أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزاق عبود - صور من التسامح والتعايش الاجتماعي في بصرة الامس















المزيد.....

صور من التسامح والتعايش الاجتماعي في بصرة الامس


رزاق عبود

الحوار المتمدن-العدد: 7162 - 2022 / 2 / 14 - 10:07
المحور: الادب والفن
    


ربما لا توجد مدينة لم يتعايش بها سكان العراق من كل القوميات والاديان والطوائف والمذاهب والاثنيات جنبا الى جنب بتسامح وتصافي واحترام مشترك. الصورة ليس وردية بالكامل، لكن الانطباع العام هو السائد. ولكل مدينة قصصها وحكاياتها وذكرياتها وشخصياتها التي تتحدث عن ذلك الوئام الجميل.
لكن البصرة تميزت بتواجد اناس واجناس وقوميات واديان لم تتواجد في مدن العراق الاخرى. كونها ميناء العراق الوحيد وتجاورها مع ثلاث بلدان رحل اليها الناس واستقروا بها من مختلف قارات الارض، ولكونها ارض النخيل والمياه والحبوب والنفط والموانئ حل بها التجار من كل مدن العراق والخليج العربي والعالم. بعد قيام جامعة البصرة ازداد التنوع والتعدد لاغراض دراسية وتدريسية.
البصرة كانت جامعة للفن والموسيقى والادب ومدارس الفكر والفلسفة قديما وحديثا. منها انطلق الشعر الحر ومنها تطورت موسيقى الخليج ومنها ترسخت فنون ورقصات الزنوج والخشابة واغانيهم وتراثهم الغني وتاريخهم الثوري ومنها انطلقت اولى الفرق النسائية الغنائية، وعلى مسارح ملاهيها برز اول المغنين والمغنيات في العراق.
كل ما ذكر معروف لأي عراقي وخليجي وعربي اخر واي مهتم بشأن العراق وحضارته وتاريخه، ففيها الاثار والاهوار والصحارى والجبال والبساتين والقفار. فيها البناء الحديث والمعمار البصري الجميل والشناشيل المميزة، وبقايا حضارات ومدن اندرست!
لكن اهل البصرة وزوارها والدارسين فيها والمتعاملين مع تجارها والمنتقلين اليها وغيرهم يعرفون بشكل خاص الميزات الاساسية للبصرة التي اشتهرت بها: الكرم والطيبة والبساطة والتسامح العجيب وحب التعاون وتقديم المساعدة. ففي وقت كانت العشائر في مدن اخرى تقاتل بعضها، كانت البصرة تحتضن كل غريب. وتميزت بصور صارت من الحلم في عراق الاسلاميين للاسف.
في العشار كانت هريسة يوم العاشر من محرم تطبخ وتوزع من بيت العائلة السنية بيت العبايجي!
بيت باش اعيان العائلة السنية العريقة المعروفة تدفع تكاليف مآتم الحسين التي يقوم بها فلاحيها الشيعة وتخرج فرق القامة والزنجيل من جامعهم جامع باش اعيان (الكواز او المشراق) لتواصل طريقها الى العشار. كما قامت العوائل السنية الثرية الاخرى مثل المنديل والنقيب والذكير وغيرهم بدعم المآتم الحسينية بالتبرعات وذبح الضحايا يوم العاشرمن محرم وتوزيع لحومها على الفقراء!
لاحفلات ولا افراح ولا اعراس مسيحية خلال شهر محرم وكثير من الكنائس ترفع العلم الاسود في ابوابها معلنه عزائها يوم العاشر من محرم كذلك تفعل الكثير من البيوت والمحلات المسيحية، ولا يشهرون افطارهم ابدا في شهر رمضان احتراما لمشاعر المسلمين.
حنا الشيخ اكبر تجار وملاكي البصرة المسيحي يدفع او يشارك في تكاليف محالس العزاء في اسواقه ويحضر بنفسه مع ابنائه مجالس العزاء الحسينية مشاركا اخوته من المسلمين الشيعة تذكرهم لواقعة الطف، كما تبرع لبناء او تصليح الكثير من الجوامع والحسينيات. من هنا جاء لقبه (الشيخ)!
ابناء حنا الشيخ، و الاخوان ادور والبير طليا يلطمان في مجالس عزاء البچاري والعشار مع اصدقائهم من المسلمين الشيعة والمعروف ان البير كان يقسم بالقرآن
مجالس العزاء الحسينية النسائية تحضرها النسوة من السنة والارمن والسريان والكلدان والاشوريين في المحلات التي تقام فيها هذه المراسيم ولا تسمع اصوات غناء او موسيقى تصدر من بيوتهم ايام عاشوراء والكثير من النساء المسيحيات يلبسن السواد خلال عشرة محرم او في الاقل يوم العاشر من محرم!
التاجر الهندي الهندوسي صاحب محل الساعات(نات) الشهير قرب البريد المركزي القديم يحضر مع ابنائه مجالس العزاء ويدفع تبرعات للمجالس والمواكب كغيره من التجار غير المسلمين في المدينة. كان هو وابنائه يلبسون السواد خلال عشرة عاشور واسماء ابنائه عربية: صلاح، وصباح!
المسيحي الارمني صاحب صيدلية العراق يوزع الهريسة يوم العاشر من محرم وكثير من المحلات المسيحية تغلق محلاتها يوم العاشر من محرم اسوة ببقية التجار المسلمين.
عبدالمسيح تاجر المواد الاحتياطية للسيارات نقش على باب بيته في محلة بريهة اية من القرآن: (هذا من فضل ربي)! في نفس المحلة ذات الاغلبية السنية والمسيحية اقيم سنويا مجلس عزاء الحسين. يشارك اغلب سكان المحلة في التبرع له، وتخرج صواني القاسم من بيت التاجر السني مقابل مقر العزاء، كما يقوم بتقديم الشاي والماء البارد كل يوم للحاضرين اضافة الى وجود (حب) ماء السبيل المثلج في باب بيتهم طوال شهر محرم (عاشور)!
في العشار حيث القشلة، وام الدجاج، والتميمية، والخندق وهي المناطق الشعبية التي يتعايش فيها الناس من كل مذهب ودين يتصدر الصابئة هناك التحضيرات لايام عشرة عاشور ويشاركون في اللطم والقرايات وينظمون الردات والقصائد الحسينية واغلب محلات الصاغة كان فيها صورة للامام علي وكذلك العلم الاسود في محلاتهم التي تغلق يوم العاشر من محرم!
كثير من الاطباء المسيحيين واليهود لا يتقاضون اجرة الزيارة في عياداتهم الخاصة من فقراء المسلمين! اغلب المولدات (القابلات المأذونات) كن مسيحيات مثل جدة حلوة، وجدة نجمة، وجدة مقبولة ولعل اشهرهن الدكثورة فيكتوريا عتيشة وهي من اصل اسكتلندي متزوجة من دكتور العيون العراقي المشهور بولص عتيشة والملقبة بأُم البصريين لكثرة ممن ولدوا تحت اشرافها!
من جانبهم كان جمهورالمسلمين يحترمون عادات واعياد العوائل من الديانات الاخرى ويقدمون التهاني لهم وزيارتهم في المناسبات الدينية والخاصة، ويطرق اطفال المسلمين ابواب البيوت المسيحية واليهودية والمندائية ايام (الگيرگيعان) وكانوا الاسخى في تقديم ما يطلبه ويتمناه الصغار.
كثيرا ما يقبل اطفال المسلمين ايدي القساوسة المسيحيين اذا صادفوهم في طريقهم كما تنهال الهلاهل والواهلية واغصان الياس من النساء المسلمات على اطفال المسيحيين في مسيراتهم الايمانية اثناء المناسبات الدينية خاصة اعياد الميلاد وهم في طريقهم الى كنائسهم المختلفة. كما كانت تزين ابواب العوائل المسيحية بسعف النخيل المستحصلة من البساتين القريبة التي تمتلكها في الغالب عوائل مسلمة! خاصة اثناء اعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية!
تقوم النساء المسلمات باشعال الشموع في الكنائس المسيحية، كما تقوم بعض المسيحيات بوضع الحناء في ابواب جامع الامير، اومرقد عبدالله بن علي الهادي! ويشاركن في الزيارت والسفرات الى مراقد العزير وسلمان بن داود ومقامي صاحب الزمان وعبدالله بن علي في اطراف القرنة او مقام علي الشرقي في اطراف العمارة وحتى سيد محمد في اطراف سامراء وغيرها وهن يرتدين العباءة السوداء برفقة النسوة اوالعوائل المسلمة.
تبادل الاطعمة خاصة الكبة المصلاوية المسيحية وخبز العروگ البصرية ويتقبلون بفرح خبز العباس وزردة فرحة الزهرة والهريسة والقيمة وغيرها من اطعمة عاشور والمناسبات الدينية والاجتماعية الاخرى، والاكلات البصرية الخاصة وتبادل التهاني في اعياد وافراح الطرفين. كانت الصداقات والزيجات المختلطة معروفة ومقبولة! وهناك الصورة المشهورة التي يفتخر بها البصريون لثلاث بنات: يهودية ومسيحية ومسلمة والرابعة التي التقطت الصورة كانت صابئية.
في اثناء ما يسمى بالفرهود الذي نظمه العميل نوري السعيد بالتعاون مع المخابرات البريطانية والعصابات الصهيونية لاجبار يهود العراق على الهجرة الى "اسرائيل" بعد ان رفض غالبية يهود العراق اغتصاب فلسطين او الهجرة لاسرائيل فلقد حمت العوائل المسلمة والمسيحية جيرانهم واصدقائهم من اليهود من هجمات الغوغاء المنظمة من سلطات نوري السعيد، كما حمى التجار المسلمين والمسيحيين محلات واموال وتجارة اصدقائهم وجيرانهم وشركائهم من اليهود! ولقد دافع بعض التجار المسلمين بالسلاح وهددوا باطلاق النار على من يتعرض لاموال اليهود في محلاتهم المغلقة.
لم يتعرض محل عزرا ناجي زلخة لاي نهب او اعتداء بعد اعدامه ظلما وتعليق جثته في ساحة ام البروم مع بعض يهود البصرة في 27/1/1969 رغم ان محله يقع في اكثر شوارع البصرة ازدحاما(شارع المغايز) كذلك لم تتعرض محلات المغدورين الاخرين زكي زيتو، والبير حبيب توماس لاي اعتداء رغم ان السلطات تركتها غير مقفلة بشكل مقصود!
مجلس محافظة البصرة والمجالس البلدية كانت تضم اسماء يهودية ومسيحية ومندائية بل كان هناك قضاة في المحاكم من كل الديانات! التاجر اليهودي ساسون لاوي كان مثلا عضو مجلس اللواء عام 1946.
مدرسة حداد الاهلية لم تكن مغلقة على المسيحيين فقط ولاحتى مدرسة الراهبات او مدرسة الرجاء العالي (مدرسة امريكان) ولا المدارس الاهلية اليهودية مقتصرة على اليهود فقط، ولا مدارس المسلمين الخاصة (الاهلية) فقد جلس في صفوف تلك المدارس جنبا الى جنب ابناء الديانات والمذاهب والطوائف كلها! كذلك هو الحال في مبرة البهجة الشهيرة!
كان في البصرة معابد اثنية وتجري فيها مراسيم هندوسية، وبوذية، وسيخية، وتمارس الطقوس بحرية وامان دون ان تتعرض للمضايقات او المنع، حتى المحافل البهائية كانت موجودة قبل ان تمنعها وتحاربها حكومات نوري السعيد.
هذا كان غيض من فيض لما كنا نعيشه ونفتقده الان!
هل لا زال ذلك الاخاء والصفاء قائما في البصرة ام انه اختفى مع اهلها الطيبين الذين سحقتهم الحروب ودمرهم الخراب واختطفتهم الغربة وضيعتهم المنافي!
اتمنى ممن عاشوا وشهدوا تلك الفترة الذهبية اغناء الموضوع بملاحظاتهم واضافاتهم وامثلتهم، وذكرياتهم، وتجاربهم الشخصية، فالخراب المنظم الذي تعيشه البصرة اليوم يفرض علينا تذكر ماضيها الجميل وعرضه وتقديمه الى الاجيال الحاضرة التي لم تشهد غير الحروب والدمار والارهاب والفساد والطائفية والتعصب الاعمى والجريمة المنظمة وانتشار(نشر) المخدرات القاتلة.
عسى ان نرسم معا صورة زاهية لبصرة الامس!



#رزاق_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بس يا وطن
- # المرأة العراقية...عدها حق!
- تومان البصري
- كيف تذبل يا ابو سلام وانت بكل هذه النضارة؟!
- ياحسرة على البصرة!
- مناجاة ام
- عقوبات ترامب على ايران خطر على العراق والمنطقة!
- ظاهرة التحرش الجنسي ضد النساء. مساهمة متواضعة!
- -سائرون-، حائرون، متربصون!
- -سائرون- وتعدد الاراء!
- عذاب القبر
- الغربة اللعينة والذكرى الأليمة!*
- اسلحة الدمار الشامل في البيت العراقي!
- العباس ورئيس(أمير) جامعة البصرة!
- بدعة استفتاء برزانستان!
- اثر النزاعات المسلحة على المرأة! هل تكفي مقالات التضامن لانص ...
- من صولة -الفرسان- الى صولة الخصيان، الحشاشون الملثمون يحمون ...
- حوار حول شخصية -النبي- محمد وصحة نبوته وقرآنه!
- اختطاف افراح شوقي حرب مفتوحة ضد حرية الكلمة!
- فيديل كاسترو بين التمجيد والانتقاد!


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزاق عبود - صور من التسامح والتعايش الاجتماعي في بصرة الامس