أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامر عساف - فضيحة الكنيسة في عين فرويد















المزيد.....

فضيحة الكنيسة في عين فرويد


سامر عساف

الحوار المتمدن-العدد: 7066 - 2021 / 11 / 3 - 13:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


8فضيحة الكنيسة في عين فرويد
سامر عساف*
تعرَض أكثر من 216 ألف طفل لانتهاكات او اعتداءات جنسية في فرنسا بين عامي 1950 و2020، بحسب ما خلصت إليه لجنة تحقيق مستقلة، في تقرير صدر عام 2018 حول استغلال الأطفال في الكنيسة الكاثوليكية بألمانيا أظهر، أن 3 آلاف و677 طفلاً، معظمهم ذكور، تعرضوا للاعتداء الجنسي بين عامي 1946 و2014، كما كشف عن تورط 1670 قساً في هذه الاعتداءات. فضيحة الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا واستغلال الأطفال جنسياً، لم تكن الأولى في أوساط الكنيسة المحافظة، بل دعمتها فضائح أخرى من ألمانيا، إيرلندا، الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من البلدان.,
لا يرتبط استغلال الأطفال جنسياً بالوسط المسيحي المحافظ فقط، بل يمكن ملاحظته في المجتمع الإسلامي وكل الثقافات المحافظة عموماً. لا يخفى على أحد كيف، أن ثقافة "داعش" والقاعدة وان لم يكن في شكل معلن، شرّعت سراً استغلال الأطفال جنسياً8.
في أفغانستان هناك ما يسمى (باشا بازي)، حيث يتم إلباس الأطفال ملابس نسائية ويرقصون في محفل الرجال، ثم من يدفع أكثر يصطحب هذا الطفل في نهاية الحفل إلى الفراش.
الممارسات الجنسية الشاذة في هذه المجتمعات لا تتوقف عند استغلال الأطفال، بل هناك السِّفاح أيضا وغيرها من الممارسات الجنسية الأخرى.
يُفترض في الشيخ الراهب أن يتسامى في فعله وخياراته الدينية متجاوزاً الرغبات الدنيوية، المادية، ساعياً إلى حالة روحانية من الصفاء والتواصل مع الله فما الذي يدفع، إذاً، بهذا المتسامي إلى استغلال طفل، جنسياً؟ وهل هناك علاقة بين خيارات الشخص الدينية وميوله الجنسية؟
هذا التناقض بين النزوع للتخلص من الرغبات المادية والجنسية، وفي الوقت نفسه، ممارسة الفعل اللاأخلاقي من خلال استغلال الطفل جنسياً، يفرض تساؤلات مهمة عن العلاقة بين الدين والجنس، عن العلاقة بين الدين وعلم النفس وعن العلاقة بين الجنس وعلم النفس.
نحن هنا نفترض، أولا، أن هناك علاقة بين الثقافات المحافظة (جنسياً) من جهة واستغلال الأطفال جنسياً من جهة أخرى. المعامل الثاني والذي نخرجه من الافتراض ونعتبره قاعدة أساسية في هذه البراديغما، أن لكل من الدين والميول الجنسية وظائف نفسية، بمعنى أنها تلبّي حاجة نفسية لدى صاحبها، وهذه ربما يمكن وضعها في المختبر النفسي وقياسها.
هذا الثالوث الهام في الوجود البشري (الدين والجنس والخبرات النفسية) لا يمكن بحثه في مقال أو حتى مجلّد، لكننا نرى من المهم طرح هذه التساؤلات التي قد تبقى معلقة.
في الضلع الأول من المثلث، عن العلاقة بين الدين والجنس، كل الديانات التوحيدية (الذكورية)، كما يوضح فراس سواح في كتاباته (أصل الدين، بين بعل وإيل ونشوء الدولة اليهودية، لغز عشتار)، قامت على شيطنة الجنس، كقطب ومركز اللذة والغواية التي تبتعد بصاحبها عن التواصل مع الله (ايل)، بل حتى آدم كان عليه مغادرة الجنة لأنه سقط في شرك حواء التي أغرته (جنسياً) ومنذئذ يصارع لذّته للخروج من العالم الفاني المادي إلى العالم النوراني الذي لا لذة فيه. يمكن القول، إن هذا الوعي، المعادي للجنس، كان إرهاصات هزيمة المجتمع الأمومي لصالح المجتمع الذكوري وذلك منذ أن قتل تمّوز أمه. ومازالت بعض الديانات حتى الآن ترى في المرأة القطب الشيطاني المغري (العورة، العرض والشرف؛ التابع للذكر)، الذي يحول دون التواصل مع الإله.
نلاحظ هذه الظاهرة في أشدها عند المتصوفين، والرهبان الذين يعتقدون أن الوصول إلى التنوّر يفترض منهم التخلّي عن الجنس. ومن ثمّ على المتدين، حسب هذا الفهم، الصراع مع البيولوجيا خاصّته التي وُلد وفُطر عليها ومن أهم عناصرها الرغبة الجنسية، وهزيمتها أو (السيطرة) عليها8.
هنا لابد من التذكير ب فرويد، مؤسس مدرسة التحليل النفسي وربطها بالجنس، ومن بعده زملاؤه أمثال، يونغ وميلاني كلاين، فقد حاولوا جميعاً سبر أغوار هذه الاحتياجات. ومن المفيد توضيح نقطة مهمة يقع فيها كثير من البشر وحتى العاملين في الحقل النفسي. فالجنسية النفسية في التحليل النفسي لا تعني الجنسية البالغة المتمثلة بالأعضاء التناسلية، بل تعني تلك الطاقة التي تدعو إلى الارتباط بالآخر، طاقة الليبدو التي هي طاقة المحافظة على البقاء، بعكس القطب الآخر أو قطب التناتوس الذي هو دافع الفناء والتدمير. تنطلق مدرسة التحليل النفسي، لبعض روادها، من أن الفعل البشري في كل مظاهره هو إرهاصات التفاعل والصراع بين هذين القطبين.
يفترض فرويد، أن قمة تطوّر الحالة الجنسية لدى الفرد، تمر بالمرحلة الفموية فالشرجية ومن ثم القضيبية لتبلغ أقصى وأعلى مظاهرها، في الرجل والأنثى كشخصين يحققان الوظيفة التطورية بالتزاوج والإنجاب.
كما يفترض، أن جميع مظاهر الانحراف الجنسي، أو لنقل الميول الجنسية المتطرّفة، هي حصيلة ونتاج المسيرة التطورية للطفل. فالجنسية النفسية للطفل غير متمايزة وهي متعلقة بشكل أساسي بخبرته في علاقته بأهله.
يمكن شرح ذلك بمثال: في المرحلة الفموية وفي الأشهر الأولى من العمر، لا يمكن للطفل التفريق بين الثدي والأم، فهو لا يملك تصوراً واضحاً عن الآخر كشخص متمايز مستقل بذاته، بل يكون الثدي الذي يروي جوعه مرتبطاُ بالحضن الدافئ الذي يشعره بالأمان. وكذلك الحليب الساخن الذي يدغدغ شفتيه ومن ثم يملأ جوفه، هو مقصد الارتباط المطلق، أي مقصد كل الطاقة الجنسية النفسية (الليبدو)، تعرُّضُ الطفل في هذه المرحلة لخبره سلبية قد يبقيه متعلقاً لاحقاً في سن البلوغ بجزء من الجسم كمثال الحالة الفيتيشية، أي أن الجنسية النفسية لم تتمايز وتتمحور في، أو حول القضيبية, كما هو في حالة التطور الطبيعي اللازم..
انطلاقا من هذا الفهم نذهب إلى القول، إن الميل لممارسة الجنس مع الطفل مرتبط بعلاقة مأزومة بين الشخص، صاحب الميل، وأهله منذ طفولته.
الخبرة العلاجية، تتيح ملاحظة أن البيئة التسلطية والعلاقات القائمة على الاستغلال النفسي، هي عوامل مشتركة في بيئة المعتدين. بل قد يكون بعضهم قد تعرض للاستغلال الجنسي في طفولته
المميز في هذا الشخصية هو ضمور الاستقلالية والفردية، بمعنى، أن الشخصية هنا لم يتح لها التطور وفق السياقات المبتغى لها وحسب معطياتها الأنطولوجية، بل تعرضت لانتداب جعلها (سيكوباتية). على سبيل المثال، عندما تكون الأم طاغية عاطفياً وتسقط احتياجاتها النفسية على طفلها الذكر، يصبح الطفل ذو وظيفة تغرّبه في ذاته وهي وظيفة الزوج أو الصديق (استغلال جنسي لاواعي). أو عندما يكون الأب نرجسياً، عنيفاً، فيخصي ابنه المنافس و(يغتصبه) رمزياً.
الدين وعلم النفس
عندما سئل بول بريشت إذا كان يعتقد أن الله موجودا أجاب "هذا يعتمد على ما ستغيره إجابتي لديك، إذا كانت ستغير شيئاً، يمكنني أن أساعدك وأقول لك إنك بحاجة إلى الله، وإن كان جوابي لن يغير شيء لديك، نستطيع أن نهمل الجواب". هذا إلى حد ما يلخص أيضا نظرة التحليل النفسي إلى الدين والروحانيات، كحاجة فردية لا تعطي للجوانب الميتافيزيقية اعتباراً. فرويد نفسه تحدث عن الدين في كتابه "مستقبل الوهم"، بينما تحدث ليفنانت ولاكون عن الرغبة والحنين إلى تجاوزها وتجاوز التفكير فيها كما هو الحال لدى نيتشه في الإنسان المتفوق.
إريك فروم يقول "إن العودة إلى الدين عند البعض هو الحل، لا بوصفه فعل إيمان محض، بقدر ما هو هروب من شك لا يطاق".
هكذا، تبقى مدرسة التحليل النفسي واقعة، متأرجحة، ما بين قطب الانتروبولوجيا بكل ما فيه من تجريد، وقطب المدرسة الامبيرقي (التجريبية)، من حيث إن علم النفس تجريبي ويخضع لمعايير القياس التي أسس لها فونت.
لنخرج من هذا الجدل ونبقى في إطار الفهم الفرويدي، على أساس أن التدين حاجة نفسية بغض النظر عن حقيقة الدين ووجود الله.
يمكن القول، إن مدرسة التحليل النفسي التقليدية تنظر إلى الرجل المتدين على أنه "غير مخلص لواجباته الإبستمولوجية من ناحية، فهو يؤمن بحقائق لا يستطيع إثباتها ومن ناحية أخرى فإن التدين هو عبارة عن نقص في استقلاليته". وبحسب فهم فرويد للنفس البشرية، ينتمي التدين إلى مستوى (الأنا الأعلى) وليس إلى الهو، وإذا بقينا في نفس السياق، فإن الأنا الأعلى هو، إلى حد بعيد، حصيلة التمايز مع الأب، ذو السطوة والقدوة والذي هو أيضا استمرار للإله (إيل)، إله السلطة، إله التصوف في مقابل الإله بعل، إله الخصب والتزاوج (المتعة) في تخيلات لاواعيه, عتيقة.
يمكن القول، استناداً لهذا الفهم، أن المتدين يحتاج إلى تراتبية سلطة في تركيبته النفسية للإحساس بالأمان النفسي. وانطلاقاً من هذه المعرفة، فإن رجال الكنيسة، ورجال الدين عموماً، يميلون افتراضاً إلى الإحساس بالحاجة إلى السيطرة في تركيبة ذكورية لاواعية. وثمّة مفهوم نفسي آخر في إطار هذه البراديغما يجب تعريفه هو فعل التسامي أو التعلية النفسية، الذي نقوم به بشكل لاواعي، وهو أحد وسائل الدفاع النفسي، حسب التحليل النفسي، ويعني أننا نحاول تعويض دوافع غير مقبولة ورغبات جنسية بتحويلها إلى أفعال سامية. فالطبيب الجراح مهما بلغ سمو فعله فإن جذوراً سادية تقبع في الهو وراء فعله. وكذلك، فإن رجل الدين، الذي يتسامى لملاقاة ربّه، يتجنب دوافع نفسية وجنسية غير مقبولة من الأنا الأعلى.
انطلاقاً مما تقدّم، فإن المقاربة النفسية لحالة رجال الدين الذين يعتدون على الأطفال، هي أن لديهم دوافع جنسية مكبوتة، ويميلون إلى السيطرة، في علاقة يكون الطرف الآخر فيها هو الطفل العاجز غير القادر على المحاكمة والممانعة، فيسهل استغلاله والسيطرة عليه. فهي حالات انفلات لرغبات قادمة من الهو (سادية)، فقدَ الأنا الأعلى القدرة على ضبطها والسيطرة عليها. وربما يأتي ميلهم إلى تدنيس ما نراه بريئا، انتقاماً من الأب المتسلط (السادي) القابع في لاوعيهم، وهو القطب المقابل للتسامي والتسامح، وفق نظرية الظل لكارل يونغ .

أخصائي تحليل نفسي *



#سامر_عساف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل شاخ بايدن ام النظام الراسمالي هو من شاخ؟
- الهوية الوطنية بين الدين و القومية
- الحل السياسي في سورية ضرورة دولية و ضرورة سورية
- رد على مقال الاستاذ ياسين الحج صالح -في صدد تحركات بشرية مرا ...


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامر عساف - فضيحة الكنيسة في عين فرويد