|
نساء أمل -2-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 7024 - 2021 / 9 / 19 - 11:10
المحور:
الادب والفن
تقول أمل: أنا لست صحيفة مقروءة حتى تعرفني ، كما أنّني لست كتاباً مقدّساً تحفظ آياته عن ظهر قلب . أنا إنسان أرغب في أن أعيش بشكل طبيعي. أنت تريدني كالصّخرة لا أتغيّر، و أنا لا أستطيع إلا أن أتغير . قبل أيام كنت أسرق حليب ابني من سوير ماركت كبير ، ثم قرّرت التّوقف عن السّرقة فأصبحت أذهب إلى البستان حيث تحلب إحداهن بقرتها ، فأشرح لها قصّة ابني، وتجود عليّ بالحليب. سألت نفسي مرّة أيهما أفضل : التّسول ، أم السّرقة ، أجبتني أن التّسول أمين ، لكن السّرقة ليست أمينة. سألت صاحبة البقرة وضحة عن حياتها . قالت لي: إنّها عشرة عمر . أعرفها أكثر من زوجي و من أولادي، أحياناً أتحدّث لها عن الشّقاء و الفقر. هل تعرفين أن هذه البقرة تقوم بإعالة أسرة من خمسة أفراد، و اليوم أضفنا لها ابنك، زاد حليبها. لابنك حصّة يوميّة. في بعض المرات أحتاج إلى أن أكلّم أحداً ، فلا أجد أمامي سوى البقرة ، لولاها لنسيت الكلام. البارحة ذهبت إلى وضحة ، رأيتها حزينة ، و البقرة تخور خواراً حزيناً . قالت لي : للأسف البقرة لا تعطي الحليب . إنها مريضة و أخشى أن تموت . لو ماتت البقرة لتخلى عنّي الجميع ، فإذا كان لي وزن بين أولادي فهو بسبب البقرة لأنني أعطيهم من ثمن الحليب و أعيلهم . سألتها عن وجها ، قالت أنه بصحة جيدة يذهب مع أولاده الكبار للحفرفي التل القريب وبيع الآثار التي يستخرجونها ، فهناك شخص يشتريها بسعر جيد ، وبعض الأولاد الشباب يحملون السلاح يحاربون أعداء الله ، لكن الوضع بشكل عام ليس جيداً بالنسبة لها ، زوجها يضربها، و ابنها يهددها، وليس لها مكان تلجأ إليه سوى تلك البقرة ، فماذا لو فقدتها ؟ تحدّثت وضحة عن مشاعر البقرة تجاهها بإسهاب ، وعن حياتها برفقة تلك البقرة الحنون . تتأسف وضحة على الماضي عندما كان أولادها صغاراً ، وتجمعهم حولها كما الصيصان ، تطعمهم ، و تجني من أجلهم . لقد كبروا ، لم يعودوا كما الصيصان ، بل أصبحوا يرفعون صوتهم عليها فتشعر بالقسوة . بعد أيام ماتت بقرة وضحة ، أصبحت أذهب كل يوم لمواساتها ، وفي هذه المرّة أخبرتني أنّها سوف تهجّ من البيت وتمشي على غير هدى، كلّ ما يخيفها أن يمسك بها أولادها المدافعين عن الله ويحكموا عليها بالقتل . سألت نفسي : هل يمكن مساعدة وضحة ؟ مهما فكرت في إيجاد طريقة لإنقاذها لا أستطيع . الموضوع لا يتعلق بها وببقرتها فقط بل بكل النساء هناك في تلك المنطقة فالقيود لديهن ذاتية ، و الرقيب من دواخلهنّ ، أغلبهن يربي بقرة، أو عدة أغنام . رأيت في الأخبار بعد فترة كيف تمّ رجم وضحة بعد أن أعادوها من طريق الصحراء و اتهموها بالزنى . كان ألادها من ضمن الذين نفّذوا حكم الله. يا للتخلّف! أرفض أن أكون ضحيّة كما وضحة. . . أشعر أنني أشبهها في وحدتها، في عجزها ، في استسلامها للذّل . أنا مثلها بثوب حضري . رأيت امرأة على التلفاز تقود منظمة تدعو للحرية ، تعيش في أمريكا ، تشبه وضحة في أشياء كثيرة ، فقط ثياب وضحة أجمل لأنها ثياب تقليدية . تلك المرأة التي تقود مجموعة الحرية تخفي جسدها تحت ثياب تظهرها كأنها قادمة من مكان غير موجود على الكرة الأرضية، وحولها رجال الحرية بربطات عنق حمراء ، يحملون المصاحف و الإناجيل ، لكنهم لا يحملون التوراة لأنهم يعادون اليهود ، وكان المشرف على مجموعة الحرية تلك الجنرال اسحق الذي يقيم في نفس مكان المجموعة. إذا كانت تلك المرأة التي تقود مجموعة الحرية كبوري الصوبا بمظهرها، كيف يمكنني أن أؤمن بمقولتها، لكنها تذهب إلى الأمم المتحدة تدافع عن الحرية ، و إلى الدّول العربية الغنيّة، فمعنى ذلك أنها تملك مواهب مميزة! كيف يمكنني أن أقود مجموعة للحرية تجعلني أتنقل بين دول العالم؟ طبعاً لا يمكنني فأنا من صنف البشر المصنفين أنهم خارج القوس، وقائدة مجموعة الحرية كان والدها وزيراً سابقاً ، وزوجها يورّد السلاح للمحاربين من أجل الله، وأخو زوجها يورّد السّلاح للذين يحاربونهم. إنهم يربحون كثيراً، ولهم شركة ضخمة في دولة غربية يعيشون فيها اسمها " الحرية ليمتد" . أناقش نفسي كثيراً. سوف أغادر هذا البلد من أجل العمل في مكان آخر ، بعد طول عناء استطعت أن أذهب أنا وزوجي إلى بلد عربي غنّي ، و أصبحت أبحث عن عمل ، فوجدت وظيفة في فرع شركة " الحرية ليمتد" . الشروط قاسية، و المرتب قليل ، لكن قد أعيش هنا أفضل . لم يبحث زوجي عن عمل بل إنّه يمارس عملاً " ناشط في حقوق المرأة" . البارحة كان له محاضرة عن النسوية الحقيقية و التي يمثلها الإسلام في أبهى صورها . لا يوجد وضحة هنا كي أتسوّل منها الحليب . عليّ أن أعود إلى سرقة المواد فهنا المتاجر أكبر، السّرقة أسهل . أصبحت السّرقة لدي نمط حياة ، فلولاها لما تمكنت من إنهاء الشهر بمرتبي البسيط . بين الفترة و الأخرى يتم تكريمنا " عمال فرع شركة " الحرية ليمتد " يوزعون لنا سلّة غذائية ، هذا ماحدث لنا البارحة حيث فازت الشركة بالدرجة الأولى بالتعامل الإنساني ، ومراعاة قيم العدالة الاجتماعية و المساواة . جلبوا زوجي فألقى خطاباً حماسياً عن امتداد تلك الشركة العظيمة للوطن الأم ، وتمكنها من مراعاة حقوق جميع الأعضاء نساء ورجالاً . لقد مضى العمر مسرعاً بينما أعيش حالة وضحة أينما ذهبت . كبر أولادي ، وربما هم يشبهون أولاد وضحة . عليّ أن أهجّ من هذا البلد المضيف الذي هو امتداد لبلدي، فأينما ذهبت هناك ما يدعى عليّة القوم من أبناء الوطن سوف يحكمونني . عليّ أن أهج دون أن أعرف إلى أين حتى لو رجمت كما وضحة . لكن إمكانيتي أفضل من وضحة، لدي إسوار ذهبي سوف أبيعه بالسر ، و أحاول الهرب بثمنه، كل ما أخشاه أن يكون من سوف يهرّبني هو أحد أعضاء شبكة الحرية، أو شبكة الوطن ، يأخذون الثمن ، ويتواصلون مع مجموعة الحرية فيعيدونني ذليلة . لو قدّر لي أن أنجو سوف أؤسس منظمة اسمها: " كلنا وضحة" . على الأغلب أن تلك المنظمة لن تنجح، لكنهم سوف يستعيرون التسمية فهي مناسبة لمجموعة فيسبوكية. . .
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نساء أمل -1-
-
اشتعال -الجزء الأخير -
-
اشتعال-10-
-
اشتعال -9-
-
اشتعال -8-
-
اشتعال -7-
-
اشتعال -6-
-
اشتعال-5-
-
اشتعال -4-
-
اشتعال -3-
-
اشتعال -2-
-
اشتعال
-
من مذكرات أمل -حياة شخصية
-
لا تدبك إن كان قربك ميّت
-
تشبه الكوابيس
-
حول الرفاه و المال
-
من مذكرات أمل
-
ماذا حملنا في حقائبنا إلى الغرب
-
تمجيد الدّكتاتورية
-
آلهة الرّحمة
المزيد.....
-
تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
-
المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز
...
-
طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه
...
-
بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال
...
-
كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم
...
-
عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة
...
-
مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
-
محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
-
إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
-
شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي
...
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|