أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الديمقراطية الجديدة(النشرة الشهرية) - جانفي شهر الإنتفاضات الشعبية















المزيد.....


جانفي شهر الإنتفاضات الشعبية


الديمقراطية الجديدة(النشرة الشهرية)

الحوار المتمدن-العدد: 7143 - 2022 / 1 / 23 - 19:09
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


جانفي 1978/جانفي 1984 /جانفي2008/

(من ارشيف الشيوعيين الماويين =جريدة "الديمقراطية الجديدة " جانفي 2009)
مرت31 سنة على الإضراب العام الذي شنه الاتحاد العام التونسي للشعل يوم الخميس 26 جانفي 1978 والذي تحول إلى عصيان مدني واجهته السلطة بإطلاق النار على المتظاهرين مما تسبب في سقوط العديد من الضحايا وسجن المئات من النقابيين. كما مرت 25 سنة تقريبا على إنتفاضة الخبز التي إنطلقت من الجنوب الغربي لتعم كامل القطر وجند النظام جيوشه لقمع المنتفضين متسببا في قتل العديد منهم ومحاكمة الكثير من المتظاهرين لكنه أُجبر في النهاية على التراجع في ترفيع سعر الخبز.
وشهد شهر جانفي كذلك شتى التحركات الجماهيرية للتعبير عن مساندة نضال الشعب العربي في فلسطين أو تنديدا بالهمجية الصهيونية.وقد حققت هذه الأحداث رغم الخسائر في الأرواح عدة مكاسب مثل إستقلالية العمل النقابي والتراجع في حذف صندوق الدعم بالنسبة للمواد الأساسية وعرقلة عجلة التفويت والخوصصة التي أعلن عنها النظام منذ بداية السبعينات تحت شعار ما سمي "بالانفتاح".
وظل النظام يتخبط في أزمة خانقة فجرت معركة الخلافة وتناحر البدائل الامبريالية على القطر وجاءت سلطة 7/11 لتتجاوز تفجر الوضع الاجتماعي وتمكنت من ترميم صفوف النظام وتحقيق الوفاق من حولها فسارعت الحركة الإصلاحية بمباركة بيان 7 نوفمبر وإعتبرته خطوة على درب " التحول الديمقراطي" وساعدت السلطة في حل المسالة النقابية في الحقل العمالي والطلابي وبذلك تمكن النظام من إستعادة نفوذه وتمتعت المعارضة ببعض الإمتيازات هي التي لم تحرك ساكنا ولم تعرف لا السجن ولا التعذيب.
وبعد مرور أكثر من عقدين على 7/11،فى 2008، وجدت الجماهير نفسها من جديد في وضع يشبه وضع 20سنة خلت إن لم نقل في وضع أتعس بكثير على كل المستويات في حين تفتح الأبواب أمام الشركات متعددة الجنسيات وتقدم الإمتيازات لشرائح الطبقة الكمبرادورية من سماسرة ووصوليين من العائلات المتنفذة والى ملاكي الأراضي الكبار.
وبالفعل، فقد تطور" الإستثمار الخارجي" بصفة ملحوظة ليبلغ 2800 مؤسسة أجنبية توفر 300 ألف موطن شغل وتتصدر فرنسا قائمة المستثمرين الأجانب ب1100 مؤسسة. ويعزى هذا التوغل الامبريالي إلى حجم التسهيلات المقدمة على المستوى الجبائي الذي يصل حد الإعفاء من الأداءات و تنقيح مجلة الشغل بإتجاه مرونة التشغيل وتقنين المناولة بما يخدم مصالح الأعراف الأجانب والسماسرة المحليين، فضلا عن تدني مستوى الأجور رغم أن اليد العاملة مختصة. كما وقع إمضاء إتفاقية الشراكة مع السوق الأوربية سنة 1995 وشهدت سنة 2008 التطبيق الكامل لهذا الاتفاق الذي نتج عنه تدهور المؤسسات المحلية أو إفلاس البعض منها خاصة تلك التي لم يشملها التأهيل والتي تظل عاجزة على منافسة الشركات الإمبريالية. ولم يقف النظام عند هذا الحد بل إلى جانب إحداث المناطق الحرة في جرجيس وبنزرت، شرع في بيع القطر شبرا شبرا من خلال عقد صفقات مربحة للمتمكنين فى جهاز الدولة بتعلة توفيرها لمواطن شغل وفي هذا المجال يمكن ذكر مشروع سماء دبي في بحيرة تونس الذي من المفترض أن يوفر 140 ألف موطن شغل والمرفأ المالي في رواد ومدينة الثقافة والحي الرياضي ومطار النفيضة مع التفويت في مطار المنستير، إلى جانب إمضاء العقد تلو الآخر في مجال التنقيب على النفط مع الشركة الإيطالية والشركة الأنجليزية الهولندية "شال" . و مع أن عدد الحقول يتجاوز 30 حقلا تنتج 70 ألف برميلا يوميا يواصل النظام إستيراد النفط من ليبيا والغاز من الجزائر... وبموجب كل هذه القوانين التي سنها " البرلمان التونسي" أصبح النظام يحتل المرتبة 32 من131 بلد حسب منتدى دافوس للأثرياء والذي يعبر طبعا عن سياسة المنظمة العالمية للتجارة و صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. ويعكس هذا الترتيب رضاء الإمبريالية على كيفية تطبيق سلطة 7/11 التوصيات . و حسب ترتيب البنك العالمي تحتل تونس المرتبة88 من ضمن 177 بلدا.
وفي إطار تطبيق توصيات المؤسسات المالية العالمية سياسيا وإقتصاديا،وقع التقدم في الخوصصة وبيع المؤسسات التي شملت قطاعات حيوية مثل النقل والاتصالات والكهرباء والإسمنت والتعليم والصحة . وسمح النظام للمستثمرين الأجانب بالمساهمة في الشركات التونسية بنسبة 49% من رأسمالها.وبفعل التسهيلات الجبائية والمالية وبفضل القوانين الجديدة المشجعة للإستثمار الخاص شهد هذا القطاع نموا ملحوظا خاصة بعد تحرير التجارة الخارجية و تشجيع التصدير الذي بلغ حجمه 50% من الإنتاج الداخلي الخام.
إن خيارات العولمة التي تطبق في أشباه المستعمرات لا تهدف إلى الرفع من مستوى عيش أغلبية السكان بل أدت عمليا إلى مزيد تفقير الفقراء وإفلاس الحرفيين والصناعيين الصغار والى تفكيك أواصر الاقتصاد المحلي وجعله تحت رحمة إحتكارات متعددة الجنسيات حتى فيما يتعلق بالحاجيات الأساسية مثل الغذاء والصحة. غير أن الإحصائيات الرسمية ومقاييسها الخاصة تحاول إقناع الرأي العام بأن الجميع يستفيد من هذا النمو الإقتصادي الذي بلغ معدله في تونس ما يقارب 5%.وتقدم الدعاية الرسمية أرقاما خيالية مثل تطور الدخل الفردي من 1000دينار سنويا سنة 1987 إلى 6000 دينار سنة 2007(تذكر بعض المصادر رقم 4200 دينار) وهو ما قد يوهم الرأي العام أن معدل الأجر الأدنى يساوي 500 دينار شهريا وأن هذا الدخل يرتفع سنويا بمعدل 7,3% منذ 1987و أن الطبقة الوسطى أصبحت تمثل 80% من السكان بما يعني ضمنيا أن الفقراء والأغنياء يمثلون ال20 % المتبقية وهذا طبعا يجانب الحقيقة. وتوهم الأرقام المزيفة و المفبركة أن نسبة التغطية الاجتماعية بلغت 89% سنة 2005 ونسبة التنوير 98,7% وأن نسبة الفقر من جهة أخرى انخفضت إلى 3,8% و نسبة الأكواخ إلى 1%.
بالتأكيد لا تعكس هذه الأرقام واقع الطبقات الشعبية التي تدرك أفضل من المختصين في الإقتصاد أن الأجر لم يعد كاف لتغطية حاجياتها خاصة عندما يتجاوز الأمر المواد الغذائية الأساسية. إن " قفة المواطن" التي يقع على أساسها إحتساب تدهور القدرة الشرائية لا تشمل سوى العجين والسكر والشاي ومعجون الطماطم...في حين أن كل المواد الأخرى التي تشهد إرتفاعا مذهلا لا يقع إحتسابها مثل الدواء والتجهيز والكراء أو مواد البناء والنقل وتظل الفئات الشعبية غير معنية بالجانب الترفيهي والثقافي وحتى التعليم الذي لم يعد في الواقع تعليما مجانيا نظرا لغلاء الأدوات و مصاريف التنقل والخضوع إلى دروس التدارك شبه الإجبارية في بعض المواد.
لم يستفد الشعب من تطور نسبة النمو الاقتصادي بل إن هذا النمو الذي يتحقق بفضل عمل الكادحين يتم على حساب مصالحهم إذ أن المفاوضات الإجتماعية التي تربط الكادحين بإتفاقيات غير عادلة وتمنعهم من التحرك طيلة 3 سنوات لا يغطي مردودها إرتفاع أسعار بعض المواد التي أصبحت بتطور نمط العيش ضرورية. والى جانب ضعف الأجور مقارنة بغلاء الأسعار فان القيمة المالية للضرائب غير المباشرة تظل في تصاعد مستمر .
و لا تفوتنا الإشارة إلى المناسبات التي يقع من خلالها تجميع الأموال بتعلة المساهمة في القضاء على جيوب الفقر مثل صندوق 26-26 الذي بات إجباريا في غالب المواقع بل يصل الأمر إلى تهديد من يرفض التبرع. وقد إرتفع عدد المتبرعين من 182 ألف متبرع سنة 1994 إلى 4 ملايين سنة 2006 وإرتفع حجم التبرع من 5 ملايين دينار إلى 30 مليون دينار. وتفيد الإحصائيات الرسمية أن خدمات الصندوق شملت أكثر من 1800 منطقة وأكثر من 240 ألف عائلة ووفرت أكثر من 60 آلف موطن شغل وأنجزت 130 مدرسة و140 مركز صحي و65 ألف مسكن...
إن النظام يفكر أولا وقبل كل شيء في تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي وإحرازه على شهادات الشكر ولا ينشغل بالانعكاسات السلبية على جموع الشغالين. و بما أنه تعهد "للمستثمرين الأجانب" بتوفير الإستقرار الإجتماعي والسماح لهم بالتصرف فوق القانون فإنه يلاحق كل من يعارض سياسة الإستغلال وإحتلال الأرض ومصادرة الحرية ودوس الكرامة الوطنية .ومن هنا ندرك سبب تضاعف واقع العسكرة والدسترة . وتمكن النظام من تقليص هامش العمل الجمعياتي إلى حد منعه وتجميده أو شل تحركاته بتغذية الصراعات في صلبه . وفى السنوات الأخيرة ،وبحكم أنه لم يعد قادرا على مسك الغضب الجماهيري عن طريق الوعود والدمغجة لجأ مجددا إلى إلصاق التهم بالمعارضين وتنظيم المحاكمات وإعتماد القمع المفضوح.
فى إطارالعولمة الرأسمالية/الإمبريالية ،تحتل الإمبريالية الأرض وتركز مؤسساتها حيثما تريد وتتمتع بكل الإمتيازات وهي تنهب الخيرات وتستغل عرق الشغالين بأسعار زهيدة كما أنها تحتل الأسواق المحلية وتفككها لتجعل منها وعاء لفواضلها وتتسبب كذلك في إفلاس الفلاحين الصغار والصناعيين الوطنيين. ومع إدخالها بعض التطور باتجاه تسهيل عمليات النهب وتوفير البنية التحتية لتسويق السلع فإنها تحافظ في نفس الوقت على أكثر الأشكال تخلفا فتشجع عقلية الخنوع والإستسلام من خلال دعم كل أنواع الأفكارالدينية لإبقاء الكادحين في جهلهم. ومن اجل فرض الإستقرار الإجتماعي تزكي الإمبريالية كل شرائح السماسرة وملاكي الأراضي فتسلحهم وتقدم لهم القروض والإعانات وتضبط لهم السياسات التي يجب إتباعها وكيفية تطبيقها من خلال المستشارين المحليين ووكالات التجسس. ويقع تطبيق هذه التوصيات إما عن طريق الملوك والأمراء أو الجنيرالات آو عبر البرلمانات التي يقتصر دورها على تزكية الإختيارات ومنحها طابعا محليا وتقديمها كإختيارات "مستقلة ووطنية" وقعت المصادقة عليها دون توجيه خارجي.
وتعتمد الإمبريالية على الملوك والأمراء والإقطاعيين عامة من اجل ضمان مصالحها لكنها تصنع شرائح أخرى تنتمي إلى طبقة الكمبرادور مثل البيروقراطية الرأسمالية والسماسرة المحليين ولا يمكن بأية حال إعتبار الطبقات الحاكمة وطنية تقف إلى جانب الشعب وتدعم الديمقراطية بل إن كل التجارب التاريخية للبلدان شبه المستعمرة شبه الإقطاعية أو المستعمرات الجديدة تدل على أن هذه الطبقات الحاكمة هي طبقات لاوطنية عميلة للإستعمار وأن مؤسساتها التي تبدو منتخبة ديمقراطيا لا تمثل الشعب بل تسنّ القوانين لصالح الإستثمار الأجنبي وخدمة للسماسرة المحليين كما أنها تتسلح وتعسكر الحياة الإجتماعية من اجل قمع الشعب لا من اجل طرد العدو وتحرير الأرض.
إن الحركة الشعبية لم ترتق إلى مستوى وعي ضرورة الإطاحة العنيفة بهذه الأنظمة اللاوطنية واللاديمقراطية واللاشعبية وتشييد نظام دولة الديمقراطية الجديدة أو الديمقراطية الشعبية تمهيدا للثورة الإشتراكية . ويرجع ذلك, أولا إلى الدعاية الرجعية والأفكار السائدة التي تقدم الملوك والأمراء والجنرالات المدنيين كعناصر وطنية وثانيا إلى الأوهام الإصلاحية والإنتهازية التي تضفي الطابع الوطني على العملاء وتدعو الشعب إلى المشاركة في إنتخابات نتائجها محددة مسبقا وهي بالتالي تضع نفسها في صلب النظام الإستعماري الجديد وتختفي وراء شعار " التغيير من الداخل" وثالثا إلى الضعف الفادح للقوى الشيوعية وللتيارات الوطنية الديمقراطية الثورية عامة التي لم تتمكن من رفع مستوى التجربة الشعبية إلى إعلان القطيعة الواضحة بين أصدقاء الشعب وأعداءه.
وتظل المسالة الوطنية مسالة محورية وأساسية ويظل تغيير موازين القوى رهين مدى تقدم القوى الشيوعية والمجموعات الوطنية الديمقراطية الثورية في كشف حقيقة العملاء وإفشال كل مناوراتهم بما في ذلك مهازل الإنتخابات المفبركة التي تهدف إلى التنفيس على الرجعية وتحقيق الإجماع من حولها في حين أن النضال فى سبيل الديمقراطية الجديدة يقتضي عزل الرجعية وتقليص هامش المناورة إلى حد تفجير أزمتها وتفكيك صفوفها.
ومن الملح كذلك إستيعاب التناقض إمبريالية/شعب اى التناقض بين الإمبرياليين وما يحملونه من صراعات والعملاء بمختلف تناقضاتهم من جهة وبين كل الطبقات الشعبية من جهة ثانية ولامجال للخلط بين هذه التناقضات فكل من يناهض الإستعمار الجديد والصهيونية والعملاء المحليين جميعهم ويعمل على تحرير الأرض / الوطن والشعب هو صديق الشعب أما كل من يطمس التناقضات ويعتبر أن هذا العدو أقل خطرا من الآخر ويمكن التعامل معه إلى حد على شاكلة نظرية "العوالم الثلاثة" أو "وطنية الأنظمة" أو " ثورية الإخوان" بتعلة وجود هذا الشق أو ذاك خارج السلطة أو بفعل تفجر صراعات داخلية إلى حد إتخاذها شكل العنف المسلح مثل الصراع بين عباس وحماس أو بين قرضاي وطالبان في أفغانستان أو صراعات الكتل على السلطة في كينيا والتشاد حاليا والصومال...
توسع عملية إستغلال التناقضات في صفوف الأعداء هامش تحرك أصدقاء الشعب ويطرح بإلحاح إستغلال مثل هذه الظروف من أجل دفع الحركة الشعبية الثورية إلى الأمام بكل إستقلالية وهو أمر يختلف نوعيا عن ما يطرحه دعاة التحالف مع هذا الشق الرجعي أو ذاك. فالمطلوب هو إيجاد القطب الثالث الذي يعبر فعليا عن التناقض إمبريالية/شعب ويطرح البديل الوطني الديمقراطي الثوري ولا يقبل بالبقاء في إطار الصراع الإمبريالي على الكرسي .
وتبين تجربة جانفي 1978 أن الأنظمة الرجعية تحاول دوما تهميش نضال الشعب ضد الإستعمار والرجعية وتحوله إلى صراع كتل يقع حسمه من خلال تصفية هذا المسؤول أو ذاك وكأنه المتسبب في الأزمة وبتقديم بعض التنازلات التي سرعان ما يقع التراجع فيها بعد ترميم الصفوف الرجعيةوتحك مها من جديد في الوضع الأمني. فقد إحتد الصراع في السبعينات بين الشعب والإستعمار الجديد خاصة إثر سياسة الإنفتاح التي قادها الوزير الأول آنذاك وشملت كل القطاعات . وساهمت النضالات في تجذير الحركة النقابية والحركة الشعبية عموما مما أدى إلى إجبار القيادة النقابية على إعلان الإضراب العام الذي تحول إلى إنتفاضة شاركت فيها كل الفئات الشعبية. وقد حاولت الكتل المتصارعة آنذاك إستغلال الغضب الشعبي من أجل تصفية الحسابات الداخلية للرجعية المحلية فكان الصراع واضحا بين كتلة عبد الله فرحات(الجيش) الصياح (الحزب) سعيدة ساسي(القصر)وبين عاشور(الإتحاد) وبلخوجة (الداخلية) ووسيلة (القصر) وحسمت الكتلة الأولى الصراع وقتيا لفائدتها من خلال القمع الدموي وضرب الحركة النقابية وسجن جلّ كوادرها غير أن الصراع إنفجر من جديد عقب نجاح " تكتيك المقاطعة " الذي نظرت له ومارسته القوى الشيوعية الثورية و إلتحقت بها قوى أخرى على عكس "تكتيك الإفتكاك" الفاشل الذي مارسته القوى الإنتهازية الإصلاحية . وأجبرت عملية قفصة 1980 النظام على إطلاق سراح النقابيين والتفاوض من أجل إيجاد خطة تنقذه من عزلته التامة محليا ودوليا.
وهكذا أثبتت أحداث 1978 وعملية قفصة 1980 وانتفاضة الخبز 1984 ثم ضرب الحركة النقابية 1985 أن تقدم النضال الوطني في ظل ضعف القيادة الشيوعية الثورية للحركة الشعبية يقع دوما تحويل وجهته من خلال التدخل الرجعي الذي يجد المخرج من أزمته بتصفية بعض الوجوه و بتقديم بعض التنازلات.
وفي نفس السياق مكن إنقلاب 7/11 النظام من الخروج من عزلته فرمم صفوفه وكسب المعارضة القانونية وإستمال الإخوانجية بعد العدول عن محاكمتهم وأعلن عن إنتخابات تشريعية جزئية وسمح بعقد المؤتمر 18 الخارق للعادة للاتحاد العام لطلبة تونس بعد أن قدمت له التيارات الإنتهازية كل الضمانات المطلوبة ومنح التأشيرة لبعض الأحزاب وألغى محكمة أمن الدولة وفرض حل التناصف في الحركة النقابية الذي توج بتنصيب لجنة وطنية تعد للمؤتمر يرأسها الحبيب طليبة عضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم... وقد هللت المعارضات القانونية وغيرها للتغيير وساهمت في إطفاء شعلة النضال الوطني والتنفيس على الرجعية ممكنة إياها من جديد من أحكام قبضتها على الحركة الشعبية ومن تمرير مشاريع العولمة.
واليوم, بعد مرور 31 سنة لم تبلغ القوى الشيوعية والمجموعات الوطنية الديمقراطية الثورية مستوى العمل الحزبي الناضج وعليها أن تستعد للإنفجارات المرتقبة والتي بدت ملامحها في الجنوب الغربي وفي الحركة الطلابية وفي العديد من الإعتصامات في الحركة العمالية ومن خلال التذمر المستمر للفلاحين الصغار هذا فضلا عن احتداد التناقض في فلسطين بين دعاة الاستسلام وتيار المقاومة والذي سيفضي بالتاكيد الى صراع برامج وبدائل لا بد من المشاركة في بلورتها من اجل اضعاف تيار الاستسلام وسد الباب امام تيار الاسلمة الذي لا يختلف في شيئ عن تيار الاستسلام في مستوى البرامج الاقتصادية والاجتماعية...
يتجه الوضع الموضوعي نحو مزيد من التأزم وتتجه التحركات الحالية نحو تجاوز أطر " المجتمع المدني" فقيادات الإتحاد العام التونسي للشغل تتملص من الإعتصامات والإضرابات وتجمد نشاط المناضلين وقيادات بعض الأحزاب تدعو إلى التعقل وتظل الحركة الشعبية ضحية القمع الرجعي من جهة وخطر الإحتواء من جهة ثانية لذلك يتحتم على القوى الشيوعية -الماوية- رسم خط فاصل بين أصدقاء الشعب وأعدائه وتنظيم صفوف المنتفضين بإتجاه ضمان إستمرارية النشاط والتقدم نحو تحقيق بعض المكاسب وتتم عملية التنظيم من خلال تربية الجماهير على إختيار أو إنتخاب المتحدثين بإسمها الأكثر نضالية و نزاهة وإعتماد شكل اللجان في كل التحركات,(خاصة في صورة تخلي النقابات عن دورها في التأطير) لجان الإضراب أو الإعتصام أو التظاهر ولجان البطالين الخ... وهو شكل شرعت الحركة الشعبية في تطبيقه نظرا لتخلي النقابات والجمعيات عن الدفاع عن المحتجين.
وإلى جانب ضرورة تربية الشعب على التفريق بين من يريد تحريره وبين من يريد تكبيله وتأبيد النظام الإستعماري الجديد، فإنه من الضروري كذلك أن يتشبع الشعب بالروح الوطنية ومساندة القضايا العادلة وان يتسلح بالحس الطبقي وبجوهر برنامج الديمقراطية الجديدة حتى لا يسقط ضحية الأفكار التي لا تخدم مصالحه وإستقلال البلاد عن الهيمنة الإمبريالية. ويكمن دور القوى الشيوعية-الماوية-في توجيه غضب الشعب ضد الجهات المتسببة في دوس كرامته وحرمانه من أبسط حقوقه.ورغم محدودية التجربة فقد توجه المتظاهرون أكثر من مرة نحو السفارات الأمريكية أو الأنجليزية والفرنسية للتنديد بالحضور الأجنبي وبالهيمنة الإمبريالية كما هاجمت أخيرا الجماهير سفارة الكيان الصهيوني في موريتانيا ووجهت الجماهير المنتفضة غضبها ضد البنوك ومواقع القرار والقمع والجوسسة ومراكز الوشاية ودور الحزب الحاكم...
ويفترض الارتقاء إلى مستوى إكتساب الشعب للوعي الوطني والطبقي والشعور بالإنتماء إلى قطب مغاير لاعلاقة له بالحكام وبكل من لا بديل له عدا النظام الإستغلالي الحالي ، يفترض مراكمة تجربة طويلة نسبيا في مجال التعويل على النفس والتدرب على تقرير المصير دون وصاية.
ويقترن فهم المسالة الوطنية والتفريق من خلال البرامج المقدمة بين من هو وطني ومن هو لاوطني كذلك بالتفريق بين من يدافع عن الديمقراطية للشعب و بين من يقمع الشعب ولا يمنحه من الديمقراطية سوى الفتات أو ما يسمح به القانون الرجعي الذي يمنع الطعن في شرعية الحكام العرب ملوك كانوا أو جنرالات.
وتعنى المسألة الديمقراطية أولا تحرير الفلاحين والقضاء على الرواسب الإقطاعية والعشائرية والمنطق الطائفي المتخلف,وتعني ثانيا تحرير المرأة فعليا من سلاطين التخلف ودحض خرافة المرأة ناقصة دينا وعقلا وثالثا تدريب الشعب على إفتكاك حقه المشروع في التعبير والتنظيم والتحرك دون اللجوء إلى ترخيص من هذا الأمير أو ذاك العقيد أو الجنرال.
لقد ساهم فشل القوى الشيوعية والمجموعات الوطنية الديمقراطية في غرس الروح الوطنية والإنتماء الطبقي من جهة وفى النضال الديمقراطي الفعلي من خلال ممارسة الحقوق علنا ودون توسل من جهة ثانية ، ساهم في تراجع الحركة الشعبية .ولعبت أخطاء عدم إعتبار الفلاحين الذين يمثلون أكثر من نصف السكان القوة الرئيسية للتغيير الثوري والبقاء في دائرة البرجوازية الصغيرة وعدم تحويل العناصر العمالية إلى قوة قائدة دورا محددا في ترويض الحركة الشعبية وإخضاعها إلى الإختيارات الرجعية أو الإصلاحية.
تدلل التجارب المختلفة في النيبال والهند والبيرو والفيليبين وتركيا ... دون لبس أن قضية الريف مسالة جوهرية تلعب دورا محددا في دفع النضال ضد العولمة الرأسمالية/الإمبريالية حيث يساهم الفلاحون لا سيما الفقراء منهم في حرب الشعب ودفع مختلف جبهات النضال ودعم مناطق الإرتكاز التي تبلور البديل الشيوعي وتوضح ملامح السلطة الديمقراطية الشعبية بحيث يصبح الفلاح الفقير معنيا بالدفاع عن المكاسب التي حققها بنفسه والتي ساهمت في تحسين ظروف حياته.

ملاحظة:يتأكد مرة اخرى ان شهر جانفي هو شهر الانتفاضات وشهر الشهداء فقد اندلعت انتفاضة الحوض المنجمي في 5 جانفي 2008 ودامت اكثر من ستة اشهر وقدمت 3 شهداء- -

(صدر النص في جريدة الديمقراطية الجديدة –جانفي 2009)



#الديمقراطية_الجديدة(النشرة_الشهرية) (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل وحدة الشيوعيين
- الشرعية هي شرعية الجماهير اولا وليست شرعية الصندوق المزوّة
- 24 افريل- اليوم العالمي لمناهضة الامبريالية
- في الذكرى 40 ليوم الأرض ، فلترفع راية المقاومة
- في ذكرى اليوم العالمي للمرأة
- تونس:جانفي شهر الشهيد ، جانفي شهر الانتفاضات .
- جانفي 1978... – جانفي 2016 : الوقائع تؤكد أن الصراع الطبقي ه ...


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الديمقراطية الجديدة(النشرة الشهرية) - جانفي شهر الإنتفاضات الشعبية