أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - العفيفي فيصل - حيرة في جبل















المزيد.....

حيرة في جبل


العفيفي فيصل

الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 4 - 18:51
المحور: الادب والفن
    


شد سمعان القيرواني الرحال الى مدينة اورشليم لحضور احتفالات عيد الفصح اليهودي ككل سنة، لم يكن يتوقع أبدا انه سيشهد مهرجانا دمويا عنيفا بل سيكون من المشاركين فيه، حدث غير مجرى التاريخ، في أزقة أرشليم الضيقة وبالتحديد شارعها الأوسط، احتشدت حشود كبيرة من الناس من مختلف درجاتهم الاجتماعية، فهم سمعان من أحاديثهم وهمساتهم أن جنود روما وبمساعدة كهنة السنهدريم سيقوم باعدام شخص ادعى أنه المسيا المنتظر وقد تمكن من جمع بعض الأنصار واحداث بلبلة واضطراب سياسي واجتماعي وحتى ديني، وطبعا تهمة التجديف الدينية إضافة الى تهمة التمرد السياسية يعني إعدامه بأسرع وقت ممكن ... لاحظ سمعان ان اغلب الحضور في حالة حيرة، قلق، توتر، خوف، بما في ذلك بعض الجنود الرومان وعلى رأسهم قائد المئة، فئة اخرى وبالتحديد رجال الدين، الأغنياء والطبقة الأرستقراطية وكبار التجار، تتعالى ضحكاتهم من الفرح كضحكة الجوكر في حالة نوباته الهستيرية، كم هائل من اللعن والتكفير والسب والشتم يخرج من أفوامهم بلا حسيب أو رقيب أو تأنيب للضمير، فئة قليلة من النسوة لا يفارقن العويل والبكاء قط، إنهن من عائلة المتهم ... بدأت القافلة تسير بين الحشود، قاطعة طريق الآلام، ثلاثة متهمين، كل واحد منهم يحمل موته الخشبي الثقيل على ظهره ويجره جرا، منهك بدنيا ولم يستطع التحمل والمواصلة فسقط ولم يتمكن من الوقوف مجددا، سقط بالقرب من سمعان الذي تجمد من هول المنظر، لا يعرف ماذا يفعل، وإذا بجندي روماني عملاق، سوط حديدي في يده، واضح أنه جلاد، علامات القتل وتعذيب البشر بادية في عينيه، صاح فيه " أنت، قم بمساعدته واحمل معه الخشبة"، مباشرة قام سمعان بجعل يد المتهم على كتفه حتى يتمكن من الوقوف، ثم ساعده عدة أمتار في حمل الموت قبل أن ينهره الروماني الجلاد ويأمره بالرجوع مع الحشد، لم يفهم لماذا فعل سمعان هذا، هل لأنه انسان طيب، رقيق القلب، الرحمة من حركته، أو خشية تلقي ضربة بذلك السوط الحديدي هو من حركه اوتوماتيكيا، وبمناسبة الحديث عن الخوف، بين الحشود كان بطرس، واحد من أفضل وأقدم تلاميذ المتهم وأشجعهم، لدرجة أنه ملقب بالصخرة، ولكن ما إن تعرف عليه بعض الناس في الحشد وقام الزبانية الرومان بتطويقه حتى أنكر كل شيء، نعم لقد أنكر معرفته بهذا الشخص الذي يصعد الان الجبل بين أشجار الزيتون لتطبيق العقوبة، تنهد سمعان ثم قال في نفسه "لا اعلم بالضبط لماذا ساعدته، ولكني متأكد ان السبب ليس كما قال بولس، فمن خلال ما رأت عيني، لم يكن للمتهم رغبة في حمل هذا العذاب والآلام، فمن أين لك ان الايمان يكون بمشاركة هكذا آلام وطوعا، نعلم انك ايضا تعرضت لهذا، يعني تقول وتفعل، ولكنها تجارب شخصية وليست دين، وليس كبعض أمراء التيارات الجهادية، يرسلون الشباب المغرر بهم الى القتال والانتحار تحت شعار الشهادة، أما هم فيتم القضاء عليهم في غرف النوم بين احضان الزوجات" ... أراد سمعان الوصول قبل الجميع الى اعلى الجبل، ولهذا اختار تسلقه من جهة أخرى رغم صعوبة الصخور وعدم تطويعها كمسالك، ما إن وصل الى المنتصف حتى وجد رجلا يدحرج صخرة كبيرة نحو الأعلى، سأله عما يفعل، فأجابه بلغة اغريقية قديمة وهو يتصبب عرقا من الارهاق أنه هكذا منذ آلاف السنين، ما إن ينجح في وضعها على القمة حتى تتهاوى في سقوط حر الى الأسفل، فيقوم بتكرار عمله مرارا وتكرارا، لم تكن دهشة سمعان مما يراه ويسمعه أقل من المرة السابقة، فإذا كان الأول يحمل خشبة موته متسلقا الجبل تحت جبر القانون الكهنوتي والعسكري، فما به هذا يعذب نفسه بلا اكراه، ثم فجأة خاطب سمعان عقله متسائلا "ولكني لست في حالة أحسن من حالته، حياتي فيها روتين يومي، نفس العمل أكرره يوميا، نعيش مأساة وكآبة وملل ولو زعمنا كذبا ونفاقا العكس"، وهو ينظر الى شجاعة سيزيف في رفع الصخرة رغم علمه مسبقا بعبثية فعله لأنها ستسقط من جديد ولن تستقر على القمة ابتسم ابتسامة اعجاب وتقدير، لأن من الراجح أن سيزيف أحب حياته هذه كما هي، ومن نتائج الحب الحقيقي رفع التحدي والكفاح وعدم الاستسلام، يستطيع سيزيف رمي نفسه من الشاهق منهيا هذه المنحة التي فيها، ولكنه لا يرى في الانتحار والموت حلا ولهذا فضل مواجهة القدر رغم قساوته وعبثه ولعنته الأبدية ... استمر سمعان صعودا وإذا به يسمع سمر وضحك في مدخل كهف صغير، أطل برأسه وإذا برجلين كهلين واضح من طريقة حديثهما أنهما صديقين مقربين، اقترب سمعان منهما واقرأ عليهما السلام، رد عليه التحية صاحب الشارب الكثيف بلكنة جرمانية، أما صديقه فبعدما أخرج كل ما في رئتيه من غاز النيكوتين الذي تناوله من سيجارته الغليظة، أشار بأصبعه الى الطريق، ابتسم سمعان وقال "شكرا سيدي ولكني أعرف اين طريق الصلب، فقط استغربت تجاهلكما التام لما يحدث في المدينة"، نظر إليه نيتشه بصرامة وهو يفرك شاربه المتذلي ثم قال له "هل تريدنا ان نكون قتلة مثلكم، هل تريدنا ان نتفرج على جريمة قتل إله كأننا نتفرج مسرحية ريا وسكينة، ثم نخترع طقوسا وصلوات وتراتيل وأناشيد فنتحول بإقامتها من المجرمين الى الأبرياء، هذا جنون يا محترم، قتلتم الإله حسب زعمكم، إذا قد مات الإله، لا تلقي تلك الفلسفات اللاهوتية الفارغة لتشرح ..."، قاطعه صديقه فرويد قائلا: "هون عليك، اتركه يرى الطعنات وقربان الدم، هكذا هو الانسان، ضحية خوفه، وأعظم خوف هو الموت وما بعده، وهذا معروف في سيكولوجية الدين، ولهذا دائما ومنذ القدم يبدع ويتفنن في فكرة المخلص، الشفيع، المنقذ، حيوانا كان او شجرة او حجرة او انسانا او شبحا، المهم ارتياح وطمأنينة نفسية، ولهذا أرى يا صديقي أننا معشر الفلاسفة اخطأنا التعامل مع فكرة موت الإله، والدليل أن المسيحية الأكثر اعتناقا قديما وحديثا كما انها من الاكثر انتشارا، السبب ما تقدمه لصاحبها من ضمانات بعد الموت رغم ما ارتكبه من خطايا ومعاصي"، رد عليه نيتشه وهو يهز رأسه " تبا لهذا الانسان، قتل الإله حتى يضمن حياة سعيدة بعدما يتحول الى وجبة دسمة لديدان الارض في قبره"، انفجرا الرجلان ضحكا، لم يفقه سمعان كلامهما ولكنه شعر بالغضب من استعمالهما لعبارات كفرية، انصرف وهو يتساءل كيف لفلاسفة ان يتكلموا عن موت إله، هل يعقل أن يهوا يموت، اي تجديف هذا بحق الجحيم ... في لندن عاصمة الضباب، الوقت ليلا متأخرا، سمعان يتناول مشروبا في مافيتيريا بشارع معروف بكثرة اليهود فيه، يشاركه الطاولة بطرس، بعد عدة كؤوس، سأله سمعان "بطرس، انت من تلاميذ المسيا، اخبرني، ماذا فهمت عنه"، بطرس "لم أفهم شيئا"، سمعان "تكلم يا رجل، لسنا في زمن روما الوثنية"، بطرس "قلت لك لم افهم شيئا"، سمعان "كيف ؟"، بطرس "كلامه أمثال وحكم ومجاز، ولهذا حتى نحن التلاميذ لم نكن نفهم، على سبيل المثال كان قد أمرنا بعدم غسل أيدينا قبل الأكل، فجاءه الكهنة يسألوه كيف تجعل تلاميذتك يتعدون على تقاليد الشيوخ، فأجابهم أنهم ايضا يتعدون وصية الله بالتقليد، وتحدث عن بر الوالدين، المهم الكهنة لم يفهموا شيئا، ونحن لم نفهم شيئا، لعدم وجود علاقة بين الجواب والسؤال، تكرر هذا كثيرا، ولهذا كنا نطالبه بتفسير المثل لنا لما نكون وحدنا، فيستغرب ويقول "هل انتم ايضا لحد الان غير فاهمين"، بدأ سمعان بالتمتمة وكأنه يريد التعبير عن شيء ما ولكن الألفاظ المناسبة لا تحضره، تناول بطرس اخر ما بقي في كأسه ثم قال له "عاش معنا ولم نفهم، مات ولم نفهم، اختفى ولم نفهم، وهناك قولا بعودته واذا عاد فلن نفهم"، سمعان يتساءل متعجبا زمستنكرا "أين يرجع أين ؟ لا تقل أنك تتحدث بجدية ؟ اه يا إلهي ... محتوم على البشرية الضياع في كيل زيت".



#العفيفي_فيصل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطاهر حداد: المفكر المظلوم
- الجهم بن صفوان: الرجل الثائر
- بين الأمراض النفسية والرقية الشرعية


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - العفيفي فيصل - حيرة في جبل