أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الأحوال والأهوال: الأسدية الثالثة وتغيير السكان















المزيد.....

الأحوال والأهوال: الأسدية الثالثة وتغيير السكان


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7106 - 2021 / 12 / 14 - 20:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ما وقع في سورية، ولا يزال يقع، طوال ما يقترب اليوم من 11 عاماً ليس شيئاً يحدث كل جيل أو جيلين، ولا حتى كل قرن. مفردات الحدث السوري الظاهرة معلومة: ضحايا بنصف مليون على الأقل، فوق 130 ألفاً من معتقلين ومجهولي المصير، خسائر مادية بنحو نصف ترليون من الدولارات، نحو 90% من السكان تحت خطر الفقر وفوق نصفهم في حاجة إلى دعم غذائي.
على أن ما قد يكون أجدر بالانتباه من وجهة نظر زمنية طويلة هو انقسام سورية الواقعي إلى خمس سورية ووقوعها تحت خمس احتلالات. ثمة أولاً المحمية الأسدية التي تشكل اليوم المتن السوري، المتمتع بحماية إيرانية روسية مزدوجة. في المقام الثاني لدينا سورية التي تستأثر بحكمها وتنطق باسمها وحدات حماية الشعب الكردية المحمية من الأميركيين، وهي تشمل مناطق من الجزيرة (الرقة ودير الزور والحسكة) ومن حلب. ثم هناك المناطق التي يحكمها، ويسيء حكمها باقتدار، "الجيش الوطني"، وهو تشكيلات سورية تابعة لتركيا، وتشمل مناطق من حلب والرقة والحسكة. وسورية الرابعة هي إدلب وبعض مناطقها، تسودها هيئة تحرير الشام التي هي طبعة مُنقّحة للمرة الثانية عن تنظيم القاعدة الدولي. وأخيراً، وليس آخراً، مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل منذ أكثر من 54 عاماً، أي التي يجايل احتلالها وقوع سورية بيد السلالة الأسدية. والمحتلون الخمس للسوريات الخمسة هم حسب الأقدمية إسرائيل، إيران، أميركا، روسيا، تركيا.
ثم هناك اختراع حديث في علم السياسة الدولي، يتمثل في منظمات ما دون الدولة السيدة، أي المسلحة والتي تمارس ولاية عامة كدول أو بالتحالف مع دول: هيئة تحرير الشام، وحزب الله وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. الحكم الأسدي هو في الجوهر منظمة ما دون دولة تحكم بلداً.
وبمجموعها تشكل السوريات الخمسة والمحتلين الخمس وتابعيهم ما قد يسمى سورية الداخلة، بالتقابل مع سورية الخارجة الموزعة بدوها على أربع بلدان رئيسية: تركيا، لبنان، الأردن، ألمانيا، تتلوها العراق ومصر. بشرياً، هذه الدول كلها جارة لسورية، وإن لم يكن بعضها كذلك جغرافياً. ويتوزع أرخبيل اللجوء السوري على 127 دولة في العالم حسب تقرير حديث لهيومان رايتس ووتش، ما يعني أننا جيران ثلثي العالم.
لا نعرف شيئاً يشبه ما تقدم أو يدانيه في قرن ونيف من عمر الكيان السوري الحديث، ولا وقت كانت سورية جزء من الامبراطورية العثمانية بين 1516 و1918. وقد لا نجد إطار مقارنة حتى لو عدنا خمسة قرون إلى الوراء. فعدا عن اعتبار عام يقضي بأن حوادث التاريخ لا تتكرر وإن تشابهت، وإن بلغ تشابهها شبه قطرة الماء بقطرة الماء بعبارة ابن خلدون، فإن الحدث السوري يجري في عالم لم يكن له وجود قبل خمس مائة عام، ولا حتى قبل خمسين عاماً. هذا عالم لا يقع حول سورية أو خارجها، بل هو فيها وجزء لا يتجزأ منها، بشهادة الاحتلالات الخمسة. العالم إحداثي آخر، بنيوي ومُلزِم، قد يساعد في الإحاطة بفرادة الأحوال السورية اليوم.
على أن المقصود بفكرة نصف ألفية من السنين كإطار زمني ليس العودة إلى الماضي للبحث عن "أشباه ونظائر"، بل محاولة تكوين فكرة عن هذه الأهوال التي عصفت بمصائرنا ولا نملك لها اسماً، وبغرض النظر إلى الأمام. هل نستطيع النظر إلى الأمام؟ والكلام على مستقبل؟ قد تكون الخاصية الأشد شؤماً للحدث السوري هي أن النظام الذي يحكم البلاد منذ خمسين عاماً ونيف مستمر في حكمها، حصيناً أكثر من أي وقت مضى خلال أكثر من عقد. لقد حصل للتو على جرعات تطعيم دموية بالغة الفاعلية ضد التغيير في أي أفق منظور. وهو ما يعني بقاء سورية بلداً بلا وعود لسكانها، أي بلا مستقبل.
يمكن الكلام سلفاً اليوم على أسدية ثالثة، قد نؤرخ لبدئها بإعادة احتلال حلب أواخر 2016. الأسدية الأولى هي السنوات العشرة الأولى من حكم حافظ الأسد أو حتى حماه 1982. وهي سنوات الاستيلاء على السلطة وتأسيس سلطة فئوية متمكنة. الأسدية الثانية ما بعد حماه هي سنوات الاستيلاء على المجتمع، بما في ذلك الاستيلاء على الاقتصاد في العشرية الأولى لحكم بشار. كان تطعيم أول بالدم قد حصن النظام ضد التغيير لثلاثين عاماً بين حماه والثورة السورية. الأسدية الثالثة ما بعد حلب تبدو تحصينا للاستيلاء على المجتمع والاقتصاد، بعد السلطة، بتغيير السكان، أو إنتاج سوريين جدد، أسديين. من ذلك اضطرار نحو 30% من السكان لتغيير البلد بعد فشل مسعى تغيير النظام السياسي في البلد. ومنه عمليات تشييع نشطة في غير مكان في البلد، واستيلاء إيران ومليشيات وشبكات تابعة لها على مناطق سورية، بالانتفاع من عمليات التهجير التي طالت بؤراً نشطة للثورة. وهذا في ظل الفيتو الروسي المعلن على "حكم سني" في سورية، فيتو لم يسمع صوت اعتراض عليه دولياً ولا عربياً (ولا "علمانياً" ولا "يسارياً" سورياً بالمناسبة). يوفر تقاطع الحمايتين الروسية والإيرانية للنظام مع الهزيمة الدموية للثورة السورية ومع الظهور الوبائي والإجرامي لتشكيلات سلفية مسلحة، سنية، فرصة تاريخية لتحولات كهذه. وهو ما يكمله ترثيث متقدم للمعارضة التقليدية، وجمعها بين الشيخوخة والتبعية والضمور الفكري.
التغيير المرجح للسكان دافع إضافي إلى التفكير في أننا حيال تحولات كبرى في الجيولوجيا الاجتماعية، وليس فقط حيال صراعات سياسية وعسكرية، تنتهي بمنتصرين ومهزومين سياسيين وعسكريين.
كان الدستور العميق أو الغريزة العميقة للأسدية في كل أطوارها هو حكم السلالة، و"رسالة" الأسدية الثالثة هي أن يرث حافظ حكم أبيه بشار الذي سبق أن كفلت الأسدية الثانية وراثته لأبيه حافظ. ورغم أن السيادة العليا للبلد هي بيد إيران وروسيا، فليس هناك ما يقول إن هاتين الدولتين القوميتين التوسعيتين تختلفان في شيء على حكم السلالة. لن تجدا وكيلاً أضعف حيالهما وأفضل لهما، يشاركهما العداء لعموم محكوميه وعدم الثقة بهم.
كانت دولة الاستيلاء الأسدية القناع الذي التصق بوجه سورية إلى درجة أن محاولة نزع القناع أفضت إلى تدمير الوجه نفسه. هذا شيء يعرفه الحاميان. اليوم، في حقبة الأسدية الثالثة وتغيير السكان، يحدث شيء مماثل، من جهة إيران بخاصة: تلتصق وأذرعها بكيان سورية إلى درجة أن محالة نزعها قد تؤدي إلى تدمير الكيان.
يبدو الوضع محكم الإغلاق، تعززه ديناميكيات عربية وعالمية سلبية. هناك استسلام عربي أمام المحور الفاشي، الروسي الإيراني الأسدي، متولد عن رثاثة نخب سلطة استبدادية عاجزة عن الانضباط بسياسة أطول أمداً أياً تكن. تعرف أي أطراف إقليمية أو دولية أن الدول العربية ذات النفوذ، أو الأشخاص النافذين فيها، لا يطيقون وضع تصورات متسقة للمصلحة الوطنية ينضبطون بها، وأن قليلاً من الصبر وربما الخداع يكفي ليغيروا نهجهم، بل ويسيروا في نهج معاكس. أما دولياً، فقد وفرت سردية الإرهاب والحرب ضد الإرهاب (الإسلامي السني ضمناً) أرضية لشراكة بين أقوياء مسلحين، من دول ومنظمات ما دون الدولة. الكل محاربون جيدون ضد الإرهاب، بشار والسيسي، وبوتين وحكم الملالي، وإسرائيل بالطبع، بل وحتى تنظيمين لا يزالان رسمياً على قوائم الإرهاب الأميركية: حزب العمال الكردستاني النافذ في صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية (وقد تطوع مؤخراً زعيمه جميل بايك للقول: "علاقتنا مع حافظ الأسد وعائلته كانت وثيقة ودافئة... لا يمكننا أن نكون مناهضين لسوريا أو ضد الأسد")، ثم حزب الله اللبناني الإيراني الذي احتاج إلى تمييز الإرهاب الذي يحاربه عن الإرهاب الذي يُتّهم به بوصف الأول بالتكفيري.
هذه الديناميكيات السلبية هي جل ما يحتاجه الثلاثي الفاشي لأخذ سورية في العلن لتكون فلسطين ثانية. إنها مآل فلسطنة السوريين عبر السنوات والعقود: نزع ملكية دولتهم، ثم وطنهم، منهم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحاجة إلى طوبى عالمية جديدة
- تسييس: وجها السياسة ومعنياها
- من أين يأتي السلام؟
- ثلاث صور لروسيا في ثلاثة قرون
- التفكير والغائب: في أنماط التفكير وتاريخيته، وتعلُّمه
- تقارير كاذبة… حتى «آخر نفس»: رد
- -رومنطيقيو المشرق العربي- لحازم صاغية: مراجعة نقدية
- حين الحال يكذب المقال: رد على جلاد رمزي
- إفساد الوظيفة القمعية للدولة في سورية
- الإسلاميون السوريون وأزمة الضمير الغائبة
- مجال الحرية
- شرط اللجوء وأهليات اللاجئين
- سوريا لمن؟ من خصخصة الدولة إلى خصخصة الثورة
- عرض لكتاب ديرك موسز: مشكلات الجينوسايد
- حوار: سيدخل بشار الأسد التاريخ كحاكم عميل تسبّب في كارثة لسو ...
- تعصب وقلب للحقائق: رد على معاذ الخطيب
- خطط الحرية وتدابيرها
- ما بعد -أدب السجون-: شرط الشتات السوري وإلزام المقارنة
- عشر سنوات سورية: واقع اليأس وسياسة الأمل
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الأحوال والأهوال: الأسدية الثالثة وتغيير السكان