم تكن الحياة هكذا بالنسبة له، سجن كبير مثل هذا مع جدران عالية – عالية جدًا وهؤلاء الأشخاص يسيرون إلى ما لا نهاية حول هذه الحفرة، أليسوا هم الفنانين المساكين والأرواح الفقيرة الملعونة التي تمر تحت سوط القدر؟" بعد وفاة ثيو فان جوخ في يناير ١٨٩١، ورثت اللوحة زوجته جوانا، ثم مرت عبر عدة ملكيات متوالية حتى تم تأميمها من قبل الحكومة السوفيتية وأصبحت جزءًا من متحف الدولة للفن الغربي الجديد في موسكو، ثم انتقلت اللوحة إلى متحف بوشكين الذي تم إنشاؤه في عام 1948.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المال والسلطة والسلاح
- اللامرئي
- الرفض
- حرب على الحرب
- كاليجولا ومطاردة القمر
- سرير بروكست
- بين الوجود ولكينونة
- أدونيس وتعطيل العقل
- جريمة في القطار
- أدونيس وعمامة رامبو
- الجرذ المحاصر
- الوعي وال - أنا - المتعالية
- الساحرة
- المعرفة عند الحلاج
- الحلاج
- ليلة الحشيش والبيرة
- النمل وكأس المساء
- المتسكع
- الشاعر الصوفي
- عن القهوة والبطيخ


المزيد.....




- ترامب يخطئ باسم طبيبه أثناء تحدي بايدن لإجراء اختبار لـ-قدرة ...
- ألمانيا: الشرطة تطلق النار على رجل هاجم عناصرها قبل مباراة ف ...
- السعودية.. ضبط 16 مواطنا ووافدين اثنين ووزارة الداخلية تشهر ...
- من أول لمسة.. فيخهورست يمنح هولندا الفوز على بولندا
- -مستعدون لبدئها غدا-.. زيلينسكي يضع شرطا للمفاوضات مع موسكو ...
- صحيفة عبرية تحدد شريان حياة وحيد لإسرائيل بعد حرب غزة معلق ب ...
- زعيم حزب فرنسي يدعو لصحوة أوروبية بعد تصريحات لقادة الناتو - ...
- زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو
- ليبيا.. 145 إصابة بسبب الاستخدام الخاطئ لأدوات ذبح الأضاحي ف ...
- كأس الأمم الأوروبية 2024: البديل فيخهورست يمنح فوزا متأخرا ل ...


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - غربة فان جوخ