أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سيد رصاص - تآكل مفاهيم راجت في الصحافة العربية















المزيد.....

تآكل مفاهيم راجت في الصحافة العربية


محمد سيد رصاص

الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 09:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في مرحلة ما بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، أواخر عام 1991، راجت وسيطرت مفاهيم على أجواء الصحافة العربية، مثل «نهاية التاريخ» و«نهاية الأيديولوجيا» و«ما بعد اليمين واليسار: الطريق الثالث» و«العولمة» و«الأحزاب لاتقوم على خطّ فكري توليدي للخط السياسي بل على مجرد البرنامج السياسي». لم تكن المفاهيم من إنتاج عربي، بل غربي، حيث جاءت من عند فرانسيس فوكوياما صاحب مقولة «نهاية التاريخ»، عام 1989، الذي كان ضمن تيار «المحافظين الجدد» الذي مزج بين اليمين الفلسفي المعادي لتيار الحداثة الغربية، وبين الليبرالية الجديدة كمذهب اقتصادي، ومن عند أنطوني غيدنز صاحب «الطريق الثالث»، الذي قدم غطاءً أيديولوجياً لتحوّل «حزب العمّال» البريطاني نحو اليمين، مع فوز طوني بلير برئاسة الوزارة البريطانية عام1997. سيطر تيار «المحافظين الجدد» على إدارة بوش الابن في واشنطن، وسيطرت أفكار غيدنز على «حزب العمّال» البريطاني في فترة بلير. اجتمع بوش الابن وبلير على غزو العراق عام 2003، وقد أيّد المتلقّون العرب لأفكار فوكوياما وغيدنز غزو العراق باعتباره «اقتلاعاً للديكتاتورية».

إذا فحصنا من تلقّى مفاهيم فوكوياما وغيدنز عند العرب، نجد أنّ غالبيتهم من الشيوعيين والماركسيين الذين خلعوا القميص الأحمر على عجل في مرحلة ما بعد السوفيات، بعدما كانوا يحملون أفكار «سمة العصر: التحوّل من الرأسمالية إلى الاشتراكية» و«الوسط في الفكر والسياسة بين اليسار واليمين» و«العالم مقسوم ومتصارع بين الكتلة الرأسمالية والكتلة الاشتراكية وحليفة الأخيرة حركة التحرّر الوطني». لم يكن انتقالهم إلى أفكار فوكوياما وغيدنز نتيجة فحص فكري ـــ سياسي لتجربتهم ومفاهيمهم السابقة، بل عن شعور أيتام بحاجة إلى أبٍ جديد أو حاجة إلى مركز عالمي أو «رفاق كبار»، كما كان يقول خالد بكداش عن السوفيات بأنهم «الرفاق الكبار» في إضمار ضمني بأن الشيوعيين السوريين هم «الصغار» بالقياس إلى من يصفهم بـ«الكبار». كان انتقال هؤلاء السلس من موسكو إلى واشنطن، نتيجة هذه الآلية التي تُبنى فيها الأفكار المحلية من خلال صلتها بمركز عالمي فاعل وقوي ومنتصر، كما كان نموّ الحركة الشيوعية العربية في مرحلة ما بعد خروج الاتحاد السوفياتي منتصراً عام 1945 من الحرب العالمية الثانية، وليس من خلال زرع الماركسية في التربة المحلية، كما فعل الماركسيان ماوتسي تونغ وهوشي مينه في الصين وفييتنام.
بغضّ النظر عن تحوّل فوكوياما لاحقاً عن أفكاره، وعن كون تأثير غيدنز عابراً وقصيراً، إلا أنه لا يمكن القول بأنهما لم يكونا تعبيراً عن حالتين فكريّتين حقيقيتين، الأولى تتعلق بيمين أميركي جديد وجد نفسه مع رونالد ريغان وجورج بوش الأب والابن، منتصراً في معركة الحرب الباردة على السوفيات، ووجد أنّ أفكار اليمين التقليدي ليست مناسبة في مرحلة (القطب الأميركي الواحد للعالم)، والثانية هي انعكاسٌ لتحوّلات الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية نحو اليمين وتكيّفاتها مع الانتصار الأميركي على السوفيات. عند العرب، كانت تلك المستجلبات الفكرية ليست تعبيراً عن حالة فكرية حقيقية، كما كانت حالة روجيه غارودي عندما انتقل من الماركسية إلى الفكر الإسلامي أو الحالة المعاكسة التي كانت عند القيادي الشيوعي السوداني أحمد سليمان، عندما انتقل من الحزب الشيوعي السوداني ليصبح قيادياً في «الجبهة القومية الإسلامية» بزعامة حسن الترابي. فمعظم هؤلاء المتحوّلين عن الماركسية لم يكن عندهم إدراك وإلمام معرفيّ بما كان عند فيلسوف «المحافظين الجدد» ليوشتراوس (1899 ـــ 1973)، ولا بما عند منظّرهم الاقتصادي ميلتون فريدمان (1912 ـــ 2006)، ولا بالمسار الفكري للاشتراكية الديموقراطية منذ بداية تبلورها الفكري مع إدوارد برنشتاين عام 1898 وصولاً إلى غيدنز. أرادوا فقط معالجة حالة الفراغ الفكري ـــ السياسي ـــ التنظيمي، التي تولّدت عندهم بتأثير سقوط السوفيات، وهذا كان شاملاً ليس فقط لمن كان تابعاً لموسكو في الأحزاب الشيوعية العربية الرسمية، بل للكثير من المتخاصمين معها من الشيوعيين والماركسيين العرب الذين على ما يبدو كانوا ينظّرون للحزب الشيوعي السوفياتي، كأب أو كـ«الرفيق الكبير» حتى وهم متخاصمون معه.

مع هذا، فإن هؤلاء بأفكارهم الجديدة المستجلبة التي عبّرت عن تحوّلاتهم الجديدة، استطاعوا الهيمنة على الأجواء الفكرية للصحافة العربية، وكانت هيمنتهم طاغية في فترة 1992 ـــ 2008. صالوا وجالوا وساعدهم في ذلك أن اليسار العربي، بجناحيه العروبي والماركسي، كان مهزوماً سياسياً وفكرياً، العروبيون مع هزيمة حزيران 1967، والماركسيون مع سقوط السوفيات عام 1991، ولم يستطيعا القيام على أرجلهما فكرياً وسياسياً من بعد تلك الهزيمتين حتى الآن وتقديم بديل فكري ـــ سياسي جديد لما كان يقدمه ميشال عفلق وعبد الناصر ولينين وستالين. تمّت هيمنة فكرية ـــ سياسية لهؤلاء، ولم يتجرّأ إلا القلّة على مقارعتهم فكرياً وسياسياً، وكان هؤلاء القلّة في موقف دفاعي. قام هؤلاء من الماركسيين ـــ الشيوعيين السابقين، بسدّ الطرق في المنابر الصحافية أمام الرأي الآخر المخالف لهم، وفتحوا الطرق أمام مسايريهم الفكريين والسياسيين حتى ولو كان الأخيرون يملكون موهبة أقل في الكتابة، وفي كثير من الأحيان لا يملكون هذه الموهبة. ساعدهم في ذلك أن التيار الإسلامي الذي كان في مرحلة صعود سياسياً وتنظيمياً في فترة 1967 ـــ 2013 لا يملك حالة الهيمنة الفكرية في أجواء الصحافة العربية، مما ترك الساحة فارغة لهم.
اللافت للنظر، أن أفكار «المحافظين الجدد» قد ماتت في واشنطن مع فشل الأميركيين في تجربتهم العراقية ومع نشوب الأزمة المالية ـــ الاقتصادية في نيويورك، عام 2008، وأنّ أفكار أنطوني غيدنز قد غدت منسية في لندن مع فشل طوني بلير، ومن ثم عودة صعود حزب «المحافظين» البريطاني، أسوة بصعود اليمين الأميركي الجديد مع دونالد ترامب. ماتت وتآكلت الأفكار المستجلبة الجديدة لهؤلاء الماركسيين العرب السابقين، ولم يعودوا يجرؤون على طرح أفكارهم بالقوة نفسها التي كانوا يطرحونها في فترة 1992 ـــ 2008 بعدما ضربت بالحائط في واشنطن ولندن. ولكن لحدّ الآن لم تُكسر هيمنتهم ولم يقدم بديل لهم عند العرب أسوة بما يحصل الآن في الغرب من قِبل يمين جديد ويسار جديد يضعان فوكوياما وغيدنز واللينينية ـــ الستالينية السوفياتية في سلة المهملات.
يقول جورج لوكاتش: «بالفعل، إذ يهيمن عليه معنوياً التمزّق ويعوض عنه ونيف التكبر فإن الشيوعي ـــ سابقاً لا يستطيع أبداً بعد الآن، أن يصير من جديد شخصية منسجمة متّسقة» (كتاب «تحطيم العقل»، الجزء الرابع، دار الحقيقة، بيروت 1982، ص167). وهنا يجب طرح السؤال التالي: ألا تعبّر الهيمنة الفكرية لهؤلاء عن أزمة ومرض الفكر السياسي العربي، وخاصة أنه حتى الآن لم يقدّم بديلاً لأفكارهم كما حصل في الغرب من اليمين واليسار، خلال السنوات العشر الأخيرة، لأفكار فوكوياما وغيدنز؟



#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراحل الأزمة السورية
- ألم يكن فؤاد مرسي على حق؟.
- عن «صفقة القرن»
- واشنطن وطهران في العراق
- موسكو وواشنطن في سوريا
- مجتمعات ما بعد الحرب الأهلية: لبنان نموذجاً
- أردوغان والمُعارضة السورية المسلّحة
- هل يستطيع العامل الاقتصادي نقل لبنان إلى اللاطائفية السياسية ...
- دروس سودانية
- القطب الواحد للعالم في مواجهة القوّة الإقليمية العظمى
- الحكم العسكري عند العرب
- محاولة تعميم نموذج السيسي
- خصائص سودانية: أحزاب متجذّرة ومرونة في السياسة
- دروس الحراك الاجتماعي الجزائري
- حزب شيوعي عربي في واجهة المشهد السياسي
- عندما يقوم الشيوعيون ببناء الرأسمالية
- خلافات المعارضة السورية في أزمة 2011 2018
- استقطابات حول أزمات المنطقة
- - الاسلام في سوريا -
- محاولة لتحديد مفهوم العلمانية


المزيد.....




- بلينكن يزور السعودية ومصر.. وهذه بعض تفاصيل الصفقة التي سينا ...
- في جولة جديدة إلى الشرق الأوسط.. بلينكن يزور السعودية ومصر ل ...
- رغد صدام حسين تستذكر بلسان والدها جريمة -بوش الصغير- (فيديو) ...
- فرنسا وسر الطلقة الأولى ضد القذافي!
- السعودية.. حافلة تقل طالبات من جامعة أم القرى تتعرض لحادث مر ...
- -البديل من أجل ألمانيا- يطالب برلين بالاعتراف بإعادة انتخاب ...
- دولة عربية تتربع على عرش قائمة -الدول ذات التاريخ الأغنى-
- احتجاج -التظاهر بالموت- في إسبانيا تنديداً بوحشية الحرب على ...
- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سيد رصاص - تآكل مفاهيم راجت في الصحافة العربية