أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الانقلاب في السودان، عن المعجبين بحكم القوة















المزيد.....

الانقلاب في السودان، عن المعجبين بحكم القوة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7064 - 2021 / 11 / 1 - 13:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يؤكد انقلاب المجلس العسكري في السودان على الحكومة المدنية، أن من أهم العقبات التي تعيق تحرير العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مجتمعاتنا هو الحضور السياسي للجيش. ليس من السهل تجاوز هذه العقبة، فليس من السهل عودة حصر الجيش في دوره العسكري ووضعه تحت سلطة مدنية لا تكون مجرد واجهة لحكم الجيش. ولا تعود الصعوبة فقط إلى الشهية المفتوحة للجيش على السلطة، ولا إلى جاهزيته التامة والدائمة وقدرته على فعل ما يريد، قياساً على جاهزية وقدرة القوى المدنية على مقاومته وردّ سيطرته. فإلى جانب ذلك، هناك تسليم يائس، يتخذ شكل الإعجاب أحياناً، لدى فئة غير قليلة من الناس بأن مجتمعاتنا بحاجة إلى حكم قوي لا يوفره سوى الحكم العسكري، سوى ذلك سوف تعم الفوضى والصراعات. ويُستشهد تكراراً بالثورات العربية ومآلاتها للتدليل على ذلك.
لا يقتصر الإعجاب بالحكم العسكري القوي على الفئات الشعبية بل تشارك به بعض النخب. ولا يُفهم من الحكم القوي المثير للإعجاب هنا، الحكمُ الذي يزيد قوة البلد في التنمية الاقتصادية ويعزز تماسكه المجتمعي ويعزز حضور البلد في العالم على مستوى السياسة والعلوم والرياضة ... الخ، بل الحكم الأحادي والصارم في وجه المجتمع، بحيث يقدم للعالم بلداً راكداً تحت ثقل العنف والقمع والترهيب. في واقع الأمر، تنصرف هذه القناعة الشائعة، والتي تشكل مرتكزاً مهماً لسيطرة الجيش على الحياة العامة، إلى تبخيس قيمة القانون وإعلاء اعتبار القوة.
المنزلق الذي يستسلم له أصحاب هذه القناعة يقود إلى سيطرة قانون القوة بدلاً من قوة القانون. وما يسهل الاستسلام لهذا المنزلق، هو الافتراض الموهوم بأن قوة الحكم العسكري إنما تعبر عن إرادة عامة تنشغل بمصلحة الأمة وتحميها من تضارب مصالح الأطراف السياسية التي، لولا الحكم العسكري الصارم، سوف تدخل في صراعات وتنافسات تضعف البلد أو حتى تشله. والحال أن القوة العسكرية التي تضبط المجتمع إنما تعبر، أو تنتهي إلى أن تعبر، عن مصلحة دائرة مصالح ضيقة تستقل أكثر فأكثر عن مصالح الناس والبلاد إلى حدود التعارض.
رغم أن مجتمعاتنا، ما خلا فترات وجيزة، لم تعرف سوى الحكومات العسكرية، وأنه رغم عقود طويلة من هذه الحكومات وما استجرته من فقر وبطش وهوان وطني، يبقى للحكم العسكري رصيداً قوياً لدى فئات من المدنيين. وكلما حاول المجتمع الخروج من تحت سيطرة الحكم العسكري، تبدأ علامات الحنين إلى هذا الحكم بالظهور لدى فئات لا تني تتسع.
السبب في ذلك هو أن حكم القانون ضمن إطار احترام فصل السلطات، يحرر الصراعات التي كانت تكبتها القوة العسكرية والأمنية، وأن تحرير المكبوت وضعف تقاليد الاحتكام للقانون يجعل من فترة الانتقال من الحكم العسكري فترة مضطربة، فترة صراعات حزبية ومظاهرات واضرابات ومطالبات قد تكون فئوية ومتشنجة، يضاف إليها فترة انكماش اقتصادي بسبب الخوف الطبيعي للرأسمال من عدم الاستقرار، وأيضاً بسبب مواقف سياسية لأصحاب رؤوس الأموال المرتبطة بالحكم السابق والساعية إلى تفشيل الانتقال، هذا فضلاً عن ما قد يتعرض له البلد المعني من ضغوط وحصارات من دول لا مصلحة لها في سقوط "الحكم القوي"، كل هذا يثقل على حياة المدنيين ويجعلهم يرون فيه بؤس وفوضى ناجمة عن ضعف الحكم، مما يجعلهم يتمنون "حكم القوة"، ويبررونه، على الأقل بينهم وبين أنفسهم.
هذا الواقع الانتقالي الذي من الطبيعي أن يكون صعباً ومشحوناً ومتوتراً، يتحول إلى ذريعة، على يد الجيش الساعي إلى الاحتفاظ بسيطرته التي تضمن له أيضاً البقاء في مأمن من المحاسبة. يريد العسكريون أن يقتنع العامة إن من طبيعة الحكم المدني أن يكون ضعيفاً وعاجزاً عن ضبط الصراعات وأن هذا ينعكس على الاقتصاد ضعفاً وانكماشاً وعلى الناس فقراً وانعداماً في الأمن. سوف يجد هذا المنطق أنصاراً بين المدنيين، ونشهد مثل هذا في السودان حيث يعتقد عبد الفتاح البرهان (صاحب الانقلاب) أن الجيش في السودان يعادل الدولة نفسها، على ما نقلت نيويورك تايمز.
اضطرابات المرحلة الانتقالية من الأسباب التي تحرض حنين مدنيين إلى "الحكم القوي"، نظراً إلى تأثر حياتهم بصورة مباشرة، ولكن هذه الاضطرابات ليست بالنسبة للجيش سوى ذريعة للعودة إلى الحكم واتهام المدنيين بأنهم يتصارعون على الكراسي ويسببون الفوضى. والحال أن الانقلاب الذي أقدم عليه الجيش في السودان، يثير من الفوضى والاضطرابات أكثر مما تسببه المرحلة الانتقالية، ولاسيما على خلفية التصميم والجاهزية الشعبية للدفاع عن مكاسب ثورة 2019، كما تقول شوارع وساحات المدن السودانية عقب الانقلاب.
معروف أن مشكلة المجلس العسكري مع الحكومة المدنية لا تتعلق بضعف القبضة ولا بالأزمة المعيشية، بل تتعلق بسعي الحكومة إلى وضع المشاريع الاقتصادية الهائلة للجيش (مئات المشاريع المتعلقة بإنتاج وبيع المعادن، ومنها الذهب، واستيراد وتصدير المواشي، ومواد البناء والأدوية .. ) والتي ينتشر فيها الفساد ونادراً ما تساهم في الموازنة الوطنية، تحت إشراف وزارة المالية. وتتعلق المشكلة أيضاً بالمحاسبة على انتهاكات حقوق الانسان في السودان، وبتسليم عمر البشير للمحكمة الدولية، هذه خيارات سياسية يخشى قادة الجيش من تبعاتها، ولاسيما أن الشخصيتين الرئيسيتين في المجلس العسكري الانقلابي (البرهان وحميدتي) شريكان في جرائم الحرب التي ارتكبت في دارفور والتي من المفترض أن يحاكم عليها البشير.
في حين يوجد محللين وقوى مدنية تأخذ على الحكومة المدنية تساهلها أمام المجلس العسكري مما أفقدها قدراً من ثقة الجمهور، يوجد من يأخذ على حكومة عبد الله حمدوك أنها استفزت الجيش ولم تقدم للجنرالات ضمانات كافية للاطمئنان وتهدئة المخاوف، وبحسب السفير السوداني في واشنطن، نور الدين ساتي، الذي أقاله البرهان لأنه وقف ضد الانقلاب، فإن الوزير الأول حمدوك "كان شديد القسوة والسرعة في اندفاعه".
من المفهوم جيداً أن تؤخذ حساسات لحظة الصراع بعين الاعتبار، وأن لا يتم استفزاز الجيش وأن تتم تهدئة مخاوفه، ومن المفهوم أيضاً أن يكون للحكومة عمود فقري فلا تكون زائدة الليونة أمام ممثلي الجيش، لكن مهما يكن الأمر، فإن الجيش سوف يحاول الانقلاب بأي ذريعة توفرت، ومهما كان سلوك الحكومة المدنية. ولكي يضمن الجيش مصالحه ويبقى في مأمن من المساءلة، من مصلحته أن يكرس في الوعي العام، أن الطريقة الوحيدة للاستقرار هي "حكم القوة" الذي يعني قمع الصراعات وحلها بالقوة وليس بالقانون، وحين تحل الصراعات بالقوة فإنها تحل بدون عدل مطرد، وتحل في مصلحة أصحاب القوة وليس في مصلحة المعجبين بهم.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السودان: يا سلطة مدنية، يا ثورة أبدية
- السلطة وركائزها النفسية
- بين إريك زيمور وقيس سعيد
- نقد المعارضة الجذرية
- على ضوء الحاضر السوري الكئيب
- بين سجنين، أبطال في أمة مفككة
- ضرورة التمييز ومعرفة الفروق
- درعا، قليل مما يمكن قوله
- الحديقة في المنفى
- أصوات سورية تعلو بالخيبة
- أفغانستان وظاهرة التنكر الوطني
- موت البرامج السياسية
- انقسام جديد بين السوريين
- لكي تكون الديموقراطية ممكنة
- في الحاجة إلى مركزية مضادة
- العرض التونسي للمشاهد السوري
- -نريد وطناً-
- هل يمكن تجاوز الانقسام السوري؟
- بين إرهاب قادر وإرهاب قاصر
- عن العنف وصعوبة السياسة


المزيد.....




- الأردن.. فيديو الأميرة رجوة بمحل تجاري يثير تفاعلا وسط تكهنا ...
- أطول رحلة ركاب تجارية تغادر الصين ستنقل الركاب إلى مكسيكو سي ...
- صورة فتاة في غزة تحمل جثة ابنة أخيها بين ذراعيها تفوز بمسابق ...
- قاصرون يدّعون تعرضهم لاعتداء جنسي وتصويرهم بلبنان والداخلية ...
- كمبوديا: انفجار في قاعدة عسكرية يودي بحياة 20 جنديا
- مراسلنا: حريق يلتهم 150 منزلا خشبيا في قرية سياحية شمال إيرا ...
- كوليبا: أكثر من نصف منظومة الطاقة في أوكرانيا تضرر بالضربات ...
- مستوطنون يهاجمون تجمع -عرب المليحات- في الضفة الغربية (فيديو ...
- أمريكا تحذر من إشراف الذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية
- تركيا تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل ا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الانقلاب في السودان، عن المعجبين بحكم القوة