عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 7068 - 2021 / 11 / 5 - 14:14
المحور:
المجتمع المدني
ما مفهوم الحزب ؟ لقد وردت عدة تعريفات للحزب السياسي حيث يعتبره البعض انتظاما لأشخاص على اساس وجهة نظر سياسية واجتماعية متجانسة بهدف الوصول للسلطة والمشاركة في وضع السياسة وتطبيقها . كما عرف الحزب السياسي بأنه مجموعة منظمة من الأفراد يمتلكون اهدافا وآراء سياسية متشابهة بشكل عام ويهدفون الى التأثير على السياسات العامة من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم في المناصب التمثيلية . اما قاموس ( لوروبير ) الفرنسي , فقد عرف الحزب بأنه :(( تنظيم سياسي يقوم اعضاؤه بعمل مشترك لإيصال شخص واحد او مجموعة اشخاص الى السلطة وابقاؤهم فيها بهدف نصرة عقيدة معينة )).
اما موسوعة ( لاروس ) فتدخل عنصر المصالح في تعريفها للحزب وتعرفه بأنه :(( مجموعة اشخاص تعارض مجموعة اخرى بالآراء والمصالح )).
بينما عرف الحزب الشيوعي العراقي في المادة رقم ( 1) من نظامه الداخلي , الحزب بأنه :(( اتحاد طوعي لمواطنات ومواطنين يجمعهم الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين والجماهير الكادحة وعن الحقوق والمطالب الوطنية لسائر فئات الشعب والكفاح من اجل تأمين التطور الديمقراطي الحر والمستقل للبلاد ولتحقيق التحولات الاجتماعية وصولا الى بناء الاشتراكية فيها .)) .
وفي المادة ( 2 / اولا) من قانون الأحزاب العراقي رقم ( 36 ) لسنة 2015 , فقد تم تعريف الحزب او التنظيم السياسي بأنه : ((مجموعة من المواطنين منظمة تحت أي مسمى على اساس مبادئ وأهداف ورؤى مشتركة تسعى للوصول الى السلطة لتحقيق اهدافها بطرق ديمقراطية بما لا يتعارض مع احكام الدستور والقوانين النافذة .)).
فللحزب السياسي اذن اهداف سياسية واقتصادية واجتماعية , وتعمل الأحزاب السياسية في ظل انظمة سياسية مختلفة الأنواع منها الديمقراطية ومنها الدكتاتورية وقد تعمل بصورة علنية او بصورة سرية حسب طبيعة النظام السياسي القائم .
من المميزات الأساسية للحزب السياسي كونه منظمة دائمة تضم شبكة من الفروع ولها جهازها ومؤسساتها وتهدف الى الوصول الى السلطة لتنفيذ برنامجها وتطلب دعم المواطنين لها في عملية الانتخابات لتحقيق هذا الهدف .
نشأة الأحزاب السياسية:
يعتقد ( موريس دوفرجيه ) ان نشأة الأحزاب المعاصرة تعود الى عام 1850 , ويرى ان هناك اصلين للأحزاب :
- الأصل الانتخابي والبرلماني .
- الأصل غير الانتخابي وغير البرلماني او الأصل الخارجي .
ويتبلور الأصل الأول في تكوين الأحزاب من خلال انشاء الكتل البرلمانية اولا ثم اللجان الانتخابية فيما بعد , واخيرا يقوم في المرحلة الثالثة تفاعل دائم بين هذين العنصرين وتكون وحدة العقائد السياسية المحرك الأساسي في تكوين الكتل البرلمانية.
اما بالنسبة الى ماركس وانجلز وموقفهما من الحزب السياسي , فإنه عندما نشرا كتاب ( البيان الشيوعي ) في العام 1848 بدأ مفهوم الحزب الحديث يتبلور ويتغلب على المفاهيم الأخرى مثل الرابطات الأممية والحركات العمالية الفكرية , واطلق ماركس وانجلز على هذا التشكيل السياسي المطلوب اسم ( حزب البروليتاريا ) , أي حزب الطبقة العاملة . وقد طور لينين افكار ماركس بشأن حزب البروليتاريا ووضع نظرية متماسكة عن مفهوم الحزب ودوره في كتابه الشهير ( ما العمل ؟ ) طالب بتكوين منظمة حزبية مركزية تتألف من الثوريين المحترفين بقيادة زعماء سياسيين , ووقف لينين ضد تيار العفوية حيث قال ان التنظيم الثوري هو الوسيلة الأمثل لتحقيق الأهداف وان هذا التنظيم يحتاج الى وجود نظرية ثورية واحتراف ثوري لمواجهة الأوضاع . كما ذكر لينين : (( ليس لدى البروليتاريا سلاح آخر في نضالها من اجل السلطة غير التنظيم )). وفي اثناء ثورة 1905 في روسيا في الوقت الذي تحركت فيه الجماهير عفويا ودون عون من أي حزب , وكرر قوله :(( اذا لم يكن ثمة تنظيم للجماهير فالبروليتارية ليست شيئا , واذا كانت منظمة فهي كل شيء .)) , فقد كان لينين شديد الوعي بضرورة وجود تنظيم يقود الجماهير حتى لا تهدر او تسحق الطاقة الثورية التي تتمتع بها .
وللأحزاب السياسية ثلاثة مميزات مشتركة على الأقل :
1) الحزب هو منظمة دائمة .
2) هدف الحزب الوصول الى السلطة .
3) يطلب دعم وتأييد المواطنين في الانتخابات لتحقيق هذا الهدف .
كما تختلف الأحزاب السياسية عن بعضها من حيث البرامج والقواعد التنظيمية الداخلية ومن حيث جدول اعمالها السياسية ومن حيث اعتدالها وتطرفها ومن حيث الشكل الذي تنتظم حسبه .
تصنيف الأحزاب السياسية :
هناك فارق كبير وجوهري بين انواع الأحزاب , ويمكن القول ان هناك ثلاثة انواع من الأحزاب :
1) احزاب ايدلوجية .
2) احزاب براغماتية .
3) احزاب اشخاص .
فالأحزاب الايدلوجية او احزاب البرامج وهي تلك الأحزاب التي تتمسك بمبادئ او أيدولوجيات وافكار محددة ومميزة , ويعد التمسك بها وما ينتج عنها من برامج اهم شروط عضوية الحزب . فعلى سبيل المثال فقد حدد الحزب الشيوعي العراقي في نظامه الداخلي المادة ( 2 ) الفقرة ( 1 ) شروط العضوية في الحزب بـ : (( يوافق على برنامجه ونظامه الداخلي ويسترشد بهما )). ومن امثلة احزاب البرامج الأحزاب الاشتراكية والأحزاب الشيوعية .
اما الأحزاب البراغماتية( وتعني البراغماتية العملية او الذرائعية او النفعية أي العمل بناء على المنفعة وحدها , فالايدلوجي يتقيد بأفكار واهداف ثابتة تحدد مواقفه سلفا كالوطنية , اما البراغماتي فهو متحرر من كل ايدلوجية او موقف مسبق ويتصرف بما ينفعه وفق الظرف والحال , وهي مذهب فلسفي – سياسي يعتبر نجاح العمل المعيار الوحيد للحقيقة ) . تتسم الأحزاب البراغماتية بوجود تنظيم حزبي له برنامج يتصف بالمرونة مع متغيرات الواقع بمعنى امكانية تغيير هذا البرنامج او تغيير الخط العام للحزب وفقا لتطور الظروف ووفقا للمصلحة.
اما احزاب الأشخاص فهي من الاسم ترتبط بشخص او زعيم , فالزعيم هو الذي ينشئ الحزب ويقوده ويحدد مساره دون خشية من نقص ولاء بعض الأعضاء له, وهذا الانتماء للزعيم مرده لقدرته الكاريزمية او الطابع القبلي الذي يمثله الزعيم وتظهر تلك الأحزاب في بعض بلدان الشرق الأوسط وامريكا اللاتينية حيث انتشار البيئة القبلية .
تشكيل الأحزاب السياسية :
كان العراق خاضعا لسلطة الدولة العثمانية ولفترة طويلة وقد تمثلت النخبة السياسية الحاكمة في العراق خلال العهد العثماني بأفراد قلائل من الاداريين العثمانيين ( عسكريين ومدنيين ) الى جانب افندية المدن وكبار الملاكين وشكلت العشائر مجتمعا بدائيا مارس حياته اليومية وفق العراف والعادات , ولم تدرك أي من تلك العشائر رؤساء او افراد انها يمكن ان تسهم في توجيه سياسة الدولة وصنع القرار السياسي بشكل وآخر .ويعد فرع ( الاتحاد والترقي ) الذي افتتح في بغداد سنة 1908 اول تنظيم سياسي تأسس في العراق ثم افتتحت له فروع في جميع المدن العراقية الرئيسة . كما تم تأسيس جمعيات سرية في تلك المرحلة مثل جمعية ( اليد السوداء ) في اسطنبول 1909 حيث نادت بسياسة العنف ضد الأعضاء العرب في ( الاتحاد والترقي ) , اضافة الى تأسيس الجمعية القحطانية وجمعية العلم الأخضر في اسطنبول عام 1912 , وجمعية النادي الوطني في بغداد 1912 , وتأسست في العراق بين سنتي 1908 – 1914 احزاب سياسية كانت معارضة لحزب الاتحاد والترقي وقامت احزابا اخرة كحزب الحرية والائتلاف في بغداد سنة 1912 وحزب العهد في بغداد والموصل ما بين 1913 -1914 . وفي بداية الحرب العالمية الاولى عام 1914 لم تكن هناك أي علامة تدل على وجود حركة سياسية منتظمة , الا انه كان هناك امتعاضا كبيرا من الاحتلال البريطاني حيث تنامت المطالبة بالاستقلال التام بعد وضوح نيات الاحتلال العازمة على ابقاء العراق تحت سيطرتهم المباشرة. وفي عام 1918 تأسس الحزب الوطني النجفي ومن اعضاؤه المؤسسون الشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ محمد رضا الشبيبي وغيرهم . كما تأسست بعض الجمعيات السرية في كربلاء وجمعية حرس الاستقلال في بغداد التي تأسست سنة 1919 كتنظيم سري واعادة تأسيس حزب الاستقلال في اواخر عام 1919 من قبل مجموعة من الشباب, .
ومن الأحزاب السياسية العريقة التي ناضلت ضد الاستعمار البريطاني وحلفاؤه في العراق ومن اجل مصالح الشعب العراقي بكل فئاته هو الحزب الشيوعي العراقي الذي تأسس في 31 آذار 1934 نتيجة لتطور نضال الشعب العراقي وحركته الوطنية والديمقراطية . كما تشكلت احزابا اخرى خلال هذه الفترة امثال الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة جعفر ابو التمن , وحزب النهضة برئاسة محمد الصدر وعبد الرسول كبة والحزب الحر برئاسة محمد الكيلاني والحزب الوطني الديمقراطي برئاسة كامل الجادرجي وحزب الاستقلال وغيرها.
وبعد 2003 وسقوط النظام الدكتاتوري حصل انفتاح كبير على انشاء الأحزاب السياسية حيث اتسمت الحياة السياسية بعد 2003 بشمولية دينية مذهبية اقصائية حكمت النظام السياسي بعد الاحتلال وبدلا من تحقيق وعود بناء نظام ديمقراطي حقيقي في العراق يضمن التداول السلمي للسلطة ويحمي الحقوق ويرسخ دولة المواطنة , ظهر استبداد الأحزاب الدينية كواحد من اخطر انواع الاستبداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تاريخ العراق المعاصر .
اسباب تعدد الأحزاب السياسية في العراق بعد 2003 :
سجلت المفوضية العليا ( المستقلة !!! ) للانتخابات في العراق بتاريخ 26 /12 / 2017 ( 204 ) حزبا سياسيا لغرض مشاركتهم في انتخابات 2018 والعدد الحقيقي يتجاوز ذلك الى اكثر من 300 حزب وكيان سياسي بعد اضافة الأحزاب غير المسجلة. وهذا رقم كبير. ويعود اسباب تعدد الأحزاب العراقية بعد 2003 الى : -
1) الحرمان السابق للأحزاب والجماعات والأشخاص من العمل السياسي ولمدة اربعة عقود وظهور حالة الانفجار السياسي بعد سقوط النظام الدكتاتوري .
2) تشجيع الولايات المتحدة التي احتلت العراق عام 2003 والحاكم بول برايمر , العراقيين على تأسيس احزاب ومجموعات .
3) القوانين والتشريعات السهلة المتعلقة بشروط تأسيس حزب او كيان خاصة قبل 2015 .
4) دخول الأحزاب والحركات السياسية المعارضة من الخارج الى البلاد بصحبة القوات الأمريكية وظهور كيانات سياسية كان مؤسسيها في الداخل .
5) خوف الأقليات العرقية والدينية من الحرمان وضياع حقوقها من قبل الأحزاب وتأسيس كيانات متعددة .
6) الامتيازات السياسية الاجتماعية والاقتصادية لأصحاب الأحزاب والكيانات .
7) التدخلات الإقليمية والدولية من خلال دعم الأشخاص وتأسيس الكيانات .
8) الخلافات السياسية داخل الأحزاب وحصول لا الانشقاقات فيها .
9) كثرة الانتماءات وعدم وجود هوية وطنية واحدة تجمع العراقيين تحت مرجعية وطنية موحدة .
10) فشل الأحزاب السياسية الموجودة والسعي من اجل تأسيس احزاب جديدة من المنافسين او المنتقدين .
الفشل السياسي في العراق :
تميزت تجربة احزاب الاسلام السياسي في العراق بفشلها الذريع حيث لم تحقق أي تقدم للعراق بل بالعكس ازدادت اوضاع العراق سوءا فبقي الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا وحيد الجانب اسير تقلبات اسعار النفط الخام وتم تهميش واهمال متعمد للقطاعات الانتاجية الاخرى من صناعة وزراعة وتعدين وسياحة ونقل وغيرها . واحتل العراق في هذا العهد المراتب الاولى بين دول العالم الأكثر فسادا , واعتبرت بغداد اسوء مدينة في جودة المعيشة وبالنسبة لرجال الأعمال واوسخ مدينة , واعتبر التعليم في اسوء مستوى له وكذلك الحال بالنسبة للصحة والخدمات فلا كهرباء مستمرة ولا ماء نقي رغم الموازنة الانفجارية . ففي هذا العهد اصبح العراق الأسوأ في كل شيء وهذه اهم انجازات الاسلام السياسي , اضافة الى انتعاش المحاصصة والطائفية والصراعات السياسية على المناصب والمغانم وتقسيم كعكة العراق . الى جنب الابتعاد عن تطبيق معايير الكفاءة والمنافسة النزيهة في شغل الوظائف العامة وتم تهميش العناصر الوطنية المخلصة والنزيهة والكفؤة .اضافة الى تهميش القوى الوطنية وحرمانها من المشاركة في العملية السياسية والاقتصادية من خلال تفصيل القوانين على مقاساتها كما حصل بالنسبة لقانون الانتخابات سانت ليغو باعتماد نسبة ( 1,9 ) بهدف ابعاد القوى الوطنية عن المشاركة السياسية ومنافستها . وفي هذا العهد اتسع نطاق الفساد والبطالة والفقر.
فبعد 2003 هيمنت المذهبية على الخطاب السياسي للأحزاب الدينية وانعكست هذه الهيمنة على تأويلات لمضمون الدستور العراقي لعام 2005 النافذ لا تنسجم مع أي نظرة علمية تراعي القواعد الدستورية للدولة الحديثة مما افقد دستور 2005 هويته الوطنية التي تمثل مكونات وثقافة المجتمع الذي يتسم بالتنوع الديني والقومي , وظهرت التطبيقات الدستورية محكومة بمفهوم ( الأغلبية الشيعية العددية ) التي تتنافى مع جوهر الديمقراطية . لذا فشل النظام السياسي في العراق في ضمان الوفاق الاجتماعي بين الهويات المتنوعة في العراق وتحول لعامل تفكيك المجتمع بدلا من كونه جامعا وضامنا للوحدة الوطنية .
الدستور العراقي والأحزاب الطائفية :
ان الالتباسات التي لا تعد ولا تحصى في الدستور العراقي والانقسامات الكاملة وراء عملية صياغة الدستور والخلافات حول تأويل النصوص الدستورية قد خلقت المزيد من المشاكل السياسية وعطلت قدرات النظام السياسي . وقد تضمن الدستور العراقي لعام 2005 مجموعة من المضامين المتناقضة مع مبادئ الدولة المدنية الديمقراطية التي دفعت الى انعدام التوافق والانقسام بين اطراف العملية السياسية بدلا من المساعدة في حل العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق , واسهمت العديد من الفقرات في خلق واثارة مشكلات خطيرة , فمثلا المادة ( 41 ) من الدستور جاءت لتعمق تقسيم المجتمع الى طوائف دينية وبالتالي فإن كل طائفة تسعى لتشكيل حزبها السياسي للحصول على المكاسب , فقد نصت هذه المادة على : (( العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون )) , مما يصنف العراقيين وفقا للمذاهب الدينية ومعتقداتهم وحياتهم الشخصية والذي يشجع على تشكيل احزاب طائفية وهي مشكلة سبق للقوانين العراقية النافذة ان تجاوزتها عن طريق وضع قانون موحد للأحوال الشخصية برقم 188 لسنة 1959 , وبما يضمن العدالة والمساواة للمواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية ,.
الأحزاب السياسية والديمقراطية :
تعد العلاقة بين الأحزاب السياسية والديمقراطية علاقة جدلية , فوجود الأحزاب وتبلورها ارتبط الى حد كبير بتطور الديمقراطية , فقد ارتبطت الديمقراطية بوجود ظروف معينة تدعم التحولات الديمقراطية مما دعم وجود الأحزاب , كما يساهم وجود الأحزاب في تدعيم التحولات الديمقراطية فأصبحت اهم الضمانات العملية للممارسات الديمقراطية .والأحزاب السياسية المنتشرة في العالم اليوم تتباين وتختلف عن بعضها البعض من حيث تطورها وتكوينها واهدافها ونشاطاتها والأنظمة السياسية التي تعمل في ظلها , وهذا التباين ادى الى ايجاد اشكالية في وضع تعريف عام للأحزاب . ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية في أي بلد دون وجود احزاب سياسية قوية وفاعلة بالمعنى الحقيقي , حيث ان التنظيمات والأحزاب السياسية تعتبر من اهم قواعد الديمقراطية . كما تقوم الأحزاب السياسية بممارسة مهمة الرقابة على اعمال الحكومة وهي خارج الحكم , كما تعمل على افساح المجال للجماعات المختلفة للتعبير عن رغباته ومطالبها بأطر منظمة وفعالة وتلعب دورا في تنشيط الحياة السياسية البرلمانية . الا انه في العراق كان نظام الحكم السابق نظاما دكتاتوريا فاشستيا , نظام الحزب الواحد الذي منع الأحزاب الأخرى من العمل وتم مطاردتها واعتقال قادتها واعضائها وتغييبهم فلم تكن هناك ديمقراطية,
وبعد سقوط النظام في 2003 حاولت الأحزاب الدينية الطائفية التي انتعشت ان تمارس دور النظام السابق فحاولت اقصاء الآخرين والانفراد بالحكم بدلا من بناء نظام ديمقراطي حقيقي في العراق يضمن التداول السلمي للسلطة ويحمي الحقوق ويرسخ دولة المواطنة . وقامت هذه الأحزاب بتشريع القوانين التي تهدف الى ابعاد وتهميش القوى الوطنية الاخرى كما هو الحال بالنسبة الى تشريعها لقانون انتخابات سانت ليغو يعتمد على نسبة 1,9 , فالديمقراطية في العراق مقزمة , كما ان التطبيقات الدستورية محكومة بمفهوم الأغلبية الشيعية التي تتنافى مع جوهر الديمقراطية . لذلك فشلت احزاب الاسلام السياسي في العراق في ادارة شؤون البلاد وعملت على تفكيك واضعاف المجتمع العراقي من خلال بث سموم الطائفية بدلا من العمل على وحدته الوطنية , واصبح نهج المحاصصة والطائفية هو السائد اليوم في توزيع المناصب والمسؤوليات في الدولة , بل وصل الأمر الى بيع وشراء المناصب الحكومية .
الأحزاب الطائفية وقانون الأحزاب :
رفضت الأحزاب الطائفية في العراق تشريع قانون الأحزاب لأسباب عدة ابرزها الخشية من كشف هويتها ومصادر تمويلها والخوف من هيمنة الحكومة عليها بسبب قيام الحكومة بتمويل الأحزاب المرخصة كما ينص القانون على ذلك , او بروز احزاب جديدة منافسة كانت بحاجة الى تمويل . ويرى مراقبون ان بعض مواد القانون غير قابلة للتطبيق على ارض الواقع في ظل الأوضاع الحالية للعراق , فقد اشارت المادة الخامسة من قانون الأحزاب الى : (( يؤسس الحزب او التنظيم السياسي على اساس المواطنة وبما لا يتعارض مع احكام الدستور ولا يجوز تأسيس الحزب او التنظيم السياسي على اساس العنصرية او الارهاب او التكفير او التعصب الطائفي او العرقي او القومي )) , فهل يمكن ان تتخلى الأحزاب الطائفية عن طائفيتها بكل سهولة ؟ فكما هو معروف ان اغلب الأحزاب السياسية في العراق منذ 2003 وحتى الآن هي احزاب طائفية او قومية وتعد هذه المادة ضرورية للحد من التمييز والعنصرية في البلاد في حال طبقت على نحو سليم . بينما نصت المادة الثامنة من الفقرة رابعا على : ((ان لا يكون تأسيس الحزب وعمله متخذا شكلا التنظيمات العسكرية او شبه العسكرية كما لا يجوز الارتباط بأي قوة مسلحة )) للحفاظ على سلمية النشاط السياسي وهو من شروط الديمقراطية , فهل يمكن ان تتخلى الأحزاب الدينية الطائفية عن ميليشياتها المسلحة المنفلتة ؟
الأحزاب الطائفية والتعليم في العراق :
لقد شهد التعليم العالي والبحث العلمي في العراق تدهورا ملحوظا بعد 2003 , ما ادى الى خروج الجامعات العراقية من مؤسسات التصنيف العالمي بعد ان كانت الجامعات العراقية تتصدر جامعات المنطقة في تلك التصنيفات والسبب في ذلك يعود الى السياسة الخاطئة وغير المدروسة والادارة السيئة من قبل وزارة التعليم منذ 2003 ولغاية الآن , فضلا عن المحاصصة الطائفية والحزبية. وكان من اسباب انهيار التعليم في العراق هو سيطرة الأحزاب على وزارة التعليم والتي انهت التعليم ما ادي الى خلو قائمة تصنيف الجامعات الأفضل في العالم من الجامعات العراقية وهو نتيجة حتمية لما تسببت به السياسات الخاطئة والضغوطات التي يتعرض لها رؤساء الجامعات من قبل الأحزاب المتنفذة والطبقة السياسية الحاكمة , ما ادى الى ابتعاد الجامعات العراقية عن الرصانة والعلمية , كما انعكست الفوضى التي يعيشها البلد بسبب هذه الأحزاب على الجامعات العراقية في الوقت الذي كان فيه التعليم في العراق وبحسب تقرير اليونسكو يمتلك نظاما تعليميا يعد من افضل انظمة التعليم في المنطقة وحاز على جائزتين من المنظمة . وعموما فالعراق يعاني من انهيار منظومة التعليم بأكملها.
اما التعليم في المدار الابتدائية والثانوية فهو الآخر يعاني من الانحدار الى درجة تم وصفه من قبل المنظمات الدولية المتخصصة بأنه اسوأ مستوى للتعليم في العالم . ويعمل التعليم في المدارس الابتدائية على ترسيخ الطائفية وقيام بعض المعلمين بتعليم التلاميذ الأطفال ( كيفية اللطم ) وصلاة الجنازة حسب الفيديو الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي . والتعليم في العراق عموما لا يعتمد فلسفة تربوية – تعليمية تقوم على قيم المواطنة وعلى تعزيز الفكر التنويري ونقل المعارف المستندة الى احدث ما توصلت اليه العلوم في جميع مجالات المعرفة وتنمية قدرات الطالب على التفكير النقدي وعلى فهم واستيعاب منجزات العلم والحضارة المعاصرين وتوظيفها في مجالات العمل والاختصاص المختلفة , علما ان نظام ومناهج التعليم وطرائق التدريس في العراق لا تؤمن مستلزمات التقدم التقني والمادي وارساء القواعد التعليمية المتطورة وتشجيع البحث العلمي والابتكار ولا يكون هناك ربط بين العملية التعليمية والتنمية الشاملة في البلاد واهدافها الكبرى . وبعد ان كاد العراق في سبعينات القرن الماضي يقضي على الأمية , عادت اليوم نسبة الأمية بالاتساع, واتجهت الأحزاب المتنفذة الى خصخصة التعليم حيث التوسع المتنامي للتعليم الأهلي على حساب التعليم الحكومي المجاني . وبعد ان كان التعليم مغلقا للبعث الصدامي قبل 2003 اصبح اليوم مقيدا بالانتماءات الطائفية والدعوة الى عدم الاختلاط بين الجنسين في مثل هذه المؤسسات. ولذلك ساهمت الأحزاب الطائفية المتنفذة في تخلف التعليم في مراحله واخراج العراق من قائمة التصنيف العالمي لأفضل الجامعات في العالم .
الأحزاب الطائفية والسياسة الخارجية للعراق :
منذ العام 2003 وحتى اليوم تم ترسيخ نظام المحاصصة الطائفية التي ضيعت القرار الوطني بسبب الخلافات والتوجهات المذهبية , وان الأزمة التي يواجهها العراق هي الأحزاب الدينية وميلشياتها المسلحة الموالية لأيران وهي عادة ما تدين للمذهب من دون بصيرة لمصالح العراق , وهكذا نشأت تبعية العراق لايران يعززها الجهل السائد في المجتمع العراقي , والان تجره الى صراعها مع الولايات المتحدة . واصبح العراق خاضعا للتدخلات الايرانية السافرة في شأنه الداخلي الى درجة انها تتدخل في تعيين رئيس الوزراء والكابينة الوزارية العراقية وقرارات السياسة الخارجية . ولدى ايران اذرعها المسلحة داخل العراق والتي تدين بالولاء لها فتصول وتجول وتقصف السفارات الأجنبية في المنطقة الخضراء دون ان تراعي المواثيق الدولية في حماية السفارات . كما تقوم باغتيال المتظاهرين السلميين بأوامر من ايران للحفاظ على الحكومات العراقية التابعة لها . وتعتبر ايران امنها الوطني جزءا من العراق , وادت الضغوطات الايرانية الى حرمان العراق من محيطه العربي بسبب طغيان المذهبية المقيتة ما ادى الى عزلة العراق ودمار اقتصاده, وخنقت انعكاسات التبعية لإيران في الحياة الاجتماعية والاقتصادية , الاقتصاد العراقي في جميع المجالات وخاصة في مجالي الزراعة والصناعة حيث غزت ( ساخت ايران ) السوق العراقية على حساب منتجاتنا الوطنية, وكان لإيران هدف واضح من اضعاف العراق على هذه المستويات اذ عمدت من خلال اذرعها وميليشياتها الى تفكيك المصانع الصغيرة والمتوسطة وبيعها لإيران بأسعار بخسة. وتشير كل التحليلات الى وجود لوبي ايراني يفرض مخططاته على السياسة العراقية ويتحكم بالقرارات العراقية , ولذلك فقد العراق قراره المستقل . افلا توجد سياسة بديلة للتبعية لايران ؟ والا يوجد مخرج آخر يضع اولويات العراق في الدرجة الاولى .؟
المراقب للمشهد السياسي العراقي بعد عام 2003 يلحظ ان العراق لا يملك سياسة خارجية لها هوية واضحة ولأسباب عدة :
ضعف صانع القرار العراقي وشدة التقاطعات الاقليمية والدولية التي القت بظلالها على العملية السياسية العراقية وتحول العراق بعد 2003 الى مسرح لتقاطع المصالح الاقليمية والدولية فغدى العراق يتأثر سلبا بهشاشة سياسته الخارجية والتي من المفترض ان تكون جدار الصد للأزمات الدولية خصوصا في المجال الأمني والاقتصادي.
سيطرة الأحزاب المتنفذة على مشاريع الاستثمار في العراق :
سبق وان اقرت لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية من ان بعض الهيئات الاقتصادية التابعة للأحزاب المتنفذة تستحوذ وتسيطر على اغلب المشاريع الاستثمارية المهمة في البلاد , وهناك شخصيات متنفذة في الدولة تعمل على الاستحواذ على المشاريع عبر شركات استثمارية تابعة لها . اضافة الى استخدام الأحزاب المتنفذة للمال العام في الاغراض الانتخابية وبدون وجه حق. واصبح يشكل تنامي التحالف غير الشرعي بين السلطة والمال وشيوع الغنى الفاحش والمفاجئ للنخب المتنفذة والاستيلاء على الممتلكات العامة واراضي الدولة وغياب مبدأ تكافؤ الفرص في اشغال الوظائف والمناصب العامة وشيوع ظاهرة الرشى والنهب المنظم للمال العام وتزوير الشهادات الدراسية والوثائق الرسمية كذلك الامتيازات المفرطة التي تتمتع بها الرئاسات الثلاث والنواب والوزراء واصحاب الدرجات الخاصة , يشكل هذا كله ابرز مظاهر الفساد وتجلياته في بلادنا .
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟