أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - بمناسبة الحديث عن مجلس عسكري سوري














المزيد.....

بمناسبة الحديث عن مجلس عسكري سوري


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7089 - 2021 / 11 / 27 - 12:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لماذا يجوز الاعتقاد بأن إنقاذ سوريا مرهون بتشكيل مجلس عسكري وليس بتشكيل مجلس طبي مثلاً، أو مجلس من الصحفيين أو من المعلمات والمعلمين أو من القضاة أو من كتاب الرواية ... الخ؟ لماذا تكون المهنة العسكرية، في بلادنا، مدخلاً إلى السياسة أكثر من أي مهنة أخرى، بما في ذلك المهن الأقرب إلى السياسة؟ من المنطقي الالتفات إلى أساتذة العلوم الاجتماعية والسياسية والقانونية ... الخ، لحل الأزمات التي تمر بها البلدان، فلماذا تتجه الأنظار إلى العسكريين لحل التعقيد السياسي؟ وما تفسير أن يلجأ سياسيون إلى "مجلس عسكري" يأملونه مدخلاً إلى حل "سياسي" في سوريا؟ أين يكمن سر هذا الترابط أو التماهي الذي أصبح كأنه بداهة، بين العسكري والسياسي؟ لماذا يتقدم العسكري للدور السياسي ويعتبر أن مهنته العسكرية تجعله أكفأ من غيره لصنع السياسة؟
لا يكمن السر في قوة العسكر. من الطبيعي أن يكون العسكر أقوياء، هذا هو مبرر وجودهم أصلاً، فالجيش هو جهاز القوة في الدولة، ويحوز لذلك على نسبة كبيرة من الموازنة، لا ليكون قائداً للدولة بل ليكون قوة في يد من يقود الدولة، أي في يد السياسيين. يكمن السر بالأحرى في ضعف السياسة. حين تكون السياسة ضعيفة فإنها تميل إلى الاستناد على أجهزة القوة. ضعف السياسة يميل بها إلى أن تصبح سياسة قوة، أي سياسة فرض وقسر وإكراه بالقوة. السياسة الضعيفة تستجلب العسكر إلى السياسة. قد يدخل العسكر إلى السياسة تلقائياً، كأن ينقلب الجيش على طبقة سياسية فشلت في قوننة صراعاتها السياسية وضبطها وتعثرت بالتالي في إدارة البلاد، وهكذا يصبح الجيش، ليس فقط قوة الدولة، بل وعقلها المدبر أيضاً. ويمكن للجيش أن يدخل السياسة أيضاً بواسطة السياسيين الذين يسندون سياستهم بالجيش، كما حدث في تونس باستناد قيس سعيد على الجيش والشرطة ضد الطبقة السياسية المنتخبة. ويمكن أن يكون الجيش أداة للانقلاب على تحول سياسي ما في البلد، بدعم من دول خارجية تستفيد من قوة الجيش وانضباطه الهرمي، ومن النزوع الغريزي عند الجيش للحكم، النزوع الذي يتوفر عادة عند كل من يستشعر القوة في نفسه.
يصبح من العسير إبعاد الجيش عن السياسة ما أن يدخلها، لأنه لا يوجد في المجتمع قوة يمكنها مواجهة الجيش إذا أراد الجيش مواجهة المجتمع. فكيف إذا كان للجيش، نتيجة تاريخ سياسي بائس في بلداننا، "جيش" من المرحبين بتدخله وإدارته "القوية" للدولة، وكيف إذا كان هذا الجيش قد حكم لعقود وجيّش الدولة وتغلغل في كل مفاصلها، وأنشأ له مؤسسات اقتصادية وخدمية مستقلة عن وزارة المالية (مصر، سورية، السودان ... )، حتى بات يمكن لقائد عسكري سوداني انقلب مؤخراً على وثيقة دستورية سبق له أن وقعها مع المدنيين، أن يقول "الجيش هو الدولة".
عقود من ضعف السياسة أو قل غيابها، كرس في الوعي العام تقدير للقوة على حساب السياسة. يحبذ الناس وجود رجل قوي يفصل في الأمور ويخضع له الجميع. حتى درج في الصحافة تعبير "الرجل القوي"، إشارة إلى من يمتلك القوة على فرض خياره. اعتاد الناس على هذا الحال الذي يبدو لهم "مطمئناً" أكثر من مشهد صراعات قوى سياسية في البرلمان (قد يتحول الجدل البرلماني إلى عراك بالأيدي لغياب الرجل القوي) وفي الصحف والإعلام والمواسم الانتخابية. لكن من الصعب، وربما من المستحيل، الجمع بين الرجل القوي والعدالة. فالعدالة لا تتحقق إلا بتحرير صراع المصالح في المجتمع بضوابط قانونية وقضاء مستقل، بما يحقق توازن معقول بين مصالح الفئات والأطراف والتوجهات.
كل التشكيلات العسكرية التي نشأت في سورية على ضفة مقاومة نظام الأسد، كانت عسكرية سياسية معاً، أي لم تكن ذراعاً عسكرياً لقيادة سياسية. العسكري هو السياسي نفسه، لا توجد مسافة فاصلة بين المهنتين. تسري هذه الواقعة مسرى البديهيات. وفي عمق هذا الاعتقاد نوع من الاحتقار الشعبي المتراكم للسياسة. في الوعي العام يبحث الناس عن حاكم عادل، وليس عن عدالة أو عن حكم عادل. الحاكم العادل رجل قوي "مستبد" يفترض أنه يحكم بالعدل، أما العدالة فهي آلية لإنتاج العدل، وهي تتعارض في العمق مع فكرة الرجل القوي.
الثقافة العامة، بما في ذلك ثقافة النخب السياسية، تستبطن تقديراً وإعجاباً بالجيش، بقوته وانضباطه وصرامة التراتبية فيه، وهذا يلغي الصراعات ومظاهرها وصخبها ويضع حداً لتلكؤ السياسة وطول أمد استقرارها على قرار. أما العدالة فإنها لا تتحقق إلا في الصراع. ولا يمكن للجيش بقوته أو للرجل القوي أن يقيم العدل. العدل لا يمكن فرضه على الناس، إنه واقع يفرضه الناس فيما بينهم وعلى بعضهم البعض وفي مجرى صراعي.
لنعد الآن إلى فكرة المجلس العسكري في سوريا، يحق لنا التساؤل، إذا كانت قوة الجيش قد أعطته، على الدوام، مدخلاً إلى الدور السياسي، من أين تأتي قوة هذا المجلس العسكري الذي لا جيش له؟ ولنفترض جدلاً أنه تم تشكيل جيش تحت أمرة المجلس المذكور، فوفق أي سياسة سيقود هذا المجلس الجيش المفترض؟ وإذا كان المجلس، كما يقال، تحت أمرة مدنية، أين هي هذه الجهة المدنية؟ ولماذا الانشغال في فكرة مجلس عسكري في غياب "مجلس سياسي"؟ أليست الأولوية، منطقياً، لبناء مجلس سياسي؟ تقودنا هذه الأسئلة إلى القول إن فكرة المجلس العسكري تنم في أساسها، عن يأس مكين وأمل خجول، يأس من إمكانية تشكيل "مجلس سياسي"، ما يعني يأس من إمكانية إعطاء السياسة حقها في السيادة الفعلية على العسكري. وأمل في استدراج دور خارجي (روسي غالباً) مستقل أو بعيد نسبياً عن نظام الأسد، يكون المجلس العسكري المقترح محلاً مناسباً له.
لكن يبقى أن إبعاد الجيش عن السياسة لا يقل أهمية لاستقرار سوريا وبناء عافيتها، عن إبعاد الدين عن السياسة، هذه قاعدة ثابتة.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالقون على حدود بولونيا، أي درس؟
- أسرار الحديقة
- الدولة العميقة والمسارات المستورة للسلطة
- الانقلاب في السودان، عن المعجبين بحكم القوة
- السودان: يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية
- السلطة وركائزها النفسية
- بين إريك زيمور وقيس سعيد
- نقد المعارضة الجذرية
- على ضوء الحاضر السوري الكئيب
- بين سجنين، أبطال في أمة مفككة
- ضرورة التمييز ومعرفة الفروق
- درعا، قليل مما يمكن قوله
- الحديقة في المنفى
- أصوات سورية تعلو بالخيبة
- أفغانستان وظاهرة التنكر الوطني
- موت البرامج السياسية
- انقسام جديد بين السوريين
- لكي تكون الديموقراطية ممكنة
- في الحاجة إلى مركزية مضادة
- العرض التونسي للمشاهد السوري


المزيد.....




- -لم أستطع حمايتها-: أب يبكي طفلته التي ماتت خلال المحاولة ال ...
- على وقع قمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين بالجامعات.. النواب ال ...
- الصين تتيح للمستخدمين إمكانية للوصول السحابي إلى كمبيوتر كمي ...
- -الخامس من نوعه-.. التلسكوب الفضائي الروسي يكمل مسحا آخر للس ...
- الجيش الروسي يستخدم منظومات جديدة تحسّن عمل الدرونات
- Honor تعلن عن هاتف مميز لهواة التصوير
- الأمن الروسي يعتقل أحد سكان بريموريه بعد الاشتباه بضلوعه بال ...
- ??مباشر: الولايات المتحدة تكمل 50 في المائة من بناء الرصيف ا ...
- عشرات النواب الديمقراطيين يضغطون على بايدن لمنع إسرائيل من ا ...
- أوامر بفض اعتصام جامعة كاليفورنيا المؤيد لفلسطين ورقعة الحرا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - بمناسبة الحديث عن مجلس عسكري سوري