أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مالك ابوعليا - الفلسفة التحليلية المُعاصرة















المزيد.....



الفلسفة التحليلية المُعاصرة


مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)


الحوار المتمدن-العدد: 6977 - 2021 / 8 / 3 - 18:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كاتب المقالة: فلاديسلاف الكساندروفيتش ليكتورسكي*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

الحقيقة الأساسية التي تلفت الأنظار عند دراسة الوضع الحالي للفلسفة التحليلية هي أن جميع المتحدثين باسمها تقريباً يشتركون في الاعتقاد بأن الوضعية المنطقية، التي كانت ذات يوم الأكثر تأثيراً في التيارات التحليلية، آخذة في الانحلال. تُعتَبَر فلسفة التحليل الحالية نوعاً من "ما بعد الوضعية".
قد يبدو هذا التوصيف في تناقض صريح مع الوصف السائد للفلسفة التحليلية ككل باسم "الوضعية الجديدة". في هذا الصدد، يجب مُلاحظة أن هناك أُسساً جدية لتعريف الفلسفة التحليلية بأنها الوضعية الحديثة. في الواقع، هناك سمة حاضرة بوضوح في جميع التيارات والمدارس الفلسفية التحليلية. ان المعيار الذي يُعطي للباحث تبريراً لتصنيفها في اتجاه فلسفي واحد على الرغم من الاختلافات الجوهرية فيما بينها، هو قبولها لمفهوم امكانية حل المسائل الفلسفية بمساعدة التحليل اللغوي (بغض النظر ان كانت اللغة طبيعيةً أم اصطناعية)، وفيما يتعلق بهذا، توجهها نحو "العداء للميتافيزيق" المُعبّر عنه بهذه الحدّة أو تلك. علاوةً على ذلك، يجب أن لا يغيب عن الأذهان أن فلسفة التحليل وُلِدَت واكتسبت أكبر تأثيرٍ لها في البلدان التي كانت تقاليد التجريبية سائدةً فيها منذ فترةٍ طويلة (الولايات المتحدة وبريطانيا)، وأن موضوع الفلسفة التحليلية كان، في كثيرٍ من الأحيان، يتم صياغته بالارتباط مع هذه التقاليد (طبيعة "البيانات الحسية"، تحليل فكرة "التجربة" الخ). هذه السمات تجعل الفلسفة التحليلية أقرب ما تكون الى الوضعية، والتي لطالما تميّزت بالجهود المبذولة لوضع العلم الايجابي كمعرفة تستند الى الأدلة التجريبية، في مقابل "الميتافيزيقيا" الفلسفية غير المُثمرة(1).
أخيراً، لا يُمكن للمرء أن يتجاهل الحقيقة التي لا جدال فيها حول التأثير المُباشر لأفكار راسل وفيتغنشتاين الفلسفية-وهي منبع الفلسفة التحليلية المُعترف به- على تشكيل أساسيات عقيدة التجريبية المنطقية، وهي تيار استفاد من تقنية التحليل للتحقق من صحة المفاهيم الوضعية. كانت الوضعية المنطقية، في العشرينيات والثلاثينيات وأوائل الأربعينيات،، هي الأكثر تأثيراً من بين جميع مدارس الفلسفة التحليلية، وهي المدرسة التي كان يتم في العادة مُطابقتها بالفلسفة التحليلية ككل. ومع ذلك، فان هذه المُطابقة ليست دقيقة تماماً. ان السمات المُميزو للوضع الحالي للفلسفة التحليلية تجعل من المُمكن فهم هذه الحقيقة بوضوحٍ خاص. الحقيقة، هي أن الفلسفة التحليلية، مع التأكيد المُميز لها أن تحليل المعاني اللغوية (والبحث عن معنى "المعنى" نفسه) هي المسألة المركزية في الفلسفة، قد تمظهرت أيضاً في أشكال لم تكن مُرتبطة فقط بالوضعية بالمعنى المُحدد للكلمة، بل ذهبت خارج حدود التجريبية. ينطبق هذا، على سبيل المثال، على الأعمال الفلسفية لراسل، الذي لم يكن أبداً تجريبياً مُتسقاً والذي جمَعَ بين أسلوب التحليل المنطقي والآراء الأفلاطونية حول وجود الكُليّات، في الوقت الذي صاغ فيه تنويعته الخاصة من الفلسفة التحليلية. بالمعنى الدقيق للكلمة، فان المذهب التحليلي لما يُسمى "الذرية المنطقية"، التي تؤكد أن المعاني الأولية لبعض الافتراضات الذرية (المُشتقة من خلال اجراء التحليل حتى نهايته) والتي تتوافق مع "الحقائق الذرية" الموجودة وجوداً حقيقياً، وهو مذهب تطوّر على يد راسل وفيتغنشتاين في العقد الأول من القرن العشرين، ليس شكلاً من أشكال الوضعية. لقد كانت مُطابقةً معنى الافتراض، بامكانية اختباره حسياً (نظرية التحقق من المعنى)، هي التي أتاحت الفرصة للادعاء بصحة الوضعية التجريبية عن طريق تحليل المعاني.
يبدو أن مبدأ التحقق يوفر امكانية مُعارضة افتراضات العلم التجريبي من جهة، بما يبدو أنها عبارات "ميتافيزيقية" فلسفية غير ذات معنى، من جهةٍ أُخرى. وهكذا تمت مُطابقة الوضعية بالفلسفة التحليلية.
وفقاً للوضعية المنطقية، يُمكن للفلسفة أن توجد، من الآن فصاعداً، ليس كنظرية حول هذا الشيء أو ذاك (الواقع أو المعرفة)، ولكن فقط كنوعٍ خاص من نشاط التحليل اللغوي، من أجل الوصول الى هدفين: 1- تنقية العلم من جميع الأحكام والمسائل الزائفة التي لا معنى لها والتي تنشأ نتيجة الاستخدام غير السليم للغة وانتهاك قواعدها المنطقية، و2- ضمان بناء نماذج منطقية ذهنية للتفكير. ان أفضل تكنيك لاجراء التحليل الفلسفي هو استخدام جهاز المنطق الرياضي الذي تم تطويره في القرن العشرين.
يُمكن القول انه في مفهوم الوضعية المنطقية تم طرح مهمة الفصل الكامل بين الافتراضات "الميتافيزيقية" عن التصريحات العلمية في الشكل الأكثر حدةً وصرامةً في تاريخ الفلسفة، في العشرينيات والثلاثينيات. في الوقت نفسه، من وجهة نظر شرائع الوضعية المنطقية، فان حالة تلك المُقدمات الأساسية التي انطلق منها عمل التحليل في اطار هذا المذهب الفلسفي ليست واضحة. ان كان سيتم تصنيف التأكيدات التحليلية (التوتولوجية) tautological (أ) أو التركيبية (الحقائقية) Factual على أنها ذات معنى، فما الذي يُمكن للمرء أن يفعله حيال اطروحة التحقق ذاتها، والتي من الواضح أنها لا تنتمي الى أيٍ من نوعي التأكيدات أعلاه؟ هل يجب اعتبارها "ميتافيزيقية" بلا معنى؟ لكن هذه الفكرة بالتحديد هي التي أصبحت أساسية في العمل على ازالة جميع العبارات "الميتافيزيقية"، وان كانت "ميتافيزيقية" فلن يكون هناك أساس للادعاء بأن "الميتافيزيقيا" قد انهارت وتلاشت.
في الأساس، يحصل نفس الموقف فيما يتعلق بالمبادئ النظرية الأساسية الأُخرى للوضعية الجديدة (مثل فكرة امكانية اختزال مُحتوى العبارات النظرية الصحيحة الى تأكيد "المُعطيات" التجريبية، والتأكيد على الافتقار الى مُحتوى (اي الافتقار لقابلية التحليل) افتراضات المنطق والرياضيات، وقبول فكرة أن جميع العبارات ذات المعنى يُمكن تقسيمها بوضوح الى تحليلية وتركيبية، وما الى ذلك). علاوةً على ذلك، أصبح من الواضح أن كل محاولة للتطبيق المُتسق لمبادئ الوضعية الجديدة في سياق النشاط التحليلي تقود حتماً الى نتيجة مفادها أن فئة العبارات "الميتافيزيقية" (أي تلك المُعرضة للالغاء) لا تشمل فقط العبارات التي لا معنى لها، ولكن أيضاً تلك التي يُسبب الغاءها انهيار البُنى النظرية في مُعظم مجالات المعرفة الخاصة.
كشف مذهب الوضعية المنطقية لتحليل المعرفة العلمية بشكلٍ مُتزايد تناقضه مع التجربة العلمية الحقيقية، والتي اعتُبِرَ تفسيرها الفلسفي السبب الأساسي لوجودها. ونتيجةً لذلك، أصبح هذا المفهوم، الذي يدعي الصرامة والدقة وامكانية اثبات العبارات وتحويل الفلسفة الى شكل من أشكال النشاط المتخصص، والذي صار مُعترفاً به عالمياً بين الفلاسفة التحليليين، صار في حد ذاته، مُجرّد تنويعة من تنويعات "الميتافيزيقيا"، المتهافتة أمام النقد الجاد(2). تنبثق الاتجاهات الجديدة التي جاءت لتحل محل الوضعية المنطقية داخل اطار الفلسفة التحليلية، من نفس هذا الوضع الناشيء.

***

ان أكثر هذه الاتجاهات تأثيراً هي ما يُسمى بفلسفة التحليل اللغوي التي سادت في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية في الفلسفة الانجليزية (يُمكن أيضاً ايجاد مُمثلي هذه المدرسة في الولايات المتحدة). يُمكن اعتبار لودفيغ فيتغنشتاين بحق، في فترته الثانية(الثلاثينيات والأربعينيات)، مؤسسها الحقيقي(3).
ممثلوها الرئيسيون هم غيلبيرت رايل Gilbert Ryle وجون لانغشو اوستن John Langshaw Austin. دعونا نتوقف قليلاً لنضع توصيفاً أكثر تفصيلاً الى حدٍ ما لهذا الاتجاه، ونركّز على عرض اتجاهاتٍ مُعينة في تطور الفلسفة التحليلية المُعاصرة.
يُعارض التحليل اللغوي نفسه بوعي مع الوضعية المنطقية. تم التعبير عن هذا في رفض المُحللين اللغويين لنظرية التحقق من المعنى (مما يجعل من الممكن تجنّب استنتاجات التجريبية الذاتية السخيفة جداً)، وبرفضهم قبول الفكرة القائلة بأن التفكير العلمي هو النموذج الكامل لجميع التفكير الهادف ذو المعنى، وفي رفضهم الاعتراف بالتعريف الوضعي للعبارات الاخبارية ذات المعنى (والذي (اي التعريف)، يُشير، في اطار مذهب التجريبية المنطقية، الى أن العبارات الأخلاقية والجمالية وغيرها من العبارات التقييمية بالاضافة الى العبارات على شكل الأوامر والطلبات والنصائح وما شابه- هي غير ذات معنى من الناحية المنطقية)، وفي رفض الاختزال المنطقي الوضعي، اي فكرة أنه من المُمكن اختزال معنى العبارات من نوعٍ ما الى عباراتٍ من نوعٍ آخر (على سبيل المثال العبارات النظرية الى عباراتٍ تجريبية، وعباراتٍ حول الأشياء المادية الى عباراتٍ حول الأحاسيس).
على النقيض من الوضعية المنطقية، يتم التأكيد على أن اللغة المُستخدمة بالفعل تحتوي على عددٍ من التقسيمات الفرعية والمناطق المُختلفة ("ألعاب لغوية منفصلة على حد تعبير فيتغنشتاين، و"الأنماط المنطقية و"مقولات" اللغة حسب رايل، و"الشرائح" اللغوية تبعاً لفريدريك ويزمان Friedrich Waismann، وما الى ذلك). يختلف منطق الأداء الشكلي للكلمات المُطابقة في كُلٍ من هذه التقسيمات والسياقات اللغوية اختلافاً جوهرياً. لذلك، فان الكلمات والتعبيرات التي تبدو متطابقة خارجياً في جوهرها تمتلك معانٍ غير متطابقة ويتم استخدامها على أُسسٍ مُختلفة وفقاً للسياقات التي يتم استخدامها فيها. علاوةً على ذلك، يشمل السياق أيضاً هدف المُتحدث وعلاقة التصريح بالوضع الحقيقي الذي يُلفظُ فيه، اي الوضع الذي تُفهم من خلاله "لُعبة اللغة"، ليس كعلاقةٍ ثابتة بين كلمات مُعينة بأُخرى، ولكن لأنها تُشكل جزءاً من نشاط انساني حقيقي. تُعتَبَر اللغة مؤسسة اجتماعية وشكل من "أشكال الحياة". المعنى ليس جوهراً حقيقياً مُتميزاً، كما يعتقد المُحللون اللغويين، وليس شيئاً مُجرداً مُعطىً بلغة دلالات شكلية، بل وسيلة أو أُخرى لاستخدام الكلمات في تطبيقٍ مُعيّن.
من المهم أيضاً التأكيد على ما يلي. لا يقتصر الأمر الأساسي للتحليل اللغوي على مجرّد الاشارة الى وجود شرائح واستخداماتٍ مختلفة للغة اليومية، ولكن ايضاً الاعتراف بحقيقة أن عدد هذه الاستخدامات لا حدود له بشكلٍ أساسي (لذلك ليس من المنطقي طرح مهمة اكتشافها جميعاً، أو لنقل مهمة تجميع قائمة كاملة من "التصنيفات" اللغوية)، والأهم من ذلك، على الرغم من وجود نوع معيّن من الرابط بين شرائح مختلفة من اللغة (العاب اللغة)، فان هذا الرابط، في مُعظم الحالات، يستبعد امكانية الكشف عن أي نوعٍ من الخصائصٍ المشتركة للاستخدامات المختلفة للكلمات المتطابقة. وهذا يعني، أنه على الأقل بالنسبة لمعظم الكلمات، لا يُمكن للغة اليومية المُستخدمة فعلياً أن تُقدّم تعريفاتٍ عالمية شاملة على الاطلاق(4).
لا يتعلق ما سبق بالتقنية المصطنعة التي يُمكن استخدامها في العلوم الفردية لأغراض خاصة (على الرغم من أنه لا يُمكن لأي علم فردي الاستغناء عن اللغة الطبيعية)، بل يتعلق فقط باللغة المنطوقة المُستخدمة عادةً.
يرى المُحللون اللغويون أن المشكلات الفلسفية تنشأ بالضبط كنتيجة للفشل في فهم منطق اللغة الطبيعية. لذلك، لا يُمكن حلها الا من خلال التحليل الدقيق لهذه اللغة، من خلال الكشف الدقيق والوصف الدقيق للسياقات المتنوعة لاستخدامات اللغة. ان الاعتقاد بأن هذه المشكلات يُمكن حلها من خلال اكتشاف بعض الخصائص المُشتركة للكلمات التي تقض مضجع الفلاسفة مثلما سعت "الميتافيزيقيا" التقليدية الى القيام به في محاولتها لبناء نظرية منهجية للمقولات الفلسفية، أو من خلال بناء أنظمة لغوية تركيبية تُعطى الكلمات فيها معنىً تعسفياً بعيداً جداً عن المعنى الحقيقي الذي يُمليه استخدامها مثلما سعى الوضعيون المنطقيون الذين قاموا ببناء نماذج لغة اصطناعية، ان كل هذا يعني اتباع مسار ميؤوس منه بوضوح. بطبيعة الحال، فان بناء النماذج اللغوية بمساعدة جهاز المنطق الشكلي هو أمر مفيد وضروري لحل عدد من المهام العلمية والتقنية الخاصة. ومع ذلك، يجب أن نعرف، كما يؤكد ممثلو هذا الاتجاه الفلسفي، أن هذا الجهاز، على الرغم من أهميته، لا يتناسب مع أغراض حل المشكلات الفلسفية، لأن مثل هذه المشكلات موجودة بالضبط نتيجة الفشل في فهم تنوع السياقات اللغوية واستحالة اختزالها الى بعضها البعض، لأنه لا يُمكن أن تُعطى المصطلحات في النظم اللغوية الاصطناعية معانٍ صارمة وواضحة وفقاً لفكرة انشاء مثل هذه الأنظمة. علاوةً على ذلك، فان المعنى الذي يُعطيه المنطق الشكلي للثوابت المنطقية ("كل"، "بعض"، "و"، "أو"، "لو-اذاً") بعيد جداً عن تنوّع معانيها في اللغة الحقيقية. لذلك فان أفضل تطبيق لمُختَلَف مهام التحليل الفلسفي يتم عن طريق التحليل غير الشكلي للغة اليومية غير الرسمية.
وكما كتب بيتر ستراوسون Peter Frederick Strawson أحد أبرز مُمثلي هذه المدرسة الفلسفية، فان برنامج بناء النُظم اللغوية الاصطناعية "مُكرّس لاظهار العلاقات شبه الحاسمة الموجودة بين المفاهيم المبنية. من المُفترض أن هذه العلاقات توجد بالفعل في النظام الذي تم بناؤه، لأن هذه هي الطريقة التي تم بناؤها بها. ولكن حتى هذا النجاح المحدود مُكلف للغاية: تكلفة الانفصال التام عن الحقائق المفاهيمية للخطاب العادي". كما يقول، ألن يكون من الأفضل استبدال مسار التحليل هذا بآخر لفهم "تفسير المفاهيم التي تُحيّر الفلاسفة من خلال الملاحظة الدقيقة للوسائل التي يتم من خلالها استخدام التعبيرات اللغوية المترابطة حقاً في التفكير. وبطبيعة الحال، لن تكون جميع خصائص استخدامها مُهمةً للأغراض الفلسفية. ان قدرة الفيلسوف الفنية تكمن في اكتشاف ما هو مهم لحل مشاكله بالضبط، وبواسطة أي وسيلة"(5).
لقد وصلنا الى نقطة توضيح كيفية فهم المحللين اللغويين لمهام وخصائص البحث الفلسفي. وهنا يجب ملاحظة أنه على الرغم من كل الكراهية التي عبّر عنها التحليل اللغوي للوضعية المنطقية، فان هناك نوعين من الارتباط بين هذين الاتجاهين في الفلسفة التحليلية. يتم التعبير عنها، في المقام الأول، من حقيقة أن منطق التعارض نفسه يضطر المُحللين اللغويين على مناقشة تلك المشكلات الفلسفية وحلولها، والتي كانت ذات أهمية للوضعية المنطقية، باسهاب (مثل مبدأ التحقق ونظرية التحقق من المعنى، وثنائية الأحكام التحليلية والتركيبية، مسألة الاختزال، وما الى ذلك). ثانياً، وهذا هو الأهم، يرث التحليل اللغوي بعض المبادئ الأساسية في فهم طبيعة النشاط الفلسفي، من الوضعية المنطقية.
النقطة المهمة، أن النتيجة، والحصيلة الكاملة لنقد المُحللين للوضعية المنطقية، هي اتهام المبادئ الأولية لهذه الأخيرة بأنها "ميتافيزيقية". ان وصف الوضعية المنطقية على أنها تنويعة من "الميتافيزيقيا" له ما يُبرره بمعنى أن ادعاء الوضعيين المنطقيين بتحويل الفلسفة التي يُمارسونها الى نوعٍ من النشاط المُتخصص والمُثبَت بصرامة والذي لا علاقة له بـ"الميتافيزيقيا" الفلسفية التقليدية، هو ببساطة ادعاء لا يصمد أما النقد. ومع ذلك، اذا تم اعتبار أن "الميتافيزيقيا" تُفهم في هذه الحالة التي أمامنا على أنها تعني النطاق الكامل للمشاكل الفلسفية التقليدية، فانه لا يُمكن اعتبار هذا المُصطلح بحد ذاته بمثابة لائحة اتهام. ان جوهر الأمر، كما يبدو، ليس في الطابع "الميتافيزيقي" للوضعية المنطقية، ولكن في حقيقة أنه ثَبُتَ أنها "ميتافيزيقيا" سيئة للغاية ولا تتوافق مع الممارسة العلمية والاجتماعية المُعاصرة. يفهم المُحللون اللغويين اتهام الوضعية بأنها "ميتافيزيقية"، على أنه مُحاولة منهم لتنفيذ برنامج "مُضاد للميتافيزيقية" أكثر راديكالية. على أي حال، هذه هي الطريقة التي صاغ بها هؤلاء الفلاسفة الذين وقفوا مع مصادر هذا الاتجاه، ولا سيما فيتغنشتاين نفسه. سنُبين الآن المُقاربة التي تتخذها الفلسفة اللغوية من أجل فهم العلاقة بين التحليل و"الميتافيزيقيا" الفلسفية.
يرى المُحللون اللغويون أن العبارات الزائفة "الميتافيزيقية" تنشأ نتيجة انتهاك قواعد استخدام كلمات مُعينة في اللغة العادية. في هذا الصدد، يجب ملاحظة أن المُناقشات الفلسفية لا يُحفزها في لغتنا كُل الكلمات بل فقط بعضها، على سبيل المثال، كلمات مثل "أن يعرف"، أو "حقيقي Real"، "في الواقع in actuality"، "يبدو، "ربما"، "بحق"، "يوجد". يبدو أن المشكلة تكمن في حقيقة أن هذه الكلمات على وجه التحديد تمتلك سمات خاصة مُعينة تجعل من المُمكن اساءة استخدامها. يستخدم الفلاسفة "الميتافيزيقيون" هذه الكلمات اما في سياقات لا يُمكن استخدامها فيها وفقاً لقواعد اللغة اليومية أو يحاولون منحها تعريفات عامة مُعيّنة، مُتجاهلين سياقات لغوية حقيقية لا يُمكن اختزال أحدها الى الآخر.
وعليه، فان مهمة الفيلسوف التحليلي تكمن في الكشف عن مصدر المشاكل "الميتافيزيقية" الزائفة والكشف عن المعنى الحقيقي للكلمات التي استخدمها الفلاسفة "الميتافيزيقيون " بشكلٍ غير صحيح. وهكذا، على سبيل المثال، اذا اكتشفنا، من خلال تحليل كلمة "أن يعرف"، أن لها مجموعة كاملة من المعاني السياقية، والتي يصعب العثور على أي شيء مُشترك من بينها، وبالتالي يؤكد المُحللون اللغويون على هذا الأساس أنه لا يوجد أي تعريف عام لكلمة "المعرفة". وهذا يعني، في رأيهم، أن مُهمة بناء نظرية فلسفية شاملة للمعرفة لا معنىً لها.
دعونا نُلاحظ سمة أُخرى للفلسفة اللغوية. ان "الذرية المنطقية" وهي أحد أشكال الفلسفة التحليلية جمعت (ووحدّت) بناء صورة "ميتافيزيقية" مُتميزة للواقع والمعرفة مع نقد "الميتافيزيقيا" الفلسفية. فرضت الوضعية المنطقية على الفلاسفة ليس فقط هدف القضاء على التأكيدات الزائفة "الميتافيزيقية" ولكن أيضاً مهمة بناء نماذج مثالية Ideal للتفكير ذو المعنى. بعبارةٍ أُخرى، بالنسبة الى الفلاسفة التحليليين هؤلاء، تُستَكمَل مُهمة النقد (السلب) بمهمة ذات طبيعة ايجابية. يقوم مُمثلوا التحليل اللغوي باختزال أهدافهم الى أهداف سلبية Negative صرف، أو كما يُفضلون هم أنفسهم أن يقولوا، أهداف "علاجية": أي القضاء على المشكلات الفلسفية، بمعنى تحرير الفلسفة من نفسها.
وهكذا، تتحول الفلسفة التحليلية على أيديهم الى نوعٍ من "فلسفة الفلسفة" التي تهتم فقط بالمسائل التي طرحها الفلاسفة في الماضي أو الحاضر، ولكن ليس لديها اهتمام بالمسائل التي يهتم بها عُلماء التخصصات الفردية أو أي مُحاولة لحل مسائل الأخلاق الاجتماعية التي يطرحها التطور الاجتماعي المُعاصر.
بالاضافة الى ذلك، لا يُنظَر الى هذه للخاصية على أنها عيب بقدر ما أنها نوع خاص من مزايا التحليل اللغوي، ومؤشّر على الصرامة والدقة المُتزايدة في تقنية البحث الفلسفي ودليل على جعلها تخصص احترافي. كتب رايل أن "...السلوك الجديد في اخضاع المسائل والحُجج للنقد من قِبَل الزملاء المُتخصصين كان له نتيجة مفادها أن الفلاسفة بدأوا يهتمون الى حدٍ كبير بمسائل التكنيك الفلسفي واكتسبوا ذوقاً مُتزايد الصرامة... أصبح الفلاسفة الآن فلاسفة للفلاسفة"(6).
ان المثل الأعلى للمحللين اللغويين هو الفيلسوف الذي لا يصوغ أي أطروحات فلسفية "ميتافيزيقية"، ولا يُحاول حل مشاكل النظرة الى العالم، ولا يضع أنظمة انطولوجية أو ابستمولوجية، بل ذلك الذي ينخرط في نشاط احترافي ومُتخصص بدرجة عالية لاكتشاف المعنى الدقيق للكلمات والتعبيرات بمساعدة تقنيات خاصة واكتشاف الأشياء التي لا معنى لها والقضاء عليها. كان فيتغنشتيان يؤكد أن الفلسفة أصبحت واحدة من العديد من التخصصات الخاصة(7)، بحيث أنه بينما كان للماضي فلاسفة عظماء، ظَهَرَ اليوم فلاسفة "مُحترفون" لأول مرة في التاريخ.
بالطبع، فان الفلسفة، بالمعنى الدقيق للكلمة، وفقاً لفيتغنشتاين، ليست علماً والفيلسوف ليس عالماً. لأن الفيلسوف (الاشارة الى الفيلسوف التحليل) لا يبنى أي نظريات أو فرضيات تفسيرية قد تؤكدها أو تنفيها الحقائق. كما أنه لا يُشبه عالم المنطق أو عالم الرياضيات الذي يضع بُنىً استنتاجية ويُثيبت نظريات تستند الى بعض المُسلمات. يقوم الفيلسوف التحليلي بتحليل معنى الكلمات والتعبيرات في اللغة العادية المُستخدمة وفي وصف ما هو مُعطىً حقاً في اللغة. الفلسفة اذاً، هي تخصص وصفي، ولكن ليس بمعنى العلم التجريبي الوصفي الذي يصوغ تعميماتٍ مُعينة على أساس الحساب الاحصائي للحالات المُختلفة، أي ليس بمعنى علم اللغة الوصفي على سبيل المثال المُهتم بتكرار استخدام عبارات مُحددة، والذي عليه أن ينخرط في بحث تجريبي ملموس ووضع استبيانات مُحددة يُجيب عليها الناس.
تُثير اللغة اهتمام الفيلسوف، ليس لصفاتها اللغوية الصرف، ولكن باعتبارها حاملةً للمعاني. بالاضافة الى ذلك، يُمكن التعبير عن نفس المعنى بوسائل لغوية مُختلفة وحتى بلغات وطنية مختلفة. يستطيع الفيلسوف الكشف عن المعنى من خلال نوعٍ فريدٍ من "التجربة المثالية" Ideal Experiment، أي من خلال تخيّل المواقف المُحتملة التي يُمكن فيها استخدام كلمة مُعينة، وبالنظر في عمل اللغة وتسجيل ما هو "واضح ومباشر".
كتب فيتغنشتاين عن عمل المُحلل اللغوي: "كانت مُلاحظتنا، في وجوب الا تكون نظرتنا نظرةً علمية، قولاً صائباً. فنحن لا تُهمنا التجربة (ان يكون بامكاننا التفكير في كذا وكذا خلافاً لحكمنا المُسبق) مهما كان معنى ذلك (الاعتبار الهوائيي للتفكير). وليس من المفروض علينا أن نؤسس لأية نظرية. لا مكان للافتراضات في نظرتنا للأمور. ينبغي ازاحة كل تفسير واعطاء مكان للوصف فقط، فيتلقى هذا الوصف النور، أي غايته، من المشاكل الفلسفية. وهذه الأخيرة ليست بالطبع مشاكل تجريبية بل مشاكل تُحَل اعتماداً على نفاذنا الى طريقة اشتغال اللغة، بغرض التعرف عليها: مُقابل ميلنا الجارف الى سوء فهمها. لا تُحَل المشاكل بايجاد تجارب جديدة، بل بتنظيم ما وقعت مُلاحظته منذ زمن."(8).
بدوره، يوجه رايل الانتباه الى الاختلاف بين عمل الفيلسوف التحليل وعمل عالم المنطق. يوضح هيل وجهة نظره: "ان عمل الفيلسوف لا يتطابق مع عمل عالم المنطق، على الرغم من أن بعض الفلاسفة هم في نفس الوقت علماء منطق. ولكنه لا يتطابق على اي حال بسبب أن الحُجج الفلسفية تختلف عن الاستنتاجات المنطقية، لا يُمكنها ان تُصبح براهيناً. على عكس البراهين، فان تلك الحُجج ليس لها أي مُقدمات(9).
حقاً، وعلى أساس الوصف العام للفلسفة اللغوية أعلاه، فانه ليس من الصعب الكشف عن التناقضات الداخلية التي تتخللها والتي تقود الى تغيرات مُحددة، ليس فقط خارج حدود هذا الشكل من الفلسفة التحليلية، ولكن، كما سنحاول أن نُبيّن، وفي ظل ظروف مُعينة خارج حدود الفلسفة التحليلية تماماً.
حقيقة الأمر، هي أن التحليل اللغوي يُحاول أن يُثبت نفسه كنوعٍ من التخصص الخاص، وفي حين أنه لم يكن علماً بالمعنى الدقيق للكلمة، فانه كان قادراً على الحصول على نتائج دقيقة لا جدال فيها والتخلص من عبئ المقدمات "الميتافيزيقية"، أي التوصل الى حل خاص للمشكلات الفلسفية يُفهَم بأنه حل أصيل. لكن ما سبق، قد فرض الحاجة الى الامتناع عن صياغة أي لوحة فلسفية وكان مسؤولاً عن القول بأن هذه المدرسة لا تفتقر فقط الى مواقف ومبادئ نظرية وحسب، بل وحتى الى طريقة مُحددة للتحليل كذلك. ان اختيار منهجية مُعينة يعني منحها أفضلية على منهجية أُخرى، وهذا ينطوي حتماً على عواقب "ميتافيزيقية" مُعينة. يدّعي المُحللون اللغويون أنهم يبنون "تحليلاً غير مُخطط له".
ولهذا السبب بالتحديد، كان على فيتغنشتاين أن يؤكد أنه "لا يوجد منهج واحد في الفلسفة، بل توجد مناهج عديدة، أي، ان صح التعبير، طرح علاج مُختلفة"(10).
ان منطق تبنّى فكرة امكانية "التحليل غير المُخطط له" يُجبر رايل على المُضي قُدماً والتأكيد على أنه حتى مناهج هذه المدرسة بالذات ليست هي الوحيدة المُمكنة: "ليس صحيحاً القول بأن هذه المنهجية المُقترحة هي الأكثر مُلائمةً، أو هي وحدها الأفضل، أو أنها جزء من أفضل منهجية للتفلسف، وهذا ليس صحيح حتى ان اعتبرناها مسألة ذوق شخصي. ان قول هذا يُماثل الادلاء بتصريح فلسفي، وهو بالاضافة الى ذلك تصريح من النوع الذي يؤكد مبدأً مُعيناً. لذلك فان المدرسة التي تدعي أنها تسير على الطريق الصحيح لأنها تحتكر المنهجية الأفضل لن تكون سوى حالة خاصة لما درسناه أعلاه، أي احتكاراً ظاهرياً لمبدأ فلسفي"(11). أدى نفس هذا الظرف الى أن قام فيتغنشتاين نفسه أيضاً برفض أي تعريف عام للغة أياً كان (وحتى رفض صياغة أي فكرة عامة حول "المعنى" باعتباره استخداماً) وتفضيله للتحليل العياني لمعنى كلماتٍ مُعينة ضمن "الألعاب اللغوية" الفردية.
في الوقت نفسه، بغض النظر عن مدى رغبة التحليل اللغوي في تجنب العواقب "الميتافيزيقية" الناتجة عن تبني أي برنامجٍ مهما كان، فان الحاجة الى اظهار نفسه (اي التحليل اللغوي) كفلسفة مُختلفة عن كل الفلسفات الأُخرى، فان منطقه ذاته لا يُمكن الا أن يؤدي به الى تبنّي مُقدّمات مُعينة، سواءاً تمت صياغتها صراحةً أو عرضها بنفس اسلوب وممارسة التحليل (وهذا بشكلٍ عام هو تناقض أي فلسفة تدّعي بأنها "حُرّة").
في هذا الصدد، دعونا نوجه انتباهنا الى الثنائية الغريبة الموجودة عند الفلاسفة اللغويين في تقييم الأسلوب التحليلي الذي طوّره فيتغنشتاين (تحديد ما اذا كانت المسألة قد صيغَت "داخل" أم "خارج" لعبة لغة مُعينة، استبدال بعض التعبيرات بتعبيرات أُخرى، وتعريف ما يُسمّى الحالات "الباراديغمية"). من ناحية، فان الالتزام بتعاليم هذه المدرسة يُجبر المرء على أن يطبّق تقنية التحليل اللغوي ويُقيمها تقييماً عالياً كشيء يُمكنه أن يضع حلاً صارماً لا لُبسَ فيه للمسائل الفلسفية. أعلن فيتغنشتاين نفسه، في نقاشٍ له مع مور، أن أهم انجازاته لم يكن استنباط نتائج فلسفية مُعينة، بل ابتكار تكنيك يُمكنه أن يحل المسائل الفلسفية(12). من ناحيةٍ أُخرى، فان الرفض المبدأي لأي منظومة فلسفية (رفض تُمليه اعتبارات النظرية على وجه التحديد) يُجبر فيتغنشتاين وأتباعه أنفسهم على رفض أي منهجية فلسفية مهما كانت.
تُظهر دراسة مُمارسة المُحللين اللغويين أن المُقدمات الفلسفية التي يتخذونها في الواقع كنقاط انطلاق في عملهم، أنها أولاً فلسفية بشكلٍ واضح (أي "ميتافيزيقية" ان استخدمنا لغتهم)، وأنها ثانياً، غير مُقنعة بالمرة.
ان أهم هذه المُقدمات الأساسية، هي، قبل كل شيء، الاصرار على ضرورة البحث عن معاني الكلمات في استخداماتها اليومية، وأنه يُمكن ايجاد جذر المسائل الفلسفية (أي"المشكلات الميتافيزيقية الزائفة" بلغة الفلاسفة التحليليين) في انتهاك قواعد اللغة اليومية. ومع ذلك، فان فكرة "اللغة اليومية" ذاتها غير واضحة. ما الذي يُمكن أن نفهمه منها؟ من الواضح أن اللغة اليومية ليست مُجرّد استخدام للكلمة موجود امبريقياً، فقط لأنه في هذه العملية بالتحديد تنشأ السخافات التي تؤدي الى صعوبات فلسفية وفقاً للمُحللين اللغويين. عندما تُفهَم اللغة اليومية بهذه الطريقة، فانه لا يُمكنها أن تكون معياراً للمعنى.
ومع ذلك، لا يُمكننا أيضاً ان نُعطي لغة الحياة اليومية أي تعريف آخر. على وجة التحديد، لا يُمكننا أن نفهمها على أنها اللغة التي قد نستخدما في ظل ظروف مُعينة على أساس مبدأ وجوب اعتبار التعبير كجزء من اللغة اذا كان يُعطي معنىً في ظل تلك الظروف. النقطة المُهمة هي أنه ان قام المرء بتضمين تلك التعبيرات ذات المعنى في ظل ظروفٍ مُعينة في اللغة اليومية، فمن الواضح أن اللغة اليومية لا يُمكن أن تكون معياراً لما هو ذو معنىً أو لما ليس له معنى. ولكن ان لم يكن واضحاً ما الذي يجب أن يتم تضنيفه مع اللغة اليومية، سيكون من الأكيد أنه من المُستحيل التحدث عن عن عمل الفيلسوف بأنه "وصف" بسيط لاستخدام التعبيرات في تلك اللغة، لأن هذه "الاستخدامات" ليست واضحة بدورها(13)
وبالضبط لأن الاستخدام الحقيقي للغة نفسها يولّد التناقضات، فلا يُمكنها بحد ذاتها (أي اللغة) أن تكون وسيلةً لحلها. يضطر الفلسفة اللغويون في هذا الصدد، الى مُناقشة حقيقة أن "استخدام" عدد من التعابير هو الذي يجعل الخصائص المنطقية الأصيلة لعددٍ من التعابير لأن تُصبح "مخفية" أو "مُشوشة". ولكن في هذه الحالة، من أجل التمييز بين استخدام الكلمات "الحساسة" و"غير الحساسة"، ومن أجل التمييز بين الخصائص المنطقية "الأصيلة" و"الظاهرية" سنكون مضطرين الى اللجوء، وبطريقة خفية، الى بعض المعايير التي تتجاوز حدود مُجرّد الاستخدام الفعلي. لذلك، فان الحُجّة القائلة بأنه يتم الكشلف عن معنى تعبيرٍ مُعيّن من خلال المُلاحظة البسيطة، ومن خلال "النظر" في طريقة اشتغال اللغة، هي حجة ضعيفة ولا تتوافق مع ما يفعله الفلاسفة التحليليون أنفسهم في الممارسة.
حقاً، بأي معنىً يُمكن "النظر" في الخصائص المنطقية للغة اليومية؟ بأي معنىً يُمكننا القول أن لدينا معرفة غير مُتَوَسّطَة، بهذه الخصائص؟
يُلاحظ ماكسويل تشارلزوورث Maxwell John Charlesworth "في الحقيقة، يُمكن الدفاع عن هذا المذهب اما بتحويله الى حشو صرف، أو بتعريف اللغة اليومية على أنها "صحيحة" على أُرضية فلسفية. ولكن في هذه الحالة، ان كان بامكاننا معرفة كيفية استخدام تعبير "اللغة اليومية" فقط بعد قيامنا ببحثٍ فلسفي، فلماذا لا ينطبق هذا أيضاً على جميع التعبيرات الأُخرى؟"(14). بعبارةٍ أُخرى، ان لم نتمكن من حل الصعوبات الفلسفية بمساعدة اللغة اليومية، ولكن على العكس من ذلك، حددنا معيار المعنى بمساعدة اعتبارت فلسفية مُحددة (خفية أو صريحة) فسينهار عندها مفهوم فلسفة التحليل اللغوي كُليّاً.
تجب الاشارة الى أن أنصار هذه المدرسة يقدمون صورة لممارستهم الخاصة تختلف بشكلٍ كبير عن مُجرّد "النظر" في حقائق اللغة. يكتب جـ. بول ان مجرّد جمع حالات مختلفة من استخدام الكلمات لا يبدأ في سرد القصة. "الجوهر" ان جاز التعبير، يُصبح "مرئياً" ليس عن طريق "الحفر" أو "التحليل"، وليس من خلال الملاحظة السلبية لما هو "موجود مُسبقاً أمام أعين المرء"، بل عن طريق "الترتيبات الجديدة" أو حتى "اعادة الترتيبات" العديدة التي يجب أن أقوم بها... لذلك لا توجد منهجية في الفلسفة تماماً كما لا توجد منهجية لاختراع الحالات وترتيبها... بالضبط كما لا توجد منهجية لأن "يُفاجأ" المرء بحقيقة أكثر من أُخرى...(15).
ولكن من هذا يُستَمَد امكانية (وحتمية) الفهم المُختلف لحقائق اللغة والتفسيرات المُختلفة لما ينبغي اعتباره استخداماً صحيحاً لـ"معنى" كلمة معينة. ليس من قبيل المصادفة أن الاختلافات في الرأي بين الفلاسفة الذين يمارسون التحليل اللغوي كبيرة جداً. ليس من الصعب اظهار أن نفس الصعوبات والحلول الأساسية التي طُرِحَت مُسبقاً في تاريخ الفلسفة يتم اعادة انتاجها في الشكل غير المُعتاد لتحليل الكلمات في اللغة المنطوقة. وهكذا على سبيل المثال، عند تحليل الكلمات والتعبيرات المُتعلقة بالعقل (يمُيّز، يُفكر، يحس وما الى ذلك) يتبنى رايل أساساً الموقف السلوكي، بينما يقف ماييز أقرب الى الاستبطان النفسي، وما الى ذلك. يكاد لا يوجد فيلسوف لغوي واحد يتفق تماماً مع أيٍ من زملائه الآخرين.
وهكذا، تُثبت الفلسفة اللغوية نفسها بأنها شكل خاص من "الميتافيزيقيا"، حيث تعرض نفسها مُرتديةً تقنية التحليل اللغوي، على الرغم من عدم رغبتها في اظهار جوهرها الحقيقي.
ولكن، ان أدرَكَ المرء أنه من المُستحيل التهرب من التأكيدات "الميتافيزيقية" في التحليل اللغوي وفي نفس الوقت قَبِلَ بجديّة تأكيد المُحللين بأنه يغيب عندهم أي منهجية فلسفية في عملهم (ليس فقط من خلال مُجرّد قبول مسألة "الخلو من المُقدمات" المزعومة)، فانه تنشأ عندها امكانية بناء المفاهيم "الميتافيزيقية" الأكثر صراحةً والتي لا تدخل في تناقض شكلي مع التحليل اللغوي. تكمن الطبيعة المتناقضة للتحليل اللغوي في حقيقة أنه يذهب في الصراع مع "الميتافيزيقيا" الى ذلك الحد الذي يصير فيه الموقف "المضاد للميتافيزيقيا" "ميتافيزيقياً" من حيث المبدأ. وهكذا، تصل الفلسفة التحليلية، في شكل التحليل اللغوي، الى النقطة التي تُنكر فيها نفسها، وتتجاوز حدود ذاتها.
يُدرِك عدد من الفلاسفة هذا الاحتمال. وهكذا، في كتابه (الأفراد) يبني بيتر ستراوسون Peter Frederick Strawson "ميتافيزيقيا وصفية" مميزة، يحاول من خلالها استخلاص استنتاجات حول البُنية الحقيقية للوجود من تحليل عدد من التعبيرات في اللغة اليومية. يذهب الفيلسوف البارز ستيوارت هامشاير Stuart Hampshire الى أبعد من ذلك بكثير في كتابه (الفكر والفعل)، لا تكون فيه المنهجية التحليلية للتفلسف هي الطريقة الوحيدة أو حتى الرئيسية. يتقاطع المفهوم الفلسفي الذي طوّره هامشاير في عددٍ من النقاط مع أفكار ميرلوبونتي الظواهرية. يطرح هامشاير نقداً خاصاً لادعاء الفلسفة التحليلية بأنها توصلت الى حل نهائي للصعوبات الفلسفية عن طريق تحليل اللغة، ويركد أن تحليل اللغة اليومية نفسها يجب أن يقوم على أساس فهم عملية التطور والتغيّر اللانهائيين، كما اشتراطها بالمؤسسات الاجتماعية. وهو يرى أن "البحث الفلسفي لا يمكن أن يكتمل أبداً"(16). ومع ذلك، يجب تصنيف كُلٌ من ستراوسون وهامشاير في اطار الفلسفة اللغوية، حيث أنهما لا يتخليان تماماً عن تحليل اللغة اليومية أيضاً.
دعونا نستعرض مُفارقة أُخرى في فلسفة اللغة.يكمن في حقيقة أن حل المهمة التي يضعها المُحللون على عاتقهم (انتزاع المشكلات الفلسفية) كان يؤدي الى تدمير كل النشاط الفلسفي، بما في ذلك النشاط الفلسفي التحليلي(17). ان مثل هذا الاستنتاج يتبع فقط عندما تقتصر مهام التحليل اللغوي على المعالجة الفلسفية. ومع ذلك، لو أعطى المرء نشاط المُحللين معنىً ايجابياً مُعيناً، فقد يبدو أن لديه (اي لدى النشاط) آفاق أفضل. لكن ان بقي المرء ضمن حدود تحليل معاني اللغة اليومية، فان الفرصة الوحيدة للعمل الايجابي تكمن في البحث في معاني ليس فقط تلك الكلمات والتعبيرات التي تُتنتج صعوباتٍ فلسفية فقط، بل وأيضاً جميع الأشكال اللغوية المُختلفة، بغض النظر عن علاقتها بالفلسفة. في الواقع اتخذ اوستن ذلك المسار. في هذه الحالة، يخرج التحليل اللغوي بحق عن حدود الفلسفة ويصير نوعاً من التخصص الخاص (على الرغم من أنه لا يُصبح تخصصاً لغوياً). اوستن نفسه قام بدعم فكرة أن تكنيكاته التحليلية تتشابه مع تكنيكات العلوم الطبيعية واعتبر أنه كان يبتكر "علماً جديداً للغة" والذي سيحل محل ما يُسمّى بالفلسفة ويتخطاها تماماً. يقول اوستن لو كانت قواعد النحو أكثر عالميةً وتجريبيةً، فانها ستتضمن الكثير مما تهتم الفلسفة به الآن، وفي هذه الحالة ستُصبح الفلسفة علماً(18).
لكن هناك طريق آخر لتحويل دراسة اللغة اليومية الى مهنة علمية. يتسائل ستيفان تولمين Stephen Toulmin اذا اعترفنا أن اللغة اليومية هي شكل من أشكال الحياة، مرتبطة بطريقة ما بالمؤسسات الاجتماعية، فلماذا لا ندرس اذاً اعتماد اللغة على نظام الثقافة ككل وتغيراتها في العملية الاجتماعية. قد يبدو هذا منطقياً، تماماً مثل دراسة تمكن الطفل من استيعاب اللغة في عملية تطور العقل الفردي (عمل مشابه لما يقوم به جان بياجيه). يرى تولمين أنه ان تم ذلك، فسيؤدي التحليل اللغوي الى ظهور علمٍ جديد من شأنه أن يدرس العلاقة المفاهيمية المُتبادلة بين نمو الطفل وعلم نشوء الانسان(19).
ولكن، يفترض البرنامج الذي صاغه تولمين، أن اللغة اليومية ستتحول من وسيلة لحل المشاكل الفلسفية الى أداة للدراسة العلمية، مما يعني صياغة النظريات والفرضيات وفقاً لجميع القواعد المقبولة في المُجتمع العلمي. بمعنىً آخر، لن يُعبّر تنفيذ هذا البرنامج عن مرحلة جديدة في تطور الفلسفة اللغوية، ولكنه، في جوهره، خروج خارج حدود الفلسفة التحليلية تماماً. وفي الوقت نفسه، لا تحل الدراسة النشوئية للمفاهيم ولا دراسة أصل اللغة المشكلات الفلسفية تلقائياً، وهي وسيلة سعى اليها التحليل اللغوي.
دعونا نختتم عرضنا الموجز لحالة الفلسفة اللغوية المُعاصرة بالتصريح التالي لوايزمان أحد المشاركين في الحركة التحليلية خلال مراحلها المختلفة: "من المُستحيل... اثبات أن تعبيراً مُعيناً طبيعي، أو أن استعارةً ما هي وثيقة الصلة بالموضوع، أو أن هناك سؤالاً منطقياً (أو سؤالاً يُمكن الاجابة عليه) أو أن مجموعة من الكلمات لها معنىً (أو تفتقر اليه)... ان التأكيد على أن الميتافيزيقيا لا معنى لها، هو أمر لا معنى له بحد ذاته"(20)
انه لمن الغريب أن هذا ما أكده مساعد سابق لموريس شليك، وهو عضو نشط في مدرسة فيينا.

***

حاولت الوضعية المنطقية ضمان الفضل الكامل والدقيق بين التأكيدات العلمية و"الميتافيزيقية". كان هناك احتمال أن يؤدي فشل هذه الحيلة الى استنتاج مفاده أن هناك حاجة الى التزام أكثر اتساقاً بخط التحليل الفلسفي "المضاد للميتافيزيقية" الذي لا يتسند الى أي مقدمات فلسفية مهما كانت ("غير مُخططة وغير برنامجية") وفي نفس الوقت توجيه الانتباه في المقام الأول الى حقائق اللغة اليومية، لأنها كانت على وجه التحديد اللغة اليومية الطبيعية التي بدت أنها وسيلة لتوفير علاج أسرع وأكثر موثوقية للمشكلات الزائفة "الميتافيزيقية" أكثر من علمٍ مُثقلٍ بشدة بـ"الميتافيزيقيا". لقد سلكت فلسفة التحليل النفسي هذا الاتجاه. لقد حاولنا من قبل أن نبيّن الى أين أدى هذا.
لكن الاعتراف بفشل برنامج الوضعيية المنطقية يُمكن أن يكون مصحوباً أيضاً باستنتاجٍ آخر. اليست فكرة مواجهة المشاكل الفلسفية بالتخصصات العلمية، هي فكرة عديمة المعنى في حد ذاتها؟ ربما كان من الخطأ محاولة تحرير العلم ككل من كل "الميتافيزيقيات" الفلسفية، وكان ينبغي، بدلاً من ذلك، ان يقتصر الجهد على محاولة تحريرها من "الميتافيزيقيا" السيئة (الوضعية) لصالح تلك "الميتافيزيقيا الجيدة" من ذلك النوع الذي يتوافق مع ممارسة ومنطق عمل المعرفة العلمية اليوم؟
الاجابة الايجابية على هذا السؤال تأخذ المرء- بهذا القدر أو ذاك اعتماداً على مدى راديكالية الاستنتاجات المُستخلصة من هذا- الى خارج اطار الوضعية بالمعنى الدقيق للكلمة، وان لم يكن بالضرورة خارج حدود الفلسفة التحليلية.
نُلاحظ أيضاً أن هذه الاجابة توجه المرء الى البحث في مجال الموضوع الفلسفي والمنهجي للعلم (على خلاف توجه فلسفة التحليل اللغوي). يوجد تحليل مفصّل لاتجاهات منهجية العلم التي حلّت محل الوضعية في مقال شفيريف في هذا العدد من مجلتنا. لذلك سنقتصر على بعض الملاحظات الموجزة المُهمة لتوضيح الصورة العامة لتطور الفلسفة التحليلية المعاصرة.
ان التخلي عن عقيدة الوضعية المنطقية في فهم علاقة الفلسفة بالعلم وفي الدراسة المنهجية للمعرفة العلمية لم يحدث باتساق موحد. عند فلاسفة مثل هربرت فايغل Herbert Feigl اقترن الاعتراف بأهمية ومعنى المشكلة النفسية-الجسدية (التي اعتبرها الوضعيون المنطقيون الأرثذوكسيون على أنها مشكلة زائفة) وقبول المفهوم الابستمولوحي لـ"الواقعية الدلالية" جنباً الى جنب مع الاحتفاظ بالعديد من افتراضات التجريبية المنطقية. يتميز ممثلو ما يُسمى "البراغماتية المنطقية" (ويلارد كوين Willard Van Orman Quine وآرثر باب وغيرهم) بالتخلي عن معظم افتراضات الوضعية المنطقية، ولكن في نفس الوقت، يحتفظون بتوجههم نحو التحليل الذي يُفهم على أنه بناء أنظمة لغوية اصطناعية بمساعدة جهاز المنطق الرياضي كأداة فلسفية. كارل بوبر، الذي لعب دوراً كبيراً في تأطير فكرة الوضعية المنطقية، لم يتخلى فقط عن الوضعية، بل تبنى مفهوم أفلاطوني "واقعي" وانتقل الى حدٍ كبير خارج اطار الفلسفة التحليلية، مؤكداً أن المشاكل الفلسفية لا يُمكن اختزالها في تحليل اللغة.
أخيراً، تحمل الأفكار التي طورها توماس كون (التي تقترب من أفكار ماكسويل وفيريباند وغيرهما) في السنوات الأخيرة طابعاً مضاداً للوضعية بوضوح. انه يوظّف مفهوم "الثورات العلمية" ووجود أنواع من العلوم العلمية من أجل استنتاج أنه لا يوجد حد فاصل لاتاريخي بين ما هو علمي وما هو "ميتافيزيقي". يتم البحث في "الباراديم" الذي يُحد طابع نوع تاريخي مُعين من المعرفة العلمية، ليس فقط كبُنية للغة مصطنعة أو طبيعية، ولكن كشيء مرتبط بعمل جميع المؤسسات الثقافية للمجتمع المُعطى. لا يسع المرء الا أن يعترف أنه على الرغم من جميع نقاط ضعف عمل كون وأنصاره، فانهم لا يقتصرون على التوجه المضاد للوضعية فحسب، بل ويتعدون الى حدٍ كبير حدود هذا النهج لحل المسائل الفلسفية والمنطقية والعلمية التي كانت تُمليها الفلسفة التحليلية.
ان ما سبق هو بعض نتائج واتجاهات تطور الفلسفة التحليلية. لا تمتلك هذه الفلسفة اليوم أي مفاهيم رئيسية ومؤثرة وحسب، بل حتى أنها فقدت الثقة الى حدٍ كبير وتميل بشغف الى امكانية (وحتى حتمية) وجوب وجود اتجاهات غير تحليلية وحتى "ميتافيزيقية" بكل صراحة. ومع ذلك، تستمر في الوقت الحاضر في الهيمنة على الحياة الفلسفية في انجلترا والولايات المتحدة، على الرغم من عدم وجودها بشكلها النقي بل في شكل تركيبات نظرية من أنواعٍ مُختلفة تتضمن بوعي عناصر "ميتافيزيقية" ان الفكرة القائلة بأنه من المُمكن، عن طريق التحليل اللغوي، التخلص من مشكلة النظرة الى العالم الخاصة بالفلسفة، وتحويل الفلسفة الى نوعٍ من التخصص التقني، قد أثبتت بأنها أسطورة.

فلاديسلاف الكساندروفيتش ليكتورسكي
وُلِدَ عام 1932. فيلسوف ماركسي سوفييتي خبير في مجال نظرية المعرفة وعلم النفس وفلسفة العلوم. تخرّجَ من كلية الفلسفة في جامعة موسكو الحكومية عام 1955 وتابع الدراسات العُليا في معهد الفلسفة التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية وتخرّج عام 1959. صار موظف في معهد الفلسفة منذ عام 1957، ورئيس لقسم نظرية المعرفة في الأكاديمية عام 1969.
صار مُرشحاً للعلوم الفلسفية بأطروحته ( الموقف الادراكي) عام 1964، ودكتوراً في الفلسفة لعام 1978 بأطروحة (الذات، الموضوع، الادراك) وبروفيسوراً عام 1979.
من أعماله الأساسية: (مُشكلة الذات والموضوع في الفلسفتين الكلاسيكية والحديثة) 1965.
(الدياليكتيك المادي) 1979. (الذات، الموضوع،، الادراك) 1980
ومن مقالاته: (حول مبادئ البحث المنظومي) 1960، (وحدة النظري والامبريقي في المعرفة العلمية)، (الدياليكتيك ونظرية المعرفة وقوانين التفكير) 1964، (نشوء وبُنية البُنى الفكرية في مفاهيم جان بياجيه-الاتجاهات الأساسية في بحث سيكولوجيا التفكير في الدول الرأسمالية) 1966، (الفلسفة والمنهجية العلمية- مسائل في الفلسفة) 1967.
تُرجِمَت مُعظم أعماله الرئيسية و60 مقالة له حررها وكتبها بالمشاركة ونُشِرَت في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الديمقراطية والغربية وفرنسا وفنلندا وكوريا الديمقراطية والجنوبية والصين وتركيا وبولندا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا وغيرها.
حصل ليكتورسكي على جائزة وسام الشرف عام 1979 ووسام العمل الشجاع عام 1971.
1- تم فهم ما كان يجب أن ينزل الى فئة "الميتافيزيقيا" بشكلٍ مُختلف في كل مرحلة من مراحل تطور الوضعية. ولكن الرأي القائل بأن كل الفلسفة التقليدية مريضة بمرض "الميتافيزيقيا" هو الرأي الشائع طوال الوقت. تم استثناء بعض المُمثلين الفرديين للفلسفة التجريبية مثل بيركلي وهيوم، الذين صاغوا، في رأي الوضعيين، أفكاراً تجاوزت حدود "الميتافيزيقيا".
أ- العبارات التووتولوجية في مجال المنطق هي تلك التي تُقيّم بالصواب دائماً. أي أن نتيجتها صحيحة مهما كانت قيمة المُتغيرات التي تحويها. على سبيل المثال: "اما أنها ستُمطر أو أنها لن تُمطر". "اما أن فلان سيمرض أو أنه لن يمرض". الخ
2- For a detailed investigation of the philosophical foundations of logical positivism and the neopositivist program for analysis of science, see I. S. Narskii, Sovremennyi pozitivizm, Moscow, 1961, and V. S. Shvyrev, Neopozitivizm i problemy empiricheskogo obosnovaniia nauki, Moscow, 1966.
3- كان للفيلسوف الانجليزي الكبير جورج مور تأثير كبير في تشكيل أفكار التحليل اللغوي. ومع ذلك، كان فيتغنشتاين هو الذي قدم الصياغة الشاملة للافتراضات الرئيسية لهذا الاتجاه بالاضافة الى تكنيك التحليل.
4- وفقاً لفيتغنشتاين يُمكن أن يكون لمختلف "الألعاب اللغوية" أوجه تشابه "عائلية". هذا يعني انه اذا رتّبَ المرء "ألعاباً لغوية" في سلسلة حسب درجة التشابه المتبادل، فسيكون لكل لعبتين مُتقابلتين شيء مُشترك. ولكن، قد لا يكون هناك اي تشابه على الاطلاق بين أفراد هذه "العائلة". ان الرابط الذي يوحّد "الألعاب اللغوية" المتنوعة في "عائلة" واحدة يخدم كأساس لاستخدام نفس الكلمة فيها (في الألعاب). ان عدم وجود أي شيء مشترك بين الأعضاء على طرفي نقيض هذه "العائلة" يجعل من المستحيل تقديم تعريف عام لجميع حالات استخدام كلمة مُعيّنة.
5- P. W. Strawson, "Construction and Analysis," in The Revolution in Philosophy, London, 1957, p. 104
6- G. Ryle, Introduction to The Revolution in Philosophy, pp. 3-4
7- See G. E. Moore, "Wittgenstein s Lectures in 1930-1933," Mind, London, 1955, p. 27
8- تحقيقات فلسفية، لودفيغ فيتغنشتاين، ترجمة عبد الرزّاق بنّور، مركز دراسات الوحدة العربية، 2007، ص195
9- T. I. Hill, Sovremennye teorii poznaniia, Moscow, 1965, p. 479.
نُلاحظ في هذا الصدد أن الصعوبات الكبيرة تنشأ عند مُحاولة وصف الفلسفة اللغوية بأنها علمية أو مُعادية للعلم (الصعوبات التي تشهد على حقيقة أن ثُنائية "العلمي-مُعادي للعلم" بحد ذاتها اشكالية). كان من المُفتَرَض أن تؤدي مُحاولة تحويل الفلسفة الى تخصص ضيق الى تقارب بين التحليل اللغوي والعلم. في الوقت نفسه، كما حاولنا أن نُثبت، يرفض اللغويون أن يروا في العلم نموذجاً للتفكير ذو المعنى ولا يعتبرون عملهم "علماً" بالمعنى الدقيق للكلمة.
10- تحقيقات فلسفية، لودفيغ فيتغنشتاين، ترجمة عبد الرزّاق بنّور، مركز دراسات الوحدة العربية، 2007، ص203
11- G. Ryle, Taking Sides in Philosophy," in Philosophy, London, 1937, p. 332
12- See G. E. Moore, "Wittgenstein s Lectures in 1930-1933," Mind, 1955, p. 27
13- See M. J. Charlesworth, Philosophy and Linguistic Analysis, Louvain, 1959, p. 113
14- Ibid., p. 80
15- G. Paul, "Wittgenstein," in The Revolution in Philosophy, London, 1957, p. 96
يُصادف المرء أيضاً التأكيد على أن المنهجية التي أوصى بها فيتغنشتاين للفلسفة هي أقرب بكثير للفن منها للعلم.
See D. Pears, "Wittgenstein and Austin," in British Analytical Philosophy, London and New York, 1966, p. 38
16- S. Hampshire, Thought and Action, New York, 1960, pp. 271-272
"الآراء الفلسفية التي تتم مواجهتها هي جزء ضروري من كل مرحلة من مراحل الفكر الانساني. وتنشأ هذه الآراء مُباشرةً من التفكير النقدي للانسان على أساس سلوكه عندما يحاول تعديل الظروف لنفسه عندما تنفتح أمامه الاحتمالات المُختلفة للفعل المُتاح له أن يتم الاختيار بينها أو مطابقتها ببعضها البعض"(المرجع نفسه).
17- ولذا فاننا نواجه مشهداً مُثيراً- يُنتج الفيلسوف المُحترف بوعي ومنهجية صداعاً يتعيّن عليه أن يُعالجه. يقضى الطالب السنة الأولى في دراسته في السعي للاصابة بالمرض ثم يقضي السنة الثانية في مُحاولة التخلص منه. ولكن لو كانت الأمور على غير هذا النحو، فلن يكون لدى الأطباء أي مرضى".
H. H. Price, "Clarity Is Not Enough," in Clarity Is Not Enough, London, 1963, p. 18
18- See D. Pears, "Wittgenstein and Austin," in British Analytical Philosophy, London and New York, 1966, p. 23
19- See S. Toulmin, "From Logical Analysis to Conceptual History," in The Legacy of Logical Positivism, Baltimore, 1969, pp. 48,49, 53
20- F. Waismann, How I See Philosophy, New York, 1968, pp. 24, 38

ترجمة لمقالة:
V. A. Lektorskii (1971) Analytical Philosophy Today, Soviet Studies in Philosophy, 10:2, 135-157



#مالك_ابوعليا (هاشتاغ)       Malik_Abu_Alia#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من المُلام؟ كيف نشأ الخلاف بين قادة الصين الماويين، والاتحاد ...
- تاريخ الدين: الاسلام
- فلسفة فويرباخ حول الانسان ومسألة نشاط الذات
- الهجوم الاستفزازي لسُلطات بكين- الأحداث على الحدود السوفييتي ...
- تاريخ الدين: المسيحية
- حول مسألة وتاريخ نظرية الفكر العلمي
- الثورة المُضادة في المَجَر عام 1956- خطاباتها وأسلحتها (7)
- تاريخ الدين: الدين الروماني القديم
- مسألة تشكيل مقولات جديدة في المنطق الدياليكتيكي
- الثورة المُضادة في المَجَر عام 1956- خطاباتها وأسلحتها (6)
- تاريخ الدين: الديانة اليونانية القديمة
- أزمة نزع الأيديولوجيا في الفلسفة
- الثورة المُضادة في المَجَر عام 1956- خطاباتها وأسلحتها (5)
- تاريخ الدين: اليهودية
- المفهوم اللينيني حول الآيديولوجيا العلمية ونُقّاده
- الثورة المُضادة في المَجَر عام 1956- خطاباتها وأسلحتها (4)
- الآيديولوجيا كظاهرة للوعي الاجتماعي
- تاريخ الدين: الدين في الشرق الأدنى
- الدمج التاريخي-الثقافي عند الخوارزمي
- الثورة المُضادة في المَجَر عام 1956- خطاباتها وأسلحتها (3)


المزيد.....




- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مالك ابوعليا - الفلسفة التحليلية المُعاصرة