أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مفيد مسوح - لبنان بين رجعيتين















المزيد.....

لبنان بين رجعيتين


مفيد مسوح

الحوار المتمدن-العدد: 1645 - 2006 / 8 / 17 - 11:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


معارك المواجهة وغارات العدو الإسرائيلي الهمجية على أرض لبنان وشعبه في قراهم وأعمالهم حقَّقت جزءاً مهماً من أهداف الرجعية الأنانية في الداخل ومن أهداف مماثلة للرجعية الحقودة في الخارج.
لبنان الحضاري الحرُّ المسالم، لبنان الوديع العذب، لبنان المحبَّة والعقل والحكمة والعطاء وصدق العلاقة بين الطبيعة والإنسان وجدوى التفاعل بين أبنائه من جهة وبينهم وبين الآخرين من جهة ثانية .. هذا اللبنان الذي شمخ أرزه على مرِّ الدهور وشمخ في عبقه تاريخٌ مليء بالآداب أروعها والفنون أجملها وبالحنين دروساً للأجيال تعرف فيها معاني الخير والمحبة والعدل والمساواة والسعادة التي تستحق النضال من أجل صونها، ولو بالعيون والأفئدة .. هذا اللبنان دفع الآن ثمناً باهظاً باهظاً .. مقابل ماذا؟
أنقول مقابل حريَّته؟!، التي اعتاد كثيرون، للأسف، استغلال مناخ الدفء والمحبة وبيئة الحرية إيَّاها فوق تراب لبنان لدوسها تخايلاً وتباهياً بالقسوة والقدرة على الإرهاب وتصفية لحسابات سلطوية أو آيديولوجية أو مالية .. لو أتت خسائر لبنان هذه مقابل حريته لهان الأمر .. إذ الحرية تعادل الحياة.
أم نقول ثمناً لتآمرٍ، عبْر سوق الشرق الأوسط للمراهنات والمزايدات .. تآمر بعيد الأهداف، مراحلُه صفقات صغيرة خدمةٌ لصفقات أخرى أكبر وأكثر خطورة، لا يكترث أبطالها بهول ما نراه نحن كارثة بينما لا تهتز لمشاهد القتل والتدمير فيه نفوسُهم وقد خلت من المشاعرالإنسانية؟!.
ربما توقَّف اليوم نزيف الدم، وتوقفت الغارات وبدأ السياسيون والاقتصاديون وغيرهم العمل في تضميد الجراح وككفكفة الدموع والبحث في مقتضيات المرحلة التالية .. ولكن الكارثة الفظيعة ستبقى في جوهرها مالم يقطع المجتمع اللبناني، بقيادة حكيمة متآلفة تقدمية، الطريق على تجار السياسة والشعارات وزملائهم أبطال الصفقات والتجاذبات والتعهد لجهات غير لبنانية بالسهر من أجل (المصالح المشتركة) ..
وقد نرى البعض وقد انهمك في تنظيف مقاعد (فرسان المعارك) التي لحقها الغبار وتزيين ساحات النصر ورفع أقواسُها، ذرَّاً للرماد في العيون ودفعاً لاحتمالات المحاسبة وكشف الأدوار وتحديد المسؤوليات عن النتائج "الوخيمة" والثمن "الباهظ"، فقاموا يتفنَّنون بعبارات النَّصر وترديد أهازيجه على كافة الجبهات تحية لـ (أبطال الجهاد)، الذين سطَّروا (أمتع) ملاحم النصر الذي عجزت عن صنعه (جيوشٌ كان قد تمَّ تجييشها) .. ومن شّرِّ البليَّة أن عباراتٍ مثل هذه سنسمعها من قوَّاد جيوش ورجال ديبلوماسيات وزعماء مخضرمين غاب عن بالهم أن الإعلان عن انتصار اليوم يحمل في طياته اعترافاً بهزيمة الأمس.
على الضفة الأخرى سيظهر القتلةُ بدورهم أبطالاً وطنيين، إذ بشجاعتهم وبسالتهم ردُّوا عن بلدهم (خطراً كبيراً) وطوَّعوا مشكِّليه بعد القضاء على قوَّتهم وكسْر شوكتهم وإفقارهم وإشغالهم بتضميد الجراح وإعادة البناء .. ومع هذا فمما لا شكَّ فيه أنهم لن يشغلوا ذواتهم ومواطنيهم بالاحتفال بالنَّصر .. فهي ليست الأولى في حياتهم!
للكفاح من أجل الحرية أشكالٌ سجَّلها التاريخ على صفحات ناصعة البياض .. استبسل فيها الناس مستخدمين عقولهم دون انقيادٍ عاطفي، وكان وراءَهم قادةٌ نزيهون وطنيون ليس في حساباتهم سوى عزة الوطن بأرضه وبجميع أبنائه سعداء متلاحمين متحابين.
ما شهده لبنان خلال أكثر من أربعة عقود، ومازال، قد لا يدخل في خانات الكفاح من أجل الحرية. إن هو إلا سجلٌّ حافلٌ بالاعتداءات المتكررة والمتلاحقة الصارخة الشرسة والوقحة، المتعددة العناصر والمؤثرات والأشكال، على أرض لبنان، والتي دفع ثمناً لها قروناً من الكفاح المبلَّل بالدماء وبالدموع، وكانت إكليلَ الغار الذي حمله رأسٌ شامخٌ يصنع الأمجاد. حرية لبنان واستقلاله لم تكن قبل أربعة عقود موضوع بحث يُستحَثُّ اللبنانيون لتحقيقها أو حتى لصونها .. كان لبنان بربوعه الطيبة واتساع بيوته ورحابة صدور أبنائه ملاذَ الهاربين من بطش الديكتاتوريات والباحثين عن الأمن والحرية والعدالة وكذلك عن العمل هرباً من البطالة وعن بيئة تحقيق الإبداعات هجرةً من الأماكن التي لا تقدِّر الإبداع .. كان المسرح الكبير للفنون والآداب ومقصد من تعتبر ثقافةُ سلطة بلده الفنَّ والأدبَ من المحرَّمات، وكان المنبر الذي وصل من عليه المغمورون في بلدانهم إلى قمم الشهرة والتكريم. وكم تغنَّى وتغزَّل الفنانون والأدباء رسماً وشعراً وموسيقا ومسرحاً وخواطر وأغنيات بلبنان .. حريتِه ودفءِ جنانِه وأحضانِ أهله.
ولكن لبنان كان في نفس الوقت المَخْبأ الذي استطاع الكثير من أصحاب النوايا الخبيثة والبرامج الخاصة انتهازَ الفرصة الذهبية في ظلِّ ما تمتَّعوا به من حرية لإدارة وتوجيه أتباعهم ومراقبة برامجهم وخططهم دونما رادع أو تردُّد في استخدام البلد ومقدَّراته وأفراداً رخيصين من أبنائه تحولوا إلى أدواتٍ سرعان ما ارتهنوا لجهات خارجية تعهَّدت القتال من أجل مصالحها. وبالتطور تعقيداً ومع استفحال التدخُّل السافر من تلك الجهات المتعددة الألوان برزت التيارات والكتل والأحزاب والحركات ذات الانتماءات الدينية والطائفية والعشائرية والآيديولوجية متحوِّلة إلى جبهات اقتتال من أجل المصالح التي لم تكن تمتُّ لا للوطن ولا لحريته بأدنى صلة. وقد عبَّر معظم المحللين التاريخيين والسياسيين عن هذا الواقع بوصفه (اقتتال الآخرين على أرض لبنان)، الذي انتهى من دون أن يتمكن لبنان من التخلص من فضلاته التي تشكل الآن (رجعية الداخل).
لا تريد رجعية لبنان الشديدة التلوُّن العودة به إلى المكانة الرفيعة التي ارتقى إليها سابقاً العصر والمحيطين. ففي الحرية الحقَّة للبنان حياةٌ يضمحل في حيويتها وديموقراطيتها دور الانتمائيات الفطرية ودور شخوص الأحداث وتفضح فيها سلوكيات الصفقات على حساب الوطن وينتصر القانون الوطني على حساب مراكز القوى المدعومة ببيوت سياسية من الخارج. كما أنه في بيئة الحريَّة الحقة فرصٌ للتقدُّم والرفاه والانفتاح على العالم وثقافاته وللتخلص من ثقافات القوقعة والثوابت المقيتة وعقليات أهل الكهف. إن الرجعية بأنواعها لا يمكن أن تكون وطنية لأن حساباتها مبنية على ثوابت أنانية وهي، إن اقتضت مصالحها الفكرية والاقتصادية الولاء لجهات أو دول غير لبنان، لا تتردد بالإجهار بذلك متسترة بحيثيات الأمر الواقع. ومَن لا يتحلى بالوطنية الصادقة لا تهمُّه الحرية الفعلية لا بل إنها تؤرقه. وقد سجَّل التاريخ في صفحاته المؤلمة اشتراك مختلف هذه الأطراف في جرائم فظيعة نالت من حياة أعلامٍ مرموقين ورموزٍ لبنانية وطنية بسبب ما شكَّلته المغتالون أو المستهدفون من خطورة على المصالح الأنانية لشخصيات وجهات متنفِّذة.

من خارج لبنان تتكالب على حريته ومكانته، وهما بفرادتهما شوكة في مآقي أعداء الحرية والتقدم، جهاتٌ ودولٌ وآيديولوجيات تعاضدت (متناسية خلافاتها) انقضاضاً شرساً دون رحمة أو وازع من ضمير على ما يمكن معه أن تعود للبنان حياته ومظاهر ألقه وازدهاره، بعد حقبة سوداء طويلة طويلة. (رجعية الخارج) وجدت في لبنان الضعيف، الذي استُبعِد ظلماً عن مواكبة التطور العالمي وانتُزِعت منه حقوقه في بسط سلطته الوطنية على أرضه ومقدَّراته وحُرِم من اقتناء وتطوير وسائل حماية شعبه وحدوده، وجدت فيه لقمة سائغة سهلة الابتلاع .. لا بل وجبة رخيصة الكلفة ميسورة المنال تتبرع بأطباقها لهذا أو ذاك مقابل (تمتين أوراقٍ) و (تقوية مواقع) في حسابات إقليمية ودولية أو دفعاً لحالات توتر في العلاقات مع العالم. سواء كانت المقومات الآيديولوجية لهذه الرجعيات قومية أم دينية أم سياسية، وسواء كانت مُجاوَرَة هذه الرجعيات جيوغرافية أم جيوسياسية، فإنها، في محصِّلتها، برهنت على التقاءٍ تامٍّ في الأهداف مع الرجعية الشوفينية النَّازيةِ النزعة والمَسْلك – صهيونيَّةِ إسرائيل.
رجعيتان تتواجهان في صراع مرير قاسٍ تعتصر القلوب حزناً من هول نتائجه الكارثية .. ومسرح المواجهة أرض لبنان البريء من الشوفينية أو النازية! رجعيتان عصفت برامجهما، المرتبطة بحسابات إقليمية ودولية، بأرض لبنان وبشعب لبنان، وهزَّت المنطقة برمَّتها وقرَّبتها كثيراً من مخططات الرأسماليات العالمية المتطلعة إلى المزيد من السيطرة وبسط النفوذ.
نجح تحالف رجعيتَي الداخل والخارج في تهديم بيوت اللبنانيين، وهي رموز رخائهم، وتدمير جسورهم، وهي رموز تواصلهم الحضاري وحيويتهم .. ودفع شعب لبنان دماً غالياً ووقتاً من ذهبٍ وتجربةً فتيَّة لإعادة التألق الثقافي والسياحي والاقتصادي، كان يحلم بها في ظل حريته التي طال انتظارها. وقد ينجح هذا التحالف في خطوات قادمة إن تقاطعت مصالح أطرافه مع رؤى ومخططات الولايات المتحدة الأمريكية، وليس هذا بمستبعد، ولن تكون الكارثة أقل وطأة من كارثة صيف 2006! .. فهل يبقى الوطنيون الحضاريون من اللبنانيين البريئين من الفكر الرجعي ومخططاته ورافضو الانتمائيات العقيمة المُخْجِلة والمتطلعون إلى الحرية والتقدم، ضحيةَ التحالفات والمنازعات بين الرجعيتين الغريبتين عنه فكراً وسلوكاً وتراثا.



#مفيد_مسوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس بالمال وحده يحيا لبنان
- امتزاج الفرح بالطبيعة في مسرح الأخوين رحباني
- كتاب جديد
- لو كنتُ عروبياً !
- تديين الأحزاب العلمانية عملٌ رجعيٌّ معادٍ للتطور
- تحزيب الأديان عملٌ رجعيٌّ معادٍ للتطور
- الياس الرحباني سوبر إيديوكيشين ستار
- موسم العـز
- صك إدانة لقناة الجزيرة؟!
- الجـلادون واللغـز
- صك براءة من الفكر الليبيرالي لقناة الجزيرة
- همـزة العفيف وسونيا وفستـان فيفي
- ماذا لو باعت صباح فساتينها ؟!
- نجيـب ســرور الفنـان الرقيـق .. المنــاضل العنيـد - ترتيــــ ...
- العقــل والديــن منفصلان !!
- الأصغر بيوم أفهم بسنة
- مقتطفــات من شعر جميــل صدقي الزهـــاوي في الفلسفة والمـــرأ ...
- شتم المرأة يشفي غليل المتخلفين
- 8 آذار (مارس) اليـــوم العالمــي للمــرأة
- الشبع باستنشاق رائحة الشواء


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مفيد مسوح - لبنان بين رجعيتين