أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - المناضل-ة - غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب















المزيد.....



غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب


المناضل-ة

الحوار المتمدن-العدد: 7179 - 2022 / 3 / 3 - 01:02
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    



(كراس تثقيفي)
المحتويات:
1. غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
2. مقلاةُ غلاء أسعار تكوي كادحي المغرب
3. حصيلة الهجوم على صندوق الموازنة
4. المقاطعة: دروس ومنظورات للنضال
5. صندوق دعم مواد الاستهلاك الأساسية: مكسب شعبي في مهب العاصفة الليبرالية





غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
سياسة
10 مايو، 2018

غلاء المحروقات أصل الحكاية

يعتمد المغرب على الخارج للتزود بحاجاته البترولية. تتأثر فاتورة الاستيراد السنوية بأسعار السوق العالمية صعودا وهبوطا. طبقت الدولة سنة 1995 برنامج تحرير كامل لأسعار المواد البترولية بربط أسعارها الداخلية بأسعار سوق روتردام لمدة 5 سنوات إلى غاية 2000 ليجري تجميده لاحقا. عادت لنظام دعم المواد البترولية فانتقل حجم هذا الدعم من 1 مليار سنة 2003 ليصل إلى 41 مليار درهم سنة 2011، وكانت المواد البترولية تستأثر بأكثر من %84 من حجم الدعم الإجمالي الذي يقدمه صندوق الموازنة حينها. (1)

خلال العقود الماضية لعب عاملين اثنين دورا مهما في تقليص حدة ارتفاع أسعار البترول. لعب صندوق المقاصة دورا محوريا في تحمل قسط هام من الزيادات بفعل تدخله لتغطية الفارق عند مستوى معين مما يجعل المستهلك لا يتأثر بقوة ومباشرة بارتفاع السعر العالمي. العامل الآخر هو وجود مصفاة لاسمير لتكرير البترول كشركة عمومية تستورد البترول الخام وتقوم بعملية تكريره وتعتبر بذلك المزود الوحيد للسوق المحلية عبر شركات توزيع المحروقات، لكن هذا زمن مضى.

أنهت الدولة، تنفيذا لشروط البنك العالمي، تدخل صندوق المقاصة لدعم المواد البترولية في يناير 2016. وبصخب إعلامي مضبوط الإخراج ومتناسق الأدوار، انتهزت تراجع سعر البترول في السوق العالمي، فاستغلت عدم حصول تغير فجائي في أسعار الشراء عند التقسيط لتبرر نجاعة قرارها.

وفر هذا أموالا لخزينة الدولة (ما يعادل 6 بالمئة من الناتج الداخلي الخام بما يقارب 56 مليار درهم)، ودون تأثير سلبي على المستهلك. ومن الطبيعي أن يؤدي حدوث ارتفاع في سعر البترول حتى يمتد حريقه إلى جيوب المستهلك وهو ما يقع الآن، فالارتفاع الطفيف نسبيا لسعر البترول رغم أنه لم يبلغ مستوياته القصوى السابقة، نتج عنه صعود في سعر التجزئة. أما شركة “لا سمير” فقد تم تمرير صفقة استغلالها لفائدة برجوازي سعودي/إثيوبي، وبعد سنوات من الاستغلال وتصدير الأرباح والتهرب من أداء الضريبة لخزينة الدولة وعدم تنفيذ دفتر التحملات المرفقة بالاتفاقية (استثمار جزء من الأرباح للصيانة والتطوير) انتهت الشركة إلى التآكل وإلقاء مئات العمال إلى البطالة بعد مغادرة الرأسمالي الرافض أداء الضرائب المستحقة وتقلص أرباحه بعد تحرير القطاع الذي نال من مكانة الشركة كمزود وحيد للسوق الداخلية.

موجة غلاء شاملة في الأفق

تعني الزيادة في سعر المحروقات زيادة في أسعار أحد عوامل الإنتاج والتبادل، وبالتالي فسعر السلع سيزداد. وستلجأ البرجوازية إلى إما زيادة في سعر السلع أم خفض الوزن مع الإبقاء على نفس السعر. لكن البرجوازية المالكة لوسائل النقل لن تقبل تحمل زيادة سعر المحروقات وتقليص أرباحها وستجد الحل إما في انتزاع إعفاءات ضريبية من الدولة أو الزيادة في ثمن النقل، حينها سيرتفع سعر الكلفة بسبب مصاريف الزائدة لنقل البضاعة وسيتحملها طبعا المستهلك.

في الحصيلة زيادة أسعار المحروقات نتيجة مباشرة لارتفاع سعرها بالسوق العالمي وسيتولد عنها بشكل طبيعي زيادة عامة في أسعار كل السلع سواء المنتجة محليا أو المستوردة، مثلا ارتفاع في سعر النقل و/أو بسبب اعتماد بعض الشركات/الضيعات على المحروقات كمصدر للطاقة لتحريك وسائل الإنتاج (الآلات).

ليس ارتفاع سعر البترول السبب الوحيد لزيادة الأسعار القادم، بل تفكيك صندوق المقاصة تنفيذا لأوامر المؤسسات المالية الإمبريالية هو سبب آخر يفاقم التأثيرات الكارثية لتقلبات أسعار البترول. إضافة إلى استشراء فالفقر والبطالة الجماهيريين، ما يجعل أي تململ في أسعار السلع والخدمات يجعلها تحلق في السماء بعيدا عن متناول من بالكاد يحافظون على البقاء.

إن خوصصة الخدمات العمومية وإجبارية الأداء نظير خدمات متهالكة، تجعل الغالبية الكادحة لا قدرة لها على مجارات أي زيادة تثقل كاهلها، وأخيرا انهيار القدرة الشرائية للطبقة العاملة التي تجبر على الخضوع لاستغلال جهنمي بأجور زهيدة وغالبية المأجورين أجرتها لا تتعدى نصف الأجر القانوني دون الحديث عن الحيف المكرس بقوة القانون بين أجور القطاع الصناعي والفلاحي. إن مجمل السياسة الاقتصادية والنقدية والاجتماعية للدولة لا يمكنها أن تؤدى إلا إلى رفع الأسعار في تناقض صارخ مع تجميد قاس للأجور والتشغيل.

الغلاء: الرابحون والخاسرون

يجب التأكيد على دور صندوق النقد الدولي في إجبار الدولة على تحرير قطاع الطاقة برمته كالتزام مدقق لتسلم القروض. تحرير قطاع الطاقة ومنه تحرير أسعار المواد البترولية يعكس مصالح الشركات المتعددة الجنسيات المحتكرة للقطاع عالميا من الإنتاج والتكرير والتخزين والنقل وستكون الشركات الخاصة المحلية مجرد مقاول من الباطن ينجز مهمة ثانوية مقابل أتعابه.

الطبقة البرجوازية برمتها (بما في ذلك شركات توزيع المنتجات البترولية) من مصلحتها الحفاظ على دعم المنتجات البترولية في ظل الارتفاع الحاد للأسعار العالمية. يؤدي هذا الأخير إلى خفض حاد للقدرة الشرائية وارتفاع نسب خطر التضخم المنفلت، ما سيترتب عنه تضييق السوق الداخلية أمام الإنتاج المحلى التي أصبحت بدورها مفتوحة للمنافسة الخارجية. سيجبر ارتفاع الأسعار المقاولين على رفع الأجور التي تشكل العنصر الأساس في تنافسية الصادرات، وهو ما يخافه أي رب عمل.

هذا الضرر الذي قد يلحق البرجوازية، يدفعها إلى إبداء معارضة، لكن أرباب العمل يسعون إلى شيء واحد: أن تتجه الفوائد المترتبة عن ذاك التحرير إلى خزائن أرباب العمل والبرجوازية؛ وأن تتحمل الطبقات الكادحة تكاليف أي ارتفاع.

إن الطبقة العاملة وجماهير الشعب الكادح هم من يسدد فاتورة غلاء أسعار المواد البترولية، فالضرائب التي تقترب من بلوغ نصف سعر شراء المواد البترولية يستخلص بنفس المعدلات وهو ضغط كبير على الأجراء، والأخطر ما يجره ارتفاع أسعار الطاقة من موجة غلاء أسعار شاملة.

الرد الشعبي والعمالي دفاعا عن حياة تليق بالبشر

إن غلاء الأسعار يمثل خطرا مسلطا على الأجور والرواتب والمعاشات وهو سلاح تلجأ إليه البرجوازية لخفض الأجور الفعلية. يكمن دور منظمات النضال العمالية والشعبية في رفض دفع تكاليف غلاء الأسعار وعليها الدفاع عن الأجور والدخول الفعلية ضد كل الآثار المباشرة وغير المباشرة لغلاء الأسعار عبر جبهة عمالية شعبية تستند على قاعدة مطالب تتحدى هجوم البرجوازية ودولتها(2):

النضال من أجل تأميم عمومي لسلسلة قطاع الطاقة من الاستكشاف والاستخراج والتكرير (أو الشراء من الخارج) إلى التسويق.
العودة إلى تقوية صندوق الموازنة ومراقبته حتى لا ينهبه البرجوازيون
فرض ضريبة تصاعدية بنسب عالية على الثروة والأرباح للرد على مبرر استفادة الأغنياء من صندوق المقاصة.
زيادة عامة في الأجور لردم الهوة القائمة بين الأجور الفعلية وقيمة سلة السلع الضرورية للعيش.
تطبيق السلم المتحرك للأجور والمعاشات والأسعار بشكل دوري.
تامين دخل للعاطلين عن العمل والعاجزين لأسباب صحية.
التخلي الشامل عن الأداء في الخدمات العمومية، بل تعزيزها وتحسين جودتها خصوصا قطاعي التعليم والصحة.
المنظمات النقابية دورها الدفاع عن قاعدتها في حياة تليق بالبشر، وهو ما يجعل النضال ضد غلاء الأسعار من صلب مهامها، على قيادة الحركة النقابية المغربية التي أصابها الدوران والعجز مما شجع البرجوازية ودولتها على تحميل الطبقة العاملة والشعب الكادح أهوال خربة شروط حياتها على كل المستويات، الحركة النقابية رغم ما آل إليه وضعها لازالت القوة المنظمة الرئيسية التي بمقدورها أن تقود قاطرة النضال العمالي والشعبي دفاعا عن الخط الأخير قبل انسحاق شامل بلا مواجهة. إن مسؤولية اليسار النقابي جسيمة وحاسمة في إطلاق نضال عمالي من الأسفل ونسج علاقات تعاون نضالي مع منظمات وحركات نضال لرد العدوان البرجوازي.

لمزيد من التفاصيل الاطلاع على:
(1)- تحرير أسعار المنتجات البترولية وإلغاء دعم صندوق الموازنة،مخطط امبريالي لاستكمال السيطرة على قطاع الطاقة من كتيب “صندوق المقاصة، التقاعد الخدمات العمومية،الإضراب.مكاسب عمالية وشعبية يجب الدفاع عنها”.منشورات المناضل ة ماي2013.
(2)- الدفاع عن القدرة الشرائية للعمال ضد التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. ارنست ماندل. موقع جريدة المناضل ة.









مقلاةُ غلاء أسعار تكوي كادحي المغرب
سياسة
10 مارس، 2021
بقلم: وائل المراكشي

في عز أزمة اجتماعية متفاقمة إثر استمرار الأزمة الاقتصادية التي فجرتها جائحة كوفيد- 19، وإصرار الدولة على «تدبيرها» بمنظور أرباب الأعمال وتحميل أكلافها للشغيلة وصغار المنتجين- ات، ورد في تقرير للمندوبية السامية للتخطيط بعنوان «وضعية سوق الشغل خلال سنة 2020»: «في عام 2020، (…)، فَقَد الاقتصاد الوطني 432 ألف وظيفة مقابل خلق 165 ألف وظيفة في عام 2019». [1].
في ظل ذلك، شهدت أثمان مادة حيوية لاستهلاك كادحي- ات البلد زيادات صاروخية: 10 دراهم على 5 لترات من زيت المائدة، أي بنسبة تتراوح بين %10 و%15.
تتذرع شركات الزيوت بـ»ارتفاع أسعار النباتات الزيتية في الأسواق العالمية، خاصة وأن الإنتاج الوطني لا يلبي الطلب، وبالتالي يتم اللجوء إلى الاستيراد»، مكرسة فكرة الانفتاح على السوق الخارجية وكأنه تنزيل لا حول لنا ولا قوة إلا التسليم به.
إن عدم كفاية «الإنتاج الوطني» ناتجٌ عن سياسة واعية قائمة على تدمير الفلاحة المحلية والتركيز على منتوجات تسويقية يوجَّهُ معظمها نحو التصدير حاملة معها ملايين أطنان المياه إلى بلدان المركز الرأسمالي. إنها- إذن- نتاج التفريط في السيادة الغذائية للبلد الذي أضحى ينتج ما لا يستهلك، ويُفْرِط في استهلاك ما لا ينتج.
في حين أن التكيف مع أسعار السوق العالمية، ناتج عن تدمير آليات ضبط هذه السوق التي كانت تقوم الدولة بموجبها بدور المُعَدِّل، بإزالة الحواجز الجمركية انضباطا لاتفاقيات التبادل الحر والشراكة الحرة، فضلا عن تصفية شركات الاستيراد التابعة للقطاع العام، وفتح المجال للمستورِدين الخواص الحريصين على هوامش ربحهم، بينما تُلقى هوامش زيادة الأسعار على كاهل جيوب المستهلِكين- ات. وكان لإلغاء دعم مواد الاستهلاك الأساسية المأمور به من طرف صندوق النقد الدولي، دورٌ كبير في إطلاق تضخم الأسعار منذ عقود من الزمن.
زيتُ المائدة مادةٌ وسيطة أساسية في استهلاك كادحي- ات البلد، ولذلك فإن أي زيادة ستؤدي إلى إطلاق سلسلة زيادات في مواد استهلاك أخرى: الحلويات والفطائر والمأكولات الجاهزة.
تأتي هذه الزيادات في سياق الدعاية الإعلامية الضخمة المتعلقة بـ»إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية»، كي تكون «أكثر فعالية وأكثر استهدافا للفقراء» بمفاهيم البنك العالمي. وضمن هذا «الورش الاجتماعي» كما يُطلق عليه نفاقا (إلى جانب «تعميم التغطية الصحية…) هناك ادعاءُ دعمِ القدرة الشرائية عبر السجل الاجتماعي لتوجيه مبالغ محددة الاستهداف إلى شرائح بعينها من المفقرين. وكان هذا المبرر وراء إلغاء الدعم عن مواد الاستهلاك الأساسية وتصفية صندوق المقاصة تحت ذريعة أنه غير منصف وتستفيد منه الطبقات الغنية أكثر من الفقيرة.
ستقضم الزيادة في أسعار زيت المائدة، والزيادات المتوقعة مستقبلا في مواد أخرى (إن لم يقف رد الفعل العمالي والشعبي في وجهها)، أجورَ الشغيلة ومداخيل باقي الطبقات الشعبية (صغارُ المنتجين- ات بالقرى والمدن)، في حين تتضخم حصة الرأسماليين وكبار الوسطاء والمضاربين وشركات الاستيراد من الثروة التي تنتجها الشغيلة.
تجارب النضال ضد غلاء الأسعار
نهض كادحو المغرب بشكل دوري لمواجهة واقع لم يعد قابلا للتحمل. فالانسحاق في أعمال شاقة تعصرهم دون أدنى حقوق أساسية وبأجور متدنية تجعل من أي زيادة في الضرائب وأسعار مواد الاستهلاك تقهقرا شديدا لأوضاعهم المعيشية.
فجَّر هذا انتفاضات شعبية في المدن جوبهت بقمع دموي (انتفاضة 20 يونيو 1981، 19 يناير 1984، 14 ديسمبر 1990). كما برزت نضالات ضد الغلاء أهمها تنسيقيات ضد غلاء الأسعار 2007- 2008، ونضالات ضد غلاء أسعار الماء والكهرباء أهمها نضالات بوعرفة لمقاطعة أداء فواتير المياه لمدة ثلاث سنوات ونصف من 2006-2010… وسيدي يوسف بن علي بمراكش 29 مارس 2012 ضد غلاء أسعار الكهرباء والاحتجاجات الشعبية الضخمة ضد شركة أمانديس بطنجة 2015، وقبلها نضالات ساكنة يعقوب المنصور ضد شركة ريضال الاستعمارية 2002-2003.
كانت حملة مقاطعة ثلاث شركات كبرى (ماء سيدي على، شركة أفريقيا للمحروقات، منتوجات سانطرال)، آخر ابداعات مقاومة جشع رأسماليين ينهبون الشعب بألف حيلة وحيلة. نجحت المقاومة في ابطاء الهجوم دون القدرة على وقفه، فسرعان ما يجد طريقه للتنفيذ معمقا تدهور أوضاع عيش غالبية الشعب الكادح… يستمر الهجوم، يستمر النضال ضده حتى انتصار.
كيف نحمي القدرة الشرائية
علينا الدفاع داخل المنظمات النقابية عن أحد أهم المطالب المركزية لحماية القدرة الشرائية للشغيلة: السُّلم المتحرك للأسعار والأجور. يشكل ربط الأجور بالأسعار أحد وسائل حماية دخل الأجراء من الانهيار. تعمد الدولة إلى تقديم زيادات هزيلة في أجور العمال وترفع الأسعار بنسب كبيرة وتسلط الضرائب والاقتطاعات من الأجور. ونظرا لارتفاع البطالة الجماهيرية وكونها من الخصائص البنيوية للاقتصاد المغربي فان النضال لأجل التعويض عن البطالة ولأجل دخل للجميع أمر لا مفر منه لحماية شغيلة يرفض النظام الاقتصادي أن يوفر لها مناصب عمل.
وضعت تصفية صندوق المقاصة شغيلةَ المغرب تحت رحمة لهيب الأسعار في السوق العالمية دون الاستفادة من تراجعها بسبب ألاعيب الشركات الكبرى، ويعمق تحرير سعر صرف الدرهم المشكل ويجعل غلاء الأسعار واردا بشكل دائم.
إن النضال لأجل استمرار صندوق المقاصة وإضافة كل المواد الأساسية إلى لائحة المواد التي يدعمها وأن يمول بفرض الضريبة على الثروة، نقطة برنامجية على جدول النضال العمال والشعبي.
لا حل خارج النضال العمالي والشعبي
اضطرت الدولة تحت لفح سياط الانتفاضات الإقليمية سنة 2011، وامتدادها المحلي المتمثل في حركة 20 فبراير وما وازاها من دينامية نضال اجتماعية، الى رفع ميزانية الدعم بشكل ملموس حيث ارتفعت من 4 مليار درهم خلال سنة 2002 لتصل إلى 49 مليار درهم في سنة 2011 و56 مليار درهم في سنة 2012.
وفي سنة 2018، أجبرت حملة مقاطعة شعبية انطلقت من وسائل التواصل الاجتماعي وانتقلت جزئيا إلى الواقع، الشركات الرأسمالية التي استهدفتها هذه المقاطعة، إلى تخفيض أثمان منتوجاتها، إضافة إلى أساليب احتيال لتخفيف الأضرار (تغيير اسم المنتوج، عروض…).
يستغل أرباب العمل ودولتهم ظروف الطوارئ الصحية التي يجري تمديدها بشكل مصطنع، رغم ادعاءات التغلب على انتشار الجائحة وتراجع الإصابات والوفيات، من أجل تحميل الشغيلة والكادحين- ات كلفة الخروج من الزمة الاقتصادية، وفي الآن ذاتهم كبح الاحتجاج.
تتعدد جبهات الهجوم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب. تمثل الزيادة في أسعار زيت المائدة مناوشة صغيرة مقارنة بما يعده الرأسماليون ودولتهم مستقبلا من هجمات، ولا يمكن ردها إلا بتظافر الديناميات العمالية والشعبية القائمة في الميدان وتعبيراتها الإعلامية (وسائل التواصل الاجتماعي) التي أصبحت تلعب دورا كبيرا في إطلاقها ونسج سبل التواصل والتضامن بينها.
لنناضل من أجل سياسة اجتماعية تحمى القدرة الشرائية للأجراء وتُمكِّن قسمها المعطل من حد أدنى من الدخل، سياسة قائمة على التحكم في قوانين السوق العمياء في أفق إسقاطها، بدل أن نكون- نحن البشر- أدوات لا حول ولا قوة لنا إزاءها: سياسة دعم عمومية تتحمل كلفتَها طبقةُ الرأسماليين عبر ضرائب تراكمية على الثروة والأرباح، استعادة الإشراف العمومي على الاستيراد والتصدير، وسياسة سيادة غذائية قائمة على دعم الفلاح الصغير والقطع مع الفلاحة التصديرية.[1] https://www.hcp.ma/La-situation-du-marche-du-travail-en-2020_a2650.html










حصيلة الهجوم على صندوق الموازنة
الجمعة 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
المناضل-ة عدد: 32

حمزة


توحي الدعاية الرسمية حول إصلاح صندوق الموازنة خلال السنة الجارية بأن الأمر يتعلق ببرنامج جديد، في حين أن الحكومة شرعت في تطبيق الهجوم مند عقدين ونصف بحيث يمكن القول إن نظام الدعم قد جرى تصفيته بكامله تقريبا، ولم يتبق منه إلا الهيكل. فبعدما كان عدد المواد المدعمة في بداية السبعينات يبلغ سبعة، هي الحليب و الزبدة و الزيت و السكر و غاز البوتان و الدقيق الوطني فارينا و الدقيق الممتاز المستخرج من القمح الصلب، لم يتبق منه حاليا إلا ثلاثة هي السكر و الدقيق الوطني و غاز البوتان. و هذه المواد نفسها جرى تحريرها جزئيا مند مدة طويلة. غاية تجديد الكلام عن الإصلاح، إذن، هي استكمال الهجوم بالقضاء على مبدأ الحق في الدعم عن طريق إقناع الفقراء بعدم جدوى التشبث به.

دور صندوق الموازنة

يشكل نظام دعم المواد الغذائية الأساسية المعروف بصندوق الموازنة- او المقاصة- جزءا من سياسة السدود التي طبقتها الدولة ابتداء من أواسط الستينات إلى بداية الثمانينات، لذلك يبدو ضروريا التطرق لمضمون هذه السياسة كي يسهل التعريف بصندوق الدعم. كان هدف سياسة السدود تشجيع الاستثمارات الرأسمالية في الزراعة، لذلك تركز أغلب المجهود الاستثماري المالي للدولة على المحاور السقوية التي تتركز بها الأراضي بين أيدي الملاكين الكبار. و قد استفاد هؤلاء من خدمات بنيات تأطير و دعم تقني تابعة للدولة كالخدمات التي كانت تقدمها المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي و الشركات التابعة للدولة كفيرتيما التي كانت تقدم مخصبات بأقل تكلفة ... بالإضافة إلى الدور الذي لعبه البحث الزراعي وتكوين الأطر في إمدادهم بأطر تقنية فلاحية. قامت الدولة أيضا بتقديم حوافز مالية مغرية للمستثمرين شملت إعفائهم من جزء هام من تكاليف التجهيزات المائية وإعفاءات على استهلاكه و دعم مالي لصالح عوامل الإنتاج و تقديم قروض بشروط تحفيزية و إعفاء استثماراتهم من الضريبة الفلاحية.

كانت الدولة، أخيرا، تتوفر على مخطط لتنمية إنتاج المواد الغذائية الأساسية كالحليب و الزبدة والقمح الصلب و القمح الطري و الشعير و الدرة و المنتجات الزيتية و السكرية و القطاني. و فضلا عن تقديم الدعم التقني لتطوير إنتاجية هذه المواد كتقديم البدور المنتقاة، عملت الدولة من خلال هذا المخطط على تقوية الحماية الجمركية للسوق الداخلي. وكانت تنهج سياسة للتسويق تشمل الإشراف على واردات هذه المواد و تحديد رسمي لأسعارها لدى الإنتاج بحيث تضمن بموجبها أرباح المنتجين الكبار. و استكملت سياستها بإرساء دعم لأسعار استهلاك أغلب هذه المواد من خلال صندوق الموازنة.

كان دور صندوق الموازنة متمثلا في الحفاظ على أسعار استهلاك منخفضة مقارنة بسعر إنتاجها و تحويلها العالي، لذا يقدم الدعم لتعويض الفارق مباشرة إلى معامل التحويل. و قد كانت هذه الأخيرة تقتني هذه المواد لدى المزارعين بالأسعار الرسمية لدى الإنتاج العالية و المتضمنة لهامش ربح مضمون. كما كانت تحصل على واردات المواد المذكورة مضاف إليها رسوم الحماية الجمركية العالية. و فضلا عن تضمنه لجزء من سعر اقتناء هذه المواد، كان الدعم يشمل أيضا جزءا من تكلفة التحويل نفسها كالتخزين و التلفيف و النقل...إلخ. و بذلك كان صندوق الموازنة يحافظ أيضا لأرباب معامل التحويل على هامش ربح مضمون.

باختصار يتمثل الدور الطبقي لنظام الدعم في تدخل الدولة موجهة "بسياسة السدود" و ضمنها سياسة استقرار الأسعار في كل مراحل مسلسل الإنتاج لتحديد سعر البيع لكل طرف، أي في الأخير هامش ربح لكل من المزارعين و الوسطاء و شركات التحويل. و لا يتحدد حجم الدعم إلا عند نهاية هذا المسلسل عن طريق تحديد الفارق بين سعر التكلفة النهائي و سعر البيع العمومي، ويتم رصد الدعم ليغطي هذا الفارق. يتوقف حجم الدعم، إذن، على حجم التراكم الذي يحدث عند كل مرحلة من مراحل تشكل سعر التكلفة. أي أن كل درهم يثقل، بسبب أو لآخر، هذا السعر هو في النهاية درهم إضافي تتحمله الدولة. فبالنسبة لمنتجي المواد الغذائية الأساسية تخدم سياسة الأسعار الرسمية لدى الإنتاج مصالح ملاكي الأراضي من البرجوازيين، حيث استطاعوا بفضلها أن يجنوا أرباح هائلة لأنهم يوجهون معظم الإنتاج نحو السوق. لكنها غير ذات جدوى بالنسبة للفلاحين الصغار الذين يشكلون الغالبية الساحقة من سكان القرى لأن إنتاجهم يوجه فقط لتلبية استهلاكهم الذاتي. أما بالنسبة لشركات التحويل فقد ضمنت لها طريقة حساب حجم الدعم أرباحا مهمة. فهي من جهة تمكن المصانع المتوفرة على شروط الإنتاجية من مراكمة أرباح طائلة. فكلما تزايدت المبيعات تزايد حجم الدعم. لكنه يضمن من جهة أخرى حتى للشركات الغير المتوفرة على شروط الإنتاجية أرباح دائمة و مضمونة ما دام الدعم يحتسب على أساس عامل آخر هو حجم التكلفة. إذ كلما ارتفعت التكلفة لسبب من الأسباب إلا و ارتفع الدعم بشكل يضمن للمصانع الحصول على هامش الربح ذاته بغض النظر عن حجم تكلفة بضائعهم. لا يحتسب الدعم،إذن، على أساس سعر المواد الفلاحية المعنية، أي أسعارها لدى الإنتاج فقط، و لكن يبنى اعتمادا على كل ما يثقل حجم التكلفة في مختلف عمليات التحويل الجارية في المصانع. سواء تعلق الأمر بمصاريف الصيانة أو الطاقة أو أجور العمال أو التلفيف أو النقل ...إلخ كلها تتحملها الدولة عن طريق صندوق الموازنة حتى تحافظ لشركات السكر و الحليب و الزيت ... على أرباحها.

هل دعم صندوق الموازنة لا يستفيد منه إلا الأغنياء؟

رغم أن نظام دعم مواد الاستهلاك الأساسية يشكل في جانب منه آلية بيد الدولة لتوطيد مصالح مصانع التحويل و الملاكين العقاريين الكبار و الشركات التجارية، إلا أنه يعد مكسب هام للجماهير الشعبية لأنه يشكل دخلا غير مباشر لاستهلاكهم. يبلغ حجم دعم السكر حوالي 50 في المائة من سعر البيع العمومي، و دعم الخبز يبلغ حوالي 40 في المائة، أما دعم غاز البوتان فيبلغ حاليا أكثر من 60 في المائة من السعر العمومي. و كان دعم الزيت يبلغ قبل إلغائه أكثر من 50 في المائة من السعر العمومي. يبدو إذن أن حجم الدعم يشكل جزءا هام من سعر بيع مواد الإستهلاك المدعمة حاليا أو تلك التي قامت الدولة بإلغائها سابقا. لكن يصبح حجم هذا الدعم تافها جدا إذا قارناه بالدخل الشهري لأسرة عامل تتكون من سبعة أفراد. كانت أسرة هذا العامل تحصل في عقد الثمانينات في المتوسط على دعم سنوي يبلغ حوالي 500 درهم، أي أن رب الأسرة يحصل كل شهر على مبلغ يقارب 40 درهم الذي يمثل نسبة هزيلة مقارنة مع الحد الأدنى للأجور.

روج البنك العالمي، في مسعاه لإلغاء نظام الدعم، أن صندوق الموازنة لا يستفيد منه إلا الأغنياء. و لدعم أطروحة البنك قدمت وزارة الشؤون العامة دراسة تفيد حصول الأغنياء على ضعف الدعم الموجه للفقراء، أي استفادتهم من دعم يبلغ 300 درهم للشخص في السنة، مقابل 150 درهم فقط للفقراء.

باستعمالهما لهذه الحجة يبدو كل من البنك العالمي و الحكومة كمدافعين عن المصالح الطبقية للفقراء، و الحقيقة هي عكس ذلك تماما. فالحجة التي يستند عليها البنك العالمي و الحكومة و المروجة بشكل كثيف في المنابر الصحفية الليبرالية غير صحيحة إلا بشكل جزئي: أولا، لأن مبلغ الدعم المذكور الذي تحصل عليه الأسرة الغنية لا يمثل شيئا بالنسبة لدخلها، في حين أن 150 درهم تمثل حوالي أجر يومان لأسرة عامل بالحد الأدنى للأجور. ثانيا إن جزء من الأغنياء فقط هم الذين استفادوا من نظام الدعم أكثر من بقية الشعب، وبالأخص فقراءه، وهم ملاكي الأراضي الكبار المنتجين للمواد الغذائية الأساسية، و أرباب المطاحن، و أرباب معامل الزيت و السكر و الحليب، خاصة المجموعة الرأسمالية الاحتكارية أونا التي احتكرت لعقود لوحدها تقريبا إنتاج هذه المواد الثلاثة.

حصيلة هجوم البنك العالمي على صندوق الموازنة

شرع كل من البنك العالمي و الحكومة في الهجوم على نظام دعم المواد الغذائية الأساسية بالموازاة مع تنفيذ سياسة التقويم الهيكلي في القطاع الفلاحي التي دخلت حيز التطبيق منذ 1985 وتجلت أهم مظاهرها في: إلغاء دعم عوامل الإنتاج بالتدريج وانسحاب الدولة من الأنشطة ذات الطابع التجاري خاصة تجارة المخصبات والخدمات البيطرية. وفي المحاور السقوية تخلت المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي عن كل تقديم للخدمات والعمليات ذات الطابع التجاري التي أصبحت تباع بسعر السوق. كما جرت خوصصة عدة شركات ذات طابع فلاحي، بعضها كان يقدم خدمات التزود بالبذور والمخصبات...، ساهمت في الحد من تكلفة المواد الفلاحية. يضاف إلى ذلك تحرير واسع للتجارة الخارجية للمنتجات.

كان من الطبيعي أن يستكمل كل ذلك بتحرير أسعار المنتجات الغذائية الأساسية (زيت، سكر، حبوب...) بتواز مع نزع التقنين عن قطاعات التحويل(مطاحن، معامل الزيوت، معامل السكر...) وإلغاء دعم الاستهلاك الذي يشرف عليه صندوق الدعم. كان في مقدمة المطالبين بإلغاء دعم المواد الغذائية الأساسية البنك الدولي في تقريره "كيفية توزيع الدعم الغذائي على فئات السكان ذات الدخل الضعيف" الصادر في أكتوبر1983. وبرر ذلك بثقل حجم مصاريف الدولة من الدعم حسب زعمه ، وأنه لم يؤد إلى تحسين استهلاك الساكنة الأكثر فقرا، وعلى العكس فإن الفئات الغنية هي التي تستفيد. مما حدى بالدولة إلى الاستجابة لتوصيته بإلغاء دعم مادتين أساسيتين لتغذية متوازنة هما الحليب والزبدة وذلك في نفس السنة، وبعدها تواصل الهجوم بالتدريج طوال الثمانينات ليبلغ أوجه في سنة 1996.

و باستثناء سنة 1983 التي قامت خلالها الدولة بإلغاء دعم مادتي الحليب و الزبدة دفعة واحدة، فإنها عملت منذ أواسط الثمانينات إلى حدود الآن على تمهيد الطريق نحو الإلغاء بإجراءات هجومية تدريجية شملت المحاور التالية: رفع أسعار الاستهلاك و التحرير التدريجي لواردات المواد الغذائية و تحديد سقف لتحمل مصاريف الدعم.

فبعد أن ألغت الدولة مادتي الحليب الزبدة من لائحة المواد المدعمة، قامت في سنة 1984 بإلغاء دعم الغازوال الفلاحي، و في السنة الموالية لم يبق الدعم ساريا إلا بنسبة 20 بالمائة فقط من إنتاج الدقيق الرفيع المستخرج من القمح الصلب، كما أصبح الدعم مقتصرا على 80 في المائة فقط من الدقيق الوطني المستخرج من القمح الطري فارينا. و في سنة 1986 حدد دعم الدقيق في حصة قدرها عشرة مليون قنطار فقط، أي أن كل استهلاك يتجاوز هذا السقف لن يخضع للدعم. و في سنة 1988 شنت الحكومة هجوم واسع النطاق شمل تحرير كامل لأسعار القمح الصلب و الشعير و الدرة لدى الإنتاج، بالإضافة إلى إلغاء 20 في المائة الباقية من دعم أسعار استهلاك القمح الصلب. و تقوم الحكومة في سنة 1991 بإلغاء دعم عوامل الإنتاج التي كانت موجهة للمخصبات و البذور. و في سنة 1995 جرت المصادقة على تحرير أسعار المحروقات وذلك بربطها بأسعار السوق العالمية لروتردام.

وصل الهجوم الليبرالي على صندوق الموازنة إلى مداه في 1996 ،مشكلا بذلك منعطفا هاما في اتجاه إلغاء الدعم، إذ شمل الهجوم تحرير واردات الزيت و تحرير أسعار النباتات السكرية لدى الإنتاج: فبالنسبة لقطاع الزيوت جرى في ماي تحرير واردات البذور الزيتية و الزيت بتقليص جدري للاقتطاعات الجمركية التي انتقلت من 25 في المائة إلى 2 ونصف في المائة، كما تم تحرير الزيت الصافي و المشتق في يونيو من السنة نفسها. و يؤدي هذا الهجوم إلى خرابا فعلي لإنتاج حوالي 34 ألف من مزارعي النباتات الزيتية، من نوار الشمس و غيرها. أما بالنسبة لقطاع السكر فقر تقرر في نفس السنة تحرير أسعار النباتات السكرية، أي الشمندر وقصب السكر، لدى الإنتاج. و أصبح التفاوض بشأن الأسعار يتم مباشرة بين المنتجين الممثلين في إطار جمعيات و معامل السكر بعدما كانت محددة بسعر رسمي و مضمون من قبل الدولة. إضافة إلى أن الفلاحين أصبحوا أحرارا في زراعة الشمندر بعدما كانوا ملزمين، في إطار عقود زراعية، بإنتاجه.

تسارع بعد ذلك هجوم البنك العالمي و الحكومة على نظام الدعم، ففي سنة 1998 أعلنت وزارة الشؤون العامة المكلفة بالإشراف على صندوق الموازنة عزمها تطبيق تدبير جديد للموارد المالية للصندوق يقتضي بأن يكون حجم الدعم المرصد مرتبطا بمستوى العجز أو عدمه في الميزانية و أن يستهدف الدعم الفئات الضعيفة. لم يدل الوزير هنا بأي جديد، و إنما كشف فقط البرنامج الذي تطبقه الحكومة منذ أواسط الثمانينات، مجددا التزامها بتطبيق تعاليم البنك بحذافيرها. و في سنة 2000 طبق التحرير الشامل لقطاع الزيوت الغذائية، بما فيها أسعار الاستهلاك و إلغاء دعم صندوق الموازنة. و بدأ في السنة الموالية العمل بمقتضيات قانون الأسعار و المنافسة. و في سنة 2005 خوصصة الدولة أربعة مصانع للسكر لصالح المجموعة الرأسمالية الاحتكارية أونا.

برنامج إصلاح صندوق الموازنة لسنة 2010

خلال السنة الحالية روجت الحكومة لشروعها في تطبيق إصلاح نظام الدعم مستندة على مبررات تكلفته الباهضة و عدم فعاليته مدعية أنه لا يخدم غير الأغنياء، في حين شنت الصحافة الموالية لها حملة دعائية للإصلاح عارضة سيلا من المعطيات لدعم حجج البنك العالمي و الحكومة. ففي بداية السنة شكلت الحكومة لجنة من الجامعيين كلفتها بإعداد برنامج لإصلاح صندوق الموازنة. يرأس اللجنة مستشار الملك مزيان بلفقيه وينسق أعمالها نور الدين العوفي و من بين أعضائها صلاح الذين مزوار و سعد حصار كاتب الدولة للداخلية. أعدت اللجنة برنامجا للإصلاح يتضمن: تحديد سقف لمستوى الدعم والذي لا ينبغي أن يتجاوز 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام و إنشاء صندوق موجه للاستثمار الاجتماعي و دمج الولوج إلى الخدمات الأساسية بتوجيه إعانات مباشرة إلى الفقراء. ليس غاية هذه اللجنة إعداد برنامج للإصلاح، وإنما استعمالها كواجهة للدعاية عبر استثمار دور بعض الدارسين الذين يحضون ببعض "الصدقية العلمية" و الصيت في أوساط النخب المثقفة. وقد دأبت الحكومة على تشكيل مثل هذه اللجان الشكلية كإجراء وقائي لمرافقة الإصلاحات الجوهرية، خاصة التي تمس المكاسب الاجتماعية للفقراء. إن من يملك سلطة الإشراف على إعداد البرامج التي تطبقها الحكومة ببلادنا هو البنك العالمي الذي سبق و وضع الخطوط العامة لإصلاح صندوق الموازنة في برنامجه "كيفية توزيع الدعم الغذائي على فئات السكان ذات الدخل الضعيف" الصادر في أكتوبر1983. و الذي طبقته الحكومة منذئذ بالتدريج. و قد أعاد البنك العالمي التذكير بهذا البرنامج مع دمج تفاصيل لتطبيقه في وثيقته المتضمنة لتوصياته للحكومة حول "محاربة الفقر" الصادرة في مارس 2001 بعنوان "تحيين الفقر في المغرب".

يوصي البنك العالمي الحكومة في فقرة "إصلاح دعم مواد الاستهلاك الغذائية": أفضل طرق الإصلاح من ناحية التكلفة المنخفضة و الفعالية المتزايدة هي: أولا، تخفيض متوازي للحماية الجمركية و لدعم المواد الغذائية. ثانيا، إدراج مساعدة مالية مستهدفة للمجموعات ذات الدخل المنخفض. أما أموال الميزانية المحصل عليها نتيجة تقليص الدعم فيمكن توجيهها إلى برامج يستفيد منها الفقراء، مثلا برامج الأشغال العمومية كأشغال التجهيز بالقرى، و محاربة الأمية، و الخدمات الأساسية بالوسط القروي، و المساعدة و التكوين المستهدف بشكل خاص للفقراء. و هذه التوصيات هي التي تطبقها الحكومة بإخلاص بإشراف موجهها البنك العالمي الذي نظم خبراءه في أبريل 2008 ورشة تكوينية لأعضاء الحكومة لجعلهم يستفيدون من تجربة الهجوم على نظام دعم المواد الغذائية ببلدان المكسيك و أندونيسيا. واستقدم البنك لهذا الغرض وزراء هذين البلدين اللذان أشرفا على تطبيق الهجوم ليقدما تفاصيل الإصلاح ببلديهما: إلغاء تدريجي لدعم المواد الغذائية و استبداله ببرنامج دعم مالي مشروط بالنسبة لأفراد الأسر الفقيرة بزيارات إلزامية للمستشفى و بذهاب الأطفال إلى المدرسة، كما عرضت تقنيات إحصاء الساكنة المستفيدة، وتوزيع الدعم المستهدف للفقراء و تقييم آثاره...إلخ. و بعد ذلك أشرف البنك العالمي على تنظيم زيارات ميدانية لأعضاء الحكومة في يوليوز 2008 للبلدان التي شهدت إصلاح نظام الدعم، الزيارة الأولى لأندونيسيا، و الثانية للمكسيك، والثالثة للشيلي.

و قد كشفت الحكومة عزمها تطبيق هذا البرنامج في سنة 2008 التي شهدنا خلالها رواجا واسعا لخطوطه في المنابر الصحفية الليبرالية آنذاك، لكن اندلاع الأزمة الغذائية و موجة الارتفاع الحاد للأسعار الذي رافقها و ما نجم عنها من نضالات جماهيرية واسعة في عدد من البلدان التبعية الفقيرة، تم أخيرا نشوء اللجان المحلية لمناهضة ارتفاع الأسعار جعل الحكومة و البنك العالمي يتريثان إلى غاية 2010 حيث أعلن عن تطبيق البرنامج التالي:

- تقليص النفقات المخصصة لصندوق الموازنة لكي لا تتجاوز سقف 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام

- برنامج توجيه الإعانات النقدية المشروطة لصالح الفقراء: و تشتمل توجيه إعانات للولوج إلى التعليم طبق في بداية هذه السنة بتوزيع مليون محفظة مدرسية في إطار "عملية تيسير" مولها صندوق الموازنة. كما قام صندوق الموازنة أيضا بتمويل إدراج لقاحين جديدين ضمن البرنامج الوطني للتلقيح للحد من الوفيات في صفوف الأطفال حديثي الولادة، ويعد هذا الإجراء تطبيقا لبرنامج وزارة الصحة في إطار أهداف الألفية للتنمية. و تشترط الحكومة على الأسر الفقيرة الراغبة في الحصول على الإعانات تمدرس الأطفال و تتبع الإشراف الطبي للحوامل و الأطفال. كما أقحمت الحكومة"نظام المساعدة الطبية للمعوزين" ضمن برنامج الإعانات المستهدفة للفقراء.

كيف سيؤدي إلغاء الدعم إلى احتداد فقدان السيادة الغذائية

يتجلى إذن من خلال سيرورة الهجوم على نظام الدعم المعروضة أعلاه أن البنك العالمي هو الموجه لبرنامج الإصلاح و المشرف على التنفيذ. أما دور الحكومة فينحصر في تنفيذ أوامره، بحيث تفتقد لحد أدنى من الاستقلالية السياسية اتجاهه. و لا يعد ذلك غير إحدى تجليات السيطرة الإمبريالية على بلادنا، فالبنك العالمي يمثل مصالح الشركات المتعددة الجنسيات المنتجة للغذاء الساعية لغزو الأسواق بإنتاجيتها المرتفعة.

إن الحقيقة التي يريد البنك إخفائها هي أن دور صندوق الموازنة لا يتوقف عند حدود تقديم دعم للاستهلاك، و إنما يتجاوزه ليشكل جزءا من سياسة حماية السوق الداخلي للمنتوجات الغذائية الأساسية الذي يرتبط به مصير عدة ملايين من الفلاحين الصغار، كما يشكل أيضا إحدى الأدوات للحفاظ على استقرار أسعار المواد المذكورة اتجاه التقلبات الحادة للأسعار العالمية. باختصار لا يجب تناسي أن نظام الدعم يعد أيضا إحدى آليات ممارسة السيادة الغذائية.

كان من العواقب المباشرة لتحرير التجارة الخارجية للمواد الفلاحية الأساسية تدمير جزء هام من الإنتاج المحلي. فبعدما كانت المساحات المزروعة بالشمندر السكري تبلغ 66 ألف هكتار مساهمة في ضمان حوالي 65 في المائة من الاكتفاء الذاتي تقلصت مباشرة بعد تخفيض الحواجز الجمركية و إلغاء الدعم الموجه للإنتاج إلى اقل من النصف، وهو ما سيؤدي بالفعل إلى تقلص نسبة الاكتفاء الذاتي بنفس الحجم. و نفس العواقب فرضت على الزراعات الزيتية. إن هذا الهجوم يؤدي الآن إلى تفقير المزارعين المقدر عددهم بحوالي 80 ألف مزارع بالزراعات السكرية و 34 ألف أسرة بالزراعات الزيتية. كما يفاقم من بطالة العمال الزراعيين المقدر عددهم ب500 ألف عامل بالزراعات السكرية. وقد اعترف البنك العالمي في تقريره المذكور آنفا بأن عواقب إلغاء صندوق الموازنة ستعصف بشكل مباشر بمصير مليون مزارع مرتبطين بزراعة المنتوجات الغذائية الأساسية.

و نتيجة لهذه السياسة تفاقمت التبعية الغذائية، خاصة بالنسبة للحبوب التي تضاعفت قيمة وارداتها بأكثر من ثلاثة مرات و نصف في ظرف 20 سنة ليحتد هذا الارتفاع مع بداية التسعينات موازاة مع سياسة التحرير. وتشكل الحبوب إحدى محاور الحرب التجارية بين القطبين الرئيسيين للإمبريالية الإتحاد الأوربي و الولايات المتحدة الأمريكية. و يمثل رهان الإستحواد على السوق المغربي إحدى أهداف الاتفاقات التي أبرماها مع المغرب. و نتساءل كيف يمكن الذهاب بعيدا في تطبيق سياسة التحرير في ظل حرب حقيقية تخوضها البلدان المصدرة للمواد الفلاحية مستعملة من جهة ترسانة كاملة من الإعانات لتخفيض أسعار منتجاتها لجعلها أكثر تنافسية، و من جهة أخرى فرض حواجز على نفس المواد لتحطيم منافسيها؟

رغم أن نظام دعم المواد الغذائية الأساسية يشكل في جانب منه آلية بيد الدولة لتوطيد مصالح مصانع التحويل والملاكين العقاريين الكبار والشركات التجارية، فإنه مكسب للجماهير الشعبية يجب صونه والدفاع عنه وتطويره ليشمل تغطية مواد غذائية أساسية بالفعل وغنية بالبروتينات كالحليب ومشتقاته والخضروات والفواكه واللحوم... ومن جهة أخرى وجب تدعيم ملايين من الفلاحين الفقراء المنتجين للمواد الغذائية الموجهة للسوق الداخلية. ولكي لا يبقى الصندوق مصدرا للنهب يجب فرض رقابة شعبية على تسييره المالي والإداري و توجيه أولوياته في انسجام مع سياسة فلاحية بديلة تتجه بالأساس نحو تلبية الحاجات الغذائية للساكنة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

إن الحركة النقابية معنية مباشرة بالنضال ضد الهجوم النيوليبرالي على هذا المكسب. كما أن الحركات الاجتماعية المناضلة من أجل الخدمات الاجتماعية والعمومية مدعوة لدمج مطلب الحفاظ على الصندوق وفرض رقابة شعبية على توجهاته وتسييره المالي والإداري ضمن مطالبها الأساسية، وتعبئة كل الطاقات لصد الهجوم النيوليبرالي. ذلك أن الإجهاز على الصندوق يعد هجوما مباشرا على جزء من أجر الطبقة العاملة وجزء من قوت باقي الجماهير الشعبية.

حمزة

دجنبر 2010 للمزيد من التفاصيل الرجوع إلى :

- نجيب أقصبي، ادريس الكراوي، "رهانات فلاحية"

- مذكرة البنك العالمي حول"الحماية الاجتماعية بالمغرب" الصادرة في دجنبر 2002

- تقرير البنك العالمي حول "تحيين الفقر بالمغرب" الصادرة في مارس 2001

- تفاصيل السياسة الفلاحية بالعدد الثاني من جريدة المناضل-ة

- صندوق الدعم الصادر بالعدد العاشر من جريدة المناضل-ة

- أرشيف جرائد لكونوميست و لافي إكونوميك

بحث
المناضل-ة عدد 41


حمزة

من يسيطر على صادرات المغرب من الفواكه و الخضروات؟
اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوربي و المغرب: منطق الأقوى لنهب الثروات السمكية
أسباب رفض البرلمان الأوربي تمديد اتفاق الصيد مع المغرب لسنة واحدة
حوادث الشغل و الأمراض المهنية: تحويل صناديق العمل إلى صندوق الإيداع و التدبير إضرار بحقوق الضحايا




من يتحمل مسؤولية الغلاء؟
بقلم، أزنزار
سياسة
21 مارس، 2020
من أجل إجراءات لضمان تزود الكادحين- ات بمواد الاستهلاك الأساسية
حل خطاب الخطر محل خطاب التطمين الذي أصرت عليه الدولة في الأيام الأولى لانتشار الوباء السريع عالميا. انتقل الهلع إلى صفوف “الشعب”، وبدأت مظاهر الاستعداد غير المنظم لمواجهة الوباء على شكل إقبال كثيف على الأسواق لتكديس الحاجيات.
انتشرت خطابات احتقار الشعب وانبعاث “ثقافة التخزين البدائية”، بدل التطرق للأسباب العميقة للظاهرة: تحرير الأسواق، تحرير سعر الدرهم، توجيه الفلاحة نحو التصدير. فتحميل الشعب مسؤولية الكوارث أفضل بكثير، بالنسبة لصحافة السوق، من تحميله لآليات هذه السوق ذاتها.
“المستهلك يتحمّل بدوره نصيبا من المسؤولية بسبب الإقبال الشديد على التبضع”، هذا ما كتبه صحفي في موقع هسبريس، بعد أن حَمَّلَ جزءً آخر من المسؤولية للتجار. [“هل يتحمل المغاربة مسؤولية الارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية؟”، هسبريس – محمد الراجي، 20 مارس 2020].
يشرح الصحفي القاعدة الاقتصادية قائلا: “القاعدة المنظمة لتعاملات السوق هي العرض والطلب، فكلما زاد الطلب على السلع قلّ العرض، ومن ثم ترتفع الأسعار، خاصة وأن قانون حرية الأسعار والمنافسة لم يحدد سقفا معينا للربح، وإن كانت السلطات تتدخل عندما يتم تجاوز الحدود المعقولة”.
لم يقم الشعب إذن إلا بالاستجابة لقاعدة اقتصادية قننتها الدولة بنزع التقنين عن السوق والتخلي عن ضبطها وإطلاق حرية الأسعار، وبالتالي إطلاق العنان لقانون العرض والطلب. ويتبدى جليا، إذن، أن قوانين السوق تخدم أرباب العمل في لحظات الأزمات كما لحظات الرخاء بينما تلقي بالكوارث على كاهل الكادحين- ات في كل الحالات.
السؤال الذي لا يطرحه محمول المسؤولية للشعب: “ما الذي دفع الشعب إلى الإقبال الكثيف على الشراء؟، وبالتالي تعديل كفة القاعدة الاقتصادية لصالح الطلب على حساب العرض؟”. إنه سياسة الدولة بحد ذاتها، التي ظلت تطمئن “الناس” على أن كل شيء على ما يرام، وفجأة تغير الخطاب، دون إعداد “الناس” للحظة التغيير تلك.
ورغم ذلك، ليس “الناس” و”المستهلك” كتلة منسجمة. فالبرجوازيون وذوو الدخول المرتفعة هم يملك هوامش الإقبال المفرط على الشراء، بينما الطبقة العاملة وسائر شراح الكادحين- ات يشتغلون بكفاف يومهم- هن، ولا مداخيلهم- هن لتكديس الحاجيات.
إن إمكانات الصمود في وجه أزمة التموين ليست متكافئة، وهذا ما يفرض إجراءات خارج قواعد السوق وآلياته:
– تأميم أسواق الجملة ونصف الجملة ووضعها تحت إشراف الدولة لضمان تزويدها بمواد الاستهلاك الأساسية.
– إشراف الدولة على النقل الكبير (شاحنات التوزيع).
– فتح مخازن كبرى في الأحياء الشعبية وضمان تزويدها بالبضائع من طرف الدولة، مع تقنين كميات الشراء لتفادي الإفراط في تكديس المواد من طرف فئات بعينها.
– ضمان تزويد العالم القروي والجبال بمواد الاستهلاك الأساسية خارج آليات السوق.
– تحويل وحدات إنتاج المواد غير الضرورية (صناعة تجميل، خمور، فلاحة موجهة للتصدير…) إلى إنتاج مواد الاستهلاك الضرورية (مواد غذائية أساسية، مواد طبية وشبه طبية…).
– دعم القدرة الشرائية لملايين الكادحين- ات: صندوق تعويض عن البطالة يموَّلُ من ضرائب تصاعدية على أرباب العمل.
– تخفيض الأجور العليا لكبار الموظفين في كل القطاعات، وتحويل الفوائض المالية الناتجة عن ذلك التخفيض لصالح فاقدي- ات الشغل، وملايين الكادحين- ات في القطاعات غير المهيكلة (المقاهي، محلات تنظيف السيارات، عاملات النظافة، العمال- ات غير المصرح بهم- هن في صندوق الضمان الاجتماعي… إلخ).
تعمل الدولة حاليا على استصدار مجموعة من الإجراءات على شكل مراسيم تصدرها السلطة التنفيذية، للتقليل من حجم الكارثة بشكل يستفيد منه أرباب العمل بالدرجة الأولى. والدولة حريصة على جعل تلك الإجراءات استثنائية وظرفية، كما هو الشأن مع قرار لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة (16 مارس 2020) باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أسعار المطهرات الكحولية.
تصر الدولة على الطابع المؤقت والظرفي لتلك الإجراءات “المقيدة” لحرية السوق التي تشكل حجر زاوية العقيدة الليبرالية التي تبنتها الدولة، وتصر على الاستمرار في تبنيها، كما يتوضح من مشروع “النموذج التنموي الجديد” الذي تسوق له. لذلك فإن التأكيد على طابعها المؤقت يعني التخلي عنها بمجرد احتواء الوباء.
تكثر الخطابات الداعية إلى الحاجة لـ”دولة قوية”، وهذا بحد ذاته ضربة قوية للأيديولوجية الليبرالية الجديدة، التي ما انفكت منذ عقود تنشر فكرة القدرة الأسطورية للسوق وللقطاع الخاص على تأمين الرخاء الاقتصادي وتوزيع ثماره الاجتماعية. لكن الشعب بحاجة إلى دولة من طينة أخرى، دولة تمركز وسائل التدخل الاقتصادي والاجتماعي، في يدها، لكن لصالح ملايين الشغيلة والكادحين- ات، وليس لإنقاذ أرباح البرجوازيين كما كان عليه الأمر إبان أزمة 2008 العالمية.
وما تقوم به الدولة حاليا يصب بالدرجة الأولى في خدمة البرجوازيين (إعفاءات جبائية، دعم مالي، وقف دفع التحملات الاجتماعية…) مع مساحيق إحسانية شحيحة لصالح قسم ضئيل من الشغيلة (التعويض عن فقدان الشغل عبر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي).
لا يمكن انتظار حسنات دولة أرباب العمل، فقط تدخل طبقي واعٍ من طرف ملايين الشغيلة وحلفائها من فقراء المدن والقرى، تَدَخُّلٌ تجري مركزتُه سياسيا هو من يستطيع ليس فقط القضاء على جائحة الوباء، ولكن أيضا تفادي تحويل حياتنا إلى جحيم بعد القضاء عليه.

















المقاطعة: دروس ومنظورات للنضال
سياسة
12 مايو، 2018


جاهدت حكومات الواجهة، منذ فرض تطبيق برنامج التقويم الهيكلي، على تطبيق وصفات نيوليبرالية مدمرة لمكاسب ميزان قوى ما بعد الاستقلال. جرى التراجع عن السلم المتحرك للأجور والأسعار، ووجهت فلاحة المغرب نحو التصدير في حين ربط أمننا الغذائي بالاستيراد، ما يجعل أسعار المواد الأساسية مرتبطة بتقلبات السوق العالمية.

اجتهدت حكومات الواجهة، منذ “حكومة التناوب” حتى “حكومة العدالة والتنمية”، في تطبيق أوامر البنك العالمي المتعلق بإلغاء دعم عن المواد الأساسية (طاقة، مواد غذائية…). ومنذ ذاك العهد بدأت موجة الأسعار في التضخم مدمرة قدرة كادحي المغرب الشرائية. وترسخ هذا مؤخرا بتحرير صرف الدرهم الذي جعل الأسعار المحلية لمواد الاستهلاك تتأثر بتقلبات سعر صرف العملة.

هذا هو السبب الرئيس لغلاء الأسعار وليس فقط احتكار الشركات واقتصاد الريع وعدم تطبيق معايير المنافسة، كما توهم بذلك المعارضة الزائفة الكادحين. تنشر هذه المعارضة أضاليلها الأيديولوجية التي تخدم مصلحة أقسام البرجوازية المتضررة من وزن الملكية وبطانتها الاقتصادي.

أوهام المعارضة الليبرالية

كعادتها- منذ قدم تاريخها- تضع المعارضة الليبرالية سقفا سياسيا لمعركة المقاطعة، مؤكدة أن هدف هذه الأخيرة هو وضع حد لجمع السلطة والمال. وكأن القوة الاقتصادية لا تتيح لمن يحوزها قوة سياسية يستغلها لتنمية مصالحه الاقتصادية. تنتقد هذه المعارضة زواج المال والسلطة، فقط لأن أقسام البرجوازية التي تدافع عنها محرومة من هذا الامتياز.

تسعى هذه الأقسام إلى انتزاع مكاسب اقتصادية (احترام قواعد المنافسة الشريفة، وتنقية رأسمالية المغرب من شوائب ما يطلقون عليه ريعا) تكون أساس قوتها السياسية التي ستستعملها بدورها لانتزاع مزيد من المكاسب الاقتصادية ولاستعمالها ضد الكادحين يوم يقومون ضد سلطتها الاقتصادية والسياسية… إنه تنويع لحلم قديم للمعارضة البرجوازية منذ الحركة الوطنية: تقاسم السلطة مع الملكية وإنماء رأسمالية “نقية”.

ما يسهل مأمورية الليبرالية المعارضة أن المقاطعة في حد ذاتها كشكل للنضال، لا يستهدف القضاء على اقتصاد السوق الفوضوي واستبداله باقتصاد مخطط، بل تستهدف تعديل أحد قوانينه: قانون العرض والطلب. إن مقاطعة بعض المنتوجات تخلق بالضرورة فائضا في عرض السلع بتقليص الطلب عليها، ويؤدي هذا إلى انخفاض أسعارها.

لكن ما لم يجر القضاء على اقتصاد السوق، فإن قانون العرض والطلب مرشح دائما للتعديل في الاتجاه المعاكس، ما أن يبدأ الطلب من جديد في الارتفاع حتى تستأنف الأسعار تحليقها الجنوني، خصوصا إذا استحضرنا السياق النيوليبرالي لسياسات الدولة التي تشجع هذا المنحى.

إن مطلب المعارضة الليبرالية بدوره لا يقدم حلا جذريا لظاهرة ارتفاع الأسعار، فمطلب القضاء على احتكار شركات كبرى لتوزيع مواد الاستهلاك الأساسية، يعني فتح الباب أمام ما يطلقون عليه “منافسة شريفة”. لكن يتناسى الليبراليون أن الاحتكار هو الابن الشرعي للمنافسة الحرة منذ فجر الرأسمالية. فقانون القيمة يفرض على الرأسماليين التنافس على خفض أكلاف إنتاج سلعهم قصد رفع حجم ربحهم، وهذا الأخير ليس إلا تعبيرا نقديا عن فائض القيمة، ذلك العمل المجاني الذي ينتزعه الرأسماليون من العمال المأجورين.

تؤدي المنافسة إلى إفلاس الرأسماليين غير القادرين على مجاراة متطلباته، ويتمركز رأس المال ويتركز في أيد قلة قليلة من الرأسماليين ومن ثمة ينشأ الاحتكار. لقد سنت البلدان الرأسمالية المتقدمة منذ القرن التاسع قوانين ضد الاحتكار، لكنها تتعرض للفشل على صخرة قوانين الاقتصاد الرأسمالي العنيدة.

كما أن المنافسة في شروط التأخر التكنولوجي في بلد متخلف مثل المغرب، تجعل من خفض الأجور الشرط المتوفر الوحيد لخفض أكلاف الإنتاج. ويعني هذا خفض القدرة الشرائية للعمال، وهي مرادف آخر لغلاء الأسعار، ما دامت الأجور الفعلية غير قادرة على تأمين حاجات الأسر العمالية.

المقاطعة: إبداع الكادحين

شهد المغرب موجة احتجاجات (في القرى والمدن) ضد الهجوم على قدرة الكادحين الشرائية، كان أهمها احتجاجات كادحي طاطا ضد فرض التسعيرة على الخدمات الصحية سنة 2005، انتفاضة كادحة صفرو ضد ارتفاع الأسعار -207- نضال ساكنة بوعرفة ضد غلاء الأسعار، وتأسست تنسيقيات مناهضة الأسعار سنة 2007، وكفاح كادحي مراكش ضد غلاء الكهرباء في 2012، وكادحي طنجة ضد شركة امانديس التوزيع الكهرباء في 2015، واستمر نضال الكادحين العفوية والمنظمة ضد تدمير قدرتهم الشرائية.

واجهت الدولة هذه الاحتجاجات بالقمع، وقضمت الحدود الدنيا من حرية التعبير والاحتجاج التي انتزعها الكادحون بنضالاتهم. جرى اعتقال مناضلين وناشطين لمجرد نشرهم تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي. ونجحت إلى حد كبير في جعل منظماتهم (خاصة النقابات) بتعاون مع بيرقراطياتها، متواطئة في هذا الهجوم، بحصر النضال العمالي في منظور التماس “الحوار”، وعزله عن النضال الشعبي.

أمام كماشة قمع احتجاجات الشارع (الريف، جرادة)، وجمود منظمات النضال، التجأ كادحو المغرب للدفاع عن قدرتهم الشرائية، إلى استعمال وسائل التواصل الاجتماعي مستلهمين تجارب عالمية في هذا الشأن.

نجحت مقاطعة عينة من مواد الاستهلاك الشعبي، نجاحا منقطع النظير، والتقط الكادحون الدعوة الافتراضية ونقلوها إلى الواقع وكسوها لحما وعظما، بمقاطعتهم لهذه المواد، ما جعل هذه الشركات تتعرض لخسائر وترفع شكاياتها لدولة الرأسماليين، هذه الأخيرة أمرت حكومة واجهتها للتصرف ومواجهة هذه الخطوة النضالية الشعبية غير المسبوقة.

بعد مرحلة تجاهل تام (على غرار تكتيكها مع جميع نضالات الكادحين)، انتقلت الدولة إلى تحقير هذه النضالات (كما حاولت تشويه حراك الريف بتهمة الانفصالية والعمالة للخارج). أجج هذا التعامل المقاطعة وجعل الكادحين أشد تمسكا بها بعد أن تأكدوا من فعاليتها: إصابة الشركات في مقتل وعجز الدولة عن مواجهتها بمألوف أشكال القمع. انتقلت الدولة إلى الاستعداد للهجوم، بإعلان الناطق الرسمي لحكومة الواجهة أن المقاطعة تضر بالاقتصاد الوطني متذرعا بمصلحة آلاف الفلاحين!! وهدد باعتقال الداعين للمقاطعة بتهمة الترويج لأخبار زائفة.

أبانت الحكومة بالتجربة العملية، أنها حكومة الرأسماليين والناطق الرسمي بمصالح البرجوازية وأداتها القمعية في مواجهة التطلعات الشعبية. وتأكد الداعون للمقاطعة على صفحات الفايس من حقيقة طالما كررها الماركسيون الثوريون في دعايتهم؛ وهي أن الحكومة والدولة ملك للرأسماليين، عكس دعاية الليبراليين- مرة أخرى- التي تريد إيهام الكادحين بأن الحكومة تنحاز لأصحاب الشركات الكبرى، وكأن جهاز الدولة مستقل عن الطبقات كي يتاح له القيام بدور الحكم بينها. الحكومة لا تنحاز، فهي أصلا جهاز الطبقة الظالمة بامتياز لقمع الطبقات المظلومة.

لمواجهة المقاطعة التجأت الحكومة إلى ترويج أخبار زائفة متبنية رواية الشركات المقاطعة حول حجم أرباحها وتضرر “الاقتصاد الوطني”.

يستهدف تهديد حكومة الواجهة اعتقال الداعين للمقاطعة أو المشاركين فيها، الانفراد بعينة من المقاطعين ومعاقبتهم بغرامات مالية باهظة عبرة للآخرين. وغاية ذلك إرهاب الشرائح المترددة أو التي انضمت حديثا لموجة المقاطعة. وهو ما يجب مواجهته بالاستعداد النضالي للرد على أي هجوم قمعي على المقاطعين، ولن يتأتى هذا دون توسيع المقاطعة لتشمل أوسع الأوساط الشعبية، وتصليبها بمزيد من نقلها من الفضاء الافتراضي بزرع بنيات لنشر دعوتها عند الشرائح الشعبية غير المرتبطة بالانترنت.

المقاطعة الشعبية تتويج لمحطات النضال الشعبي ضد نتائج برنامج التقويم الهيكلي وإخضاع اقتصاد البلد لمتطلبات الرأسمال المحلي ومقتضيات العولمة الرأسمالية. يتعلم الشعب بالتجربة كيف يصنع أدوات النضال، وفي غمرة المقاطعة تجلى الإبداع الشعبي (حملات تشويه الشركات التي تمتص عرق الكادحين: كاريكاتير، فيديوهات، أغاني، فكاهة وتهكم). وفي نفس الوقت تقلد المقاطعون مسؤولية الرد على الهجمات التي تلحق المقاطعة الشعبية، هكذا يتدرب الشعب على الصراع السياسي والطبقي، ولا بد أن هذه التجربة ستغيره تماما كما غيرته الحراكات المتلاحقة (20 فبراير، حراك الريف، حراك جرادة).

دحضت هذه القريحة الشعبية التي لا تنضب أساطير وخرافات طالما روجت حول عجز الجماهير الفطري عن مواجهة الاستبداد والاستغلال، فما أن يزاح عنها عبء قيود التحكم البيروقراطي والتخبيل الليبرالي، حتى تبين آيات من الإبداع والخلق أو إعادة اكتشاف تقاليد النضال التي أقبرتها البيروقراطيات النقابية وأحزاب المعارضة الزائفة.

أسبقية المعارضة الليبرالية بإعلان الدعم

لكن ذكاء الليبرالية متفوق بحدة غريزته الطبقية، لذلك سارعت المعارضة الليبرالية إلى مساندة حملة المقاطعة منذ بدايتها مجدة في وضع سقف سياسي لها لا يتعدى حدود مصالحها الطبقية. في حين تباطأ اليسار الجذري، إن لم نقل بأن أطرافا منه استخفت بالمقاطعة وأخرى اعتبرتها معركة سياسوية وضربا تحت الحزام بين نفس الأقطاب السياسية الخادمة للنظام.

مخاطر تأخر انضمام اليسار الجذري

أخذ جزء من اليسار الجذري مسافة من المقاطعة الشعبية، وبدل التدخل فيها منذ البداية، اكتفى بطرح أسئلة حول الداعي لها، ومن سيستفيد منها، سياسيا (العدالة والتنمية) أو اقتصاديا (الشركات المنافسة)، وكل ذلك مبررات لعدم الانخراط ودعم المقاطعة.

يؤكد هذا حقيقة طالما أكدها التاريخ، واندرجت مذاك في المكاسب النظرية للحركة العمالية الثورية: يتفاجأ الثوريون بالثورة أكثر مما تتفاجأه به الطبقة والسلطة الحاكمتين. إن تباطؤ اليسار وتلكؤه في التدخل سياسيا لتوجيه المقاطعة أتاح لليبراليين مهلة وفرصة سانحة لنشر أوهامهم السياسية في صفوف الشعب المقاطع.

بعد تأكد نجاح المقاطعة، والهجوم عليها من طرف الأحزاب التي جرى اتهامها بالوقوف وراءها، سارع اليسار الجذري إلى تدارك خطأه، وتبنى باحتشام بداية مطالب المقاطعة مع إسداء نصائح تدل على غيرته، فيما اختار آخرون بلع لسانهم ووقف هجوماتهم حول المقاطعة.

إن تأخر اليسار الجذري والنقابات العمالية في الانخراط في حملة المقاطعة يرسخ ما بدأه حراك الريف، حول كون الأحزاب السياسية جزء من المشكل بدل أن تكون شريكا في الحل. وظهر هذا في تبني بعض المقاطعين شعارات “النقابات لا تمثلنا”، الواجب استبداله بـ”القيادات البيروقراطية للنقابات لا تمثلنا”.

يصعب هذا مأمورية اليسار الجذري الذي التحق متأخرا بالمقاطعة، لكن كما يقول الفرنسيون: ” تأخر المجيء أفضل من عدم المجيء”، ويؤكد أن قوة الدفق الجماهيري تجبر اليسار الجذري على تصحيح منظوراته، وعليه الآن بذل المزيد من الجهود للتغلب على المصاعب التي خلقها التحاقه المتأخر.

المقاطعة: تتويج وتطوير لسابق النضالات

لا يمكن عزل حدة المقاطعة وتوسعها الكبير عن السابق من نضالات وحراكات شعبية، حتى وهي تتعرض للقمع والانكماش. منذ منتصف العقد الأخير من القرن العشرين، توالت أمواج احتجاج عمالي وشعبي، متقدمة تارة ومتراجعة طورا.

لكن الظاهرة التي الجديرة بالانتباه هي تواتر هذه النضالات، فما أن يتوارى النضال في جهة حتى يظهر في هذه الجهة أو تلك. يدل هذا على شيء لا يلحظه الانطباعيون: أن شيئا ما كان يفور تحت المياه الراكدة، يقوم بإذكاء حماس النضال بشكل دوري، رغم التكلفة الهائلة التي يقدمها الشعب (اعتقالات، سجن، تعذيب، استشهاد…).

لن يكون بإمكان أي كان التكهن بما سيكون عليه المجرى النهائي لهذا النضال. إلا أن عقلا نيرا من شأنه أن يدرك أن الوقت سيحين يوما ما ليصبح في استطاعته توجيه ضرباته إلى العدو الطبقي وجهاز دولته، انتهاء بالقضاء النهائي عليه.

هذا العقل النير ليس طبعا نخبة مستنيرة، ولا قيادة معزولة متعالمة تكتفي بإلقاء دروسها على الجماهير من برجها العاجي. إنه حزب العمال الاشتراكي الثوري الذي يجب أن يبنى في معمان النضال وأفران الكفاح الجماهيري كما تجري في الميدان والملموس، إن أي تأخر في هذه المهمة، وأي تلكؤ في الالتحام بمبادرات الجماهير، سيكون ثمنها مكلفا: إما الهزيمة التامة، أو استفادة جزء من الطبقة الحاكمة من هذا النضال لتوسيع مكاسبها الاقتصادية والسياسية.

منظورات للنضال

يستدعي هذا الالتحام رفع مطالب لا تقف في حدود الوعي الذي جمدته المعارضة الليبرالية في حدود مصالحها الطبقية والسياسية، مطالب ترتقي بوعي الكادحين من محض مطالب لتحسين الوضع في ظل نفس النظام الاقتصادي والسياسي إلى مطالب تدمر في مجملها السلطة الاقتصادية للطبقة البرجوازية برمتها وسلطتها السياسية.

سيفيد فائدة جمة حركة النضال أن ترفع مطالب لمواجهة ادعاءات هذه الشركات، مطالب في صلب المعركة من أجل الديمقراطية التي لا تقتصر على السياسة، بل تشمل أيضا الاقتصاد؛ مطلب رفع السر التجاري لافتحاص مداخيل هذه الشركات وأرباحها والتأكد من ادعاءاتها.

جزء كبير من أرباح هذه الشركات لا يتأتى من احتكار توزيع المواد الأساسية، بل من اعتصار عمالها، وهو ما تسهله الدولة بتفصيل قانون الشغل على مقاس مصالح الرأسماليين وقمع العمل النقابي وإفساد القيادات النقابية. إن النضال ضد الغلاء لن يستقيم دون الدفاع عن القدرة الشرائية للأجراء والمتقاعدين، فالتضخم وتحرير سعر الدرهم سيقضم قدرتهم أجورهم الفعلية على تغطية متطلبات حياتهم.

لا يستقيم أيضا النضال ضد الغلاء مع تجاهل مطلب شريحة مهمة من الشعب محرومة من الأجر، بفعل البطالة الجماهيرية والتسريحات، لذلك يقع مطلب التعويض عن البطالة والحق في العمل القار في صلب النضال ضد الغلاء.

إن معركة المقاطعة ستسهل تفتح أعين الكادحين على السياسة النقدية والمالية للدولة، فمنذ عقود وهذه الأخيرة تسخر لخدمة الرأسمال المحلي والعالمي ومؤسساته الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي).

تتذرع الدولة أن المقاطعة تضر بـ”الاقتصاد الوطني”، لكن ماذا يستفيد هذا الأخير من شركات تراكم الأرباح لكنها لا تساهم بأي فلس في ميزانية الدولة بفعل الإعفاءات الضريبية والتهرب الضريبي، كما أن قسما من هذه الشركات فروع لشركات أجنبية، وتقوم سنويا بترحيل الثروة التي خلقها العمال والكادحون إلى حساباتها في بنوك الخارج. يستدعي هذا ضرورة النضال من أجل “عدالة ضريبية” بفرض ضريبة تصاعدية على الثروة والقضاء على التهرب الضريبي.

كما أن السياسة النقدية بدورها وجه آخر للنزيف النقدي، فتحرير سعر الدرهم يهدد بالقضاء على مخزون البلد من العملة الصعبة، ما سيضطره إلى بذل المزيد لشرائها في السوق العالمية، دون أن ننسى دور الدوامة الجهنمية للمديونية الخارجية والداخلية التي لا تني تتراكم يوما عن يوم.

يستدعي هذا رفع مطلب التراجع عن سياسة تحرير سعر صرف الدرهم التي أمر بها البنك الدولي، وكذلك النضال ضد المديونية الخارجية.

دون منظور إجمالي للنضال ضد الغلاء، ستقف المقاطعة الشعبية في منتصف الطريق مخلفة طعم رماد في أفواه الذين يعقلون عليها آمالا عظيمة.

بقلم، أزنزار







صندوق دعم مواد الاستهلاك الأساسية: مكسب شعبي في مهب العاصفة الليبرالية
كانون الثاني (يناير) 2006
المناضل-ة عدد: 10

تستعد البرجوازية وحكومتها للإجهاز على دعم ما تبقى من مواد كان يدعمها "صندوق المواد الغذائية الأساسية". وعددها ثلاث (السكر، غاز البوتان، الدقيق الوطني –فارينا-)، بعدما كان عددها مع بداية السبعينات سبعة (الحليب، الزبدة، الزيت، السكر، غاز البوتان، الدقيق الوطني- فارينا-، دقيق القمح الصلب). وتجري الآن مشاورات بين قطاع من البرجوازية في مقدمتها المجوعة الرأسمالية الاحتكارية "أونا" والحكومة من أجل التحرير الكامل لأسعار السكر و البوتان والدقيق، ولا تجد الحكومة من جهتها أي حرج في الإعلان عن نيتها في التحرير الشامل للأسعار. أما الحركة الاجتماعية فتجد نفسها في وضعية دفاع لم تستطع معه حتى إبداء موقف.
فكيف تشكل نظام دعم المواد الغذائية الأساسية ؟ و كيف هيأت الدولة للهجوم عليه ؟ وما هي الطبقات الاجتماعية المستفيدة من إنشاء الصندوق وإلغائه ؟

1/ نظام اشتغال صندوق دعم المواد الغذائية الأساسية.

أنشأت السلطات الاستعمارية الفرنسية سنة 1941 "صندوق المقاصة" كآلية لتلطيف الانعكاسات السلبية للحرب العالمية الثانية على اقتصادها و اقتصاد مستعمراتها، و تجاوز صعوبات التزود بالمواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع أو المنتجات الأولية الصناعية، وذلك من اجل تقنين الأسعار و تشجيع تنقيلها إلى بلدها. و في سنة1953 بادر أرباب معامل الزيوت إلى إنشاء "صندوق الموازنة" الذي اقتصر دوره على توزيع المداخيل والمصاريف على المصانع. وفي سنة 1973 ونتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأولية دخل هذا الصندوق في وضعية عجز اتجاه المنتجين الذين طالبوا الدولة بالتدخل قصد المساعدة بالتدابير التالية: رفع أسعار البيع أو منح قرض لفائدة "صندوق الموازنة" مضمون من طرف الدولة أو تحمل مسؤولية عجز الصندوق، حيث اختارت الدولة الصيغة الأخيرة الأكثر كلفة وبذلك جرى تصفية العجز من خلال صندوق الموازنة. وفي سنة 1974 شرع رسميا في دعم الزيوت الغذائية.
لم تشرع الدولة في إرساء نظام دعم المواد الغذائية الأساسية إلا ابتداء من أواسط الستينات بالموازاة مع سياستها لتقنين الأسعار. وفي سنة 1965 سيتمتع "صندوق دعم المواد الغذائية الأساسية" بصفة مؤسسة عمومية ذات الاستقلال المالي والشخصية المعنوية، في حين لم يصدر القانون الرسمي لصندوق المقاصة إلا في 10 أكتوبر 1977، حيث رسمت لنظام الدعم ثلاثة أهداف: تنظيم عملية التزود بهذه المواد، تأمين المقاولات من كل تقلب لأسعار المواد الاولية وحماية المستهلكين عبر التحكم في أسعار الاستهلاك. وقد بني نظام الدعم على قطبين: صندوق المقاصة بالنسبة لمنتجات كالزيت والسكر والحليب والمحروقات، ثم "المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني" لدعم الحبوب (القمح الطري والقمح الصلب). يعتمد النظام عند حساب حجم الدعم على عاملين هما حجم الإنتاج وسعر التكلفة، أي أن الدعم يقدم من جهة تبعا لكمية المخزونات لدى مصانع التحويل (سواء لذوي الإنتاجية المرتفعة أو للذين يفتقدون لشروطها)، كما يحتسب من جهة أخرى حسب سعر التكلفة، أي أنه يتجه نحو الارتفاع كلما ارتفعت التكلفة لسبب من الأسباب. وقد استمر العمل بطريقة حساب حجم الدعم المذكورة إلى حدود سنة 1996 عندما ستقوم الدولة بمراجعته لينسجم مع سياستها الرامية إلى تحرير نظام الدعم. يعتمد صندوق الدعم في تمويل موارده على مصدرين هما ميزانية الدولة والمعادلات الجمركية. والمعادلات الجمركية هي حقوق مضافة إلى حقوق الجمارك الهدف منها حماية الإنتاج الداخلي ويتم حسابها تبعا للأسعار العالمية. فالمعادلات ترتفع عندما تكون الأسعار العالمية أو أسعار العملات منخفضة والعكس صحيح. ويتم توجيهها إلى حسابين الأول تابع لوزارة الفلاحة ويستقبل المعادلات الجمركية الخاصة بالدقيق. والثاني تابع لوزارة المالية "صندوق التنمية الفلاحية" وهو موازي لصندوق دعم المواد الغذائية الأساسية ويستقبل المعادلات الخاصة بالسكر والزيت ليغذي في الأخير صندوق المقاصة (مثال: في سنة 1996 بلغت مداخيل صندوق المقاصة 2,2 مليار درهم مولت منها ميزانية الدولة 1,9 مليار درهم ، أي أن معادلات الرسوم مولت السنة % 60 من تحملات الدعم ، دون احتساب دعم الدقيق ) .
(((( 1.9 من 2.2 تمثل 86 في المائة: معادلات الرسوم تمثل اقل من 14 في المائةمن تحملات الدعم!!! ))))

حجم الدعـــــــــم

- السكر: يبلغ حجم دعم الصندوق، لكل 1 كلغ من السكر، 2 دراهم من اصل 5,20 درهم كثمن البيع للعموم. (معطيات 96-1997 )
- الزيت: كان دعم الصندوق، لكل 1 لتر من الزيت، يبلغ قبل تحريره 4,88 درهم من اصل 8,5 درهم كثمن البيع للعموم. (معطيات 96-1997 )
- غاز البوتان: يبلغ حاليا حجم دعم غاز البوتان أكثر من 60% من سعر البيع العمومي (تدعم قنينة الغاز من فئة 12 كلغ بحوالي 28 درهم من أصل ثمن بيع عمومي يبلغ 40 درهما). يبدو منذ أول وهلة أن نسبة دعم المواد المذكورة كبيرة نسبيا، لكن الأمر ليس كذلك إذا قارنا متوسط الدعم بنسبته من الأجر الشهري لعامل وقارناه كذلك بتطور تكلفة المعيشة.

- نسبة الدعم من الأجر: حينما كانت الدولة لا زالت لم تذهب بعيدا في خطواتها نحو إلغاء نظام الدعم، أي الفترة ما بين 1980- 1988، صرفت في المجموع 14,062 مليار درهم لدعم المواد الغذائية الأساسية (قمح طري، سكر، مواد ذهنية). أي أنها صرفت في كل سنة في المتوسط 1,75 مليار درهم، وحصل كل مواطن في كل سنة في المتوسط على 72,4 درهم لدعم مجموع المواد الغذائية المدعمة (باستثناء غاز البوتان): القمح الطري 31,5 درهم لكل مواطن – سكر 22,9 درهم لكل مواطن – زيت 16, 08 درهم لكل مواطن (زيت + زبدة 18, 37 درهم).
إن الدعم المخصص لاستهلاك المواد الغذائية الأساسية جزء غير مباشر من أجور العمال، و لمعرفة حجمه الحقيقي سنقارنه إذن بمستوى الأجر الشهري. ورغم أننا استندنا إلى أرقام متقادمة نسبيا ترجع إلى الثمانينات، إلا أنها مع ذلك تفيد في إدراك حجم الأجر الغير مباشر الذي يشكله الدعم خصوصا أن التدابير الرامية إلى الإجهاز عليه كانت في بدايتها الأولى خلال تلك الفترة.
إذا افترضنا أن عائلة عامل تتكون من سبعة أفراد، فإنها تحصل على متوسط دعم سنوي قدره 506, 8 درهم (72, 4 x 7). أي أن رب العائلة العامل يحصل كل شهر على مبلغ 42, 20 درهم. هذه النسبة (نسبة الدعم من الأجر الشهري ) لن تعرف على كل حال ارتفاعا في عقد التسعينات، لأن الدولة سعت خلال هذه الفترة إلى الحد من الدعم بغية إلغاءه بالكامل. تبدو هذه النسبة إذن هزيلة بالمقارنة مع حجم الأجر الشهري وستصبح تافهة إذا قارناها بمقياس جدي آخر هو مستوى تطور تكلفة المعيشة. استنادا إلى دراسة حول تكلفة المعيشة والتي تتمحور حول تطور أسعار خمسة مجموعات من المنتجات هي التغذية والألبسة والسكن والتطبيب والنقل، فإن مؤشر سعر مجموعة المواد الغذائية هو الذي سجل أعلى ارتفاع. فأسعار المواد الغذائية سجلت معدل ارتفاع قدره % 10 في المتوسط، أي أنها تضاعفت عموما في المدة المذكورة (15 سنة) بحوالي 4 مرات رغم أن من بينها مواد مدعمة.

2/ الهجوم على الدعم

شرع في الهجوم على نظام دعم المواد الغذائية الأساسية بالموازاة مع تنفيذ سياسة التقويم الهيكلي في القطاع الفلاحي التي دخلت حيز التطبيق منذ 1985 وتجلت أهم مظاهرها في: إلغاء دعم عوامل الإنتاج بالتدريج وانسحاب الدولة من الأنشطة ذات الطابع التجاري خاصة تجارة المخصبات والخدمات البيطرية. وفي المحاور السقوية تخلت المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي عن كل تقديم للخدمات والعمليات ذات الطابع التجاري التي أصبحت تباع بسعر السوق. كما جرت خوصصة عدة شركات ذات طابع فلاحي، بعضها كان يقدم خدمات التزود بالبذور والمخصبات...، ساهمت في الحد من تكلفة المواد الفلاحية. يضاف إلى ذلك تحرير واسع للتجارة الخارجية للمنتجات الفلاحية ( ابتداء من 1996 جرى تحرير واسع شمل السكر والزيت والحبوب...).
كان من الطبيعي أن يستكمل كل ذلك بتحرير أسعار المنتجات الغذائية الأساسية (زيت، سكر، حبوب...) بتواز مع نزع التقنين عن قطاعات التحويل (مطاحن، معامل الزيوت، معامل السكر...) وإلغاء دعم الاستهلاك الذي يشرف عليه صندوق الدعم.
كان في مقدمة المطالبين بإلغاء دعم المواد الغذائية الأساسية البنك الدولي في تقريره الصادر في أكتوبر1983. وبرر ذلك بثقل حجم مصاريف الدولة من الدعم حسب زعمه ، وأنه لم يؤد إلى تحسين استهلاك الساكنة الأكثر فقرا، وعلى العكس فإن الفئات الغنية هي التي تستفيد. مما حدى بالدولة إلى الاستجابة لتوصيته بإلغاء دعم مادتين أساسيتين لتغذية متوازنة هما الحليب والزبدة وذلك في نفس السنة، وبعدها تواصل الهجوم بالتدريج طوال الثمانينات ليبلغ أوجه في سنة 1996 (أنظر الحصيلة).

حصيلة الهجوم الليبرالي على نظام دعم المواد الغذائية الأساسية.
- 1983: إلغاء دعم الحليب والزبدة.
- 1984: إلغاء دعم الغازوال الفلاحي.
- 1985: لم يبق الدعم ساريا إلا بنسبة %20 فقط من الدقيق من النوع الرفيع و %80 من الدقيق الوطني (دقيق القمح الطري - فارينا)
- 1986: تحديد دعم الدقيق في كوطا قدرها 10 مليون قنطار.
- 1988: تحرير أسعار القمح الصلب والشعير والذرة لدى الإنتاج وإلغاء %20 الباقية من دعم أسعار استهلاك القمح الصلب.
- 1989: الرفع مجددا من سعر استهلاك الزيت بنسبة 17, 5%
- 1991: إلغاء دعم عوامل الإنتاج: المخصبات والبذور.
- 1995: ربط أسعار المنتجات البترولية بالأسعار في روتردام (تحرير الأسعار).
- 1996: انعطافة كبيرة في الهجوم على صندوق الدعم بتزامن مع تحرير التجارة الخارجية: زيت: تخفيض الاقتطاعات الجمركية على واردات البذور الزيتية من %25 إلى 2, 5%.
سكر: تحرير أسعار النباتات السكرية لدى المنتجين المحليين.
وضع نظام جديد لحساب الدعم: الدعم الجزافي.
- 1998: الإعلان عن تدبير جديد لموارد الصندوق: أن يرتبط الدعم بقضايا العجز أو عدمه في الميزانية – أن يستهدف الفئات الضعيفة – المطالبة في إعادة النظر في صندوق الدعم (الوزير الحليمي).
- 2000: (فاتح نونبر) التحرير الشامل لقطاع الزيوت الغذائية بما فيها أسعار الاستهلاك وإلغاء الدعم.
- 2001: (يوليوز) بدأ العمل بمقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة مع استثناء حوالي 30 مادة من بينها بعض المواد الغذائية الأساسية والأدوية.
- 2004: رفع أسعار الخبز من 1, 10 درهم إلى 1, 20 درهم مع تخفيض وزن الخبزة من 200 غرام إلى 160 غرام.
- 2005: خوصصة أربع مصانع للسكر لصالح أونا.

تطور حجم دعم الدولة لأسعار الاستهلاك للمواد الغذائية الأساسية.

1973 1975 1977 1979 1981 1983 1985 1986 1987 1988
نسبة الدعم من المصاريف العامة للدولة 3,9 11,9 2,3 4,2 5,5 4,7 7,1 4,9 2,3 1,6
نسبة الدعم من الناتج الداخلي الخام 0,8 3,9 1,1 1,5 2,1 1,7 2,3 1,1 1,0 0,5
المصدر: نجيب أقصبي، الكراوي، " رهانات فلاحية "، جدول 18، ص 66.

بدأت الدولة في شن الهجوم على صندوق دعم أسعار المواد الغذائية الأساسية في سنة 1986 كما يبين الجدول أعلاه. فبينما كان الدعم يشكل سنة 1985 نسبة 7,1% من المصاريف العامة للميزانية، انخفض إلى 4,9% سنة 1986 ثم 2,3% سنة 1987 و 1,6% سنة 1988. ويلاحظ نفس الاتجاه نحو الانخفاض عند مقارنة نسبة الدعم من الناتج الداخلي الخام: فبينما شكل متوسط الدعم ما بين 1973 و 1988 1, 7% من الناتج الداخلي الخام، اتجه نحو الانخفاض مارا من 2, 3% من الناتج الداخلي الخام سنة 1985 إلى 1, 1% سنة 1986 و %1 سنة 1987 و 0, 5% فقط في سنة 1988.
أهم ملاحظة بخصوص هذا الاتجاه الفعلي نحو الانخفاض هو الدرجة التي تقوم بها الدولة بتخفيض حجم الدعم، إذ شرعت في التخفيض ابتداء من سنة 1986 بنسبة %40 إلى %50 كل سنة وهي نسبة تدل ليس فقط على الرغبة في الحد من حجم الدعم، ولكن على إرادة للتخلص من نظام الدعم برمته. هذا ما يكشفه صراحة "المخطط التوجيهي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 1988-1992" الذي أدرج ضمن أهدافه الإلغاء الكلي للدعم المقدم للمواد الاستهلاكية الأساسية ووضع سقف 1990 لتحقيق هذا الإنجاز !

رصد أهم محاور الهجوم الليبرالي على صندوق الدعم خلال الثمانينات والتسعينات

باستثناء سنة 1983 التي قامت خلالها الدولة بإلغاء دعم مادتي الحليب والزبدة دفعة واحدة، فإنها عملت منذ أواسط الثمانينات إلى حدود الآن على تمهيد الطريق نحو الإلغاء بإجراءات هجومية تدريجية شملت محاور: رفع أسعار الاستهلاك – تحرير الواردات – تحديد سقف لتحمل مصاريف الدعم.
رفع أسعار الاستهلاك: استنادا إلى الدراسة حول تكلفة المعيشة المذكورة أعلاه، فقد شهدت أسعار المواد الغذائية معدل ارتفاع سنوي قدره %10 في المتوسط، أي أنها تضاعفت عموما في المدة المذكورة حوالي 4 مرات رغم أن من بينها مواد مدعمة. فأسعار الحليب ومشتقاته تضاعفت بأكثر من 4 أضعاف في ظرف 15 سنة وهو معدل فاق معدل تزايد المواد المدعمة الأخرى. أما بالنسبة للزيت فقد قامت الدولة برفع أسعاره مرتين في المدة المذكورة: في 1985 بنسبة 16,6% وارتفاع للمرة الثانية في 1989 بنسبة 17,5% . أي زيادة بنسبة تزيد عن 34% في ظرف خمس سنوات. وبالنسبة لأسعار الحبوب فقد سجلت هي الأخرى ارتفاعا فعليا في السوق منذ 1986 فاق السعر الرسمي المحدد. وبغض طرفها عن زيادات أسعار الحبوب، كانت الدولة تشرعن زيادات كبيرة في الأسعار دون أن تفصح عن ذلك. وترافق ذلك مع تدهور كبير في جودة المنتوج نتيجة تراخي أو غياب مراقبة عمليات التحويل في المطاحن والتسويق التي كان يقوم بها "الصندوق الوطني المهني للحبوب والقطاني".
تحديد سقف لتحمل مصاريف الدعم: لم يبق الدعم ساريا سنة 1985 إلا بنسبة %20 فقط من الدقيق من النوع الرفيع (القمح الصلب) ليلغى فيما بعد، و %80 من "الدقيق الوطني" (القمح الطري - فارينا). وفي سنة 1986 وضع سقف لتحمل ميزانية صندوق المقاصة.
تحرير الواردات: جرى في ماي 1996 تحرير واردات البذور الزيتية والزيت الخام والتفل (بقايا البذور). كما قررت الحكومة في نفس السنة تحرير أسعار النباتات السكرية (الشمندر وقصب السكر) لدى الإنتاج.

1996: انعطافة كبيرة نحو إلغاء الدعم

وصل الهجوم الليبرالي على صندوق الدعم إلى مداه في سنة 1996 وشمل تحرير واردات الزيت وتحرير أسعار النباتات السكرية لدى الإنتاج، ووضع نظام جديد لحساب حجم الدعم يسمى الدعم الجزافي، وتطوير تقنية تطبيق المعادلات الجمركية. فبالنسبة لقطاع الزيوت جرى في ماي 1996 تحرير واردات البذور الزيتية والزيت الخام والتفل بتخفيض الاقتطاعات الجمركية من %25 إلى 2,5%؛ كما تم تحرير الزيت الصافي والمشتق في يونيو من السنة نفسها. ولتفادي التصفية الكاملة لهذا القطاع (20 ألف هكتار - %8 من الإنتاج الكلي للزيت– و34 ألف مزارع)، قررت الدولة أن تعطي الفارق بين ثمن الاستيراد وثمن إنتاج القنطار في المغرب. وتم فعلا التوقيع على إبقاء الدعم، وأن يتم شراء المنتوج المغربي بأكمله وتعطي الدولة للمشتري – عن طريق كومابرا- ما يؤدي به حق المزارعين. وهو إجراء لن يحول بكل تأكيد دون تدمير القطاع كما سنرى لاحقا. أما بالنسبة لقطاع السكر فقد تقرر في نفس السنة تحرير أسعار النباتات السكرية (الشمندر وقصب السكر) لدى الإنتاج، وأصبح التفاوض بشأن الأسعار يتم مباشرة بين المنتجين الممثلين في إطار جمعيات و معامل السكر بعدما كانت محددة بسعر رسمي ومضمون من قبل الدولة. إضافة إلى أن الفلاحين أصبحوا أحرارا في زراعة الشمندر بعدما كانوا ملزمين، في إطار عقود زراعية، بإنتاجه.
كما قامت الدولة في نفس السنة (1996) بوضع نظام جديد لحساب حجم الدعم. فبعدما كان يحتسب في السابق بالاستناد إلى عاملين هما حجم المخزونات وسعر التكلفة، أصبح بعد سنة 1996 يعتمد، من جهة، على حجم المبيعات. وفي الشق الثاني لم يعد رهينا بتكلفة الإنتاج وإنما بدعم جزافي. النظام الجديد لحساب الدعم، أي الدعم الجزافي، خطوة أخرى في اتجاه التحرير، لأن الدعم الجزافي يفترض منافسة بين المقاولات. الوحدات الإنتاجية الأكثر توفرا على شروط المنافسة و التي تستطيع تبعا لذلك تخفيض كلفة الإنتاج هي التي تستفيد.
واصلت الدولة سياسة "إصلاح" صندوق الدعم بتطوير تقنية جديدة لتنفيذ الظهير المتعلق بتطبيق المعادلات الجمركية في 5 أكتوبر 1998. وجدير بالذكر أنه تم في ماي 1996 الشروع في تطبيق المعادلات الجمركية التي ترمي إلى الحفاظ على الأسعار الداخلية للمواد الغذائية الأساسية في وجه الواردات. فهي تتغير، كما رأينا، تبعا للأسعار العالمية. ترتفع عندما تكون الأسعار العالمية أو أسعار العملات منخفضة، والعكس صحيح. والمرسوم السابق المطبق منذ ماي 1996 كان ينص على تغيير المعادلات بمرسوم يحسم فيه مجلس الوزراء، لكن عندما انخفضت الأسعار بشكل هام تعطل المرسوم شهورا، مما جعل المستوردين وأرباب المصانع يستفيدون من هامش الربح الناجم عن عدم تكييف فوري للتعريفة الجمركية مع التحول الحاصل في السعر الدولي. النظام الجديد المطبق منذ أكتوبر 1998 يسمح بتكييف فوري للتعريفة الجمركية مع تدبدب السعر الدولي بحيث تنخفض بنسبة معينة لدى ارتفاع السعر الدولي بقدر معين والعكس صحيح، وبالتالي تختفي إمكانية الاستفادة من تفاوت زمني بين لحظة ارتفاع السعر الدولي ولحظة ضبطه عبر التعريفة الجمركية.
بعد مجيء ما سمي "حكومة التناوب" في 1998 واصلت تنفيذ السياسات النيوليبرالية الرامية إلى التخلص من نظام الدعم. وتجرأ موظفوها بالإعلان عن تطبيق ما تبقى من إجراءات لإلغاء الدعم. هكذا أعلن أحمد الحليمي الوزير المكلف بالشؤون العامة للحكومة بحماسة أن "الدولة بصدد دراسة تدبير جديد لموارد الصندوق تنبني على أن تكون الانشغالات منصبة على قضايا العجز أو عدمه في الميزانية. وأن يستهدف الدعم الفئات الضعيفة من المستهلكين وذلك عن طريق مبادرات أخرى من شأنها أن تمنح لهذه الفئات موارد إما عن طريق شغل أو هبات أو بصيغة تخفيف الأعباء التي تعاني منها هذه الفئات". وبموازاة ذلك، شنت الجرائد التابعة لها وكامل الصحافة الليبرالية هجوما واسع النطاق على نظام الدعم مستعينين بالمبررات الأساسية التي سبق أن أوردها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. وصفقت طويلا لجرأة الحكومة عندما أقدمت على الإلغاء الرسمي للدعم المخصص للزيت في يونيو2000. في حين غابت انتقادات الصحافة المناهضة للنيوليبرالية.

3/ المصالح الطبقية للبرجوازية وراء إنشاء الصندوق وإلغائه.

يتطلب كشف الستار عن الوجه الطبقي لسياسة الدعم الإلمام بنظام تشكل أسعار المنتجات الغذائية الأساسية: تتدخل الدولة موجهة " بسياسة السدود" وضمنها سياسة استقرار الأسعار في كل مراحل مسلسل الإنتاج (المنتجين/ الوسطاء/ شركات التحويل) لتحديد سعر البيع لكل طرف، أي في الأخير هامش ربح. ولا يتحدد حجم الدعم إلا عند نهاية هذا المسلسل عن طريق تحديد الفارق بين سعر التكلفة النهائي وسعر البيع العمومي، ويتم رصد الدعم ليغطي هذا الفارق.
يتوقف حجم الدعم، إذن، على حجم التراكم الذي يحدث عند كل مرحلة من مراحل تشكل سعر التكلفة. أي أن كل درهم يثقل - بسبب أو لآخر- هذا السعر هو في النهاية درهم إضافي تتحمله الدولة .
وللإحاطة بالوجه الحقيقي للدعم، لا بد من الوقوف عند كل مرحلة من المراحل الأساسية لتشكل سعر التكلفة: المنتجين، الوسطاء، شركات التحويل.
منتجو المواد الغذائية الأساسية:
أرست الدولة خلال السبعينات وبداية الثمانينات سياسة تحديد أسعار رسمية لدى الإنتاج (أي أسعار المواد الفلاحية الأولية في المنبع) لمنتجات الزراعات السكرية والزيتية والحبوب والتي اتجهت خلال الفترة المذكورة نحو الارتفاع، بل تجاوزت في بعض الأحيان نسبة ارتفاع تكاليف المعيشة أو حتى نسبة ارتفاع عوامل الإنتاج الأساسية. فخلال سنة 1989 وبينما وصل مؤشر تكلفة المعيشة 382 نقطة، فإن مؤشر الأسعار الرسمية لدى الإنتاج لأغلب المواد المذكورة تجاوز بكثير هذا المستوى . وصل على سبيل المثال مؤشر القمح الطري والشمندر ونوار الشمس على التوالي إلى 550 و 400 و 671 نقطة .
نلاحظ، إذن، أن ارتفاع الأسعار الرسمية لدى الإنتاج (أي التي تؤدى للمزارعين) تشكل، في حد ذاتها، مصدرا مدرا للدخل، لكن بالنسبة للفلاحين الكبار فقط؛ وذلك نظرا للعوامل التالية: بعد أماكن تسليم المنتوجات المذكورة عن مزارع الفلاحين الصغار وفقدانهم لوسائل نقل يحرمهم من الاستفادة من السعر الرسمي لدى الإنتاج. كما أن الهيئات نفسها المكلفة بعمليات جمع المحاصيل تفتقر للوسائل الكافية للتخزين الخاصة بها. لكن الأهم أن السعر الرسمي لدى الإنتاج سعر أوحد يطبق على جميع المزارع سواء التي توجه إنتاجها لتلبية حاجات الاكتفاء الذاتي لملاكيها من الفلاحين الصغار أو الضيعات الموجه إنتاجها حصرا للسوق والتي هي في ملكية فلاحين كبار همهم الأساسي مراكمة الأرباح. السعر الرسمي في الحالة الأخيرة مصدر مدر للأرباح أما بالنسبة لملايين من الفلاحين الصغار فلا يكون له أي دور محفز حتى لو استطاعوا تسليم منتجاتهم بالسعر الرسمي . فإذا أخذنا الحبوب كنموذج فإن 240 درهم مثلا للقنطار لن يعيش بها الفلاح الصغير الذي ينتج خمسة أو ستة قنطارات في أرض قد تبلغ مساحتها هكتار أو هكتاران، لكنه يسمح بالمقابل بمراكمة أرباح هائلة لفلاح كبير ينتج خمسين قنطار للهكتار الواحد في أرض قد تبلغ مساحتها 200 أو 300 هكتار .
إن سياسة الأسعار الرسمية لدى الإنتاج موجهة لخدمة مصالح ملاكي الأراضي من البرجوازيين، حيث استطاعوا بفضلها أن يجنوا أرباح هائلة، لكنها غير ذات جدوى بالنسبة للفلاحين الصغار الذين يشكلون الغالبية الساحقة من سكان القرى. وكانت بالمقابل مضرة بالمستهلكين لأنها أدت إلى إثقال سعر التكلفة وبالتالي حصة متزايدة من الدعم هم في الأخير من يتحمل تقلها عن طريق الضرائب التي يؤدونها إلى الخزينة.

الوسطـــــــــاء
يتميز السوق الداخلي للمواد الغذائية الأساسية، خاصة الحبوب والسكر، بهيمنة الوسطاء والتجار والسماسرة. ويرتبط وجودهم بنظام الإمتيازات والرخص التي تثقل، في الأخير، تكلفة المنتجات المذكورة بفضل الأرباح التي يجنونها من العملية. ففي مجال التجارة الداخلية للحبوب كان هناك إلى حدود سنة 1987 حوالي 190 تاجرا مرخصا (شركات تجارية) من قبل "المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني" للقيام بعمليات الجمع والتلفيف وتخزين الحبوب. فيما يتواجد 1126 تاجرا مكلفين فقط بعملية جمع الحبوب. أما على مستوى الواردات من الحبوب فإن "المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني" يشرف على عملية الإستيراد عبر اختيار إحدى شركات الإستيراد عن طريق طلب عروض أثمان. وتتكلف الشركة بتنفيذ مختلف عمليات الشراء وإيصال المنتوج إلى الموانئ. وقد قسمت عملية الاستيراد منذ سنة 1986 إلى ثلاث مراحل ليختار ثلاث مستوردين يقوم كل واحد منهم بإحداها.
ويجب التنبيه للدور الخطير الذي يلعبه هؤلاء الوسطاء بالسوق الخارجي. فنظرا لأن هذه الشركات تتمتع بقدر كبير من الحرية في معاملاتها، فهي تغلب مصالحها الخاصة على مصالح البلد ويدفعها تعطشها للربح إلى الإضرار بمصالح المستهلكين. فالشركات التجارية الخاصة تتقل الواردات بتكلفة إضافية تؤدي في الأخير إلى رفع السعر النهائي. والأفيد للمستهلكين أن تتولى هيئات تابعة للدولة التكفل بالعملية.

شركــــــات التحويــــــل
ضمنت طريقة حساب حجم الدعم أرباحا هائلة لشركات تحويل المواد الغذائية الأساسية. فهي من جهة تمكن المصانع المتوفرة على شروط الإنتاجية من مراكمة أرباح طائلة. فكلما تزايدت المبيعات تزايد حجم الدعم، مادام يحتسب – في جانب منه – على أساس حجم المخزونات قبل سنة 1996 وحجم المبيعات بعدها. لكنه يضمن من جهة أخرى حتى للشركات الغير متوفرة على شروط الإنتاجية أرباح دائمة ومضمونة ما دام الدعم يحتسب على أساس عامل آخر هو حجم التكلفة. إذ كلما ارتفعت التكلفة لسبب من الأسباب إلا وارتفع الدعم بشكل يضمن للمصانع الحصول على هامش الربح ذاته بغض النظر عن حجم تكلفة بضائعهم.
لا يحتسب الدعم على أساس سعر المواد الفلاحية المعنية (الأسعار لدى الإنتاج) فقط، ولكن يبنى اعتمادا على كل ما يثقل حجم التكلفة في مختلف عمليات التحويل الجارية في المصانع. سواء تعلق الأمر بمصاريف الصيانة أو الطاقة أو أجور العمال أو التلفيف أو حتى النقل... كلها تتحملها الدولة عن طريق الدعم حتى تحافظ لشركات التحويل على أرباحها. بالنسبة لمعامل الزيت مثلا، وصل الدعم المخصص للتلفيف (إلى حدود 1989 ) 1,29 درهم لكل لتر من الزيت يتضمن هامش ربح قدره 1 سنتيم، فيما يتراوح الدعم الممنوح للنقل ما بين 0,1 درهم و 0,17 درهم لكل لتر.
يتحمل صندوق الدعم أيضا تحملات غير شرعية كمصاريف البذخ والأجور العالية جدا والفوائد العينية للطاقم المسير وفاتورات المبيعات الوهمية.... جاء في تصريح أحمد الحليمي، وزير الاقتصاد الاجتماعي سابقا، بهذا الشأن " من المتوقع أن تمنح الدولة دعما عن 10 مليون قنطار لإنتاج الدقيق الوطني. لكن الخبراء يؤكدون أن الكميات الموجهة للسوق لا تتجاوز ثلاثة ملايين قنطار. أي أن الدعم الموازي لسبعة ملايين قنطار ينهب على شكل عائدات مالية للمستفيدين من الدعم ( المطاحن)". وقد اعترف رئيس "الجامعة الوطنية للمطاحن" نفسه بهذا النهب. وأقر أن الدعم لا يصل إلى أهدافه، لكنه بالمقابل نفى مسؤولية المطاحن! ولكن ماذا عن احتجاج العديد من المطاحن و الموزعين على المحسوبية في توزيع الحصص بين العمالات والأقاليم (يقصدون بين المطاحن وشركات التوزيع)؟ أكيد أن بعضهم يمارس بذلك ضغوطا من أجل الحصول على حصته من النهب بعد أن تجاوزهم منافسوهم في الاستفادة من علاقات تبادل المصالح و الروابط المعقودة مع الموظفين السامين في الحكومة. ومنذ صدور هذه التصريحات / الاعترافات لم نسمع عن تشكيل لجنة حكومية أو برلمانية للتقصي. وهو أمر يكشف مرة أخرى تواطأ المؤسسات مع المسؤولين عن نهب أموال الشعب. والنموذج البين تمثله فضيحة المطاحن سنة 1990، حين تم اختلاس مبلغ دعم الدقيق الذي صرفه المكتب الوطني للحبوب و القطاني ( 19,7مليار درهم) لحساب الجمعية المهنية للمطاحن من طرف مسؤولين من هذه الجمعية.

المجموعة الاحتكارية أونــا المستفيد الأكبر من الدعم

أول ما يشد الانتباه عند تفحصنا للمطاحن ومعامل السكر والحليب هو حجمها الكبير نسبيا والتمركز القوي الذي يسودها، وبالنسبة للكبيرة منها هناك حضور مهم للمصالح الأجنبية. وبالرغم من الركود الاقتصادي المتواصل تعمل الشركات المذكورة بكل طاقتها الإنتاجية وأرقام تعاملاتها في نمو دائم،لأن الأمر يتعلق بمنتجات تعد من الضرورات الملحة لا يتقلص الطلب عليها رغم الأزمات. وفوق ذلك ترعاها الدولة في كل المراحل.
والمستفيد الأكبر من هذه الرعاية هي المجموعة الرأسمالية الاحتكارية الكبرى "أونــا" التي تهيمن على إنتاج الزيوت الغذائية بحيث تحظى بحصة %80 من السوق الوطنية عبر شركة "لوسيور- كريسطال". وفي مجال إنتاج السكر تعتبر المنتج الوحيد لسكر"القالب" الذي يشكل %50 من الاستهلاك الإجمالي، كما أن %13 من سوق الأقراط تعود إليها. وهناك معطيات أوردها أحمد الحليمي تفيد أن %90 من إنتاج السكر (قالب - أقراط) يعود أساسا لكوسومار. ومن المرتقب أن تحظى المجموعة عما قريب باحتكار كامل لإنتاج السكر بعد أن فازت في فاتح غشت 2005 بصفقة خوصصة أربع شركات للسكر. ولا شك أنها ستطالب الآن بتسريع تحرير قطاع السكر وإلغاء الدعم، لأنها أصبحت في وضع احتكار كامل لسوقه، بعدما كانت في السابق تتحفظ وتمارس ضغوطا على الدولة لكي لا تذهب بعيدا في عملية تحرير القطاع. يثبت ذلك موقف مدير كوسومار بمناسبة يوم دراسي نظمته "لجنة متابعة تنمية القطاع الخاص" حيث يصرح "إمكانية دفع المؤسسة إلى الإفلاس إذا تم التخفيض من التعريفة الجمركية على استيراد مادة السكر المصفى، أو إذا تم إلغاء الدعم الذي تقدمه الحكومة". أما المدير العام لمجموعة أونــا فقد سبق أن طالب بالتريث في عملية تحرير أسعار السكر إلى أن تتواصل المفاوضات من أجل إيجاد حل لإشكالياته معتبرا أنه ملف أكثر تعقيدا مقارنة مع ملف الزيت الذي يعتبر عملية تحريره كانت ناجحة (لفائدة مجموعته الاحتكارية طبعا).
تتماشى، إذن، سياسة تحرير أسعار المواد الغذائية الأساسية مع مصالح الشركات التابعة لأونــا. بعدما رعتها الدولة لعقود بفضل الأرباح التي ضخها صندوق الدعم، ساهمت هذه الأرباح بالإضافة إلى القوة المالية للمجموعة في تطوير إنتاجية مصانعها واحتكارها للسوق. هاذان العاملان مكناها من التوفر على الشروط الضرورية لمواجهة المنافسة الشرسة لمنتوجات الشركات المتعددة الجنسية التي ستغزو سوق المواد المذكورة بعدما يتم رفع ما تبقى من حواجز.

4/ عواقب تحرير الأسعار

سيؤدي تحرير التجارة الخارجية، للمواد الفلاحية الأساسية وأسعارها، إلى تدمير الإنتاج المحلي. بعد خمس سنوات من تحرير أسعار النباتات السكرية لدى الإنتاج (90 ألف هكتار – 80 ألف مزارع) وتخفيض الحواجز الجمركية انخفضت المساحات المزروعة الخاصة بالشمندر السكري إلى النصف لتبلغ 27,5 ألف هكتار مقارنة مع بداية التسعينات حيث كانت المساحات المزروعة تصل إلى 66 ألف هكتار. نفس العواقب ستفرض على زراعات النباتات الزيتية. ففتح الأسواق أمام الواردات الزيتية سينسف الإنتاج المحلي من نوار الشمس (%8 من الإنتاج الكلي للزيت – 20 ألف هكتار – 34 ألف مزارع) ورغم أن الدولة قررت أن تعطي الفارق بين سعر الاستيراد وسعر إنتاج القنطار في المغرب، فمعامل الزيت ستفضل المنتوجات المستوردة رغم أن بإمكانها شراء المنتوج المحلي بنفس السعر نظرا لأن تكلفة معالجة البذور الزيتية المحلية (نوار الشمس – الصوجا - الكولزا) عالية. فقد وصل سعر معالجتها، مثلا، في سنة 1989 إلى 6,78 درهم مقابل 0,18 درهم لمعالجة البدور المستوردة.
تفاقم بطالة العمال الزراعيين: تتحدث بعض الأرقام عن 500 ألف عامل بالزراعات السكرية، إضافة إلى تفقير المزارعين، حوالي 34 ألف أسرة في الزراعات الزيتية...
تفاقم التبعية الغذائية: أدت عقود من تطبيق "السياسة الفلاحية" إلى توطيد مصالح البرجوازية الزراعية عبر سيرورة تركز أجود الأراضي بين الملاكين العقاريين الكبار (أقل من 1% يستغلون أكثر من 15% من المساحات الزراعية الإجمالية)، وبلترة واسعة للفلاحين الفقراء و تعميق التبعية الغذائية لدول المركز الإمبريالي عبر إلغاء الحواجز عن منتجاتها الفلاحية واتفاقيات الشراكة مع الإتحاد الأوربي واتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تضاعفت قيمة واردات المواد الغذائية الأساسية بأكثر من ثلاث مرات ونصف في ظرف 20 سنة ليحتد هذا الارتفاع مع بداية التسعينات موازاة مع سياسة التحرير. وتشكل قيمة الحبوب لوحدها حوالي نصف قيمة المواد الغذائية المستوردة (أنظر المناضل-ة عدد 2 لمزيد من التفاصيل حول السياسة الفلاحية). وتشكل المواد الفلاحية، خاصة الحبوب، محور الحرب التجارية بين القطبين الرئيسيين للإمبريالية الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية. ويدخل رهان السيطرة على السوق المغربي إحدى أهداف الاتفاقات التي أبرماها مع المغرب. ونتساءل كيف يمكن الذهاب بعيدا في تطبيق سياسة التحرير في ظل حرب حقيقية تخوضها البلدان الإمبريالية المصدرة للمواد الفلاحية مستعملة من جهة ترسانة كاملة من الإعانات لتخفيض أسعار منتجاتها لجعلها أكثر تنافسية، ومن جهة أخرى فرض حواجز على نفس المواد لتحطيم منافسيها؟

رغم أن نظام دعم المواد الغذائية الأساسية يشكل في جانب منه آلية بيد الدولة لتوطيد مصالح مصانع التحويل والملاكين العقاريين الكبار والشركات التجارية، فإنه مكسب للجماهير الشعبية يجب صونه والدفاع عنه وتطويره ليشمل تغطية مواد غذائية أساسية بالفعل وغنية بالبروتينات كالحليب ومشتقاته والخضروات والفواكه واللحوم... ومن جهة أخرى وجب تدعيم ملايين من الفلاحين الفقراء المنتجين للمواد الغذائية الموجهة للسوق الداخلية. ولكي لا يبقى الصندوق مصدرا للنهب يجب فرض رقابة شعبية على تسييره المالي والإداري و توجيه أولوياته في انسجام مع سياسة فلاحية بديلة تتجه بالأساس نحو تلبية الحاجات الغذائية للساكنة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
إن الحركة النقابية معنية مباشرة بالنضال ضد الهجوم النيوليبرالي على هذا المكسب. كما أن الحركات الاجتماعية المناضلة من أجل الخدمات الاجتماعية والعمومية مدعوة لدمج مطلب الحفاظ على الصندوق وفرض رقابة شعبية على توجهاته وتسييره المالي والإداري ضمن مطالبها الأساسية، وتعبئة كل الطاقات لصد الهجوم النيوليبرالي. ذلك أن الإجهاز على الصندوق يعد هجوما مباشرا على جزء من أجر الطبقة العاملة وجزء من قوت باقي الجماهير الشعبية.




- نجاة شرادي الفاضلي
- نجيب اقصبي ، الكراوي ، " رهانات فلاحية " ، جدول 16 ، ص 62-63.
- يدعي البنك العالمي أنه يشكل %18 من مصاريف الميزانية كما في 1981 و 1974 وهو ما تفنده تقارير لوزارة المالية وبنك المغرب والبنك العالمي نفسه في 1981 ، ذلك أن أقصى نسبة بلغها هي 11,9% سنة 1975 لم يعرف بعدها أي ارتفاع. متوسط نسبة الدعم خلال 75-1988 هي %5 فقط.
- تكفلت الدولة في إطار سياسة السدود بتنظيم القطاع محددة الأهداف وواضعة وسائل تحقيقها ومحددة قواعد الإستغلال ومشرفة على مختلف عمليات الإنتاج والتحويل والإستهلاك. كانت المكاتب الجهوية للإستثمار الفلاحي تبرم العقود مع مزارعي النباتات السكرية وتحدد واجبات وحقوق الأطراف الثلاثة، المزارعون ومعامل السكر والمكاتب الجهوية التي كانت تقوم بتنظيم ووضع المخططات الزراعية وعمليات مداواة النباتات والتزويد بالبذور وماء الري، بل و إنجاز أشغال الأرض وعمليات توعية الفلاحين.
- تصريح أحمد الحليمي وزير الإقتصاد الإجتماعي "للإتحاد الإشتراكي" 27 /10/2000.
- يصل الدعم الجزافي إلى 2000 درهم لكل طن من السكر و 5365 درهم لكل طن من الزيت الصافي.
- الصحيفة ، أكتوبر 1998.
- نجيب أقصبي
- نجيب اقصبي ، ادريس الكراوي ، "رهانات فلاحية"
- نجيب اقصبي ، ادريس الكراوي ، " رهانات فلاحية" .
- نجوى شرادي فاضلي
- استجواب مع أحمد الحليمي ، ليبيراسيون 23/02/1999 .
- نجيب أقصبي

بحث
المناضل-ة عدد 41


إقتصاد

خدعة القروض الصغرى : تنمية مكبلة
الخوصصة : تسويغ زائف للنهب
ديون المغرب: لا مناص من إلغائها وفك التبعية من أجل إطلاق التنمية وتلبية حاجات شعبنا



المناضل-ة
عمالية نسوية شبيبية أممية



#المناضل-ة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا لقمع حزب النهج الديمقراطي… إلى الامام من أجل الظفر بالحري ...
- ارفعوا خناقكم عن حزب العمال الاشتراكي، لأجل جزائر حرة وديمقر ...
- لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، نعم لحقوق الشعب الفلسطيني، إس ...
- من أجل تنسيقيات محلية لإسقاط القرارات الاقصائية من مباراة ال ...
- لا لفرض “جواز التلقيح” وضد استعماله لقمع الحريات الديمقراطية ...
- انتخابات تجديد واجهة الاستبداد: لأجل بناء ميزان قوى عمالي وش ...
- نقاش حول الانتخابات من وجهة نظر ماركسية ثورية
- الموقف العمالي المناضل من الانتخابات المهنية: التمثيل في الم ...
- خنق حرية التّنظيم والتّظاهر لن يُوقف اندفاع شعب الجزائر للنّ ...
- استغلال النساء في الزراعة الرأسمالية ونضالهن- مقابلة مع عتيق ...
- النصر للانتفاضة الفلسطينية الثّالثة: لنُناضل من أجل إنهاء ال ...
- لتعش فلسطين حرة، ولتسقط”صفقة القرن”، وكل المساعي لتصفية القض ...
- نظرات استدراك إلى التعبئات الاجتماعية التاريخية في الهند
- تاريخُ الحَركة العُمّالية بالمغربْ: بين مكَاسب الرّواد والوا ...
- خلاص من الاستبداد والسيطرة الامبريالية والقهر الرأسمالي إلا ...
- 08 مارس يوم الكفاح من أجل تحرر النساء من الاستغلال الرأسمالي ...
- عودة مرة أخرى إلى تاريخ إضراب النساء
- “إضراب النساء يوم 8 مارس: لنحول غضبنا الى قوة نضال ضد المجتم ...
- تحية عالية من جريدة المناضل-ة للرفاق والرفيقات في موقع الحوا ...
- نضالات شغيلة الإدارة التربوية ضد الأوضاع الصعبة، مُعيقات الن ...


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - المناضل-ة - غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب