أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمود الصباغ - -الحب في زمن الحرب: سنواتي مع روبرت فيسك-















المزيد.....

-الحب في زمن الحرب: سنواتي مع روبرت فيسك-


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 7061 - 2021 / 10 / 29 - 23:40
المحور: سيرة ذاتية
    


ترجمة : محمود الصباغ
عندما توفي الصحفي البريطاني روبرت فيسك إثر إصابته بجلطة دماغية في مستشفى سانت فينسنت في دبلن في الثلاثين من تشرين الأول- أكتوبر من العام 2020، كنا مطلقين منذ نحو 11 عاماً ومنفصلين لمدة أطول من ذلك. وفي العام الذي توفى فيه روبرت عدت للعيش معه على نحو ما مرة أخرى، وتقريباً بذات كثافة السنوات السابقة التي جمعتنا معاً. وكنت قد بدأت، في الشتاء الماضي خلال فترة الإغلاق بسبب كورونا، بكتابة المسودة الأولى لهذه المذكرات التي أعطيتها عنوان " حب في زمن الحرب" في قرية هوث من ضواحي مقاطعة دبلن، واستغرق مني إعداد المخطوط الأولى حوالي ثلاثة اشهر ونصف تقريباً، على أن حرصي على كتابة هذه المذكرات لم يكون مدفوعاً بالوباء، بل كانت وفاة روبرت هي السبب وراء ذلك بكل تأكيد. لقد كانت رحلة دويلة وشاقة لاشك.. وهكذا، وحيث أن لكل شيء بداية، تبدأ الحكاية بُعيدَ دفن روبرت في مقبرة كيلترنان في مقاطعة دبلن، "ويك إند ريفيو إيريش تايمز Weekend Review of The Irish Times" مقالاً لي كنت قد كتبته، فاتصل بي وكيل أعمالي، جوناثان ويليامز، ليقول إن نيل بيلتون، الناشر الأيرلندي لـ Head of Zeus التي مقرها في لندن، وموزع الكتب الأيرلندي سيمون هيس، يبديان اهتمامهما بنشر مذكراتي على ذات منوال ما ورد في المقال المذكور. لكني، في البداية، رفضت وقلا "لا" لقد كنت شديدة التأثر بوفاة روبرت واعتقدت أن كتابة مذكراتي معه سوف تكون غاية في الألم. ولكني وجدت نفسي، ذات صباح باكر وأنا أمشي في حدائق التويلري، أقوم بتأليف الكتاب في رأسي، وهكذا شعرت بأنه لن يهدأ لي بال حتى أنتهي منه، وهذا ما فعلته فعلاً، فاتصلت بجوناثان مرة أخرى، ثم أمضيت عدة أسابيع في جمع المذكرات وكتب روبرت وكتبي والمراسلات والصور الفوتوغرافية والمقالات التي كتبتها بين عامي 1988 و 2003 ، وهي السنوات التي عملنا فيها معاً، روبرت وأنا.
سافرت من باريس إلى دبلن وبحوزتي حوالي 50 كغ من المحفوظات والمواد الأرشيفية، ثم قمت بفرزها بترتيب زمني. ومن البداهة ، بالنسبة لي أن يكون هيكل الكتاب مبنياً على البدء بلحظة وفاة روبرت وأن ينتهي بفرصة لقائي" الثاني" به في العام 2019. لقد تراكم على السرير في غرفة الضيوف أربعة عشر رزمة من الوثائق: اشتملت على المقدمة والخاتمة و 12 فصلاً تلخص حياتنا كصحفيين وعاشقين عشنا عمراً في لبنان والعراق وإيران والمملكة العربية السعودية والجزائر ويوغوسلافيا السابقة.
كان أول لقاء لي مع روبرت في دمشق، وقد حدث هذا منذ ما يقرب من أربعة عقود. لستً، في العادة، من الأشخاص الذين يتحدثون عن الماضي، لكن تأليف هذا الكتاب جعلني أقدر حقيقة مقولة ويليام فوكنر: "الماضي لم يمت. بل لم يعد ماضي حتى". وكان عليّ فقط أن ألقي نظرة على الرسوم الكرتونية التي تركها روبرت على مكتبي، وفاتورة "القبعة الطائشة" التي اشتراها لي في روما في العام 1987، وإيصال باقة زفافي في نايتسبريدج بعد 10 سنوات ... كل هذا جعل قلبي يخفق بقوة شديدة. بقد بقيت رسائل روبرت في مكانها، كما هي على حالها دون أن ألمسها لعدة عقود، لكن قراءتها من جديد أعادتني إلى العام 1987 في مانهاتن، وإلى باريس في أوائل القرن الحالي. وإذا كان الكاتب شخصاً مقدّراً لحياته أن تنتهي بوصفه كاتب، فإن التجربة قد حوّلتني إلى كاتبة.. إل مثل هذا النوع من الكُتّاب. وقد بدأتُ في كتابة بعض الفصول وأنا في حالة ذعر، خوفاً من أن يغيب عن بالي أو أنسى شيء. غير أنه حالما بدأت في قراءة أرشيفي وأنا أتجول على شاطئ البحر الأيرلندي، مثلما تمتلئ اللوحة القماشية بالألوان. فكنت أرى نفسي في نهاية كل فصل متتالي، فقد كنت هناك: أتجول في الجزائر العاصمة مع روبرت، بحثاً عن متطرفي الجماعة الإسلامية المسلحة الذين يجزون الرقاب؛ كنتً، معه، تحت القصف في بيروت وبلغراد وبغداد. ففي نهاية المطاف، لم يضعف مرور العقود ذاكرتي. لقد جلبت لي تلك العقود قدراً من الانفصال، مع ميزة الإدراك المتأخر، أي المنظور التاريخي. ومع مرور الوقت، عدت إلى باريس في أواخر نيسان - أبريل، وشعرت أنني لم أمضِ ثلاثة أشهر بل ثلاثة عقود ونصف. كنت أرتحل عبر الزمن، وأعود إلى المنزل. كانت التجارب التي عشتها قوية للغاية، لدرجة أنها كادت تمسح قرص عقلي الصلب. لقد نسيت رموز باب المبنى وأرقام التعريف الشخصية الخاصة ببطاقات الائتمان الخاصة بي. كان علي أن أعطي لنفسي دورة تنشيطية في السياسة الفرنسية التي أغطيها بهذه الصحيفة.
لم أحاول كتابة سيرة روبرت، على الرغم من أنني أعتقد أن الكتاب يقدم تصويراً دقيقاً له. إنها قصة عقدين بين أول لقاء لي معه وغزو العراق في العام 2003 ، فتلك كانت آخر حرب غطينا أخبارها معاً. لقد أردت للكتاب أن يكون قصة عقدين من الحب والمغامرة، وهو كذلك جزئياً. لكن الظلم والمجازر والمعاناة التي سجلناها في الشرق الأوسط ويوغوسلافيا السابقة، وكذلك طلاقنا وزواجنا مرة أخرى، دفعتنا مراراً وتكراراً نحو المأساة. ولطالما كنت أخشى أن يكره روبرت قيامي بتأليف هذا الكتاب. ليس جميعه؛ كان من الممكن أن يسعده أن أحكي عن شجاعته الاستثنائية وعبقريته الصحفية. لكنه ربما كان سيعترض على فقرات عن حياتنا الخاصة وعن الحزن الذي تسببنا فيه لبعضنا البعض. غير أن شعرت ببعض الراحة والطمأنينة من حقيقة ظهور روبرت، بشكل بارز، في مقالاته الصحفية. بمعنى أن موهبته الأدبية، جعلت كتاباته رائعة بشكل لا يمكن للقراء مقاومته. وغالباً ما كان يستحضر طفولته ووالديه، وخاصة دور والده في الحرب العالمية الأولى. هو شخص لا يمكنه أن يقاوم سرد قصة جيدة. كانت حياتي معه قصة رائعة، وأردت كتابتها. كانت علاقتنا والأحداث التي عشناها بمثابة قطعة متشابكة. لم أستطع إعادة سرد أحدهما دون الآخر. لم يكن وجودي في بيروت في السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية اللبنانية منطقياًـ إذا لم أشرح كيف أقنعني روبرت بترك مانهاتن -وزوجي الأول- للانضمام إليه في العام 1987.
على الرغم من أنني كنت أعمل كصحفية قبل أن أعرف روبرت، إلا أن السنوات الأولى التي قضيتها معه كانت عبارة عن تدريب مهني في العمل كمراسلة حربية، وهو ما أطلق عليه مازحا "مدرسة فيسك للصحافة". على أنني، لم أكن لأجد نفسي في الخطوط الأمامية في لبنان والخليج ويوغوسلافيا السابقة لو لم أحبه. وما إن حان موعد سفرنا، معاً، إلى بغداد في العام 2003، لتغطية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، كان زواجنا قد بدأ يتعثر. وكثيراً ما كنت أمازحه بالقول أننا شركاء في الصحافة أكثر منا زوج وزوجة. مكنتنا تلك الشراكة من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من صداقة واحترام متبادل بسبب زواج محطم. كان روبرت يدفعني في بعض الأحيان للارتباك والغضب، وقد جرحني بعمق وشدة. نعم هو كذلك، فأنا لا أكتب هنا سيرة القديسين. لكن الصعوبات والمتاعب الشخصية التي كنا نواجهها لم تقلل من إعجابي به كصحفي. وكما قال شقيقي بوب بعد وفاة روبرت، "لقد كسب روبرت غروره".
يقول الخبير البارز في شؤون الشرق الأوسط، وصديق روبرت، باتريك كوكبيرن، في خطابه الاحتفالي بكتابي هذه "حب في زمن الحرب"، إن روبرت كان أفضل مراسل عرفه على الإطلاق. أثنى باتريك على كتابي بقوله أنه "يُظهر كيف فعل روبرت ذلك". وفي الحقيقة، كان روبرت يمتلك موهبة التواجد في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. وبالإضافة إلى امتلاكه حدساً لا يخطئ فقد كان يكمن وراء حظه الجيد المشهور، أسلوبه الجاد في العمل والخبرة المتراكمة عبر عقود. كان على استعداد للتخلي عن النوم والطعام وجميع وسائل الراحة من أجل "القصة". لقد تعمق في كل قصة بشكل أكثر بعداً وعمقاً وإصراراً مما فعل خصومه. لم يكن هناك شيء يمنح روبرت متعة أكبر من تسجيله سبق صحفي، وحتى الفوز بجائزة صحفية أخرى. كان يقول إن الجوائز الصحفية - 18 منها على الأقل، المنشرة على رفوف مكتبته في ديلكي - دبلن- تحميه من أعدائه.
اتهم روبرت بمعاداة السامية، بسبب تصويره اللاذع لمعاملة إسرائيل للفلسطينيين واللبنانيين، وقد شكّك النقاد، لعدة عقود، في صحة تقاريره على أساس أنه لا يمكن أن يرى ما يروي ويصف. لقد تمكن من الوصول إلى مدينة حماة السورية عندما كانت تحت حصار القوات الحكومية في العام 1982. ومع ذلك ادعى الصحفيون الغيورين أنه كان يكذب. وعندما قابلنا عندما قابلنا عماد مغنية، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، في طهران في العام 1991، ادعى رئيس وكالة أنباء غربية في بيروت أننا اختلقنا هذه المقابلة، ولو لم يصور أسامة بن لادن في أفغانستان، لكان بلا شك موضع اتهام باختراع ذلك أيضاً. وسوف نتذكر روبرت، باعتباره الصحفي الذي أجرى مقابلة مع بن لادن ثلاث مرات. ونتجت هذه المقابلات بعد لقائنا مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي في الجزائر العاصمة في كانون الثاني- يناير 1991. قبل عشر سنوات من فظائع 11 سبتمبر، أدرك روبرت على الفور أهمية بن لادن. وسوف يُقتل خاشقجي، لاحقاً، على يد أتباع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في تشرين الأول- أكتوبر 2018.
مما لا شك فيه أن وفاة روبرت، كانت ستكون مدعاة لمهاجمته من قبل عدد قليل من زملائه اللئيمين، وقد أتى كتابي هذا كنوع من الدفاع، ولو جزئياً، عن إرثه الصحفي، فضلاً عن كونه تكريماً لمهنتنا التي لطالما ما أسيء استخدامها. ونحن لا ننسى موت ثلاثة مصورين تلفزيونيين عملنا معهم -وهم أوليفييه كيمينيه وجوزيه كوسو وتاراس بروتسيوك- وهم يغطون القصص التي كنا نعرضها في الجزائر العاصمة وبغداد. وكثيراً ما كان روبرت يقتبس قول الصحفي البريطاني نيكولاس تومالين، الذي قُتل بصاروخ سوري في إسرائيل خلال حرب يوم الغفران عام 1973: "الصفات الوحيدة الأساسية للنجاح الحقيقي في الصحافة هي الصفات الماكرة الشبيهة بالفئران، أي أسلوب العمل المعقول والقليل غير التكلف في استخدام القدرة الأدبية" ويضيف روبرت، على وجه الخصوص، تلك الصفات الماكرة الشبيهة بالفئران. كان روبرت شخصاً مسالماً بامتياز، وأفضل ما يتمتع به، كصحفي، هو تعاطفه العميق مع ضحايا الحروب التي تابعها، وغضبه من الحكومات التي هاجمتهم. وكان يردد القول بأن الحرب شريرة بطبيعتها، وهي تعبر عن الفشل التام للروح البشرية.
لم يكن روبرت من النوع الذي يترك قصة قط. وكان حتى وفاته، في العام الماضي، قد أمضى 45 عاماً -ما يقرب من ثلثي سنين عمره- في بيروت. عاد مرات عديدة لا تحصى إلى صبرا وشاتيلا، مسرح مذبحة العام 1982 التي راح ضحيتها حوالي 1700 لاجئ فلسطيني على يد رجال الميليشيات اللبنانية المدعومة من إسرائيل.
في 18 نيسان (أبريل) 1996، كنا قد وصلنا إلى مقر الكتيبة الفيجية لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بعد دقائق من وقف إسرائيل لقصف مدفعي استمر 17 دقيقة أسفر عن مقتل 106 مدنيين لبنانيين. كان ذلك أسوأ شيء رأيته في حياتي. الجثث المشوهة المتناثرة تملأ المكان والأطراف وقطع اللحم البشري في المجمع المحترق. لقد استقلت من مجلة تايم وانضممت إلى مجلة إيريش تايمز لأن محرري المجلة في الولايات المتحدة كانوا يخشون انتقاد إسرائيل بسبب المذبحة. وبعد تلك المجزرة، والتي باتت تعرف باسم مجزة قانا، عاد روبرت إلى جنوب لبنان بشكل شبه يومي حتى حصل على فيديو، صوّره جندي من فريق الأمم المتحدة، يثبت أن الإسرائيليين كانت لديهم طائرة بدون طيار في السماء ويمكنهم مشاهدة المجزرة كما حدثت. أجبر هذا الفيديو الأمم المتحدة على إصدار تقرير خلص إلى أنه من غير المرجح أن تكون المذبحة قد عن طريق الصدفة المحضة. وبعد عدة سنوات، سوف يثبت فريق من الصحفيين من نيويورك تايمز، أن صاروخ هيلفاير الذي أطلقته طائرة أمريكية بدون طيار في كابول في الشهر الماضي ( أيلول - سبتمبر 2021) لم يقتل "إرهابياً" ، بل قتل سبعة أطفال وعامل إغاثة يبلغ من العمر 43 عاماً ورب أسرة يسمى زماري أحمدي. وما وصفه البنتاغون بـ "الضربة الموفقة والمبررة أخلاقياً" تبين أنه خطأ إجرامي آخر من جانبنا "نحن"، مثل تلك الأخطاء الإجرامية التي رأينا، روبرت وأنا، كيف كان ترتكبها الولايات المتحدة في يوغوسلافيا السابقة وفي العراق. وهنا لا يسعني إلّا أن أتذكر تحقيق روبرت عن الهجوم بصواريخ هيلفاير في العام 1996 من قبل إسرائيل على سيارة إسعاف في جنوب لبنان. لقد أثبت روبرت أن سيارة الإسعاف كانت تحمل مدنيين فارّين وليس مقاتلين من حزب الله. وقد تتبع روبرت الأرقام التسلسلية التي على غلاف الصاروخ ليصل إلى الشركة المصنعة له في الولايات المتحدة، ووضع شظية الصاروخ وصور النساء والأطفال الذين قتلوا على طاولة المؤتمرات المصقولة لمجموعة بوينغ Boeing Defense & Space Group في دولوث، في ولاية جورجيا الأمريكية.
كثيراً ما كان روبرت يذكّرني فيقول لي: "أنتِ شاهدة على التاريخ". ونعم، كان الأمر كذلك، فقد راينا بأم أعيننا ولثلاث مرات "تحرير" العواصم على يد القوات الأمريكية: انسحاب العراق من مدينة الكويت 1991؛ طرد الصرب من بريشتينا 1999؛ سقوط صدام حسين 2003.
تشكلت رؤية روبرت من خلال فهمه العميق لتاريخ أوروبا والشرق الأوسط، وكذلك تاريخ إيرلندا. وكان قد أخبرني، عندما أبرمت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو في العام 1993، أن هذه الاتفاقيات لن تنجح، ولماذا. كما توقع أن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق سوف ينتهي بكارثة. وأذكر أننا أجرينا مقابلة مع يشعياهو ليبوفيتش، المحرر السابق الراحل للموسوعة العبرية، والأستاذ في الجامعة العبرية في القدس، بعد أيام من اتفاقيات أوسلو. كان ليبوفيتش من أشد المنتقدين للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وقال لنا: " ليس ثمة ضرورة في التاريخ". ليس من ضرورة لأنه كان يجب لشيء ما أن يحدث – وهو في هذه الحالة، الدولة الفلسطينية- قد يحدث. والشيء بالشيء يذكر، أنه أثناء قصف الناتو لصربيا في العام 1999 ، رسم أحدهم عبارة "أنا أكره التاريخ" على جدار وزارة الدفاع في بلغراد. كانت السخرية بارعة ومأساوية، لأن الصرب كانوا، مثل كل الشعوب التي كتبنا عنها، سجناء التاريخ. كتب روبرت في الصفحات الأخيرة من مؤلفه الضخم " الحرب العظمى من أجل الحضارة": "أعتقد أنه يتوجب علينا، في نهاية المطاف، أن نقبل أن مأساتنا تكمن دائماً في ماضينا". فاليأس اليوم هو القاسم المشترك بين البلدان التي عشت وعملت فيها مع روبرت. فلبنان على وشك الانهيار التام، حيث يعيش 78 % من سكانه في فقر. أمّا غزة، فهي معزولة عن العالم بسبب الحصار الإسرائيلي منذ العام 2007. ولا تزال الضفة الغربية تحت الاحتلال، وتوقف الحديث، فعلياً، عن الدولة الفلسطينية. كما عزز المتشددون سلطتهم في طهران، ومع ذلك مازالت العقوبات المفروضة تُفقِر ذلك البلد، ومحاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني تسير بشكل سيء. وفوق هذا، تهيمن إيران على العراق المقسّم بين الشيعة والسنة والأكراد. وبلغ اليأس لدى الشباب الجزائري حداً عالياً أكثر من أي وقت مضى. وتقبع البوسنة وكوسوفو وصربيا في غرفة الانتظار في أوروبا. وعجّلت فظائع الحادي عشر من سبتمبر من حروب جورج دبليو بوش على الإرهاب واستمرار عقدين من الهجمات المتطرفة.
كان مطلع هذا القرن، فترة قاسية تزامنت مع التفكك البطيء لزواجنا أنا وروبرت. في نهاية العام 2001، تعرض روبرت للضرب المبرح من قبل اللاجئين الأفغان في باكستان، ولم يكن سوى دانييل بيرل وزوجته ماريان من يعالج آلام روبرت، دانييل هذا، لمن لا يعلم، كان مراسلاً لصحيفة وول ستريت جورنال وقد قامت القاعدة بقطع رأسه فيما بعد. ثم تلى ذلك انتحار خوان كارلوس غوموسيو، الصحفي البوليفي ورفيق روبرت من أيام الاختطاف في بيروت.
"بحياة الله، شو عملنا حتى يصير فينا هيك.. هكذا كنت اسأل نفسي.. ماذا فعلنا لنستحق كل هذا"؟
هكذا كتب لي روبرت ذات يوم. وأعرب عن الحنين إلى ما أسماه "سنوات السعادة والغريبة من البراءة وسط المخاطر" عندما كان هو وخوان كارلوس قريبين.
ولا أنكر ، إني شعرت، بدوري، بالحنين إلى سنواتنا الأولى التي أمضيناها معاً، عندما شعرنا بأننا غير قابلين للتدمير.
وبتأليفي هذا الكتاب، لابد أن أكون قد استعدت تقدمنا بالعمر من سن الشباب المفعم بالشغف إلى منتصف العمر المتحرر من الوهم.
لقد شاهدت الحب يزهر ثم يتعثر. وها أنا أدرك الآن أنها لم تكن مأساة. كانت حياتي، وكان حياة جيدة.
أتذكر كل شيء علمني إياه روبرت. فثمة شيء يبقى.
....
ملاحظات
المصدر: https://www.irishtimes.com/culture/books/life-with-robert-fisk-i-realised-i-would-not-be-at-peace-until-i-wrote-this-book-1.4705520#.YXcVya_sLCM.facebook
الكاتب: LARA MARLOWE



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجرم حرب يموت
- مسائل التاريخ: لماذا علينا الاعتراف بمطالب الفلسطينيين
- ثقافة الحاجز وتقنيات الهيمنة
- لماذا تحتاج النيوليبرالية إلى الفاشيين الجدد
- تقلبات المكان المقدس: بناء وتدمير وإحياء ذكرى المشهد الحسيني ...
- الفيلم الفلسطيني بين السردية والواقعية المفرطة والإيديولوجية ...
- الفيلم الفلسطيني بين السردية والواقعية المفرطة والإيديولوجية ...
- الفيلم الفلسطيني بين السردية والواقعية المفرطة والإيديولوجية ...
- دور بريطانيا في الحرب في سوريا
- سياسة بريطانية القديمةالجديدة: لا لدولة فلسطينية مستقلة
- 11/9 إلى الأبد
- فلسطين والفلسطينيون والقانون الدولي
- كيف نتحدث عن فشل منظمة التحرير الفلسطينية
- محو فلسطين لبناء إسرائيل: تحويل المناظر الطبيعية وتجذير الهو ...
- قصة لورنس العرب الحقيقية
- حوار مع هيفاء بيطار: في معنى الشعور بالانتماء
- الأركيولوجيا بين العلم والإيديولوجيا: العثور على أورشليم مثا ...
- الأركيولوجيا بين العلم والإيديولوجيا: العثور على أورشليم مثا ...
- الأركيولوجيا بين العلم والإيديولوجيا: العثور على أورشليم مثا ...
- الأركيولوجيا بين العلم والإيديولوجيا: العثور على أورشليم مثا ...


المزيد.....




- فيديو: إصابة 11 شخصاً من بينهم طفل في قصف على مدينة يبلغورود ...
- إسرائيل تهاجم شرق رفح ومحادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق
- بالفيديو..-القسام- تستهدف جرافة عسكرية وتقصف قوات إسرائيلية ...
- لوكاشينكو يطلب من قوات الأمن البيلاروسية ضمان سلامة القاضي ا ...
- السعودية.. أستاذ ينقذ طالبا من الاختناق بـ-نباهة وفطنة- ويثي ...
- -السلحفاة-.. ابتكار روسي جديد لاختراق دفاعات العدو (فيديو)
- فيديو بكاء وصراخ من داخل سجن يثير جدلا على مواقع التواصل..هل ...
- انطلاق مسيرة النصر بالسيارات في بيروت
- ألمانيا تعلن عزمها على شراء منظومات -هيمارس- الصاروخية لتسلي ...
- زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمود الصباغ - -الحب في زمن الحرب: سنواتي مع روبرت فيسك-