أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد الباسوسي - في مسألة اصحاب والا أعز















المزيد.....

في مسألة اصحاب والا أعز


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7149 - 2022 / 1 / 30 - 23:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انفجرت فجأة حالة من الصخب والهلع والغضب بسبب شريط سينمائي اسمه "أصحاب والا أعز" انتجته احدى المنصات الاليكترونية الاجنبية المشفرة "نتفيليكس"، وقام بالتمثيل فيه مجموعة من الفنانين العرب مع الممثلة المصرية منى زكي. الشرارة مثل المعتاد بدأت من وسائل التواصل الاجتماعي ثم انتقل الأمر بدوره الى شاشات التليفزيون وجميع برامج التوك شو المستهلكة لمنتجات وسائل التواصل الاجتماعي، ثم لاحقا سرت تلك الموجة من الصخب والهلع والغضب كالنار في الهشيم خلال مناقشات البرلمان المصري، وداخل ساحات المحاكم. كل ذلك حدث قبل ساعات قليلة تفصل المصريين حكومة وشعبا عن الاحتفالات بعيدي الشرطة المصرية وذكرى احداث صمود واستبسال قوات الشرطة ضد قوات الاحتلال الانجليزي في الخامس والعشرين من يناير من عام 1952 ورفضهم بجسارة أوامر قوات الاحتلال تسليم اسلحتهم واخلاء مبنى محافظة الاسماعيلية لقوات الاحتلال الانجليزي المدججة بكل انواع الاسلحة الثقيلة والخفيفة، وترتب على ذلك تعرضهم لمجزرة حقيقية استشهد فيها نحو خمسون فردا من قوات الشرطة المصرية واصيب ثمانون. وكذلك الاستعدادات للاحتفال الشعبي بذكرى انتفاضة 25 يناير الشعبية عام 2011 التي منحت الجماهير أملا في امكانية تغيير الواقع الثقافي الفكري والسياسي، وامكانية بناء دولة مؤسسات حقيقية مدنية حديثة تدخل غمار القرن الحادي والعشرين.
الفيلم مصدر كل هذا الغضب المبالغ فيه يتعرض ببساطة لحالة ثلاثة ازواج (كوبلز) اصدقاء حميمين وصديقهم الاعزب، يلتقون سويا في منزل احدهم على العشاء، تتطور الثرثرة الاعتيادية فيما بينهم الى اقتراح من واحدة من الصديقات بأن يضع الجميع الموبايلات على الطاولة، والتعامل مع أي رسالة نصية أو صوتية أو اتصال بأحدهم يأتي من الخارج في العلن وعلى مسمع ومرأى من الجميع وفتح الاسبيكر الخاص بالهاتف. هذه فكرة الفيلم المركزية التي بني الأساس الدرامي عليها. ترتب عليها هتك ستر الكثير من الأسرار والسلوكيات الخاصة بكل فرد من الاصدقاء كان مضطر الى اخفائها عن أقرب الناس الحميميين لديه مثل الخيانات واقامة علاقة جنسية مع زوجة أحد الاصدقاء، الحضور، وخيانة احدهم لزوجته، وخيانة الأخرى لزوجها، والصديق صاحب الجنسية المثلية الذي تعمد اخفاء هذا الأمر عن اصدقائه المقربين جدا خشية ان يخسرهم... الخ من اسرار الصندق الأسود التي فاضت وانتشرت روائحها في فضاء غرفة طاولة العشاء مدة عرض االشريط المثير. لا يبدو ان كل هذا الغضب المنفلت رد فعل انعكاسي لبعض الالفاظ الخارجة عن سياق المنظومة الاخلاقية التقليدية، أو ظهور شخص مثلي الجنسية في ثياب الطبيعيين المحترمين!، أو البوح بجرأة غير تقليدية بنماذج من العلاقات التي تلبس ثوب الخيانة بين الاصدقاء الحميميين، لكن يبدو ان الأمر أبعد من ذلك بكثير.
ان كل ما سبق ان ذكرناه نعيشه في تفاصيل حياتنا اليوميه المعاصره وتكشفه اخبار الحوادث ووسائل التواصل الاجتماعي بجلاء كل يوم، ونتصادم معه في الشوارع، ووسائل المواصلات العامة، وفي قنوات التليفزيون الفضائية، وشجار أو غضب الناس مع بعضهم في الشوارع أو على وسائل التواصل الاجتماعي. أيضا أضحى الناس يتعاملون مع هذه الأمور ببلادة انفعالية واضحة وكأنها سلوكيات اعتيادية تمثل نمط حياة جديد متعلق بالتغيرات الثقافية الاجتماعية التكنولوجية الحادثة في الكون، ويمكن تقبلها حتى لو كان الثمن تراجعا ملحوظا في القيم الاخلاقية والدينية التقليدية. اذن ما الذي جرى بالضبط وأثار بركان من الغضب لدي المصريين لم تخمد شظاياه حتى الآن. من الصعوبة الربط بين توقيت اثارة عاصفة أو بركان الغضب واقتراب احتفال المصريين بثورة يناير 2011 على اعتبار ان أحد نواب البرلمان الموالين للحكومة ومعه حزب النور السلفي الموالي للحكومة أيضا أخرجا الاحتجاجات من جب السوشيال ميديا العميق الى ساحة مجلس النواب وقنوات التليفزيون الفضائية والاعلام بكل تجلياته، وطال تباكيهم وصراخهم على قيم الاسرة المهددة والأخلاق المهدرة المعرضة للخطر بسبب هذا الشريط السينمائي. بدى الأمر اشبه بمظاهرة تحريض للجماهير ضد هذا الشريط السينمائي وجميع العاملين فيه، ومطالب بشطب الممثلة المصرية من نقابة الممثلين، وطالب آخرين بتطليق الممثلة من زوجها، ومطالب كذلك بتحجيم حرية الابداع بكل صوره وكأن الهدف احداث أكبر قدر من الضجة الاعلامية وكفى في مثل هذا الوقت. هذا الافتراض يبدو مجرد افراط في خيال اولئك الذين تقودهم نظرية تآمر الدولة ضد مطامحهم. لكن الاحتمال الأرجح ان يكون الهلع أو الرعب الشخصي من كشف المستور في داخل كل فرد منا هو ما آثار كل هذا الخوف وكل هذا الغضب الدفاعي.
ان فكرة الفيلم المحورية كما ذكرنا قائمة على أساس وجود مساحة من الحيز الشخصي داخل كل فرد منا، هذه المساحة قابعة داخلنا ولايجوز اختراقها بأي حال من الأحوال. لكن لو تم ذلك وتم الاختراق والكشف عن الأسرار القابعة داخل ضلوعنا يهتز الداخل لدينا بشدة مصحوبا بحالة شديدة من الهلع والغضب وربما التفكك. مؤكد كل شخص منا يملك خزانة مصفحة يحتفظ داخلها ببعض الأسرار التي يخفيها عن أقرب الناس لديه وأشدهم حميمية، ومؤكد أيضا انه سوف يصاب بالهلع وقد تتفكك شخصيته اذا ما تم اختراق هذه الاسرار المختبأة داخل ضلوعه.
ان الجماهير التي شاهدت الفيلم، والملايين الذي تابعوا الجدل الساخن سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الاعلام الأخرى واشاهدوا أو علموا بتلك الأسرار المختبأة داخل ضلوع ابطاله، والمحجوبة عن أقرب الناس حميمية لديهم وكيف يتم تداولها على طاولة للعشاء فيما بينهم ربما اصيبوا برعب عظيم، لسبب بسيط ان لدى كل فرد منهم سر عميق لايمكن ان يبوح به الى أحد ابدا، وان اخفاء هذا السر يحقق له قدر كبير من التوازن النفسي والتوافق مع الآخرين، ويرفع عن كاهله الكثير من الضغوط الغير محتملة، ويشعره بالأمان والطمانينة خلال مسيرته في واقعه المعاش.
ان مسألة توحد الجمهور بابطال الفيلم الذين كانوا يثرثرون على طاولة العشاء، واضطرتهم الظروف وفقا لقواعد لعبة اتفقوا على لعبها كفيل باكسابهم شحنات هائلة من الرعب والهلع والغضب خوفا على اسرارهم المختبأة داخل هواتفهم النقالة والتي يمكن ان تظهر للعلن في أي وقت مثل ابطال الفيلم، ونفس الأمر يتعلق بأفكارهم ومشاعرهم وسلوكياتهم المخبوءة أو المحرمة التي لايمكن ان يعلم بها أحد.
ان الفكرة المحورية التي شكلت البنيان الأساسي لدراما الفيلم (الاضطرار الى افشاء الأسرار الغريزية المخبوءة) لم يحتملها مجتمع لايزال هش ثقافيا، محافظ ظاهريا، يستأنس فيه الفرد بالستر لانجاز حالة من التوافق النفسي بين غرائزة الملحة، وواقعه المعاش، لدرجة ان الستر يعتبر قيمة ثقافية مدعومة بتراث ديني واجتماعي قديم يحبذها ويدعوا اليها.
ان المبررات أو الشعارات التي تم رفعها من أجل تقييد حرية الابداع والفن والباسه ثوبا تراثيا لايمكنها ان تصمد في خضم واقع ثقافي اجتماعي سريع التغير والتطور. بنيان الأسرة المصرية لايمكن ان يهدمه شريط سينمائي، فقد اشارت دراسة ان المصريين أكثر شعوب العالم استهلاكا للافلام الاباحية على شبكة الانترنيت، ومن الصعب ان تعثر على مراهق أو مراهقة لم يشاهد فيلم اباحي، فهل هدمت الاسرة المصرية من جراء ذلك؟. ان ما يمكن ان يؤثر على بنيان الأسرة بحق هو تلك الحالة الفصامية التي يعيشها مجتمع يخشى من الوضوح والنور ويمارس افراده في الظلام ما يتنافى مع القانون والعرف والقيم الدينية. ان الشفافية الاجتماعية والسياسية هو ما يصلب عود الاسرة والمجتمع المصري قاطبة، ويحررنا من الهلع أو الخوف من مجرد شريط سينمائي عابر.



#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنون يمشي على ضفاف النيل
- علاقة مفترقية تتحرر من فخ اللوعة والغواية..قراءةة في رواية ل ...
- خلف نافذة 2020
- ثوار غاضبون وتاريخ معلق
- أنا ومراهقي
- خرزات الضوء (قصة قصيرة)
- الهزيمة والعدم في فقاعات الصابون للكاتبة فاتن فاروق
- ثلاثة مشاهد قصصية
- عائدة من السماء
- الديك الرومي قصة قصيرة
- كاميرات آدمية (قصة قصيرة)
- أزمة في الطب النفسي أم ازمة في الثقافة المصرية
- دراسة نقدية عن كتاب : ايام من الهمس والجنون يوميات معالج نفس ...
- كتاب نظرات مضيئة في القصة والرواية والنقد الأدبي للكاتب المب ...
- المصريون البسطاء بين مصر القديمة ومصر الحديثة، قراءة في كتاب ...
- ام كلثوم والشيخ كشك وعبقرية المصريون
- تجليات الرمز وتشكيل النصوص بالكلمة
- سائق الحافلة
- أفهم (قصة قصيرة)
- الكمساري (قصة قصيرة)


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد الباسوسي - في مسألة اصحاب والا أعز