أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي رشيد - الى جان دمو في زمن الفجيعة














المزيد.....

الى جان دمو في زمن الفجيعة


علي رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 486 - 2003 / 5 / 13 - 05:27
المحور: الادب والفن
    


 

هل يحق لي أن أرثيك أيها النائم فوق فوضى الرحيل ، ومسالك المدن الممنوعة من الرغبات ، هل يحق لي أن أرثيك ايها المستديم في ضياع جميل أوصلك لموت بعيد عن إلفة الأمكنة التي لم تألفها  .
وهذا العذاب السرمدي وهو يوشم تفجعه في ملامحك المترعة بالحرمان ، كيف له أن يجد نبيا زاهدا بالجاه ، وضجيج التعاليم وبهلوانية الكتبة الصغار ونساخي الكذب ومروجي ثقافة الأشاعة وكتاب التقاريروالنميمة ، والشعراء المنسوجين على هيئة مدح  .
 كيف يمكن لهذا العذاب الذي مارس زهوه بفروسيتك أن يجد نبيا بعد رحيلك ايها النبي الهائم خارج الزمن المر وصلافته المختومة بالخسران .
 كيف يمكن لهذا العذاب أن يستوطن جسد نحيل متمرد على زمنه الضاج بالخديعة والردح ، زمن القتل الضرورة ، والموت الضرورة ،  والحرب الضرورة ، ومفلسف هذا الزمن  ( القائد) الضرورة ، والابن ( المشوه ) الضرورة ، وهو يتربع فوق عرش الكلمة ويفتض نزاهتها  
( الكلمة التي أسسّت لعفتها ) بينما تقافز مثقفو الفرص كالثعالب الفرحة بكل كم الخراب الذي أطاح بعفة الشعر ،
جان دمو أيها الشاعر الفذ بنقائه ، لا بسلطة النص ، ايها المثقف الفذ بتمرده ، لا بكم الكتب المقروءة ، أيها المتمرد الحي الناضج بغيابه الحاضر ابدا ، لم تتزين للأماسي التي كانت تضج بالنباحين ومتصيدي العطايا والمتهافتين على فتات السلطة ، ولم تتصيدك العدسات في منابر الشعر ومرابد الكساد ونخاسة البيع للضمائر والنصوص .
جان دمو مؤسس ثقافة المقهى والبار .  ثقافة كانت تطيح بثقافة المؤسسة والوزارات وتهمش فاعليتها ، فلا غرابة أن يتمسح بأسمك ، وبمقهاك ، ومشربك النزيه حشد من مثقفي السلطة و التقارير، ومحرري وكتاب الصحف الرسمية .
 طوال حياتك وحتى بعد يومين من غيابك ، مازال هذا الرهط الرسمي  يغتسل بتاريخك من كلّ خطاياه ونصوصه وسلوكه المصهور بمصطلح التدنيس وتعكيرعذوبة الشعر ، كان و مازال هذا الرهط ينافق اسمك في كتاباته ، كم هائل من الكذب والتدنيس كانت تسطره خيالات وأحلام الكتاب والشعراء من أصحاب الزي الرسمي والمكاتب الفاخرة في وزارة الثقافة والأعلام ومثقفي الأمية الشائعة .
وسأعود لسؤالي البدء ، هل يحق لي رثاءك ؟ وأنا لست صديقا لك ولم أجالسك سوى مرتين يتيمتين طوال حياتي ، ومرة ثالثة جلست معنا في بار السعدون (في شارع السعدون ) أواخر السبعينات  لتشرب كأسك على عجل ، كأسك الذي دعيناك لتناوله معنا محبة حين كنا نحتفل بتخرج وتفوق صديقنا الفنان التشكيلي حسن عبود ( استاذ مادة الكرافيك في معهد الفنون الجميلة ) ، وكنا نتبارى لجرك الى الحديث عن الشعر والترجمة ، أنا وحسن والفنان عبد الأمير علوان والمسرحي سمير عبد الجبار والفنان علي الحمداني والشاعر الراحل و الجميل صاحب الشاهر رديفك في الصعلكة والفوضى والموت ، لكنك أصررت ( مجالستك الممتدة لنصف ساعة ) في الحديث عن طعم البيرة ودهاء أصحاب البار في غش البيرة ( الفل ) الرخيصة ، ولم نتمكن من أن ندون في ذاكرتنا حديثا مباشرا لك عن الشعر والحياة وبعد أن سرقتنا الحروب والمنافي لم ألتقيك بعدها أبدا .
 جان دمو اسم  عصي على المزايدة ، أسم يتكالب الأدعياء ( زورا ) بتدوينه بتاريخهم الشخصي الزائف ، ربما ليتجملوا من عهر سلوكي يلازمهم فيحاولوا أن ينتموا ( حتى ولو من خلال مقال مزور ) لعالمك الفنطازي الشاتم لقطيعهم ، خصوصا وهم يعرفون جيدا بأنك لن تقرب كتاباتهم ولست معنيا بتكذيبهم عن سيناريوهات تراكمت عن سكراتهم معك ، وضياعهم وصعلكتهم ( المزعومة ) وبصحبتك في المدن والبارات الممهورة بغيابك ، ومناداتك بأسمائهم لحظة السكر ، وتقاسمك وإياهم أرائك المقاهي والبارات في ليالي الشتاء  ، في الوقت الذي كان هؤلاء الأدعياء ينامون في فنادق الدرجة الأولى أيام المهرجانات ، ويمتلكون بيوتا وسيارات ( من هبات القائد ) ويمتلكون مرتب شهريا لايحلم جان دمو في الحصول على ثلثه وطيلة عمره .                
 جان دمو أيها الراحل  في صمته الأبدي الى صمت أبدي  .
 ربما جاء رحيلك أعتراضا على زمن أناخ عصر الفجيعة بين ثنايا هزائمنا وموتنا وخذلاننا ، زمن المقابر الجماعية ، وقتلى الحروب ، والمناحاة ، زمن اختفاء القتلة بعدما سرقوا عمرك وشوهوا الوطن المرسوم في مخيلتك ، زمن الانفلات والموت والحرائق ، ربما كنت تتساءل
أي بغداد ستعود لتتشرد في شوارعها ، وأي بار ستقضي بقية عمرك بين أرائكه وأي صحبة ستسامرهم   بعدما أحترقت بغداد ، وتشوهت خارطة الذاكرة والأرصفة والمقاهي التي كنت تتمنى أن تعود لألفتها ، وتناثرت أجساد الصحب والحبيبات  ، الى أي زمن كنت ستعود ، والى أي ذاكرة تحن ، بعدما دجّن الدمار والموت والكوليرا العراق لفجيعة جديدة تتحدث الأنكليزية هذه المرة ، بعدما توارى منظمو فجيعتنا الأولى وانتهاء مرحلة فجيعة السلطة وتحولنا الى فجيعة العولمة .
  هل استكان الموت بهدأتك ، أم أنك من سيدوّن بهذا الموت زمن رحيلك المبكر ، فتروض تجهمه الفج ليشاركك أنخاب كؤوس مازالت مترعة بهذيان السكرة الأولى والموت الأول .

هامش : أكرر أعتذاري لجان دمو عن رثائي هذا  ، وسأترك لجيش من المتمسّحين بذاكرته أن يتحدثوا ( بزيف )  عن  أيامهم ومنادمتهم معه ، لابأس يا جان أنه زمن النساخين ، فداوم بانشغالك بالموت عنهم ، كما كنت مشغولا بسكرتك عن ضجيجهم .
علي رشيد
11-5-2003



#علي_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي زمن رديء هذا ...
- العهر الأخلاقي والثقافي 6
- العهر الأخلاقي والثقافي 5
- سلاما لسعدي يوسف وهو يستعير صوت العراق
- العراق الذي نريد
- العهر الأخلاقي والثقافي 4
- الليل بلاغة عمياء
- العهر الأخلاقي والثقافي 3
- هل هو طهر حقا ؟
- العهر الأخلاقي والثقافي 2
- الذي نام على عشبه - إلى الصديق حمزة الحسن وهو يترقّب حرائق أ ...
- خرق
- رفضي للحروب
- توضيح حول مقال بأسم علي رشيد
- تفاصيل الذاكرة
- عواء البنادق


المزيد.....




- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي رشيد - الى جان دمو في زمن الفجيعة