أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سيد رصاص - الضعف والقوة في السياسة















المزيد.....

الضعف والقوة في السياسة


محمد سيد رصاص

الحوار المتمدن-العدد: 7117 - 2021 / 12 / 25 - 17:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




في يوم 8 نيسان 1917، اتصل تلفونياً بالسفارة الأميركية في سويسرا شخصٌ يتكلّم الإنكليزية بلكنة روسية، قام بتعريف نفسه باسم «فلاديمير إيليتش لينين»، طالباً موعداً عاجلاً في نفس اليوم من أجل الحصول على فيزا للولايات المتحدة. من ردّ عليه كان مسؤول الاستخبارات الأميركية (كان اسمها: «مكتب الخدمات الاستراتيجية» قبل تأسيس «وكالة الاستخبارات المركزية» عام 1947) بالسفارة، ألان دالاس، الذي رفض إعطاءه الموعد في نفس اليوم، وطلب منه المجيء في اليوم التالي. رد عليه لينين بعبارة هي التالية: «موعد الغد هو متأخر جدّاً».

لم يكن عند دالاس معلومات عن المتحدّث في الطرف الآخر، الذي كان يعيش منفياً في سويسرا ويتزعّم أحد أهم الأحزاب التي ساهمت في إسقاط الحكم القيصري في روسيا قبل شهر من تاريخ المكالمة عبر ثورة 23 شباط الذي يعادل وفق التقويم الغريغوري الروسي يوم 8 آذار بالتقويم الغربي. كما أن دالاس لم يعرف لماذا قال لينين عبارة «متأخّر جدّاً»، لأن البديل كان أمام لينين، بدلاً من الطريق الأميركي عبر البحر للوصول إلى روسيا، هو القطار المغلق الذي سيقل اليوم التالي مهاجرين روساً منفيين من سويسرا عبر ألمانيا، التي كانت في حالة حرب مع روسيا، مقابل الإفراج عن أسرى من الضباط الألمان عند الروس. على ما يبدو كان لينين محرجاً سياسياً من سلوك ذلك الطريق الألماني ويفضّل الذهاب عبر الطريق الأميركي ولو أنه أطول زمنياً.
ألان دالاس، الذي استلم منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بين عامي 1953و1961، كان يعتبر أن حادثته مع لينين من أكبر الأخطاء التي ارتكبها في سيرته المهنية كرجل استخبارات؛ أوّلاً من حيث أنه لم تكن لديه معلومات عن شخص يعيش في قطاعه الجغرافي، أي سويسرا، الذي كان يعج كمكان محايد في أثناء الحرب العالمية الأولى باللاجئين السياسيين من العديد من الجنسيات، وبالذات معلومات عن شخص بأهمّية لينين كان له وحزبه البلشفي دور كبير في ثورة 1905 ثم في ثورة شباط 1917بروسيا. وثانياً، من حيث أنه لم يعرف بقصة القطار المغلق الذي كان موضع مفاوضات بين الحكومتين المتحاربتين الروسية والألمانية وسينطلق من سويسرا. وثالثاً، من حيث أنه لم يعرف سرّ استعجال لينين وحرقته من أجل العودة إلى روسيا ولو عبر قطار مغلق يمر بأراضي العدو بكل ما يثيره من اتهامات بالتعامل مع العدو الألماني ما زال البعض لوقتنا الحاضر يوجهها للينين. ورابعاً، من حيث أنه لو عرف نوايا لينين من استعجاله العودة إلى روسيا من أجل إشعال ثورة ثانية ضد الحكومة المؤقتة فكم كانت واشنطن، لو سمحت للينين بالذهاب لأميركا، ستتحكم به وربما تمنعه (أو تؤخّر خروجه) من الذهاب لروسيا وهو الذي يُجمِع جميع المؤرّخين، وأوّلهم تروتسكي في كتابه «تاريخ الثورة الروسية»، على أنه لولا وجود لينين في روسيا منذ نزوله من القطار المغلق في محطة بتروغراد (لينينغراد- سانت بطرسبورغ)في 16نيسان (3نيسانغريغوري) وتقديمه لـ«موضوعات نيسان» التي كتبت في اليوم التالي لوصول لينين، وهي بمثابة سيناريو لثورة أكتوبر، لما حصلت تلك الثورة البلشفية التي هزّت العالم على مدار القرن العشرين وكانت الشغل الشاغل لألان دالاس أثناء توليه لإدارة «السي آي أي».
استذكر المسؤولون في الوكالة حادثة ألان دالاس مع لينين عندما اكتشفوا مع سقوط حكم شاه إيران بفعل انتصار ثورة 11شباط 1979 أنهم لم يتعلّموا شيئاً من دروس تلك الحادثة السويسرية، فهم قد أحسّوا عندها كم كانت توقعاتهم خاطئة عندما قدّروا بأن «إيران ليست في وضع ثوري أو حتى على شفا ثورة» في شهر آب 1978 (من كتاب «كيف تستجيب الجيوش للثورات؟ولماذا»، زولتان باراني، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت2017، صفحة 114). كما أنهم قد وجدوا أنفسهم بدرجة معلومات تعادل الصفر عن المسؤولين وأصحاب القرار في إيران ما بعد الثورة بحكم اطمئنانهم لقوّة نظام الشاه الذي اعتبرته واشنطن بمثابة «شرطي الخليج»منذ عرض «مبدأ نيكسون» الذي دعا منذ عام 1969 لتولي دول إقليمية شؤون المنطقة لصالح واشنطن. كما أنهم لم يكونوا قد سمعوا ولم يقرأوا ولم يعلموا بأن ذلك الكتاب الصغير الذي اسمه «الحكومة الإسلامية»، الذي أملاه آية الله الخميني على تلاميذه في النجف ونشر عام1971، سيكون هو خريطة طريق الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
منذ يوم 11شباط 1979هناك إدراك في «سي آي أي» بأن هناك خيطاً رفيعاً يجب تلمّسه بين الضعف والقوة وبين القوة والضعف في السياسة. في هذا المجال، وعلى رغم أن باراك أوباما، بحسب ما نشرت «نيويورك تايمز» في 422011، قد لام وكالات التجسّس الأميركية على عدم توقّعها لما جرى في تونس ومصر، إلا أن هناك اهتماماً شديداً في واشنطن بما يجري في كل بلدان العالم لدى المعارضات وفي عوالم المثقفين والأدباء وهناك حرص على اقتناء كل قصاصة ورق لدراستها حتى ولو كانت ديوان شعر لشاعر مبتدئ قام بطبع ديوانه على حسابه، كما أن علاقة السفارات الأميركية بالمثقفين ونشطاء ما يسمّى «المجتمع المدني» تأتي من هذا الإدراك لذلك الخيط الرفيع والسريع: التحوّل والانتقال. ولكن على الأرجح ليس لاستخدامهم من أجل تعديل موازين القوى عبر الضغط على السلطات الحاكمة، ولا كقوة احتياطية من أجل وضع قادم، بل من أجل المعلومات.
بعد اعتقاله في عام 1926، قال المدعي العام في تبريره لطلب الحكم بالسجن على أنطونيو غرامشي لعشرين عاماً العبارة التالية: «سنقوم بتعطيل هذا الدماغ لعشرين عاماً». لم يستطع ذلك المدعي العام تحقيق ما يريد، فغرامشي قد كتب «دفاتر السجن» في زنزانته وهي نصوص ما زال المفكرون والأكاديميون يدورون حول مداراتها، كما أن حزب غرامشي، أي الحزب الشيوعي الإيطالي، رجال مقاومته هم من أعدموا على الحائط زعيم نظام ذلك المدعي العام، أي موسوليني، في 28 نيسان 1945، كما أن الحزب، ولولا توازنات الحرب الباردة، لكان قد كرّر ما فعله لينين في روسيا.
هنا، القمع يعطي صورة خادعة تتمثّل في ما يوحيه الانتصار الأمني لسلطة على معارضتها من أن الأمر قد انتهى، فيما نرى بأن القوى المعارضة التي تملك قاعدة اجتماعية تستطيع القيام، وبقوة، بعد القمع، وتنتقل من الضعف إلى القوة، وتنزل السلطات الحاكمة من القوة إلى الضعف، كما جرى في مصر عام 2012 عندما فاز «الإخوان المسلمون» الذين ضُربوا بعنف في حملتي قمع 1954و1965، بانتخابات رئاسية تحت إشراف دولي. حزب «الدعوة الإسلامية» في العراق، الذي ضُرب بعنف في العراق عام 1980، وكذلك «التيار الصدري» الذي اغتيل مؤسّسه محمد صادق الصدر عام 1999، وهما قد تصدرا المشهد السياسي العراقي ما بعد صدام حسين، يعطيان صورة مشابهة لتلك الصورة المصرية.
كتكثيف: هناك ميزان حرارة في السياسة مثل ذلك الذي يقيس حرارة الجسم، وهناك حركة انتقالية دائمة فيه من الضعف إلى القوة ومن القوة إلى الضعف.



#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «إسرائيل» قوة إقليمية؟
- ... وأبحرت بريطانيا بعيداً من أوروبا
- منظر المتعاونين في مطار كابول
- ميشال كيلو... مزايا المعارضة السورية وعيوبها
- عشر سنوات على أحداث درعا... آلية تشكّل الأزمة السورية
- المتوجّسون من جو بايدن
- هل هناك أزمة سورية أم ثورة؟
- الألغام السوفياتية المنفجرة... وتلك القابلة للانفجار
- الفرنسيون والأميركيون
- هل يقترب العالم من حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة؟
- بيروت... مرفأ ومدينة
- الحزب الشيوعي السوداني (1946 – 1971)
- النموذج التسووي في المعارضة السورية
- تعقيدات الأزمة الليبيّة... حرب الاستقطابات الإقليمية والدولي ...
- موقع لبنان في الإقليم
- تآكل مفاهيم راجت في الصحافة العربية
- مراحل الأزمة السورية
- ألم يكن فؤاد مرسي على حق؟.
- عن «صفقة القرن»
- واشنطن وطهران في العراق


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سيد رصاص - الضعف والقوة في السياسة