أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - في الحكم الفردي ونقيضه الديمقراطي















المزيد.....

في الحكم الفردي ونقيضه الديمقراطي


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 7121 - 2021 / 12 / 29 - 01:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن السلطة الفردية أسوأ أنظمة الحكم، وهذا لسبب بديهي هو أنها تعتمد على طبائع الفرد الحاكم التي لا تغيب إلا بوفاته، اللهمّ إلّا إذا أطاحت به ثورة شعبية أو أزاحه انقلاب. وقد تلازم نقد الحكم الفردي المُطلق تاريخياً مع فكرة التمثيل، سواء أكان تمثيل الأعيان أم تمثيل الشعب. فمن مطالبة دافعي الضرائب من أصحاب الأرزاق بأن يكون لهم صوت في كيفية استخدام أموال الدولة إلى مطالبة العمال بأن يكون لهم تمثيل في إدارة شؤون البلاد التي ينتجون أرزاقها، سار العالم قُدُماً من عصور الاستبداد إلى عصر الديمقراطية التي غدت قيمة كرّسها «الإعلام العالمي لحقوق الإنسان» الذي تبنّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948.
صحيح أن الأنظمة الديمقراطية على أشكال وأنواع وأن بعضها يعاني من أمراض ومشاكل، لكن قول ونستون تشرشل المأثور في عام 1947، قبل إقرار الإعلان المذكور بسنة، يبقى تعبيراً بليغاً عن تفوّق مبدأ الديمقراطية، إذ صدر عن أحد أبرز الزعماء التاريخيين في دولة لا زالت المَلَكية قائمة فيها إلى يومنا. وقد قال رجل الدولة الشهير بسخريته البريطانية «إن أشكالاً عديدة من الحكم جرى تجريبها وسوف تُجرّب في هذا العالم من السراء والضراء. ولا يدّعي أحد أن الديمقراطية بلغت حدّ الكمال أو الحكمة المطلقة. بل قيل في الديمقراطية إنها أسوأ أشكال الحكم، هذا إذا استثنيا كافة الأشكال الأخرى التي جرى تجريبها من حين إلى آخر»…
وتبقى صالحة الحجج التي أدلى بها عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الشهير «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» وقد سأل فيه: «ما هي الحكومة: هل هي سلطة امتلاك فرد لجمع، يتصرّف في رقابهم، ويتمتّع بأعمالهم ويفعل بإرادته ما يشاء، أم هي وكالة تُقام بإرادة الأمة لأجل إدارة شؤونها المشتركة العمومية؟» كما سأل: «هل تكون الحكومة لا تُسأل عمّا تفعل، أم يكون للأمة حق السيطرة عليها لأن الشأن شأنها، فلها أن تُنيب عنها وكلاء لهم حق الاطلاع على كل شيء، وتوجيه المسؤولية على أي كان، ويكون أهم وظائف النوّاب حفظ الحقوق الأساسية المقرّرة للأمة على الحكومة؟»
كتب الكواكبي ذلك في مطلع القرن العشرين، أي قبل مئة وعشرين عاماً، ولم تفقد هذه الأسئلة من راهنيتها في منطقتنا العربية حتى يومنا هذا، يا للأسف. فلا زلنا نعيش في منطقة تتميز عن سائر مناطق الكرة الأرضية بطغيان المَلَكيات المُطلقة (حيث يسود الملك ويحكم، خلافاً للمَلَكيات الأوروبية حيث للملك أو الملكة دور محصور جداً) و«الجملوكيات» (أي المَلَكيات المُطلقة التي تدّعي أنها جمهوريات) في ربوعها. والحال أن معظم ما تبقّى من الأنظمة المَلَكية المُطلقة (أي التي تعود السيادة الفعلية فيها للحاكم وليس للشعب، حتى ولو كان لديها دستور يزعم العكس) في عالمنا المعاصر إنما نجده في المنطقة العربية.

بيد أن الأنظمة الجمهورية الديمقراطية (بمعنى الديمقراطية الانتخابية، أي التي يتقرّر فيها من يحكم وبرنامج الحكم بالاقتراع الحرّ على خلفية حرّيات سياسية غير منقوصة) إنما تقع على صنفين أساسيين: برلماني ورئاسي. ويتجلّى فارق أساسي بين النظامين في انتخاب الرئيس (رأس الدولة) بالاقتراع العام في النظام الرئاسي (نترك الاستثناء اللبناني جانباً) بينما ينتخبه مجلس النواب في الأنظمة البرلمانية حيث تكون صلاحياته محدودة أشبه بصلاحيات الملوك في أوروبا.
والحقيقة أن النظام الرئاسي لا يمكن فصله عن النزعة إلى الحكم الفردي، حتى في أرقى نماذج النظام الرئاسي، ألا وهو النموذج الأمريكي حيث للسلطتين التشريعية (الكونغرس) والقضائية صلاحيات توازن صلاحيات السلطة التنفيذية الرئاسية وتحدّ منها. وقد رأينا مؤخراً في عهد دونالد ترامب مخاطر الحكم الرئاسي الأمريكي. أما في سائر الأنظمة الرئاسية فتنزع الرئاسة نحو الحكم شبه الملَكَي، ومن أبرز نماذجها نموذج الجمهورية الخامسة الفرنسية التي وصف أحد كبار الحقوقيين الرئيس فيها بأنه «عاهل جمهوري». ذلك أن الرئيس الذي ينتخبه الشعب بالاقتراع العام إنما يحوز على شرعية تمثيلية تفوق شرعية أي جمع من النواب وتضاهي شرعية المجلس النيابي بأكمله، وهي ملاحظة قديمة عبّر عنها كارل ماركس في نقده لدستور الجمهورية الفرنسية الثانية الذي مهّد الطريق أما استيلاء الرئيس لويس بونابرت على الحكم المُطلق ومن ثم تحويله الجمهورية إلى إمبراطورية. وكم تشبه الحالة التي انتقدها ماركس ما شهدناه مؤخراً في التجربة التونسية:
«هنالك من ناحية سبعمائة وخمسون ممثلاً عن الشعب انتُخبوا بموجب حق الاقتراع الشامل… ومن ناحية أخرى هنالك الرئيس، وله كل ما للسلطة المَلَكية من صفات… وبينما تحتل الجمعية الوطنية دائمًا مقدمة المسرح وتتعرّض لنقد الجمهور كل يوم، يحيا الرئيس حياة منعزلة في القصر الجمهوري… يدحض الدستور نفسه بجعل الرئيس يُنتخب بالاقتراع المباشر من قبل جميع أبناء الشعب. وإذ نجد الأصوات الانتخابية كلّها موزعة بين السبعمائة والخمسين عضواً في الجمعية الوطنية، فهي هنا، على النقيض، مركّزة على شخص واحد. وإذ نجد أن كل نائب من النواب لا يمثل على انفراد إلا هذا الحزب أو ذاك، أو هذه المدينة أو تلك، أو هذه النقطة الآهلة أو تلك… نجد الرئيس مُنتخب الأمة ونجد عملية انتخابه الورقة الرابحة التي يلعبها الشعب ذو السيادة مرة كل أربع سنوات… صحيح أن الجمعية الوطنية تعكس، بممثليها المنفردين، الجوانب المتعددة للروح القومية ولكن هذه الروح القومية تجد في الرئيس تجسيدًا لها. وهو يملك، بالمقارنة مع الجمعية الوطنية، نوعًا من الحق الإلهي: أنه حاكم بنعمة الشعب». (ماركس، «الثامن عشر من برومير لويس بونابرت» 1852).
والمصيبة أن الانتفاضات التي شهدتها منطقتنا العربية قبل عقد خلال «الربيع العربي» حيث أفلحت بالإطاحة بالحاكم الفردي، أي في تونس ومصر وليبيا واليمن، إنما بقيت أسيرة نموذج النظام الرئاسي، إما تأثراً بتاريخها الحديث أو بنظام الحكم الفرنسي أو بالإثنين معاً، ولم تفطن قوى الثورة بمعظمها أن ذلك النظام يحمل في طيّاته خطر الانزلاق نحو الحكم الفردي، وكم بالأحرى في منطقة يسود فيها هذا النمط من الحكم بشتى أشكاله. وقد رأينا أين وصلت مصر من خلال انتخاب الرئيس بالاقتراع العام، ومن بعدها تونس في هذا العام الذي أوشك أن ينتهي، وتنذر أخيراً ليبيا بالالتحاق بالقافلة حيث يصرّ «المجتمع الدولي» على انتخاب رئيس بالاقتراع الشعبي، بل وبغياب دستور!
ولا بدّ لقوى الثورة السودانية لو استطاعت أن تُحبط الانقلاب العسكري وأن تفرض صياغة ديمقراطية لدستور جديد، لا بدّ لها من أن تتّعظ بالتجارب السابقة وأن تُنجِب نظاماً تكون السيادة فيه لنواب الشعب ويخضع لهم رأس الدولة الرسمي الذي يعيّنوه هم، وليس الاقتراع العام، بحيث تبقى صلاحياته محدودة لا خطر في انزلاقها نحو الحكم الفردي، كما يعيّنون الحكومة (السلطة التنفيذية) بحيث تبقى تحت رقابتهم مرهونة بثقتهم. وتبلغ الديمقراطية أوجّها في اعتماد التمثيل النسبي الذي يتيح لكافة تيارات الشعب أن تُمثّل في المجلس النيابي، وعلى الأخص في وجود آلية ديمقراطية كالعريضة الشعبية تضمن حق الناخبين في سحب ثقتهم من أي نائب من نوابهم متى شعروا بأنه لم يعد يمثّل تطلعاتهم.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تليق الديمقراطية بشعوبنا؟
- قيس سعيّد والدكتاتورية القراقوشية
- الانتخابات الليبية بين المسخرة والمأساة
- إيران إسرائيل: على أبواب الكارثة
- على من يضحك البرهان وحمدوك؟
- أبو ظبي… رأس حربة الرجعية الإقليمية
- القوى الديمقراطية السودانية أمام نهجين
- بعد الانقلاب الأرعن: السودان إلى أين؟
- «وقائع انقلاب مُعلَن» في السودان
- لبنان و«الحسابات الخاطئة»
- تأمل أولي في عِبَر الانتخابات العراقية
- شبكة فساد أكبر من شبكة الصرف الصحّي
- قوى تونس التقدمية أمام مسؤوليتها التاريخية
- أمريكا والصين على رقعة الشطرنج الدولية
- إسقاط التيار الإخواني واستكمال هجمة النظام القديم
- أيهما أخطر 11/9 أم 1991؟
- أفغانستان وأسطورة العجز الأمريكي
- من المقبور في «مقبرة الإمبراطوريات»؟
- من المسؤول عن إخفاق التجربة التونسية؟
- ميداليات لبنان غير الرياضية


المزيد.....




- تناول 700 حبة بأقل من 30 دقيقة.. براعة رجل في تناول كرات الج ...
- -كأنك تسبح بالسماء-.. عُماني يمشي على جسر معلق بين قمتين جبل ...
- روسيا غير مدعوة لمؤتمر -السلام- وسويسرا تؤكد ضرورة وجودها -ل ...
- شاهد: موسكو تستهدف ميناء أوديسا بصاروخ باليستي وحريق هائل يص ...
- روسيا تنفي اتهام أمريكا لها باستخدام أسلحة كيماوية في أوكران ...
- بولندا تقترح إنشاء -لواء ثقيل- لأوروبا دون مشاركة الولايات ا ...
- عقيد أمريكي سابق يكشف ماذا سيحدث للولايات المتحدة في حالة ال ...
- سيئول تنوي مضاعفة عدد الطائرات المسيرة بحلول عام 2026
- جورج بوش الابن يتفرغ للرسم.. وجوه من خط في لوحاته؟
- من بيروت.. رئيسة المفوضية الأوروبية تعلن عن دعم بمليار يورو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - في الحكم الفردي ونقيضه الديمقراطي