أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فهد المضحكي - حديث عن المثقف















المزيد.....

حديث عن المثقف


فهد المضحكي

الحوار المتمدن-العدد: 7009 - 2021 / 9 / 4 - 11:43
المحور: الادب والفن
    


ثمة من يرى أن الغرور يجعل من المثقف غير مقبول في المشهد الثقافي والاجتماعي مهما كان مبدعًا، فالناس يأسرهم الإنسان المتواضع القريب منهم، بعكس ذلك الذي لا يسمع إلا نفسه، ولا يبصر الانعكاس مرآته الخاصة، ويتعامل بدونية مقرفة كما لو أنهم فائضون عن حاجته، إن المثقف أو المبدع الحقيقي لا يتعامل مع الآخرين بتلك الطريقة مهما كبر وحلّق مع إبداعه، بل يحلق بالتساوي مع جميع البشر الذين هم متذوقون لما يكتبه من إبداع. يعني ذلك، أن المثقف هو ذلك الكائن الذي يحترم الإنسان بعيدًا عن الطبقية والجنس. ولدى تناولنا هذه الإشكالية لابد من الإشارة إلى رأي الناقد الأكاديمي السعودي عبدالرحمن العناد بأن المتغطرس من المثقفين و- السياسيين - ومهما كان ما وصل إليه من الإبداع والشهرة وغيرها فإن ذلك مدعاة من التقليل من شأنه. وهو بعيد عن المثقف الحقيقي الذي يبتعد عن صفة الغرور فهو أكثر أريحية وأكثر تواضعًا وقابلية للنزول للجذور العادية للإنسان.

إن المثقف الذي يتعامل مع الآخرين بفوقية وتعال وغرور ونرجسية فإنه يحاول أن يخفي شيئًا يخشى من ظهوره أو تكشف بعض الأوراق بذلك الغرور، فيضع المسافات بينه وبين الآخرين حتى لا تتكشف بعض السلبيات التي فيه، ونجد ذلك ليس على مستوى الأدباء بل على مستوى المتعلمين الأكاديميين والسياسيين! وفي الواقع إن الثقافة على عكس ذلك فكلما ازداد المرء ثقافة يجب أن يزداد تواضعًا لأن الثقافة تهذب وترتقي بالإنسان.

وعن علاقة المثقف بالمجتمع يقول المفكر الألماني هربرت ماركيوز: «موت المثقف يكمن في تخليه عن وظيفته المتمثلة فى تحرير الوعي عن الأوهام، ورفض الاوضاع السائدة.. إن مهمة المثقف هي صون الحقيقة من الضياع».

كتب أحد المثقفين السوريين مقالاً عن المثقف والتحديات ملخصه جرت العادة أن تتطلع المجتمعات الى دور إنقاذي للمثقفين في أوقات المحن والأزمات أو في لحظات التحول العاصفة، كنوعٍ من الإقرار بالوظيفة الخاصة لهم في الرد عما يستجد من تطورات، وفي إعادة بناء وعي نقدي وأفكار جديدة يفترض أنهم أقدر المعنين ببنائها، الأمر الذي يفسر الحال السؤال عن حال المثقفين اليوم وما يمكن أن يفعلوه مع تسارع انكشاف أزمات مجتمعاتنا العربية.

وعلى الرغم من أن المثقفين لا يشكلون كتلة متجانسة موحدة الأهداف والاهتمامات، بل هم جماعة متنوعة المهام تخترقها المصالح والصراعات الاجتماعية، إلا أن ثمة مشترك يجمعهم بصفتهم عمومًا أشد البشر التصاقًا بالمعرفة واقربهم الى تحكيم العقل والنقد وأكثرهم استعدادًا للتعبير الإبداعي والإنساني عن هموم البشر وتطلعاتهم، ما يضع على عاتقهم مواجهة الأزمات والمازق المختلفة.

لقد لعب غياب الديمقراطية والحريات دورًا نوعيًا في انحسار الفكر وتراجع دور المثقف النقدي والملتزم، ونجاح أغلب الأنظمة العربية في إلحاق المعرفة بالسلطة ومطاردة المفكرين المخلصين وتحطيم أقلام النقاد أدى إلى خنق الثقافة وتدجينها لتصبح مجرد صدى لا فعل إبداع، وما أكمل الدائرة ضعف مقاومة المثقفين الديمقراطيين تقصيرهم في نصرة الديمقراطية أو اختزالها في وعي بعضهم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض المثقفين أحجموا ولأسباب متنوعة عن ممارسة نقد حازم ضد انعدام الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان.

تذهب بعض التحليلات الى أن الألفية الثالثة أظهرت إن معظم المثقفين العرب الذين غصت بهم شوارع المدن العربية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وهم يهتفون بشعارات العدل والحرية والمساواة، وضد الديكتاتوريات العربية، ليسوا أفضل حالاً من أولئك الذين يمتهنون الأديان ويتاجرون بعذابات الناس، فالثقافة عند بعضهم مهنة للترزق وكسب العيش، فهم لا يترددون في انخراطهم بالتجاذبات الطائفية والمذهبية لمصلحة طرف ما.

يقول الكاتب والباحث الفلسطيني المستنير حسن عاصي انقسم المثقفون بين من انتقل من جادة اليسار الثوري الى اليمين الرجعي والقلة اليسيرة من المثقفين اختارت مقاومة الاستبداد والشقاء والتخلف. لقد ولى الزمن الذي فيه المثقفون العرب يشكلون الضمير الحي اليقظ، الذي يعكس واقع وهوية المجتمعات، حين لم يكن المثقفون فيه يخشون من الاصطدام بالسلطتين السياسية والدينية، وبكل من يكرس ثقافة التجهيل. عصر مضى كان فيه المثقفون ينحتون الحجر بهدف تطوير المجتمعات العربية وترسيخ مفاهيم تدعو لاستخدام العقل لا إغفاله، والقضاء على النظام الأبوي ومجتمع القبيلة والطائفة، وترسيخ قيم ومفاهيم الحداثة وبناء دولة المؤسسات والمواطنة.

إن مواقف بعض المثقفين العرب صعدت وهبطت وتبدلت يمينًا ويسارًا عبر العقود الماضية، فنجد بعض المثقفين من دعموا هذا الزعيم أو ذاك وساندوه ومدحوه، ثم قاموا بالهجوم عليه في فترة مختلفة، ومنهم من تبنى الأيديولوجية الدينية أو اليسارية ثم انقلب عليها، وآخرون من أشد دعاة التنوير والديمقراطية، فأصبحوا يدافعون عن الإسلام السياسي، وعن الديكتاتوريات العربية. في الشرق المفجوع بالقهر والاستبداد، يتعمد بعض المثقفين أن يلجأ لصياغة مواقفه بلغة متوارية تحتمل التأويل والتفسير على أكثر من معنى، وبذلك يتمكنون من التملص إن تم إخضاعهم لمحاسبة أو مساءلة أو توظيف المعنى لمصلحة تحقيق مآرب محددة، ذلك لأنهم لا يستطيعون التصريح تمامًا بأفكارهم كما هي، لأن الضوابط التي حددتها السلطة السياسية أو الدينية أو المجتمعية لا تتيح للمثقفين حرية أن يقولوا ما يؤمنون به ويكتبون ما يعتقدون. الأمر السيئ هنا أنه قد تنشأ نتيجة هذه الأوضاع، شريحة من الانتهازيين تقدم على هذا الخطاب غير الواضح، وبالتالي تسهم في خلق حالة من عدم احترام الفكر لذاته، وأجواء ثقافية غير صحية تعزز الرأي الواحد وتقمع الرأي المستقل.

مثلما أسهم المثقفون التنويريون الغربيون في نهضة أوربا، وكما فعل عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر بمقاربات التجديد الديني، فإن الراهن العربي بكافة أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية، يفرض تحديات جسمية وأسئلة مركبة كبيرة ومعقدة، تتطلب مقاربات وإجابات من عقول متخصصة ومتسلحة بالمعرفة والوعي والبحث العلمي، وهذا دور ومهمة المفكرين والمثقفين العرب.



#فهد_المضحكي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طه حسين رائد من رواد التنوير
- أمريكا الجنوبية وصعود اليسار
- تونس والمشروع التركي!
- مجلاتنا الثقافية القديمة.. ودورها التنويري
- حول النهوض بالمرأة في المجتمعات العربية
- الجامعات العربية ومقاومة الإرهاب
- شبلي شميّل
- حول تحديث الخطاب الديني
- صندوق النقد الدولي
- فؤاد مرسي الاقتصادي المبدع
- سياسة بايدن الخارجية
- أبرز تحديات اللغة العربية
- يحيى حقي القنديل المضيء
- التعليم عن بُعد
- ميشيل كامل
- شماعة كورونا!
- الأزمة الأوكرانية والتصعيد الأمريكي!
- الاتحاد الأوروبي وإعادة تقسيم العالم اقتصاديًا
- عن العقل والعقلانية
- التنظيم الدولي للجماعة


المزيد.....




- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فهد المضحكي - حديث عن المثقف