أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - كارل ماركس - رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (106) ملاحظات إضافية عن الخضوع الشكلي للعمل إلى رأس المال















المزيد.....



رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (106) ملاحظات إضافية عن الخضوع الشكلي للعمل إلى رأس المال


كارل ماركس
(Karl Marx)


الحوار المتمدن-العدد: 7038 - 2021 / 10 / 5 - 21:42
المحور: الارشيف الماركسي
    



قبل المضي قدما في بحث الخضوع الفعلي لرأس المال إلى العمل، أدرج بعض التأملات الإضافية من دفاتر ملاحظاتي.

إن الشكل المستند إلى فائض القيمة المطلق هو ما أسميه: الخضوع الشكلي للعمل إلى رأس المال. وأفعل ذلك لأنه لا يتميز، إلا شكلياً، عن أنماط الإنتاج السابقة التي ينهض على أسسها بصورة عفوية (أو يجري إدخاله)، إما حين يشتغل المنتج لنفسه بنفسه (self employing) أو حين يرغم المنتجون المباشرون على تسليم عمل فائض إلى الغير. إن كل ما يتغير هو أن القسر بات يطبق بأسلوب مختلف، أي تبذل طريقة انتزاع العمل الفائض. إن السمات الجوهرية لـ الخضوع الشكلي هي:

(1) العلاقة النقدية الصرف بين الإنسان الذي يستولي على فائض القيمة والإنسان الذي يتخلى عن هذا الفائض: ينشأ الخضوع في هذه الحالة من المحتوى الخاص للبيع – أي أن الخضوع الذي يربط المنتج مع مستغل عمله بعلاقة لا تتحدد فقط بالنقود (علاقة مالك سلعة بمالك سلعة آخر) بل تتحدد، مثلا، بضغوط سياسية؛ إن مثل هذا الخضوع ليس موجوداً. فإن ما يزج بالبائع في علاقة تبعية اقتصادية يقتصر فقط على كون الشاري هو مالك شروط العمل. وليست هناك علاقة سيادة وخضوع مثبتة سياسياً واجتماعياً؛

(2) هذا ماثل ضمناً في العلاقة الأولى – ولو لم يكن الأمر هكذا، لما كان للعامل أن يضطر إلى بيع قدرة – عمله: إن الشروط الموضوعية لعمله (وسائل الإنتاج) والشروط الذاتية للعمل (وسائل العيش) تواجهه كرأسمال، کاحتكار الشاري بإزاء قدرة – عمله. وكلما غُبنت شروط العمل هذه تعبئة أكثر كمالا ضده بوصفها ملكية غريبة، ازداد توطد العلاقة الشكلية بين رأس المال والعمل المأجور قوة، أي تم إنجاز الخضوع الشكلي للعمل إلى رأس المال بفعالية أكبر، وهذا بدوره هو المقدمة والشرط المسبق لخضوعه الحقيقي.

ليس هناك بعد أيما تغير في نمط الإنتاج نفسه. ومن الوجهة التكنولوجية، تمضي عملية العمل كما من قبل، شريطة أن تكون الآن خاضعة لرأس المال. ويحصل تطوران داخل عملية الإنتاج، كما بينا من قبل: (1) علاقة سيادة، وخضوع اقتصادية، نظرا لأن استهلاك رأس المال لقوى العمل يجري الآن بالطبع، بإشرافه وتوجيهه؛ (2) يصبح العمل أكثر استمرارية وشدة بكثير، ويجري استخدام شروط العمل باقتصاد أكبر، طالما أن كل جهد يبذل لضمان ألا يستهلك من الوقت ما يزيد عن (بل حتى أقل من) وقت العمل الضروري اجتماعياً في صنع المنتوج – وهذا ينطبق على كل من العمل الحي المستخدم في صنعه، وعلى العمل المتشییء الذي يدخل في المنتوج بوصفه عنصرا من وسائل الإنتاج.

وفي ظل الخضوع الشكلي للعمل إلى رأس المال، فإن القسر على تأدية العمل الفائض، وعلى خلق وقت فراغ ضروري للتطور بصورة مستقلة عن الإنتاج المادي، لا يختلف إلا في الشكل عما كان قائماً في ظل نمط الإنتاج السابق. (وتنبغي الإشارة: رغم أن هذا القسر ينطوي أيضا على ضرورة تكوين حاجات، وخلق وسائل اشباعها، وتجهيز كميات من المنتوج تزيد كثيراً عن المتطلبات التقليدية للعامل). لكن هذا التغير الشكلي هو تغير يزيد من استمرارية العمل وشدته؛ وهو موائم أكثر لتطور طلاقة الحركة لدى العمال، وبالتالي لزيادة التنوع في أنماط العمل وسبل الحصول على أسباب العيش أخيراً، فإنه يذيب العلاقة بين مالكي شروط العمل والعمال محولا إياها إلى علاقة بيع وشراء، علاقة نقدية صرفة. ونتيجة لذلك تتجرد عملية الاستغلال من أي رداء بطريركي (أبوي) أو سياسي، أو حتى دیني. وبالطبع يبقى صحيحاً أن علاقات الإنتاج نفسها تخلق علاقة سيادة وخضوع جديدة (ويتولد عن هذه أيضا تعبير سياسي). ولكن كلما التصق الإنتاج الرأسمالي بهذه العلاقة الشكلية التصاقاً أشد، قلت قدرة هذه العلاقة نفسها على التطور، نظرا لأنها ترتكز، في الغالب، على رأسماليين صغار لا يختلفون إلا قليلا عن العمال، من ناحية ثقافتهم وأشغالهم.

إن التبدلات التي يمكن أن تطرأ على علاقة السيادة والخضوع دون أن تؤثر على نمط الإنتاج، يمكن أن ترى على أحسن صورة حيثما تتحول الصناعات الثانوية الريفية والمنزلية، التي تجري أساسا لإشباع حاجات الأسر المنفردة، إلى فروع مستقلة للصناعة الرأسمالية.

ويغدو التمايز بين العمل الخاضع شكلياً لرأس المال وبين أنماط العمل السابقة أكثر جلاء، كلما تعاظمت الزيادة في حجم رأس المال الذي يستخدمه رأسمالي مفرد، أي كلما تعاظمت الزيادة في عدد العمال الذين يستخدمهم في آن واحد. فالرأسمالي لا يكفّ عن أن يكون هو نفسه عاملاً [ويبدأ] بالانغمار كلياً في توجيه العمل وتنظيم البيوع إلا بتوافر حد أدنى معين من رأس المال. وإن الخضوع الحقيقي للعمل إلى رأس المال، أي الإنتاج الرأسمالي بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا يبدأ إلا حين تهيمن مقادیر رأسمال ذات حجم معين هيمنة مباشرة على الإنتاج، إما لأن التاجر يتحول إلى رأسمالي صناعي، وإما لأن رأسماليين صناعيين أكبر قد وطدوا أنفسهم على أساس الخضوع الشكلي (1).

وإذا كانت علاقتا السيادة والخضوع تأتيان لتحلا محل العبودية والقنانة والتبعية الشخصية، وغيرها من أشكال الخضوع البطريركي (الأبوي)، فإن التغير إنما هو تحول في الشكل صرفاً. فالشكل يصبح أكثر حرية، لأنه موضوعي من حيث الطبيعة، طوعي من حيث المظهر، اقتصادي محض (verte)(*).

بالمقابل، فإن السيادة والخضوع، في عملية الإنتاج، يحلان محل حالة سابقة من الاستقلالية، يمكن العثور عليها، مثلا، عند كل الفلاحين الذين يعيلون أنفسهم بأنفسهم (self – sustaining peasants)، والمزارعين (farmers) الذين لا يتوجب عليهم سوى أن يدفعوا ريعاً على ما ينتجون، إما للدولة أو إلى المالك العقاري (Landlord)؛ وفي الصناعة الثانوية الريفية والمنزلية، أو الحرف اليدوية المستقلة. نلاقي، هنا، إذن، فقدان استقلال سابق، في عملية الإنتاج، وتكون علاقة السيادة والتبعية ذاتها نتاج بزوغ الإنتاج الرأسمالي.

أخيراً، يمكن لعلاقة الرأسمالي والعامل المأجور أن تحل محل علاقة معلم النقابة الحرفية بالصناع والمتمرنين، وهو وضع نجده، إلى حد معين، في المانيفاکتورة المدينية. إن نظام النقابات الحرفية القروسطي، الذي تطورت أشكال نظيرة له، في نطاق محدود، في كل من أثينا وروما، والذي كان ذا أهمية حاسمة في أوروبا بالنسبة إلى نشوء وارتقاء كل من الرأسماليين والعمال الأحرار، إنما هو شكل محدود وأيضا غير كاف للعلاقة بين رأس المال والعمل المأجور. إنه يتضمن علاقات بين شارين وبائعين. إن الأجور تُدفع، والمعلمون والصناع والمتمرنون يواجهون بعضهم بعضا كأشخاص أحرار. والأساس التكنولوجي لعلاقتهم هو الحرفة اليدوية، حيث يكون الاستخدام المعقد، إلى هذا الحد أو ذاك، للأدوات، هو العامل الحاسم في الإنتاج؛ وإن العمل الشخصي المستقل، وبالتالي تطوره المهني، الذي يتطلب مدة أطول أو أقصر كمتمرن – ذلك هو ما يحدد نتائج العمل. إن المعلم يملك حقا شروط الإنتاج – الأدوات، المواد، إلخ (رغم أن الأدوات قد يمتلكها الصانع أيضا) – وهو يملك المنتوج. وهو، إلى هذا الحد، رأسمالي، ولكنه لا يكون معلماً لأنه رأسمالي. إنه حرفي في المقام الأول، ويفترض به أن يكون معلماً بارعاً، في حرفته. وهو يظهر في نطاق عملية الإنتاج كحرفي، مثل صناعه، وإنه هو الذي يعرف المتمرنين عنده على اسرار الحرفة. وإن علاقته بمتمرنيه تشابه بالضبط علاقة البروفيسور بتلامذته. من هنا فإن تعامله مع متمرنيه وصناعه ليس تعامل رأسمالي، بل تعامل معلم، استاذ في حرفته؛ وبفضل هذه الحقيقة، يتبوأ موقع التفوق في مراتبية النقابة التعاونية(**)، وبالتالي إزاءهم. يترتب على ذلك أن رأسماله مقيد من ناحية الشكل المادي الذي يكتسيه، ومقيد أيضا من ناحية حجم القيمة. فهو أبعد من أن يبلغ صيغة حرية رأس المال بأي حال. إنه ليس كمية معينة من العمل المتشییء، قيمة بوجه عام، لها حرية ارتداء هذا الشكل أو ذاك من شروط العمل تبعاً لشكل العمل الحي الذي تحصل عليه بغية إنتاج عمل فائض. فقبل أن يكون بوسعه توظيف نقوده في هذا الفرع الخاص من المهنة، في حرفته بالذات، وقبل أن يكون بوسعه الانطلاق لشراء إما الشروط الموضوعية للعمل الحرفي، وإما الحصول على الصناع والمتمرنين الضروريين، يتوجب عليه أن يجتاز المراحل الموصوفة للمتمرن والصانع، بل وأن ينتج ما يدل على استاذيته. إن باستطاعته أن يحول نقوده إلى رأسمال ولكن داخل حرفته هو ليس إلا، أي ليس كمحض وسائل لعمله هو، بل کوسائل لاستغلال عمل الغير. إن رأسماله مربوط بنوع معين من القيمة – الاستعمالية، وبالتالي لا يواجه عماله بالذات، مباشرة، کرأسمال. إن طرائق العمل التي يستخدمها لم تتوطد بفعل التقاليد وحسب، بل بفعل النقابة الحرفية – بل إن هذه الطرائق تُعدّ مما لا غنى عنه؛ ولذلك، ومن وجهة النظر هذه، فإن القيمة – الاستعمالية للعمل، أكثر من قيمته – التبادلية، هي التي تبدو الغرض النهائي. ولا يبقى لهوى المعلم أن ينتج عملا من هذا المعيار النوعي أو ذاك؛ فكل ترتيبات النقابة الحرفية قد صيغت لتضمن إنتاج عمل ذي نوعية محددة. وإن سيطرته على السعر معدوماً انعدام سيطرته على طرائق العمل. إن التقييدات التي تمنع ثروته من أداء وظيفتها كرأسمال تضمن أيضا أن لا يتجاوز رأس المال هذا حدا أعلى معيناً. إذ لا يسعه أن يستخدم أكثر من عدد معين من الصناع، ما دامت النقابة الحرفية تضمن أن يكسب جميع المعلمين مقداراً محدداً من مهنتهم. أخيراً، هناك العلاقة بين المعلم وبقية المعلمين في النقابة الحرفية. فهو ينتمي، بصفته معلماً، إلى تعاونية النقابات التي تفرض شروطاً جماعية معينة للإنتاج (تقييدات اتحاد النقابات الحرفية، إلخ) ونتمتع بحقوق سیاسية، أي حصة في الإدارة البلدية، إلخ. لقد كان يعمل حسب الطلبات – باستثناء ما كان ينتجه للتجار – وكان ينتج السلع للاستعمال المباشر. وكان عدد المعلمين محدداً أيضا بالنتيجة. إنه لم يكن يواجه عماله كتاجر محض. وأقل من ذلك، لم يكن بوسع التاجر تحویل نقوده إلى رأسمال منتج، فكل ما كان بوسعه هو أن «يوصي» على سلع، لا أن ينتجها بنفسه. ليست القيمة – التبادلية بما هي عليه، ليس الاثراء بما هو عليه، بل حياة تتلاءم مع شرط أو وضع معین – تلك كانت غاية ونتيجة استغلال عمل الغير. إن أداة العمل كانت هنا عاملا حاسماً. ففي الكثير من المهن (الخياطة، مثلا) كان المعلم يتزود بالمواد الأولية من زبائنه. وكانت الحدود المفروضة على الإنتاج تُحفظ بضوابط في حدود الاستهلاك الفعلي. نقصد القول، إن الإنتاج لم يكن مقيداً بقيود رأس المال نفسه. أما في الإنتاج الرأسمالي فيجري اكتساح هذه الحواجز سوية مع الحواجز الاجتماعية – السياسية التي كان رأس المال مقيداً بها. وباختصار فإن ما نراه هنا هو

رأسمال يتحرك وسط هذه القيود، لكنه ليس بعد رأسمالا بأي حال.
إن التحويل الشكلي المحض للإنتاج المرتكز على الحرفة اليدوية إلى إنتاج رأسمالي، وهو تغير تبقى العملية التكنولوجية فيه ثابتة على حالها في غضون ذلك، إنما يتحقق بزوال كل هذه الحواجز. وهذا بدوره يؤدي إلى إحداث تغيرات في علاقات السيادة والخضوع. فالمعلم الآن يكفت عن أن يكون رأسمالياً لأنه معلم، ويصبح معلماً لأنه رأسمالي. ولا تعود القيود المفروضة على إنتاجه تتحدد بالقيود المفروضة على رأسماله. إن رأسماله (النقود) يمكن أن يبادل بحرية مقابل أي صنف من العمل، وبالتالي مقابل شروط العمل، من أي نوع كانت. إن باستطاعته أن يكفت عن أن يكون حرفياً. وبالتوسع المفاجئ للتجارة، ونتيجة للطلب على السلع من جهة طبقة التجار، فإن إنتاج النقابات الحرفية يساق خارج حدوده بفعل زخمه هو بالذات، وبالتالي يتحول شكلياً إلى إنتاج رأسمالي.

وبالمقارنة مع الحرفي المستقل الذي يصنع سلعة لزبائن آخرين (strange customers)، نلاحظ زيادة كبرى في استمرارية عمل الرجل الذي يعمل لأجل رأسمالي لا تحد إنتاجه متطلبات عرضية لزبائن (customers) معزولين، بل تحده حاجات استثمار رأس المال الذي يستخدمه. إن عمل هذا يصبح، بالمقارنة مع العبد، أكثر إنتاجية لأنه أكثر شدة، نظرا لأن العبد لا يعمل إلا منخوسا بخوف خارجي، ولكن ليس من أجل وجوده هو، المكفول رغم أنه ليس ملكا له. ولكن العامل الحر مُكره بفعل حاجاته (wants). إن الوعي (أو الأحسن: فكرة) بتقرير المصير الحر، بالحرية، يصنع من الأول عاملاً أفضل من ذاك، مثلما يصنع الشعور (feeling) الوعي بالمسؤولية (responsibility) المتصل بذلك، ونظرا لأنه مثل أي بائع للسلع، مسؤول عن السلع التي يسلمها وعن النوعية التي ينبغي أن يقدمها، فإن عليه أن يسعى إلى أن يضمن أن لا يطرد من الميدان على يد بائعين آخرين من نوع مماثل له. إن الاستمرارية في علاقات العبد ومالك العبيد ترتكز على حقيقة أن العبد يبقى في وضعه بالقسر المباشر. أما العامل الحر فينبغي أن يصون وضعه، ما دام وجوده ووجود أسرته يتوقفان على قدرته في أن يجدد باستمرار، بيع قدرة – عمله إلى الرأسمالي.

إن أجراً أدنى يظهر، في نظر العبد، كمية ثابتة، مستقلة عن عمله. أما بالنسبة إلى العامل الحر، فإن قيمة قدرة – عمله والأجر الوسطي الذي يتطابق معها، لا يظهران له بمثابة شيء مقرر سلفا، بمثابة شيء مستقل عن عمله الخاص يتحدد بمجرد حاجات وجوده الجسدي. إن الأجر الوسطي بالنسبة إلى الطبقة ككل يبقى ثابتاً بهذا القدر أو ذاك، شأن قيمة سائر السلع؛ ولكن ذلك لا يظهر على هذا النحو مباشرة للعامل الفرد الذي قد تكون أجوره أعلى أو أدنى من هذا الحد الأدنى. إن سعر العمل يهبط أحيانا دون، ويرتفع أحيانا فوق قيمة قدرة – العمل. زد على ذلك، هناك حيز للتغير (في حدود ضيقة within narrow limits) يفسح مجالا لفردية العامل، بحيث أننا نجد، جزئياً بين مختلف المهن، وجزئياً في المهنة الواحدة نفسها، أن الأجور تتباین تبعا لمثابرة، ومهارة أو قوة العامل، وإلى حد ما تبعاً لإنجازه الشخصي الفعلي. وهكذا فإن حجم رزمة أجوره يبدو متغيراً بما يتفق ونتائج عمله الخاص ونوعيته الفردية. ويتضح ذلك بوجه خاص في حالة الأجور بالقطعة. ورغم أن هذه الأخيرة، كما بينا، لا تؤثر على العلاقة العامة بين رأس المال والعمل، بين العمل الضروري والعمل الفائض، فإن النتيجة تختلف بالنسبة إلى العامل الفرد، وهي تختلف تبعا لإنجازه الخاص. أما في حالة العبد، فإن القوة الجسدية العظيمة أو الموهبة الخاصة قد تزيد قيمة بيع شخصه إلى شار ما، ولكن ذلك لا يعنيه في شيء. غير أن الأمر خلاف ذلك بالنسبة إلى العامل الحر الذي هو مالك قدرة – عمله. إن القيمة الأعلى لقدرة – عمله ينبغي أن تؤول إليه، وهذه تجد التعبير عنها في شكل أجور أعلى. لذا فإن هناك تباينات كبرى في الأجور المدفوعة، تبعا لما إذا كان صنف خاص من العمل يتطلب قدرة – عمل أكثر تطورا بكلفة أكبر أم لا. وهذا يفسح مجالا لتباين فردي نظرا لأنه يقدم للعامل، في الوقت نفسه، حافزا لتطوير قدرة – عمله بالذات. ورغم أنه في حكم المؤكد أن جل العمل ينبغي أن ينجز من قبل عمل غير ماهر (unskilled labour)، إلى هذا الحد أو ذاك، بحيث أن الغالبية الساحقة من الأجور تتحدد بقيمة قدرة – العمل البسيطة، مع ذلك يظل أمراً متاحاً للأفراد أن يرفعوا أنفسهم إلى مجالات أعلى بإظهار موهبة أو طاقة خاصة. وهناك في الوقت نفسه إمكانية تجريدية بأن يستطيع هذا العامل أو ذاك أن يصبح رأسمالياً ومستغلا لعمل الغير. إن العبد هو ملك سید معین؛ والعامل ينبغي حقا أن يبيع نفسه إلى رأس المال، ولكن ليس إلى رأسمالي بعينه، وهكذا يستطيع في حدود معينة أن يختار بيع نفسه لمن يشاء؛ بل يمكن له أيضا أن يغير سيده. إن النتيجة المترتبة على كل هذه الفروق هي أن تجعل العامل الحر يعمل بشدة أكبر، واستمرارية أكثر، وأن يكون أكثر مرونة ومهارة من العبد، وذلك بمعزل تماما عن واقع أن ذلك كله يؤهله لدور تاريخي مختلف بالمرة. إن العبد يتلقی وسائل العيش التي يحتاجها في شكل مواد عينية يجري تثبيتها نوعا وكما، أي أنه يتلقی قيمة – استعمالية. أما العامل الحر فإنه يتلقاها في شكل نقود، قيمة – تبادلية، الشكل الاجتماعي المجرد للثروة. ورغم أن أجوره في الواقع ليست سوى شكل الفضة أو الذهب أو النحاس أو الورق لوسائل العيش الضرورية التي ينبغي أن تنحل هذه إليها باستمرار – رغم أن النقود تؤدي هنا وظيفتها كوسيلة تداول، کشکل متلاش للقيمة – التبادلية، فإن تلك القيمة – التبادلية، الثروة المجردة، تبقى بين يديه كشيء أكثر من قيمة – استعمالية خاصة مسيجة بتقييدات تقليدية ومحلية، تبقى كغاية ونتيجة لعمله. إن العامل نفسه هو من يحول النقود إلى أية قيم – استعمالية يشاء؛ إنه هو من يشتري السلع كما يشاء، وبوصفه مالك النقود، شاري السلع، فإنه يقف بالضبط في العلاقة نفسها مع بائعي السلع شأنه شأن أي شار آخر. وبالطبع فإن شروط وجوده – والمقدار المحدود من قيمة النقود الذي يستطيع أن يحصل عليه – ترغمه على أن يقوم بمشترياته في نطاق اختیار محدود وضيق للسلع. ولكن حصول بعض التغييرات ممكن كما نرى من واقع أن الصحف، على سبيل المثال، تؤلف جزءا من المشتريات الأساسية لعامل المدينة الإنكليزي. إن بوسعه أن يوفر أو يكتنز قليلا. أو أن بوسعه تبذير نقوده على المشروبات. ولكن حتى عند ذاك فإنه يتصرف كذات حرة؛ إذ ينبغي له أن يدفع على طريقته الخاصة؛ إنه مسؤول أمام نفسه عن الطريقة التي ينفق بها أجوره. وهو يتعلم كيف يضبط نفسه، بالمقارنة مع العبد، الذي يحتاج إلى سيد. ولا بد من الاعتراف أن ذلك لا يصح إلا في إطار معاینتنا للتحول من الفن أو العبد إلى عامل حر. ففي مثل هذه الحالات تظهر العلاقة الرأسمالية بمثابة ارتقاء في موقع المرء في السلم الاجتماعي. لكن الحال مغاير تماما حين يصبح الفلاح أو الحرفي المستقل عاملا. فأية هوة سحيقة تفصل بين اليومان(***) الإنكليزي الفخور، الذي يتحدث عنه شكسبير، وبين العامل الزراعي المياوم الإنكليزي! وبما أن الهدف الوحيد للعمل في نظر العامل المأجور هو أجوره، النقود، كمية معينة من القيمة – التبادلية التي أزالت عنها أي معلم مميز من معالم القيمة – الاستعمالية، فإنه لا يبالي بتاتاً بمحتوى عمله، وبالتالي بالشكل الخاص لنشاطه. إذ بينما كان نشاطه في إطار النقابة الحرفية أو نظام الطوائف المغلقة(*4) مهنة ونداء (*5) كان ذلك بالنسبة إلى العبد، أو إلى دابة الجر، مجرد شيء ينصب على كاهله، شيء يفرض عليه ، أي محض تحريك لقدرة – عمله. وباستثناء الحالة التي تكون فيها قدرة – العمل قد جعلت أحادية تماما بفعل تقسيم العمل، فإن العامل الحر مستعد وراغب من حيث المبدأ في قبول كل تعديل ممكن في قدرة – عمله ونشاطه مما يَعده بمكافآت أكبر (كما نرى ذلك من الطريقة التي يتدفق بها السكان الفائضون في الريف تدفقاً مستمراً على المدن). وإذا ما ثبت أن العامل عاجز، بهذا القدر أو ذاك، عن طلاقة الحركة هذه، فإنه يظل يعتبرها مفتوحة للجيل اللاحق، ويكون الجيل الجديد من العمال قابلا، بصورة لا متناهية، للتوزع على والتكيف مع الفروع الصناعية المتسعة. وبوسعنا أن نرى طلاقة الحركة هذه، هذه اللامبالاة التامة إزاء المحتوى الخاص للعمل والتنقل الحر من فرع صناعي إلى آخر، رؤية واضحة تماما في أميركا الشمالية، حيث لم يكن تطور العمل المأجور نسبياً، مقيداً ببقايا نظام النقابات الحرفية، إلخ. وتقف طلاقة الحركة هذه في تمایز صارخ مع الطبيعة التقليدية، الرتيبة كلية، للعمل العبودي، الذي لا يتغایر مع التبدلات الحاصلة في الإنتاج، بل يتطلب، على العكس، تكييف الإنتاج مع نمط العمل الجاري، الذي جرى إدخاله من زمان، وبات يمضي على النسق نفسه من جيل لآخر. إن جميع المعلقين الأميركان يشيرون إلى هذه الظاهرة على سبيل إيضاح التمايز بين العمل الحر في الشمال والعمل العبودي في الجنوب (أنظر كايرنز)(*6). إن التطور المستمر لأشكال عمل جديدة، هذا التبدل المستمر (الذي يطابق تنوع القيم – الاستعمالية ويمثل بالتالي تقدمة حقيقية في طبيعة القيمة – التبادلية) وبالتالي التقسيم المطرد للعمل في المجتمع بأسره: إن ذلك كله هو نتاج النمط الرأسمالي للإنتاج. إنه يبدأ بالإنتاج الحر على قاعدة النقابة الحرفية – الحرفة اليدوية حيثما لا يتعرقل ذلك بتحجر فرع المهنة المقصود.

بعد هذه التعليقات الإضافية حول الخضوع الشكلي للعمل إلى رأس المال، ننتقل الآن إلى:

الخضوع الفعلي للعمل إلى رأس المال

إن السمات العامة للخضوع الشكلي تبقى على حالها، نعني خضوع عملية العمل إلى رأس المال خضوعا مباشرة، بصرف النظر عن وضع تطورها التكنولوجي. ولكن على هذا الأساس ينهض الآن نمط إنتاج خاص، متميز حتى تكنولوجياً – الإنتاج الرأسمالي – الذي يحول طبيعة عملية العمل وشروطها الفعلية. وعندما يحصل ذلك نشاهد الخضوع الفعلي للعمل إلى رأس المال.

“الزراعة لأجل العيش…. تتحول إلى زراعة لأجل التجارة …. تحسين التربية الوطنية … المكرسة لهذا التغير”. (أ. يونغ، الحساب الاقتصادي، لندن، 1774، ص 49، الحاشية)(*7).
إن الخضوع الفعلي للعمل إلى رأس المال يتطور في كل الأشكال التي ينميها فائض القيمة النسبي، في تمايز عن فائض القيمة المطلق.

مع الخضوع الفعلي للعمل إلى رأس المال تقع ثورة كاملة (تتكرر باستمرار)(1) في نمط الإنتاج، في إنتاجية العمل وفي العلاقات بين العمال والرأسماليين.

مع الخضوع الفعلي للعمل إلى رأس المال، تصبح سائر التغيرات (changes) في عملية العمل، والتي بحثناها من قبل، حقيقة واقعة. إن القدرات الإنتاجية الاجتماعية التي يتمتع بها العمل تتطور الآن، ثم يأتي، مع الإنتاج واسع النطاق، التطبيق المباشر للعلم والتكنولوجيا الآلية. فمن جهة يوطد الإنتاج الرأسمالي نفسه كنمط إنتاج من جنس خاص (Sui generis) ويأتي إلى الوجود بشكل جديد للإنتاج المادي. ومن جهة ثانية يؤلف هذا الأخير ذاته قاعدة لتطور العلاقات الرأسمالية التي يفترض شكلها الملائم، بالتالي، مرحلة معينة من ارتقاء القوى المنتجة للعمل.

لقد سبق أن لاحظنا أن حداً أدنى معيناً، ومتنامياً باطراد من رأس المال هو في آن واحد شرط ضروري مسبق ونتيجة دائمة للنمط الرأسمالي الخاص من الإنتاج. إذ ينبغي أن يكون الرأسمالي مالكا أو حائزاً لوسائل الإنتاج على نطاق اجتماعي وبكميات تغني عن المقارنة مع الإنتاج الممكن للفرد أو أسرته. إن مقدار الحد الأدنى من رأس المال في صناعة ما يزداد بنسبة تغلغله بواسطة الطرائق الرأسمالية ونمو القدرة الإنتاجية الاجتماعية للعمل فيه. ويجب على رأس المال أن يزيد قيمة عملياته إلى الحد الذي تكتسب عنده ابعاداً اجتماعية، وبذلك يخلع أي طابع فردي كلياً. والحق أن إنتاجية العمل، كتلة الإنتاج، كتلة السكان والسكان الفائضين التي يخلقها نمط الإنتاج هذا، هي بالضبط ما يستدعي إلى الوجود فروعاً صناعية جديدة ما إن يكون العمل ورأس المال قد تحررا. ويمكن لرأس المال، في هذه الفروع الجديدة من الصناعة، من جديد، أن يعمل على نطاق ضيق، وأن يجتاز مختلف الأطوار حتى يمكن تشغيل هذه الصناعة الجديدة على نطاق اجتماعي. وهذه العملية مستمرة. ويتسم الإنتاج الرأسمالي، في الوقت نفسه، بميل إلى السيطرة على كل فروع الصناعة التي لم تنتزع بعد، والتي لم تشهد سوی الخضوع الشكلي. وما إن يستولي على الزراعة واستخراج المعادن، وصناعة المنسوجات الرئيسة، إلخ، حتى يتحرك باتجاه القطاعات التي يكون فيها الحرفيون مستقلين بصورة شكلية، أو حتى أصيلة. ولقد سبقت الإشارة، في بحثنا للآلات، إن إدخال الآلات في إحدى الصناعات يقود إلى إدخالها في صناعات أخرى وفروع أخرى من الصناعة نفسها. وهكذا فإن إدخال آلات الغزل أدى إلى إدخال النول البخاري في النسيج، وإدخال الآلات في غزل القطن أدى إلى إدخال الآلات في صناعات غزل الصوف والكتان والحرير، إلخ. إن الاستخدام المتزايد للآلات في مناجم الفحم، ومحالج القطن، إلخ، جعل إدخال الإنتاج واسع النطاق في بناء الآلات محتوماً. وبمعزل تماما عن تحسین وسائط النقل التي حتم الإنتاج واسع النطاق ضرورتها، فإن إدخال الآلات في الصناعات الهندسية للآلات – وبخاصة المحرك الدوراني – هو وحده الذي جعل السفن البخارية وسكك الحديد أمراً ممكناً، وأحدث ثورة في كامل صناعة بناء السفن. إن الصناعة واسعة النطاق تقذف بكتل ضخمة من السكان، لم تخضع بعد إلى الصناعات أو تخلق معها فيضة نسبية في السكان يلزم لتحويل الحرفة اليدوية أو المشروع الصغير، الرأسمالي شكلياً، إلى مؤسسة واسعة النطاق. أدناه مقطع مناسب من نواح المحافظين (التوري):

“في الأيام القديمة الخوالي، حين كان الشعار العام هو “عش ودغ غيرك يعيش”، كان كل أمرئ قانعا بمهنة واحدة … ففي صناعة القطن، كان هناك نساجون، وغازلو أقطان، ومبيضون، وصابغو أقمشة، وعدة فروع مستقلة أخرى، تعيش جميعا على أرباح مهنها المتوالية، وكلها، كما هو متوقع، راضية، سعيدة. وبمرور الوقت، حين كان المسار النازل للصناعة قد قطع شوطه إلى حد معين، أخذ الرأسماليون يتبنون فرعاً أول، ثم فرع آخر، إلى أن جاء الوقت الذي طرد فيه كل الناس وألقوا في سوق العمل، ليبحثوا عن عيشهم بأفضل ما يستطيعون من سبل. وهكذا، رغم أنه لا يوجد میثاق يضمن لهؤلاء الناس الحق في أن يكونوا غازلي أقطان، صناعيين، طباعين، إلخ، مع ذلك فإن مجرى الأحداث قد محضهم احتكار الكل… لقد أصبحوا سادة الصنائع السبع، ولكن بقدر ما يتعلق الأمر بمصلحة البلاد في الأعمال، فهناك خشية من أنهم أصبحوا سادة لا شيء من ذلك” (تركز الاقتصاد العام، کارلایل، 1833، ص56)(*8).
إن النتيجة المادية للإنتاج الرأسمالي، إذا استثنينا تطوير القدرات الإنتاجية الاجتماعية للعمل، هي رفع كمية الإنتاج ومضاعفة وتنويع ميادين الإنتاج والميادين الثانوية الملحقة بها. ذلك أن التطور المطابق لذلك في القيمة – التبادلية للمنتوجات لا ينبثق إلا عند ذاك – بوصفه الحقول التي يمكن للمنتوجات فيها أن تنشط أو تحقق ذواتها كـ قيمة – تبادلية.

إن «الإنتاج لأجل الإنتاج» – الإنتاج كغاية في ذاتها – يظهر حقا على المسرح مع الخضوع الشكلي للعمل إلى رأس المال. وهو يظهر حالما يكون الغرض المباشر للإنتاج هو إنتاج أكبر قدر ممكن من فائض القيمة، حالما تصبح القيمة – التبادلية للمنتوج هي العامل الحاسم. لكن هذا الميل الملازم للإنتاج الرأسمالي لا يتحقق تحققاً كافياً – إنه لا يصبح أمرا ضرورياً، وهذا يعني ضرورياً من الوجهة التكنولوجية – إلا بعد أن يصبح النمط الرأسمالي الخاص للإنتاج، وبالتالي الخضوع الفعلي للعمل إلى رأس المال، حقيقة واقعة. لقد بحثنا هذا الأخير من قبل بالتفصيل، ولذلك يمكننا أن نورد الأمر هنا بإيجاز تماما. إنه شكل من الإنتاج ليس مقيداً بمستوى من الحاجات مقرر سلفاً، وبالتالي فإنه لا يقرر سلفاً مجرى الإنتاج نفسه. (إن طابعه المتناقض يتضمن قيداً على الإنتاج يسعی هو باستمرار إلى التغلب عليه. من هنا الأزمات، وفيض الإنتاج، إلخ). وهذا جانب أول، بالمقارنة مع النمط السابق للإنتاج، وإن شئتم (if you like)، فهذا هو الجانب الإيجابي. من جهة أخرى هناك الجانب السلبي، أو الطابع المتناقض: الإنتاج على الضد من المنتج ومن دون اكتراث له. وعليه، هناك المنتج الحقيقي كمجرد وسيلة للإنتاج، الثروة المادية كغاية في ذاتها. وهكذا فإن نمو هذه الثروة المادية يتحقق على الضد من الكائن البشري الفرد وعلى حسابه. إن إنتاجية العمل في العموم = الحد الأقصى للربح بالحد الأدنى من العمل، لذا فإن السلع تصبح أرخص باستمرار. ويصبح هذا قانونا، مستقلا عن إرادة الرأسمالي الفرد. ولا يصبح هذا القانون حقيقة واقعة إلا للسبب التالي وهو أنه عوضا عن سيطرة الحاجات القائمة على نطاق الإنتاج، فإن كمية المنتوجات المصنوعة تتحدد بالتزايد المطرد دوماً في نطاق الإنتاج الذي يمليه نمط الإنتاج نفسه. إن غايته هي أن يحتوي المنتوج المفرد أكبر قدر ممكن من العمل غير المدفوع، ولا يتم بلوغ ذلك إلا بالإنتاج لأجل الإنتاج. ويتجلى ذلك بمثابة قانون، من جهة، نظرا لأن الرأسمالي الذي ينتج على نطاق أضيق مما ينبغي، يضع في منتوجاته كمية من العمل أكثر مما هو ضروري اجتماعياً. نقصد القول، إنه يتجلی كتجسيد كاف ل قانون القيمة الذي لا يتطور تطورا کاملاً إلا على أساس الإنتاج الرأسمالي. ولكنه يتجلی من جهة ثانية في الأمر التالي وهو أن الرأسمالي الفرد إذ يرغب في إحباط هذا القانون أو الالتفاف عليه وتحويله إلى مصلحته، فإنه يعمل على خفض القيمة الفردية لسلعته إلى النقطة التي يهبط عندها من دون قيمته المعينة اجتماعياً.

وعدا عن الزيادة في مقدار الحد الأدنى من رأس المال الضروري للإنتاج، فإن لجميع أشكال إنتاج (فائض القيمة النسبي) سمة واحدة مشتركة. وتتمثل هذه في أن ترشید شروط اجتماع الكثير من العمال المتعاونين سوياً، يسمح بالتوفيرات. ويتمایز هذا مع تجزؤ الشروط في الإنتاج ضيق النطاق، نظرا لأن فعالية شروط الإنتاج الجماعية هذه لا تؤدي إلى زيادة متناسبة في كتلتها وقيمتها. إن كونها تستخدم في آن واحد بصورة جماعية يؤدي إلى خفض قيمتها النسبية (ارتباطا بالمنتوج) مهما كان نمو كتلة قيمتها المطلقة كبيراً.

__________

(1) [إن نص هذه الحاشية مدون على صفحة إضافية لا تحمل رقماً، وقد أضيفت إلى هذا الموضع. وبما أن الفقرة التي تشير إليها هذه الحاشية جاءت في المخطوطة على الصفحة 474 متبوعة بفقرة أخرى قصيرة، فإن مارکس سبق الحاشية بالملاحظة التالية: آه. إن هذه الـ (آ) لا تشير إلى الفقرة الأخيرة بل إلى التي تسبقها». بعد هذا التعليق تأتي الحاشية نفسها]:
(آ) «إن للعامل الحر، عموما، حرية تبدیل سیده: هذه الحرية تميز العبد عن العامل الحر، بقدر ما يتميز بحار إنكليزي محارب عن بحار تاجر … إن وضع العامل متفوق على وضع العبد، لأن العامل يتصور نفسه حراً. إن أثر هذه القناعة، مهما كانت خاطئاً، ليس قليلا على سلوك السكان». (ت. ر. إدموندز، اقتصاد عملي وأخلاقي وسياسي، Practical Economy

, Moral and Political، لندن، 1828، ص 56 – 57)، إن الدافع الذي يسوق رجلا حراً للعمل هو دافع أكثر عمقا من ذاك الذي يسوق العبد: فعلى الرجل الحر أن يختار بين العمل الشاق والموت جوعاً (دقق موقع الفقرة)، والعبد بين الـ… والجلد الممض بالسياط، (نفسه، ص 56)، إن الفرق بين شروط العبد والعامل في ظل النظام النقدي ضئيل تماما … فسيد العبد يفهم جيداً تماما مصلحته الخاصة في إضعاف عبيده بتقييدهم بطعامهم؛ ولكن سيد العامل الحر يعطيه أقل ما يمكن من الطعام، لأن الضرر الذي يحل بالعامل لا يقع على كاهله وحده، بل على كاهل كل طبقة أرباب العمل، (المرجع نفسه). وذلك “لجعل البشر”، في العصر القديم ایکدون بما يزيد عن حاجاتهم، ولجعل الجزء الأول من عمل الدولة، يعيل الجزء الثاني مجانا. فإن ذلك لم يكن ليتم بلوغه إلا من خلال العبيد: من هنا جاء إدخال العبودية على نطاق عام. وكانت العبودية، آنذاك، ضرورية للتكاثر، مثلما هي الآن مدمرة له. والسبب جلي. فإذا لم يكن النوع البشري ليرغم على العمل، فإن البشر لن يعملوا إلا لأجل أنفسهم؛ وإذا كانت حاجاتهم قليلة، فستكون هناك قلة ممن تعمل. ولكن حين يصار إلى إنشاء الدول، وتحتاج هذه إلى أيد متفرغة للدفاع عنها بوجه عنف أعدائها، فلا بد من تأمين الطعام لأولئك الذين لا يعملون؛ وبما أن حاجات العمال، افتراضا، قليلة، فلا بد من إيجاد طريقة لزيادة عملهم فوق نسبة حاجاتهم. ولهذا الغرض جرى حسبان العبودية … كان العبيد يجبرون على اشتغال الأرض التي أطعمتهم وأطعمت الأحرار المتعطلين، كما كان الأمر في سبارطة؛ أو أنهم ملأوا كل المهن الوضيعة التي يملأها الرجل الحر الآن، وكانوا يستخدمون، بالمثل، كما في اليونان وروما، لصنع المصنوعات وتقديمها إلى أولئك الذين كانت خدماتهم ضرورية للدولة. هنا إذن، كانت توجد طريقة عنيفة لجعل البشر يشتغلون في إنتاج الطعام. كان الناس يرغمون على العمل. لأنهم كانوا عبيداً لآخرين؛ أما الآن فإن الناس يرغمون على العمل لأنهم عبيد لحاجاتهم هم بالذات». (ج. ستيوارت، طبعة دبلن، المجلد الأول، ص 38 – 40).
ويقول ستيورات نفسه، في القرن السادس عشر “بينما طرد اللوردات اتباعهم (retainers) من جهة، فإن المزارعين “farmers” (الذين كانوا يحولون أنفسهم إلى رأسماليين صناعيين) طردوا الأفواه المتعطلة (idle mouths). وتحولت الزراعة من وسيلة عيش (means of subsistence) إلى صناعة. وكانت النتيجة “سحب … عدد من الأيدي من قوة زراعية ضئيلة بأسلوب جعل التشغيل الزراعي يعمل بصورة أشد؛ وباستخدام عمل أشد على رقعة صغيرة، جرى الحصول على نفس النتيجة المتولدة عن عمل خفيف على رقعة واسعة” (المرجع نفسه، ص 105).
(*) يتعلق ذلك بالملاحظة المقتبسة في الحاشية رقم (26) من هذا الجزء
(**) Korporation – كانت النقابات أو الأصناف الحرفية منظمة في تعاونيات او اتحادات. [ن. ع].
(***) Yeomanry الفلاح المستقل في إنكلترا. [ن. ع].

(*4) Kastensystem : الطوائف المغلقة في الهند. [ن. ع].

(*5) calling, Beruf، مهنة، أو نداء، وهي، حسب تصوير البروتستانتية (كالفن) للعمل بمثابة تلبية الواجب أو نداء روحي. [ن. ع].
(*6) أنظر الهامش رقم (25) من هذا الجزء. [ن. ع].
(*7) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1181. [ن. ع].
(1) بيان الحزب الشيوعي (1848).
(*8) نص المقتبس باللغة الإنكليزية مدرج في قسم المقتبسات باللغات غير الألمانية، ص 1181. [ن. ع].



#كارل_ماركس (هاشتاغ)       Karl_Marx#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (105) الخضوع الشكلي ...
- رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (104) II: الإنتاج ال ...
- رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (103) II: الإنتاج ال ...
- رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (102)
- رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (101)
- رأس المال: الفصل الخامس والعشرون نظرية الاستعمار الحديثة(1)
- رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (99) 7) الميل التاريخي للتر ...
- رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (98) 6) منشأ الرأسمالي الصن ...
- رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (97) 5) انعکاس تأثير الثورة ...
- رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (96) 4) منشأ المزارع الرأسم ...
- رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (95) 3) التشريع الدموي ضد م ...
- رأس المال: الفصل الرابع والعشرون (93) ما يسمى بالتراكم الأول ...
- رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (92) 5) أمثلة إيضاحية عن ال ...
- رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (91) ه) البروليتاريا الزراع ...
- رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (90) 5) أمثلة إيضاحية عن ال ...
- مقدّمة ل«أسس نقد الاقتصاد السياسي» (١٨٥ ...
- رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (90)
- رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (89) 5) أمثلة إيضاحية عن ال ...
- رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (88) 5) أمثلة إيضاحية عن ال ...
- رأس المال: الفصل الثالث والعشرون (87) 5) أمثلة إيضاحية عن ال ...


المزيد.....




- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - كارل ماركس - رأس المال: نتائج عملية الإنتاج المباشرة (106) ملاحظات إضافية عن الخضوع الشكلي للعمل إلى رأس المال