أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة 23 حلبجة الشهيدة















المزيد.....

التاريخ يتكلم الحلقة 23 حلبجة الشهيدة


كاترين ميخائيل

الحوار المتمدن-العدد: 1654 - 2006 / 8 / 26 - 11:03
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



1988 يوم القيامة في حلبجة:
سليل هولاكو ونيرون وهتلر, اولئك الذين يمثلون رمزا يندى له جبين الانسانية لما ارتكبوه من آثام وما ابتدعوه من وسائل الافناء بحق الشعوب, طمعا في توسع او فتوحات ونزوات, لكن صدام تحداهم جميعا وتجاوزهم فبدوا امامه اقزاما حينما سلط على مواطنيه اشنع ما شهده القرن العشرون من ابادة جماعية لا تستطيع مرثيات الشعراء البليغة الاحاطة بابعادها المأساوية, وينعقد لسان هوميروس صاحب الاوديسا والاليادة لو بعث حيا وشاهد هول الفاجعة.
حلبجة المدينة الوادعة الباسطة اذرعتها في اقصى الشمال الشرقي لكردستان العراق, المكتظة بالحيوية والحركة في يوم الاستجمام والتعبد, الجمعة من اذار 1988 , حام حولها ملاك الموت والناس في غفلة من امرهم, واحالها الى محض اطلال لا تأوى اليها حتى وحوش البراري, وحتى الطيور المتبقية هجرت اعشاشها, وتحولت الى بانوراما حقيقية للموت, في غضون دقائق ازهقت انفاس من فيها من بشائر وبهائم, ازيز الطائرات ووميض القنابل والدخان الابيض المنبعث منها ومن بعدها رائحة الخردل والسيانيد تزهق الارواح زرافات زرافات, طفل متعلق بثدي امه, امرأة تخبز, عائلة مجتمعة حول مائدة الطعام, رجال مبعثرون في قبو الجامع الذي تصدح مأذنته وتصرخ الله اكبر من دون مؤذن. اطفال في الازقة لم يستطيعوا اللحاق بالكرة التي تتدحرج لتركن, هي الاخرى, الى السكون الابدي. الجثث مكدسة في المساكن في اوضاع متباينة, من ايماءات الايادي والحركات الاخيرة للاشلاء من قراءة قسمات الاوجه المضرجة والعيون المبحلقة تدرك ان الموت الزؤام قد دهمهم على حين غرة. اطفال ونساء وشيوخ ازدحمت الازقة والشوارع بجثثهم ولطخت الدماء كل بقعة وزاوية وجدار. آلاف من الجرحى في العراء يلفظون انفاسهم الاخيرة في محاولة لاستنشاق نسمة من الهواء واصوات استغاثتهم تذهب ادراج الرياح. بعد يوم من تلك الكارثة التي لا تقل في هولها عن هيروشيما وناغازاكي ( مع فارق السلاح الكيمياوي المستعمل) غدت خالية من الحركة, والصوت باستثناء انين النزر اليسير من الجرحى الذين قدر لهم النجاة باجساد مشوهة.
هرعت العشرات من الوفود الاجنبية ومندوبوا وكالات الصحافة والاعلام عبر ايران والكل يتسابق لتغطية الحدث المهول, كثيرون يدلون بالتصريحات المنتصرة لحقوق الانسان والمستهجنة لتلك الفعلة الشنيعة. الاذاعات ومحطات التلفزة وعناوين الصحف الرئيسية قد استحوذت حلبجة على مجمل برامجها. الامم المتحدة واروقتها, المجتمع الدولي, قادة الامم يعبرون عن سخطهم, ولكنها لم تكن سوى سباق في التظاهر والنفاق السياسي وذرف دموع التماسيح على ضحايا مجرم عتيد, عريق, هو في منأى عن الحساب. ومحمي من قوى خفية لها كل المصلحة في ان تضمن استمراريته خدمة لاستراتيجية ابعد من ان تمت للاهداف الانسانية بصلة.
اخذت المعارك والتهجير والقصف الجوي والبري يزداد علينا وعلى كل المنطقة تلك الصورة المأساوية كانت تخيم على كل الانشطة السياسية في المنطقة, في شهر تموز وفي خضم تلك الاحداث كنت في الفوج الاول مع صديقتي ام سربست , عضوة رابطة المرأة العراقية منذ السبعينات اليزيدية من شيخان , انها مقبلة على الولادة وتعاني ما تعانيه في تلك الاجواء الغنية عن الوصف, وهي بحاجة لمن يعضد من ازرها في تلك الساعة الحرجة في وسط المحنة التي بدت كل الآلام والمعضلات تافهة امامها, لم اتأخر في تلبية طلب ام سربست ان اكون بجانبها ساعة الوضع, فهي بحاجة الى الدعم المعنوي الذي وصل ادناه عند الجميع, فما بالك عند امرأة في ساعة المخاض العسيرة؟ تبكي بدموع ساخنة عندما تتذكره ابنها لوركا فهو رهينة عند السلطات مع انه لم يتجاوز الاربعة عشر ربيعا,. اسمع صوت نحيبها وسط الليالي ثم تجهش بالبكاء لوحدها ويضطر زوجها لتهدأتها وتطييب خاطرها الى ان تستسلم للواقع وتستدرك قائلة اننا سوف نلاقي ايضا مصيرنا المحتوم هنا. تهجع الى فراشها ثانية وكلها قلق وهواجس وتسكت على مضض.
منتصف الليل. نفترش سطح الغرف لانها المكان المفضل للنوم في فصل الصيف الحار. اسمع صوت ام سربست وهي تنادي سعاد , انها آلام الولادة ثم ايقظت زوجها كاوا للبحث عن المرأة المسنة لمساعدتها في الولادة. امرأة عجوز امية لكن لها خبرة في التوليد. بعد دقائق وصلت, ونزلنا داخل الغرفة. ادركتها طلقات الولادة وهي لا تستطيع الصراخ والتعبير عن آلامها وتضع منشفة تعض عليها باسنانها فبجانبها اناس يغطون في النوم, وتشعر بالخجل من ان يكتشف من حولها امرها, بعض الرفاق لا زال مستسلما للنوم والآخر يهم بالنهوض.
مع اشعة الشمس الاولى واذا بدوي الطائرات المقاتلة يقترب بسرعة خاطفة, وبنفس السرعة توجه الجميع الى الملاجيء, ولكنني والمرأة العجوز بقينا مع ام سربست . صرخت المرأة المولدة باعلى صوتها: سنموت جميعا كما مات اطفال حلبجة, فسيطر الذعر والخوف على ام سربست وكانت ردة فعلها طلقة قوية انحدرت الطفلة اثرها وصوتها يختلط بازيز الطائرات وصراخ والدتها وهي لا تعلم هل تصرخ من الم الولادة ام بسبب خوفها من اغارة الطيران علينا. فتحت الطفلة عيونها لتطل على عالم غارق حتى اذنيه بجرائم الابادة والاستباحة والطغيان. كانت كأنها تستغيث من عالم استقبلها بأزيز الطائرات ودوي القنابل.
اخذت الطفلة المدماة ووضعتها في اناء فيه ماء دافيء للاستحمام, بدأت اغسلها في الوقت الذي بدأت الطائرات جولتها الثانية, اختلط ضجيجها ببكاء الطفلة وصراخها كأنها ترفض تلك الحياة وترغب في الاستسلام للموت! والدتها ام سربست في شبه غيبوبة والمولدة تصرخ بها لتحفزها على اطلاق المشيمة التي لازالت في الرحم وتحذرها من انها ستموت ان لم تستجمع قواها وتلفظها خارجا. في هذه الاثناء حامت الطائرات حومة ثالثة واختلطت الامور عند ام سربست , كانت مسرح صراع بين الوعي واليأس وصمود من أجل الحياة التي يزحف اليها الموت متعلقا باردافها. لحظات خاطفة رهيبة اطلقت خلالها الام المشيمة.
اهتمت المولدة بقطع الحبل السري بمقص لم يعرف معنى التعقيم, نزيف حاد اعقب نزول المشيمة, فخرجت بانفعال جنوني من الملجأ اصرخ في طلب الطبيب. استجاب زوجها وهو في الملجأ ونادى على الطبيب, عندها رجعت لاكمل غسل الطفلة.
حضر الدكتور حجي وزرق الام بمضادات النزيف. بعد نصف ساعة رقدت ام سربست في فراشها وطلبت ان تحتضن طفلتها, ناولتها تلك المخلوقة التعيسة البريئة فبدأت تخاطبها هي الاخرى: "هل ولدتك للعذاب؟ قلبي يعلمني انك سوف لا تعيشين. لونك يميل الى الاحمرار لانني كنت مولعة باكل الطين في فترة الوحام, أي اسم ترغبين ان اطلقه عليك, كاترين ؟" تبتسم متحسرة. زوجها يهنؤها على تلك الولادة العسكرية! التي اجتازتها. قال مازحا: "اصبح لدينا الآن في العراق ولادتان مدنية وعسكرية, زوجتي اختارت العسكرية منها", فضحكنا لمداعبته تلك. بعد قليل خلدت الطفلة للنوم وهدأت بعد ذلك الارهاق والتعب. حاولنا ايجاد ماينفع في تغذيتها فحصلنا لها على دجاجة طبختها حالا لاطعامها.
السؤال هنا ما هو مصير ام سربست مع طفلتها في الحلقة القادمة تجدوها ؟



#كاترين_ميخائيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ يتكلم الحلقة 22 المراة في الجيش العراقي
- التاريخ يتكلم الحلقة 21 السيدة زينب
- التاريخ يتكلم الحلقة 20 الشهيدة عبير
- التاريخ يتكلم الحلقة 19 المالكي في واشنطن
- التاريخ يتكلم الحلقة 18 ام محمد
- التاريخ يتكلم الحلقة 17 هل المراة العراقية جديرة بقيادة البل ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 16 هيا الوطن في خطر
- التاريخ يتكلم الحلقة 15 بنت الشهيدة امال
- التاريخ يتكلم 15 الشهيدة امال
- التاريخ يتكلم الحلقة 14المراة الكويتية
- التاريخ يتكلم الحلقة 13 المؤنفلات
- التاريخ يتكلم الحلقة 12 لميعة عباس عمارة
- التاريخ يتكلم الحلقة 4 - الطبيبة
- التاريخ يتكلم الحلقة 11 الرياضة
- التاريخ يتكلم الحلقة 10 الاعلام
- التاريخ يتكلم الحلقة 9 الفن
- من الدكتورة كاترين ميخائيل الى رئيس الوزراء المالكي المرآة ا ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 5 الادب
- التاريخ يتكلم الحلقة 6 بنت الهدى
- التاريخ يتكلم الحلقة 8 الفن


المزيد.....




- محكمة أميركية تلغي حكما يدين -المنتج المتحرش- في قضايا اغتصا ...
- بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر ...
- هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي ...
- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة 23 حلبجة الشهيدة