أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رقية كنعان - جمعيّة - قصة للكاتبة فرجينيا وولف - ترجمة رقية كنعان















المزيد.....



جمعيّة - قصة للكاتبة فرجينيا وولف - ترجمة رقية كنعان


رقية كنعان
شاعرة وكاتبة

(Ruqaia Kanaan)


الحوار المتمدن-العدد: 7051 - 2021 / 10 / 18 - 02:07
المحور: الادب والفن
    


جمعيّة - فرجينيا وولف - ترجمة رقية كنعان



هكذا بدأ كلّ ذلك، ستّ أو سبع منّا كنا نجلس أحد الأيام بعد تناول الشاي، البعض كنّ يحدّقن عبر الشارع في نافذة محل للقبعّات النسائية حيث كان النور لا يزال مضيئاً بلون ساطع فوق الريش القرمزي والأخفاف الذهبية، البعض الآخر كن يشغلن أنفسهن ببناء أبراج صغيرة من السكر على حافّة صينية الشاي، بعدها بقليل على ما أذكر، انسحبنا حول النار وبدأنا كالعادة في مدح الرجال- كم هم أقوياء، نبلاء، أذكياء، شجعان، ووسيمون- كم حسدنا أولئك اللواتي بخطّاف أو ما شابه تمكنّ من البقاء مرتبطات بأحدهم طوال الحياة- عندما اندفعت بُلّ التي لم تكن قد قالت شيئاً في البكاء، بُلّ كما يجب أن أخبركم كانت دائماً غريبة الأطوار لسبب واحد أن والدها كان رجلاً غريباً حيث ترك لها ثروة في وصيّته ولكن على شرط أن تقرأ الكتب التي في مكتبة لندن كلّها، واسيناها بأفضل ما أمكننا ولكنا أدركنا في أنفسنا كم كان ذلك عديم الجدوى، ورغم أننا نحبّها، فإن بُلّ لم تكن جميلة واعتادت أن تترك أربطة حذاءها بدون ربط، وعلى الأغلب فقد كانت تفكّر ونحن نمتدح الرجال أن أيّا منهم لم يكن ليرغب بالزواج منها، في النّهاية جفّفت دمعها ولفترة من الوقت لم نستطع أن نخرج بشيء ممّا قالت، الغريب بما فيه الكفاية أنّها كانت بكامل وعيها، أخبرتنا -كما كنا نعلم- أنها أمضت معظم وقتها في مكتبة لندن تقرأ، بدأت حسب ما قالت لنا بالأدب الانجليزي في الطابق العلويّ، وكانت بثبات تعمل طريقها بجدّ إلى التايمز في الأسفل، والآن بعد نصف الطريق أو ربما ربعه حدث شيء فظيع؛ لم يعد باستطاعتها أن تقرأ أكثر، الكتب لم تكن ما كنا نظنّه عنها، "الكتب"- وصرخت واقفة على قدميها وهي تتحدّث بفيض من الأسى لن أنساه أبداً- "معظمها سيّء فوق الوصف".

بطبيعة الحال ندبنا أن شكسبير ومليتون وشيللي كتبوا كتباً.

قاطعتنا بالقول: "أوه، نعم، أنتنّ متعلّمات كما أرى ولكن لستنّ عضوات في مكتبة لندن" و انطلقت تنهيداتها من جديد، بعد مدة وقد هدأت قليلاً فتحت واحداً من مجموعة الكتب التي اعتادت على حملها معها- "من نافذة" أو "في حديقة" أو اسم مشابه وكان مؤلفه رجل اسمه بنتون أو هينسون أو شيء من هذا القبيل، قرأت الصفحات الأولى منه واستمعنا بهدوء إلى أن قالت إحدانا:"ولكن هذا ليس كتاباً" فاختارت كتاباً آخر، هذه المرّة كان تاريخاً ولكني نسيت اسم الكاتب، ازداد ذعرنا وهي تمضي بالقراءة، ولا كلمة منه بدت حقيقية، والأسلوب الذي كتب به كان رديئاً جداً.

"شعر! شعر!"، صحنا متلّهفات "اقرأي لنا شعراً!".

لا يمكنني وصف شعور الدمار الذي وقع علينا عندما قامت بفتح كتاب صغير وقرأت الحماقة الوجدانية المضجرة التي احتواها.

قالت إحدانا محرّضة: "لا بدّ أن الكاتب امرأة". ولكن لا، أخبرتنا بُلّ أن الكاتب رجل شاب وأحد أشهر شعراء اليوم. أترك لكم تخيّل الصدمة التي خلّفها ذاك الاكتشاف، ورغم أننا صحنا ورجوناها ألا تقرأ أكثر، أصرت وقرأت علينا مقتطفات من حياة رجال الدين، عندما انتهت نهضت جين أكبرنا وأكثرنا حكمة وقالت أنها لم تقتنع، وسألت: " إن كان الرجال يكتبون قمامة كهذه فلم ضيّعت أمّهاتنا شبابهنّ في إحضارهم إلى العالم؟"

كنّا جميعاً صامتات ومن خلال الصمت كان صوت تنهّد بُلّ المسكينة مسموعاً: " لمَ علّمني والدي أن أقرأ؟"
كلوريندا كانت الأولى التي استعادت رشدها بقولها: "إنها غلطتنا نحن، كلّ واحدة منا تعرف القراءة ولكن ولا واحدة عدا بُلّ كلّفت نفسها عناء القراءة، أنا على سبيل المثال أخذت على سبيل المسلّمات أن واجب المرأة أن تقضي شبابها في ولادة الأطفال، أكبرت أمي لأنها أنجبت عشرة، وأكثر من ذلك جدتي لأنها ولدت خمسة عشر، و أعترف أن طموحي الخاص كان أن ألد عشرين، لقد قضينا أعمارنا مفترضين أن الرجال كانوا كادحين بشكل متساو وأن أعمالهم كانت بجدارة متساوية، و بينما كنا نلد الأطفال كانوا كما هو مفترض ينجبون الكتب واللوحات، نحن ملأنا العالم بالسّكان وهم حضّروه، ولكن بما أننا نقرأ ما الذي يمنعنا من الحكم على النتائج؟ قبل أن نحضر طفلاً جديداً إلى هذا العالم، علينا أن نقسم أننا سنكتشف ما هو العالم".

وهكذا شكّلنا جمعيّة لتوجيه الأسئلة، واحدة منّا كان عليها أن تزور رجل حرب، ثانية كان عليها أن تخفي نفسها في دراسة باحث وأخرى كان عليها أن تنضمّ لاجتماع رجال أعمال، وكان علينا جميعاً أن نقرأ الكتب ونشاهد اللوحات ونذهب إلى الحفلات ونبقي أعيننا مفتوحة في الشارع ونوجّه الأسئلة على الدوام. كنّا صغيرات، تستطيع أن تحكم على بساطتنا عندما أخبرك أننا قبل انصرافنا تلك الليلة اتفقنا على أن أهداف الحياة هي إنتاج ناس طيبين وكتب جيدة. أسئلتنا كانت ستنصرف إلى اكتشاف كم من تلك الأهداف يحرز الرجال، و نذرنا على أنفسنا أنّنا لن نلد طفلاً واحداً إلى أن نقتنع.

إلى العالم انطلقنا، ذهبت بعضنا إلى المتحف البريطاني والأخريات إلى بحريّة الملك، إلى جامعات أكسفورد و كامبردج، زرنا الأكاديميّة الملكيّة ومعارض التيت، سمعنا الموسيقى الحديثة في قاعات الحفلات، ذهبنا إلى قاعات المحاكم، وشاهدنا المسرحيّات الجديدة. لم تتعشى إحدانا خارجاً دون أن تسأل شريكها أسئلة محدّدة وتراقب أجوبته بدقّة، و بين حين وآخر كنا نلتقي ونقارن ملاحظاتنا، أوه ـ تلك كانت اجتماعات مرحة!

لم أضحك أبداً مثلما ضحكت عندما قرأت روز ملاحظاتها عن "الشرف" ووصفت كيف ارتدت زيّ أمير إثيوبي وذهبت على متن إحدى سفن جلالته، عندما اكتشف القبطان الخدعة زارها وهي متنكرة بثياب سيّد خاصّ وطلب استرداد الشرف. سألته: "ولكن كيف؟" فردّ عليها وهو يخور:"كيف؟ بالخيزرانة طبعا!" روز وقد رأت أنّه كان في قمّة غضبه توقّعت أنّ لحظتها الأخيرة قد حانت، انحنت واستقبلت -لدهشتها- ستّ ضربات خفيفة من الخلف، نهض وهو يصرخ: "والآن ثأرت لشرف البحريّة البريطانيّة"، العرق كان يتصبب أسفل وجهه ويده اليمنى ترتعش. تعجّبت واتخذت موقفاً محاكياً لضراوة تعبيره، قالت وهي تتحدّث كسيّد نبيل: "بعداً، شرفي لا بدّ من الثأر له!" رجع وانهمك في تفكير عميق :"إن كانت ستّ ضربات تكفي للثأر لشرف بحريّة الملك، كم واحدة يا ترى تثأر لشرف سيّد خاصّ"، قال أنه سيطرح القضيّة أمام إخوته الضّبّاط وردّت هي بعجرفة أنّه لا يمكنها الانتظار. امتدح حساسيّتها العالية وقال: "دعنا نرى، هل كان لوالدك عربة؟"، أجابت بالنفي، "حصان ركوب إذن؟"، وهنا ردّت متأمّلة: "كان لدينا حمار يجرّ آلة الحصاد"، عندها لمع وجهه و تابعت: " اسم أمي-" ليقاطعها زاعقاً: "لأجل الربّ أيّها الرجل لا تذكر اسم أمّك!" كان يرتعش كشجرة حور حتى جذور شعره و مرّت عشر دقائق على الأقل قبل أن تحثّه على المواصلة، قرّر أنّها لو أعطته أربع ضربات ونصف في جزء محدّد من ظهره في بقعة يختارها بنفسه (النصف يخوّل لها بناء على حقيقة أن عم جدّتها الأكبر قتل في الطرف الأغر) فإنّ رأيه أن شرفها سيكون جيّداً وكأنه لم يمسّ، تمّ ذلك، وذهبا إلى مطعم، شربا زجاجتي نبيذ أصرّ هو على دفع حسابهما وافترقا على عهد بالصداقة الأبديّة.

ثم كان لدينا بيان فاني عن زيارتها قاعات المحاكم؛ في زيارتها الأولى توصّلت إلى استنتاج أنّ القضاة إما مصنوعين من خشب أو كانت شخصياتهم منتحلة من قبل حيوانات كبيرة تشبه الإنسان والتي تمّ تدريبها على الحركة بأقصى جلال ممكن مع التمتمة والإيماء بالرأس، ولتختبر فاني نظريّتها فقد حرّرت منديلاً من الذّباب الأزرق في اللّحظة الحرجة للمحاكمة، لكن لم تكن قادرة على الحكم إن كانت هذه المخلوقات أعطت إشارات تدلّ على الصفات البشريّة ردّاً على أزيز الحشرات، انتبهت فقط لتجد السجناء يقادون داخل الخلايا في الأسفل، ولكن من خلال الدليل الذي أحضرته صوّتنا أنّ من غير العدل افتراض أن القضاة رجال.

هيلين ذهبت إلى الأكاديميّة الملكيّة ولكن عندما طلب منها أن تقدّم تقريرها عن اللوحات بدأت تلقي بصوت شاحب أزرق: "أوه، من أجل لمسة يد متلاشية ونغمة صوت ساكنة. البيت هو الصيّاد، البيت من التلّة. لقد هزّ لجامه. الحبّ عذب، الحب خلاصة. الرّبيع، الرّبيع الجميل هو ملك العام اللّطيف. أوه أن تكون في انجلترا الآن ونيسان هناك. الرّجال يجب أن يعملوا والنّساء يجب أن يبكين. درب الواجب هو طريق المجد".

لم نقوى على الاستماع أكثر لهذا الرطن فصرخنا: "لا نريد شعراً بعد"

بدأت هي: "يا بنات انجلترا!"، ولكن جذبناها إلى أسفل وسكب إناء من الماء عليها في العراك، نفضت نفسها ككلب قائلة بانفعال: "الحمد لله، سأتدحرج الآن على السجادة وأرى إن كان لا يمكنني أن أزيل ما يتبقى من علم المملكة وبعدها ربّما-"، بدأت بالتدحرج بحيويّة وعندما نهضت بدأت تشرح لنا عن اللوحات الحديثة عندما استوقفتها كاستاليا وسألتها : "كم هو معدّل حجم اللّوحة؟"

"ربما قدمين في قدم ونصف".

سجّلت كاستاليا الملاحظات بينما هيلين تتحدث، ووقفت بينما كنا نتحاشى النظر في عيون بعضنا البعض وقالت: "بناء على رغبتكنّ قضيت الأسبوع المنصرم في أكسبرج متنكرة كخادمة نهاريّة وهكذا تمكّنت من الوصول إلى غرف العديد من الأساتذة وسأحاول الآن أن أعطيكنّ فكرة ولكنّي -وتوقّفت للحظة- لا أعرف كيف أفعل ذلك، كلّ شيء غريب الأطوار، أولئك الأساتذة يعيشون في منازل كبيرة حول مساحات من العشب، كل منهم في خلية لوحده، وعدا ذلك لديهم كلّ وسائل الراحة، كل ما عليكِ فعله أن تضغطي زراً أو أن تضيئي مصباحا صغيراً، أوراقهم مرتبة بشكل جميل والكتب وافرة لديهم، لا يوجد هناك أطفال أو حيوانات عدا نصف دزينة من القطط الضّالة وعصفور مغرّد هرم. أذكر- وتوقّفت قليلاً- عمّة لي تعيش في دولويش كانت تربي الصّبار... نصل المستنبت عبر غرفة المعيشة وهناك على الأنابيب الساخنة كان هناك دزينات منها، نباتات بشعة جاثمة خشنة كلّ منها في إناء مستقلّ، مرّة قبل مئة عام أزهرت نبتة الصبّار بحسب ما قالت عمّتي ولكنّها ماتت قبل أن يحدث ذلك" – طلبنا منها أن توصلنا إلى لبّ الموضوع، تابعت :" حسناً، عندما كان البروفيسور هوبكين في الخارج، تفحّصت عمل حياته، طبعة من سافو، كتاب غريب المنظر سمكه ست أو سبع بوصات وليس كلّه من كتابة سافو. أوه.. كلّا. معظمه دفاع عن عفّة سافو والتي نفاها بعض الألمان وأستطيع أن أؤكد لكنّ العاطفة التي تجادل بها هذان السيّدان، التعلّم الذي أظهراه، والبراعة الاستثنائيّة التي تحاججا بها حول استعمال أداة -بدت لي وللعالم كله كدبّوس شعر-صعقتني. وخاصّة عندما فتح الباب وظهر البروفيسور هوبكين وهو سيّد مهذّب عجوز ولطيف ولكن ما الذي يمكن له أن يعرف عن العفّة؟". لقد أسأنا فهمها.

اعترضت هي: "لا، هو روح الشرف، أنا متأكدة أنّه لا يشبه قبطان روز البحريّ على الأقلّ، كنت أفكر في صبّار عمّتي. ماذا يمكن له أن يعرف عن العفّة؟"

مرّة أخرى طلبنا منها ألّا تبتعد عن نقطة - هل يساعد أساتذة أكسبرج على إنتاج أناس طيّبين وكتب جيّدة؟ - أهداف الحياة.
ردّت متعجّبة: "هناك!، لم أشغل نفسي بالسؤال فلم يخطر في ذهني أبداً أنهم ينتجون أيّ شيء"

خاطبتها سو: "أعتقد أنك وقعت في خطأ ما. ربما كان البروفيسور هوبكين طبيب نسائيّة، العالم يفيض بالمرح والابتكار، ربما مدمن خمور ولكن ماذا عن ذلك؟ - مرح ورفيق رائع ودقيق وواسع الخيال- كما يتماشى مع المنطق لأنه يمضي حياته برفقة أفضل الكائنات البشريّة في الوجود".
وهنا قالت كاستاليا: "ربّما عليّ أن أعود وأحاول ثانية".

بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر بعدها حدث أنّي كنت أجلس وحيدة عندما دخلت كاستاليا، لا أدري ما الذي كان في شكلها قد حرّكني ولكني لم أستطع كبح نفسي وعانقتها مفعمة بالحيويّة بين ذراعيّ، ليس فقط أنها كانت جميلة جداً ولكن بدت في أعلى المعنويّات أيضاً.

"كم تبدين سعيدة!"، قلت لها وهي تجلس.

"كنت في أكسبرج"

"توجّهين الأسئلة؟"

"بل أجيب عليها"

"لم تخرقي عهدنا؟" سألتُ بقلق لأني لمحت تغيّراً ما في شكلها

"أوه، العهد، سيكون لي طفل قريباً إن كان هذا ما تقصدين، لا يمكنك تخيّل كم هو مثير وجميل ومرضٍ"- قالت ذلك باندفاع.

" ما هو؟ "

"أن تجيبي على الأسئلة"، قالت ذلك ببعض الارتباك، ومن ثم أخبرتني قصّتها كاملة، ولكن في وسط بيانها الذي أثار اهتمامي وأثارني أكثر من أي شيء آخر سمعته، أصدرت صرخة غريبة نصف شهقة ونصف ابتهاج:
"العفّة! العفّة! أين عفّتي!"، وبكت: "المساعدة، زجاجة العطر!"

لم يكن هناك شيء في الغرفة عدا إبريق يحوي الخردل كنت على وشك إبعاده عندما استعادت هدوءها، قلت بصرامة: "كان عليك أن تفكّري بذلك في الشهور الثلاثة الماضية"

"صحيح، لا خير في التفكير فيها الآن، كان سوء حظّ بالمناسبة أنّ أمّي أسمتني كاستاليا"*

"أوه، كاستاليا. أمّك – " ابتدأت الحديث وقد وصلت هي إلى وعاء الخردل.

" لا، لا، لا" قالت وهي تهزّ رأسها. " لو كنت امرأة عفيفة أنت ذاتك لكنتِ صرختِ لدى رؤيتك إيّاي- بدل اندفاعك عبر الغرفة وأخذك لي بالأحضان، لا يا كساندرا، ليست أيّ منّا عفيفة"، وتابعنا الحديث.
في هذه الأثناء بدأت الغرفة بالامتلاء لأنه كان اليوم المحدّد لنناقش نتائج مراقبتنا، فكّرت في أن جميع الفتيات شعرت مثلما شعرت بخصوص كاستاليا، قبّلنها وأعربن عن سرورهن برؤيتها مرة أخرى، بعد ذلك، وعندما اجتمعنا كلّنا، وقفت جين وأعلنت البدء، بدأت بالقول أنّنا وجّهنا أسئلة لأكثر من خمس سنوات ورغم أن النتائج كانت من المفترض أن تكون غير أكيدة- هنا كاستاليا وكزتني وهمست لي أنّها لم تكن واثقة من ذلك، ثم نهضت وقاطعت جين في منتصف جملة قائلة:

"قبل أن تكملي، أريد أن أعلم- هل عليّ أن أبقى في الغرفة؟ لأنّي يجب أن أعترف أنّي... امرأة ملوّثة"
نظر الجميع لها بذهول، وسألتها جين :"هل ستلدين طفلاً؟" فأومأت برأسها.

كان شيئا استثنائيا رؤية تعابير مختلفة على وجوههنّ، نوع من الهمهمة انطلق عبر الغرفة لم أستطع التقاط شيء منه عدا كلمات "طفل"، "ملوّثة"، "كاستاليا"، وهكذا، جين التي تحركت بشكل لافت ألقت السؤال إلينا: "هل عليها أن تذهب؟ هل هي ملوّثة؟"

ملأت الضّجة الغرفة وربّما كانت مسموعة في الشارع أيضاً.

"لا، لا، لا! دعوها تبقى! ملوّثة؟ هراء!"، ولكن خيّل لي أن بعض الفتيات الأصغر اللواتي عمرهن تسعة عشر أو عشرون عاماً تراجعن للخلف كما لو تغلّب عليهنّ الخجل، ثم جئنا جميعاً بجانبها وبدأنا بتوجيه الأسئلة وفي الآخر تقدّمت منها إحدى الفتيات الأصغر والتي ظلّت في الخلف سابقاً خجلة وقالت لها: "ما هي العفّة إذن؟ أعني هل هي جيّدة أم سيئة أم أنها لا شيء على الإطلاق؟"، ردّت كاستاليا بصوت منخفض ولم أستطع التقاط ما قالته.

واحدة أخرى قالت: "أتعلمين؟، لقد شعرت بالصّدمة لعشر دقائق على الأقل"

بُلّ التي كانت تزداد فظاظة من كثرة القراءة في مكتبة لندن قالت: "برأيي، العفّة لا شيء إلّا الجهل- الحالة العقليّة الأكثر خزياً، يجب أن نعترف فقط بغير العفيفات في جمعيّتنا، أصوّت لكاستاليا لتكون رئيستنا". وتمّ مناقشة ذلك باهتمام.

"ليس عدلاً تصنيف المرأة كعفيفة أم لا"، قالت بُلّ، " بعضنا لم تكن لديها الفرصة وفوق ذلك لا أصدّق أن كاسي ذاتها تقرّ أنّها فعلت ذلك بدافع عاطفة نقيّة للمعرفة".

"إن عمره واحد وعشرون عاماً فقط وله جمال سماويّ"، قالت كاسي ذلك مع إيماءة ساحرة.

قالت هيلين: "أنا أقترح بأن لا أحد له الحق في الحديث عن العفّة من عدمها باستثناء العشّاق" .
"أوه"، قالت جوديث والتي كانت تتحرّى أمورا علميّة، "أنا لست عاشقة ولكني أتوق لشرح مقاييسي بما يخص البغاء أو تلقيح العذارى بفعل قوانين البرلمان"، وواصلت حديثها لتخبرنا عن ابتكار لها سيقام في المحطات والمرافق العامّة الأخرى والذي يمكن من خلاله وعبر دفع رسم صغير وقاية صحة الأمة وتسهيل سكن أبنائها وإراحة بناتها، استنبطت وسيلة لحفظ جراثيم رجال الدّين أو الشّعراء أو الرّسامين أو الموسيقيين في أنابيب مختومة"، وتابعت بالقول: " على افتراض أنّ هذه اللّقاحات غير هامدة وأنّ النّساء ما زلن يرغبن في ولادة الأطفال".

صاحت كاستاليا بضيق:" بالطّبع نرغب أن نلد الأطفال!"، طرقت جين الطاولة وأضافت:" هذه هي النقطة التي اجتمعنا لأخذها بالاعتبار، طوال خمس سنوات حاولنا أن نكتشف إن كانت مواصلتنا للسلالة البشرية مبرّرة أم لا، كاستاليا استبقت قرارنا ولكن للبقيّة منّا ما زال هناك مجال للقرار".

وهنا وقفت واحدة تلو الأخرى من مراسلاتنا وقدّمت تقريرها، أعاجيب الحضارة فاقت تطلّعاتنا، تعلّمنا للمرّة الأولى كيف يطير الرجل في الهواء، أو يتحدّث عبر الفضاء، أو يخترق قلب الذّرة ويقبض على الكون بتأمّلاته، انطلقت تمتمات الإعجاب من شفاهنا.

صحنا: "نحن فخورات أنّ أمّهاتنا ضحّين بشبابهنّ لأجل شيء كهذا!" أما كاستاليا التي كانت تنصت بتركيز فقد بدت فخورة أكثر من الجميع، ذكّرتنا جين بأن لدينا الكثير ممّا يمكن أن نتعلّمه وكاستاليا توسّلت إلينا أن نتعجّل، اشتبكنا في جدل بالإحصائيّات، تعلّمنا أن انجلترا فيها من السّكان الكثير من الملايين وأنّ نسبة كذا منهم جائعون أو في السجن، تعلّمنا أنّ معدّل حجم أسرة الرجل العامل كذا وأنّ نسبة كبيرة من النّساء تموت بالعلل وحوادث الولادة. تقارير زيارة المصانع والمحلاّت وأحياء الفقراء ومرافئ السفن كلّها قرأت كما أعطيت بيانات عن البورصات وعن بيت الأعمال العملاق في المدينة وعن مكتب الحكومة، كذذلك المستعمرات البريطانية نوقشت وبيان ما قُدّم عن حكمنا للهند وإفريقيا وايرلندا، كنت أجلس بجانب كاستاليا ولاحظت اضطرابها، قالت: "يجب أن لا نتوصّل إلى استنتاج في هذه المرحلة، لأنّ الحضارة على ما يبدو أكثر تعقيداً من أفكارنا المبهمة عنها، ألن يكون من الأفضل لنا لو بقينا عند حدود بحثنا الأوّل؟ لقد اتفقنا أن هدف الحياة إنتاج أناس طيّبين وكتب جيّدة، كلّ ذلك الوقت قضيناه نتحدّث عن الطيّارات والمصانع والأموال، لنتحدّث عن الرجال أنفسهم وفنونهم لأن ذلك هو لبّ الموضوع".

وهكذا تقدّمت الفتيات المتواعدات على العشاء بقصاصات طويلة من الورق تحتوي على أجوبة لأسئلتهنّ تشكّلت بعد فحص كبير، الرّجل الجيّد، كما اتفقنا، يجب بأيّ حال أن يكون صادقاً وشغوفاً وأخلاقياً، ولكن كون رجل محدّد يمتلك تلك النوعيّة لا يمكن اكتشافه إلّا بتوجيه الأسئلة وغالباً بالبدء من مسافة بعيدة عن المركز:هل كنسنغتون مكان ملائم للعيش فيه؟ أين يتعلّم ابنك وابنتك؟ الآن أخبرني من فضلك كم تدفع للسيجار؟، بالمناسبة هل السير جوزيف بارون أم مجرد فارس؟. غالباً نتعلّم أكثر من أسئلة عابرة من هذا القبيل ممّا نتعلّم من الأسئلة المباشرة. اللورد بنكم أجاب: "قبلت رتبة النّبيل لأن زوجتي تمنّتها". في الواقع لقد نسيت كم لقباً تم قبوله للسبب ذاته، فيما بدأ عشرة آلاف خبير الحديث بقولهم: "العمل خمسة عشر ساعة من أصل أربع وعشرين ساعة كما أفعل-".

"لا لا بالطّبع لا يمكنك الكتابة أو القراءة، ولكن لم تعمل بهذا الجدّ؟"
"سيّدتي العزيزة، مع عائلة متنامية-"
"ولكن لم عائلتك تزداد؟"
زوجاتهم تمنّين ذلك أيضاً أو أنّها كانت الإمبراطورية البريطانية، ولكن ما كان ذا مغزى أكثر من الأجوبة ذاتها رفضُ الإجابة، قليلون جدّاً يجيبون على كلّ الأسئلة حول الفضيلة والدين وتلك الإجابات عندما تعطى لا تكون جادّة. الأسئلة عن كميّة الأموال والقوّة كانت تهمل جانباً مع أقصى مخاطرة للسائلة. قالت جيل:"أنا متأكّدة لو أنّ السير هارلي تايتبوتس لم يكن يحفر لحم الضأن عندما سألته عن النظام الرأسماليّ لكان قد قطع حلقي، السبب الوحيد الذي جعلنا ننجو بحياتنا مرة إثر أخرى أنّ الرجال سرعان ما يجوعون وهم شهمون معنا، هم يستخفّون بنا كثيراً لمعارضة ما نقول".

عقبت إلينوار:"بالطبع يستخفّون بنا وفي ذات الوقت كيف تشرحين ذلك- قمت باستطلاعات بين الفنانين. الآن لا يوجد امرأة واحدة أصبحت فنانة، صحيح بُلّ؟"

"جين أوستن- شارلوت برونتي- جورج إليوت" صرخت بُلّ كرجل يبيع الكعك في شارع.

قالت إحداهنّ بانفعال: "اللعنة على المرأة! كم هي مملّة!"
"منذ سافو لم يكن هناك أنثى من الطراز الأول" بدأت الينوار مقتبسة من صحيفة أسبوعية، وقاطعتها روث معترضة: "من المعروف الآن أن سافو كانت الابتكار الداعر للبروفيسور هوبكين".
ردت إلينوار:"على أيّة حال، لا يوجد سبب للافتراض أن أيّ امرأة تمكنت من الكتابة أو سيمكنها الكتابة أبدا"، وتابعت:"وفوق ذلك عندما أذهب بين المؤلفين لا يتوقّفون عن الحديث إليّ عن كتبهم، أقول أستاذ أو شكسبير ذاته (لأنّ على المرء أن يقول شيئاً) وأؤكد لكنّ أنهم يصدّقونني"
قالت جين:"هذا لا يثبت شيئاً، كلّهم يفعلون ذلك ولكن ذلك لا يساعد كثيراً، ربّما علينا أن نفحص الأدب الحديث تالياً. دورك يا ليز"

نهضت إليزابيث وأوضحت أنها ارتدت زي رجل لمتابعة تحقيقها وأخذت إلى ناقد أدبي، وشرحت:
"لقد كنت أقرأ الكتب الجديدة بشكل متواصل طيلة السّنوات الخمسة الماضية، السيد ويلس أشهر كاتب على قيد الحياة وبعده السيد أرنولد بينيت وبعده السيد كومبتون ماكنزي، السيد مكينا والسيد ويلبول يمكن جمعهم معاً" ثم جلست.

احتججنا جميعاً:" ولكنك لم تخبرينا بشيء! أم أنك تعنين أنّ أولئك السادة قد تفوّقوا على جين-ايليوت وأنّ هذا هو الإبداع الانجليزي- أين نقدك الخاص؟ أوه نعم (بأمان في أيديهم)"

"آمن، آمن تماماً" قالت وهي تنقل وقفتها بضيق من قدم إلى أخرى. " وأنا متأكّدة أنهم يعطون أكثر مما يأخذون". كنّا جميعاً واثقات من ذلك واستمررنا بالضغط عليها: "ولكن هل يكتبون كتباً جيّدة؟"

"كتب جيّدة؟"، نظرت إلى السقف ثم تكلّمت بسرعة بالغة:"تذكّرن أن الإبداع مرآة الحياة، ولا يمكن الإنكار أنّ التعليم هو الأكثر أهمية، وأنّه سيكون مزعجاً جداً إن وجدت نفسك وحيدة في برايتون في وقت متأخّر من الّليل دون معرفة أي نزل هو الأفضل للإقامة، افترضن أنّها كانت أمسية أحد ماطرة- ألن يكون من الأفضل حينها الذهاب إلى الأفلام؟"
سألناها:" ولكن ما علاقة هذا بهذا؟"
ردّت: "لا شيء، لا شيء، لا شيء إطلاقاً"
"حسنا، أخبرينا الحقيقة"، ألححنا عليها.
"الحقيقة؟ ولكن أليس رائعاً أنّ السيد تشيتر كتب مقالاً أسبوعيّاً على مدى ثلاثين عاماً عن الحبّ والخبز المحمّص بالزبدة الحارّة وأرسل كلّ أبنائه إلى ايتون"-
"الحقيقة!"
تمتمت: "أوه الحقيقة، الحقيقة لا علاقة لها بالأدب". وجلست رافضة أن تقول كلمة أخرى فيما بدا لنا الأمر كلّه غير مفهوم.

حين بدأت جين الحديث بالقول:"سيّداتي، يجب علينا محاولة تلخيص النتائج"، أتت ضجة كبيرة من خلال النافذة المفتوحة طغت على صوتها وأغرقته.

"الحرب! الحرب! الحرب! إعلان الحرب!" كان الرّجال يصرخون في أدنى الشارع.

نظرنا إلى بعضنا البعض في رعب.

"أيّ حرب؟ أيّ حرب؟" صرخنا ثم تذكّرنا متأخّرات أنّنا لم نفكّر في إرسال أيّ منّا إلى مجلس العموم، كنّا قد نسيناه تماماً، اتجهنا ناحية بُلّ والتي وصلت رفوف التاريخ في مكتبة لندن وسألناها أن تنيرنا. صرخنا: "لماذا يذهب الرجال إلى الحرب؟"
ردت بهدوء: "أحياناً لسبب وأحياناً لآخر، في عام 1760 على سبيل المثال" الصّيحات في الخارج أغرقت كلماتها. "ثم في عام 1797ثم في عام 1804 – النمساويّون في الفترة 1866 وحتى 1870
كانت الفرانكو-بروسيا في عام 1900 من ناحية أخرى-"
قاطعناها " ولكنّه العام 1914 الآن!"
وأجابت معترفة: "آه، لا أعرف لم يذهبون للحرب الآن"

انتهت الحرب ومعاهدة السّلام كانت في طريقها إلى التوقيع، عندما وجدت نفسي مرة أخرى مع كاستاليا في الغرفة حيث اعتدنا عقد اجتماعاتنا، بدأنا نقلّب صفحات محاضر اجتماعاتنا. "غريب أن ترى ما كنت تفكّر فيه قبل خمسة أعوام" قلت بينما قرأت كاستاليا مقتبسة من فوق كتفي: " نحن متفّقات أن هدف الحياة هو إنتاج ناس طيّبين وكتب جيدة". لم نعلّق على ما قرأت، "الرجل الجيّد هو بأيّ حال صادق وشغوف وروحاني". لاحظتُ:"يا لها من لغة نسائية!".

صاحت كاستاليا وقد دفعت الكتاب بعيدا من يدها: "يا عزيزتي، كم كنّا حمقاوات! إنّها غلطة والد بُلّ، أظنّ أنّه فعلها عن قصد- تلك الوصيّة السخيفة، أعني دفعه لبُلّ لقراءة كلّ الكتب في مكتبة لندن، لو أنّنا لم نتعلّم القراءة"، وقالتها بمرارة،" لربّما كنّا ما زلنا نلد الأطفال في جهل وأعتقد أنّها الحياة الأسعد في النهاية، أعرف ما ستقولين عن الحرب"، تفحّصتني وتابعت:" ورعب ولادة الأطفال ومن ثمّ رؤيتهم يقتلون ولكنّ أمّهاتنا فعلنها وأمّهاتهنّ وأمّهات أمّهاتهنّ قبلها ولم يتذمّرن، لم يكنّ يقرأن.

لقد فعلت أقصى ما بوسعي"، وتنهّدت قبل أن تواصل؛ "لأمنع ابنتي الصغرى من تعلّم القراءة ولكن ما الجدوى؟ وجدت آن البارحة وقد أمسكت جريدة في يدها وكانت توشك على سؤالي إن كان ذلك (حقيقيّاً) وبعدها ستسألني إن كان السيد للويد جورج رجلاً طيباً، وبعدها إن كان السيّد أرنولد بينيت روائيّاً جيّداً، وأخيراً إن كنت أنا أؤمن بالله. كيف يمكنني جعل ابنتي تؤمن بلا شيء؟، اللعنة".

"طبعا ستعلّمينها أن تعتقد أن فكر الرجل متفوّق بشكل أساسي على فكر المرأة وسيظل كذلك؟" اقترحتُ عليها السؤال، وابتهجتْ هي لذلك وبدأت تقلّب محاضر اجتماعاتنا القديمة وقالت :"نعم، فكّري في اكتشافاتهم، رياضيّاتهم، علمهم، فلسفتهم، أبحاثهم"، ثم بدأت بالضحك: "لن أنسى أبداً العجوز هوبكين ودبّوس الشعر". استمرّت تقرأ وتضحك، وظننت أنّها سعيدة جداً إلى أن سحبت الكتاب وانطلقتْ: "أوه كساندرا، لم تعذّبينني؟ ألا تعرفين أنّ إيماننا بفكر الرجل هو المغالطة الكبرى؟"

استفسرت متعجّبة فأكملتْ: "اسألي أيّ صحفي، مدير مدرسة، سياسيّ، أو أمين بيت عام في الأرض وسيخبرونك جميعاً أنّ الرّجال أذكى من النساء بكثير، وكأنّي أشكّ في ذلك". وتابعتْ بازدراء: "كيف يمكن لهم ذلك؟ ألم نربّهم ونطعمهم ونوفّر لهم الراحة لأجل أن يكونوا أذكياء حتى لو لم يكونوا كذلك؟ كلّ ذلك من صنعنا"، وصاحت:" لقد أصررنا على امتلاك الفكر وها نحن نمتلكه، إنّه الفكر، هذا قاع الأمر، ما الذي يمكن أن يكون أجمل من ولد قبل أن يبدأ برعاية فكره؟ إنّه جميل للنّظر، لا يدّعي لنفسه أية مظاهر، يفهم معنى الفنّ والأدب بشكل غريزيّ، يمضي مستمتعاً بحياته ويجعل الآخرين يستمتعون بحياتهم، ثم يبدؤون بتعليمه رعاية فكره؛ يصبح محامياً، موظّفاً، جنرالاً، مؤلّفاً أو بروفيسوراً، يذهب كل يوم إلى مكتب ما وكل عام ينتج كتاباً، يرعى عائلة كاملة من منتجات عقله- يا للشرّير المسكين!
بعدها مباشرة لا يستطيع أن يدخل غرفة دون أن يجعلنا جميعا نشعر بعدم الارتياح؛ يتلطّف مع كل امرأة يقابلها، ولا يجرؤ على أن يقول الحقيقة حتى لزوجته؛ بدل أن نبهج أعيننا فإنّ علينا أن نغلقها إن كان علينا أن نأخذه بين أذرعنا. صحيح أنهم يعزّون أنفسهم بنجوم من كل الأشكال و شرائط من كل الظّلال ودخل من كل الأحجام –ولكن ما الذي يعزّينا؟ أنّنا سنكون قادرين على أن نقضي نهاية الأسبوع بعد عشر سنوات في لاهور؟ أو أن أصغر حشرة في اليابان لها اسم أطول من جسدها مرّتين؟
أوه يا كساندرا، لأجل السماء دعينا نبتكر طريقة يمكن من خلالها أن يلد الرجال الأطفال! إنّها فرصتنا الوحيدة، لأنّه ما لم نزوّدهم بوظيفة بريئة لن نحصل على أناس طيّبين أو كتب جيّدة، سنفنى في ثمار نشاطاتهم اللامكبوحة؛ ولا إنسان سيحيا ليعلم أنه كان هناك يوماً شكسبير!"

أجبت: "الوقت متأخّر، لا نستطيع أن نزوّد حتى أطفالنا"

قالت: "وتطلبين مني أن أؤمن بالفكر؟"

بينما كنا نتحدّث كان الرجال يصيحون بضجر وبأصوات خشنة في الشارع، أنصتنا وعرفنا أنّ معاهدة السلام وُقّعت للتوّ، تلاشت الأصوات، المطر كان يتساقط متدخّلاً بلا شك في الانفجار السليم للألعاب النارية.

قالت كاستاليا:" طبّاختي ستحضر أخبار المساء وآن ستكون تهجّئها عند تناول الشاي، يجب أن أعود للبيت"

"ليس جيّداً- ليس جيّداً على الإطلاق"، قلت لها وتابعتُ: "عندما تعرف كيف تقرأ هناك شيء واحد عليك أن تعلميّها أن تؤمن به وهو ذاتها"

تنهّدت كاستاليا وقالت:"حسناً، سيكون ذلك تغييراً"

وهكذا نفضنا أوراق جمعيّتنا، ورغم أن آن كانت تلعب بدميتها بسعادة قدّمنا لها هدية القدر وأخبرناها أنّنا اخترناها لتكون رئيسة جمعيّتنا في المستقبل– وعند ذاك انهمرت دموعها، الفتاة الصغيرة المسكينة.




• كاستاليا اسم مشتق من الكلمة Chastity بمعنى العفّة والطهارة – المترجمة
• سافو اسم لشاعرة إغريقية- المترجمة



#رقية_كنعان (هاشتاغ)       Ruqaia_Kanaan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن الطاووس – قصة قصيرة، مينا عبدا لله وراي ماثيو، ترجمة: رق ...
- الإثنين أو الثلاثاء – قصة قصيرة للكاتبة فرجينيا وولف- ترجمة ...
- كلب بنيّ غامق – قصة للكاتب الأمريكي ستيفن كرين ترجمة رقية كن ...
- حروف ومشاعر - شعر
- الهروب -قصة قصيرة للكاتبة كاثرين مانسفيلد - ترجمة رقية كنعان
- رواية لم تكتب - قصة قصيرة للكاتبة فرجينيا وولف - ترجمة رقية ...
- نزع الوشاح - قصة قصيرة للكاتبة كاثرين مانسفيلد
- الكناري - قصة قصيرة للكاتبة كاثرين مانسفيلد
- ووش - قصة قصيرة للكاتب الأمريكي ويليام فوكنر
- حكاية أبي زريق بيكر – قصة قصيرة للكاتب الأمريكي مارك توين
- أنا وأحبّتي- قصيدة
- بوح - قصيدة
- محاولة للبوح - قصيدة
- زهد - قصيدة
- المستحيل الرابع - قصيدة
- صباحات وجه عاشق - نص مشترك مع الكاتب عزيز التميمي
- البحث عن خطأ - قصة قصيرة
- نداءات عاشقة - قصيدة
- عبور الروبيكون - قصة قصيرة
- خفقات متقاطعة - قصة قصيرة


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رقية كنعان - جمعيّة - قصة للكاتبة فرجينيا وولف - ترجمة رقية كنعان