أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - مصطفى محمد غريب - الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية تاريخ ونضالات وآفاق مستقبلية - الجزء الأول















المزيد.....


الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية تاريخ ونضالات وآفاق مستقبلية - الجزء الأول


مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب

(Moustafa M. Gharib)


الحوار المتمدن-العدد: 484 - 2003 / 5 / 11 - 05:27
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


 

                                              
مقدمة لابد منها
 

بإستثناء مقالات متفرقة عن نضال  العمال ووضعهم المعاشي والنقابي وبيان لحركة نقابية ديمقراطية لم يجر في هذه الظروف المستجدة على العراق التطرق إلى دور الطبقة العاملية وكفاحها والمهمات التي تقع على عاتقها.. وكأن العراق يخلو من هذه الطبقة المعروفة في نضالاتها الوطنية والطبقية وليس لها أي دور في حياة البلاد السياسية والإقتصادية والثقافية، وتجاوزها كطبقة محددة المعالم على الرغم من التداخلات مع بعض الفئات الكادحة المسحوقة التي هي بالتالي تجد نفسها أمام مهمات كفاحية مثلما هي الطبقة العاملة معنية بها وتقع على عاتقها ضرورة النضال لإثبات وجودها وحقها في العمل والتنظيم.

وعلى مايبدو أن هناك تغيبا شبه متعمد في الحديث أو الكتابة في هذه الموضوعة المهمة التي ستكون ذات آثر إيجابي في مستقبل العراق ولا سيما أنها العامود الفقري للبناء القادم في البلاد.

ان بناء العراق وتقدمه وإزدهاره وتحرره من كل أصناف الإضطهاد والتعسف والإحتلال لا يمكن أن يستغني عن الطبقة العالمة والجماهير الكادحة العراقية التي تقع على عاتقها مهمات أولية وإستثنائية غير قليلة، ولما كان هذا الأمر ذو أهمية كبيرة فأجد من الضروري الإلتفات نحو هذه الطبقة المعطاء التي قدمت للعراق تضحيات جليلة غير قليلة وشاركت منذ نشؤها في نضالات الشعب العراقي الوطنية والمطلبية والإقتصادية، ولم ينحصر دورها في ذاتها ككونها طبقة لها حدودها التاريخية فهي انطلقت مندمجة بحركتها النقابية الديمقراطية مع كافة الطبقات والفئات الإجتماعية من أجل وطن تسوده العدالة الإجتماعية وحرية الرأي والتنظيم بما فيها حرية التنظيم النقابي والحقوق والحريات النقابية..

ان اكبر مشكلة صادفت الطبقة العاملة وحركتها النقابية الحرة هي مشكلة مصادرة الحقوق و الحريات النقابية، وهذه المشكلة لم تختصر على العراق فحسب وإنما أكثرية البلدان النامية، فنجد أن هناك مئات الملايين من العمال محرومين ليس فقط من دورهم في الحياة السياسية وإنما أيضاً من حقهم الطبيعي في العمل والتنظيم النقابي، وانعكس هذا الأمر على حرمانهم من الحرية لتأسيس مؤسساتهم النقابية وفق أرادتهم الحرة ودون التدخل في شؤونهم الداخلية عن طريق الدولة أو الأحزاب وبالتالي تعرضهم للإرهاب والإضطهاد لمنعهم من نيل حقوقهم ومطالبهم المشروعة.

 

انقلاب 17 تموز 1968 وأثره الرجعي
     على العمال ونقاباتهم
 

لقد دشن انقلاب 17 تموز 1968 أو ل انفلات بربري موجه للطبقة العالمة وتنظيمها النقابي ، هذه الإنفلات طبق بمعرفة طبقية لواقع الطبقة العاملة ومدى تأثيرها السابق في الحياة السياسة والإقتصادية والاجتماعية، وقوة تنظيمها في النقابات التي تنتمي إليها كتنظيمات خاصة بها، ولهذا بدأت السلطات الدكتاتورية بمصادرة الحقوق النقابية وحرمان العمال من حقهم وحريتهم في الإختيار لممثليهم الحقيقين، ودشنت أول عهدها بالهجوم المسلح على مقر الاتحاد العام لنقابات العمال واحتلاله عسكرياً ونهب ممتلكاته ووثائقه واعتباره مؤسسة تابعة للحزب والدولة فكان ذلك بداية الفصل المبرمج الذ ي سارت عليه الدكتاتورية للهيمنة على هذا القطاع الواسع ذو الأهمية الجماهيرية التي تتحكم في الكثير من المرافق الإقتصادية في البلاد، ولما وجدت أنها أمام حركة احتجاج واسعة تراجعت هذه السلطة ولكن إلى حين، وسرعان ما دعت على أثر هذه الإحتجاجات إلى اجراء انتخابات للنقابات العمالية، لكنها راحت تخطط من أجل تزيفها بطرقها الشيطانية الخبيثة، إلا أن هذا التزيف كان قد سبقه ممارسات لا قانونية حيث انتهجت الدكتاتورية بواسطة عملائها سياسة الترغيب والترهيب لمنع العمال من التصويت للقوائم الإنتخابية غير السلطوية، وعلى الرغم من هذه المخططات والطرق التي اتبعتها السلطات فقد فازت قائمة المعارضة الديمقراطية في عدد من اللجان النقابية وبخاصة في محافظة البصرة، فما كان إلا أن قامت السلطات بإلغاء هذه الإنتخابات وأعلنت عن فوز عملائها في هذه اللجان مما أثار غضب واسع في أواسط العمال.

لقد كانت مرحلة حكم حزب البعث الإرهابية من أشد المراحل قسوة وهمجية ليس ضد الطبقة العاملة وحركتها النقابية فحسب وإنما ضد جميع الفئات العراقية التي تشك بولائها وضد تجمعاتها المهنية والثقافية، وقد بدأت هذه المرحلة  أكثر عداء وقسرية ضد العمال ونقاباتهم ، واتسمت بالهيمنة على الحركة النقابية وتجيرها لنفسها وإلغاء استقلاليتها الحرة محرفة توجهاتها الديمقراطية وإبدالها بتوجهات حزبية ضيقة ولعبادة فكرة الفرد القائد في الدولة، هادفة من وراء ذلك افرغ محتواها الثوري بتزايد أدوات القمع والإرهاب..

ومن هذا المنطلق انطلقت الدكتاتورية في إصدار جملة من القوانين والقرارات المعادية للحقوق والحريات النقابية، بهدف تجريد العمال من التنظيم النقابي، فأصدرت عام 1977   قرار رقم ( 72 ) وقرار( 91 ) واتبعتها بقرار( 190 ) و قرار( 543 ) في 1984  عطلت بموجبها العديد من بنود ومواد قانون العمل رقم(  150 ) لسنة 1970 إضافة إلى قانون التقاعد والضمان الإجتماعي..

وحولت الدكتاتورية النقابات إلى ثكنات عسكرية تجبر العمال للإنتماء إليها وبهذا خرقت القوانين المرعية التي اصدرتها منظمة العمل الدولية بعدم اجبار العمال في الإنتماء للنقابات، وتجاوزت هذه الضغوط إلى إجبار العمال للإنتماء لحزب البعث، وكان الرفض يواجه أقسى الإحتمالات بوقوع الأضرار المعنوية والمادية والجسدية للرافضين. 

وكانت أكبر مشكلة  واجهتها الطبقة العاملة العراقية إبان حكم الدكتاتورية في العراق هو اصدار القانون( 150 ) لسنة 1987 حيث قام هذا القانون بإلغاء ثلثي الطبقة العاملة في قطاع الدولة وحرمان العمال من حق التنظيم النقابي  وإعتبارهم.. (موظفين حكومين) وكان ذلك القانون منعطفاً خطيراً في توجهات الدكتاتورية لحر ف نضال العمال وقمع تحركاتهم  وهو خرق فاضح للحقوق والحريات النقابية، كما أعقبه إلغاء قانون العمل رقم( 151 ) لسنة 1970 والنقابة العامة والإتحادات المهنية، وجرى إبداله بصدور القانون الجديد حول التنظيم النقابي رقم( 52 ) لعام 1987 يخص القطاع الخاص والقطاع المختلط والتعاوني ، ثم اصدر استكمالاً لسياسته التعسفية وتجاوزاً على حقوق العمال القانون رقم ( 71 ) لعام 1987 ، واعتبر هذا القانون من أتعس القوانين التي سنت في أكثرية دول العالم وبخاصة النامية منها ولقب بحق حينذاك بقانون أرباب العمل وليس قانوناً للطبقة العاملة. وهكذا واصلت الدكتاتورية سياستها الإجرامية بالتخلص من التنظيم النقابي في قطاع الدولة ، واستكمل هذا العمل صدام حسين بتصريحه حينذاك " تكونت النقابات العمالية في العراق كانعكاس لأمثالها في بلدان العالم ، وقد أدت واجباتها ضمن مرحلة النضال في هذا الإطار، وربما يسأل سائل لماذا تأخرت تدابيركم هذه طيلة ثمانية عشر عاماً ؟ " فيجيب هو على سؤاله " انه كان يفكر منذ بعيد بإصدار مثل هذا القرار " لكن حسب إدعائه أن الوقت كان غير مناسباً، ومن هنا نصل إلى جوهر سياسة حزب البعث العراقي بقيادة صدام حسين التي هي بالضد من مصالح الطبقة العاملة والجماهير الكادحة، ولقد سخف صدام حسين هذه الإجراءات بعد ذلك بقوله عندما يذهب العامل إلى خطبة فتاة فسيكون مقبولاً عند أهلها ولا يخجل عندما يسأل عن وظيفته كموظف في الدولة، وهذه هي النظرة الدونية التي تظهر مدى احتقاره لكلمة العامل والتي انعكست على السياسة الموجهة ضد الطبقة العاملة العراقية.

أثناء هذه الفترة ظهرت حركة احتجاجية لخطوة الدكتاتورية الرجعية من قبل الحركة النقابية العمالية وبعض الحركات العمالية النقابية العربية، وقدمت العديد من المذكرات من قبل " حركة العمال النقابية الديمقراطية في الجمهورية العراقية " إلى كافة الإتحادات العربية والعالمية ومنظمة العمل الدولية ( لجنة الحقوق والحريات النقابية " التي طالبت الدكتاتورية بتوضيح موقفها من هذا الإلغاء وغيرها من القوانين التعسفية التي صدرت حينذاك، فقامت الدكتاتورية في حزيران بإرسال رسالة إلى هذه المنظمة حاولت التقليل من أهمية القرار 150 وأكدت في الرسالة " بأن القانون المذكور يقصر التنظيم النقابي للعمال في العراق على القطاع الخاص والمختلط والتعاوني لكون عمال القطاع الاشتراكي الذي تم تحويلهم إلى موظفين أصبحوا خارج أحكام هذا القانون"

واعتبرت هذه الجراءات منافية لأبسط الحقوق الديمقراطية والنقابية للعمال ، وسخفتها أكثرية الأتحادات النقابية العربية وعلى رأسها الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والاتحاد النقابي العالمي وغيرها، فسارعت الدكتاتورية فوراً في ايلول عام 1987 لإجراء انتخابات صورية في القطاعات المذكورة وعقدت بعد ذلك المؤتمر العام الثامن، حيث اعتبر إتحاداً كارتونياً ومؤسسة من مؤسسات الدكتاتورية القمعية.

ولم تسلم الطبقة العاملة من الحرب الكارثية مع إيران وكانت أكبر مآساة عاشتها أثناء فترة الحرب المدمرة التي استمرت ثمان سنوات حيث زج بـ ( 50 % ) منها في سعير تلك الحرب الكارثية، كما أدت إضافة للخسائر البشرية في صفوفها والخسائر الإقتصادية إلى إلغاء ما تبقى من مكاسب قليلة جداً واصبح التجاوز المستمر على حقوقها كطبقة عاملة وحقوقها في العمل النقابي مسألة طبيعية بدون اي رادع ولا سيما  استغلال الحرب لصالح النظام الدكتاتوري للتوغل في سياسته الإرهابية في الداخل، ولم تسلم من هذا الواقع المأساوي خلال احتلال الكويت وهزيمة الجيش العراقي وقيام الحصار الإقتصادي التي عانت منه كما هو حال جميع الفئات الكادحة الأمرين بينما بقى رجال السلطة وعلى رأسهم صدام حسين بعيداً عن نتائج هذا الحصار الإقتصادي .

 

البدايات والتأسيس
 

بعدما اطلعنا على وضع الطبقة العاملة العراقية أثناء حكم الدكتاتورية بقيادة حزب البعث العراقي وصدام حسين أجد من الضروري في هذه الحقبة الخطيرة التي يمر بلدنا فيها وهي سقوط النظام الدكتاتوري بواسطة الإحتلال العسكري والذي يتحمل هذا النظام السبب الرئيسي للوصول إلى هذه الحالة المأساوية،  بدفع البلاد والشعب العراقي في مزالق خطرة منذ توليه السلطة وعدم احترام الحقوق والحريات العامة والحريات والحقوق النقابية في العراق..

كما أرى أن هذا التدهور  تتحمله أكثرية ما يسمى بقوى المعارضة(سابقاً ) فقسم منها يتحمل مسؤولية غير قليلة في الإعتماد على العامل الخارجي وقسم آخر بقى يماطل من أجل مكاسب ذاتية ضيقة دون أن يفكر بمصلحة العراق والشعب العراقي، أما القوى التي كانت تناضل من اجل قيام تحالف واسع وشامل فقد كانت ضعيفة فلم تتمكن من تحقيق هددفها الوطني، هذه القوى المختلفة لم تستطع إنجاز جبهة وطنية سليمة هدفها الأول تخليص العراق من الدكتاتورية ، إذن هي تتحمل هذه المسؤولية أمام التاريخ والشعب العراقي والطبقة العاملة العالمية وجميع القوى الوطنية والتقدمية وشعوب العالم أجمع.

ومن أجل التعرف على تاريخ الحركة النقابية العراقية وبعض المحات من صراعها وصراع العمال أجد من الضروري العودة لتاريخهما من أجل معرفة مهماتهما القادمة..

ان نشوء الطبقة العاملة العراقية وتطور حركتها النقابية جاء أثناء الهيمنة الإستعمارية، ولا يختلف هذا النشوء والتطور عن البلدان التي أخضعت للسيطرة الإستعمارية، وتمرست الطبقة العاملة في نضالها الوطني إلى جانب الشعب العراقي وشكلت نضالاتها منذ نشؤها مؤشرات  على متانتها وقوتها على الرغم من حداثة تكوينها، وقد تجلت هذه النضالات في إضربات عديدة كإضراب الميناء والنفط والكهرباء والسكك الحديدية والميكانيك والمطابع وغيرها..

ولقد لعبت قبل ذلك السيطرة العثمانية على العراق دوراً كبيراً في تخلفه الاقتصادي والاجتماعي، أما فيما يخص الانتاج الزراعي وتخلف نظام الري، فقد كان الشيوخ والأغوات يسرقون جهود الفلاحين لمصلحة العثمانيين، وظلت السلطات العثمانية منذ فتحها للعراق غير آبهة ومهتمة بتطوير القوى المنتجة، إضافة إلى عدم اهتمامها بتطوير الصناعة، وبقى العراق لفترات طويلة جداً مستورداً للمواد الصناعية رغم كونه يصدر المواد الأولية، كما اتجه التجار المحليين إلى التجارة الخارجية بدل الإهتمام بإنشاء صناعات وطنية.

واستمر هذا الحال هكذا حتى الإحتلال الإنكليزي للعراق حيث انزلت القوات البريطانية في الفاو، وأثناء ذلك وفي الفترات اللاحقة ارتبطت الصناعة بالمصالح الإستعمارية في مجالات الحبوب والتمور والصوف والجلود وصناعات أخرى، ولقد لبت هذه الصناعات الاهداف الإستهلاكية للمحتلين، ونتج عن ذلك عدم تطور البرجوازية العراقية مثل مثيلاتها في الأقطار العربية الأخرى.. كمصر، وسوريا، ولبنان وغيرها.

لقد لوحظ  من خلال دراسات قليلة لواقع البرجوازية العراقية وتطورها أن البرجوازي العراقي كان في حوزته عدة ملكيات متشعبة في كثير من المرافق، فمثلاً كان يملك في آن واحد مضخات مياه الزراعة، أراضي زراعية يعمل فيها الفلاحين ويمتلك في الوقت نفسه عقارات معينة في المدينة أضافة إلى قيامه بأعمال تجارية في كثير من المجالات مع وجود بعض الصناعات، وبهذا قد أضعفت هذه العملية ( التراكم ) الذي كان بالإمكان أن يؤدي إلى قيام صناعة وطنية متطورة والملاحظ أننا نجد أن قيام بعض الصناعات الأولية بعد ذلك كان ينسجم بهذا الشكل أو ذاك مع ( المتطلبات للمصلحة الإستعمارية ) بينما بقت الصناعات الأجنبية لفترات طويلة تحتل مواقع الصدارة في العراق.

أما صناعة النفط ( استخراج النفط ) فقد كانت لها آثاراً متميزة على عموم الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العراق،  وبقى الإقتصاد العراقي مرتبطاً بالإقتصاد الرأسمالي الأجنبي وأصبح يتأثر بأزماته الاقتصادية الدورية والعامة.

لقد خاضت الطبقة العاملة العراقية منذ نشؤها في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر صراعاً مزدوجاً في نضالها الطبقي والقومي، هذا النضال الذي رفع وعيها وجعلها تدرك من خلا ل تجربتها " أن تحقيق مصالحها الطبقية مرتبط بانجاز التحرر الوطني والقومي " وخاضت الطبقة العاملة نضالاً سياسياً " حتى في تلك الحالات التي كانت مطلبية " وقامت إضرابات قبل ثورة العشرين لاسيما في عام 1918 واعتبرت " هذه النضالات أحدى المقدمات لثورة العشرين "

وكانت أول تجربة يقوم بها العمال لتنظيم انفسهم في عام 1924 حيث حاول عمال السكك الحديدية أن ينظموا أنفسهم، وهم كانوا يشكلون أكبر مجموعة عمالية تقدر (8) آلاف عامل.. فقدموا طلباً إلى السكك الحديدية الحكومية لمنحهم إجازة فتح نادٍ لهم، لكن السلطات الحكومية لم تمنحهم الإجازة، وتعدى موقفها التعسفي الرافض إلى انزال القصاص بمقدمي الطلب ولقد حوكموا قانونياً ووجهت لهم عقوبات إدارية.

ولم تسجل أي محاولة قام بها العمال لتنظيم انفسهم حتى عام 1928 – 1929 حيث حدثت تبدلات في الوضع السياسي وكان هناك نهوضاً تحريرياً وثورياً عاماً فتكونت اواخر 1928 وأوائل 1929 جمعية حرفي العراق ( جمعية اصحاب الصنائع العراقية ) بقيادة محمد صالح القزاز وكذلك تكونت منظمات أخرى مثل ( الاتحاد التعاوني للحلاقين ) واتحاد عمال الطباعة الذي ضم عمال الصحف والمطابع الحكومية، تلت بعد ذلك تكوين اتحاد عمال الميكانيك واتحاد السواق.

لقد كانت أبرز هذه المنظمات هي منظمة حرفي العراق والتي قادت بعد ذلك وبشكل جيد إضرابين عماليين لعمال السكك الحديدية في  1930 – 1931، وساهم في هذين الإضرابين حوالي ( 1000 ) عامل وكان هدفه، الدفاع عن حقوق العمال  بالتصدي لتقليص إجور (6 ) إلى ( 10% )، وأعقبه إضراب آخر شارك فيه (1200 ) عامل بسبب تقليص أوقات العمل إلى أربعة ساعات وتقليص الأجور ثم تطبيق   ( نظام العمل المناوبة ) أي يبقى العامل عاطلاً فترة زمنية ويعمل فترة أخرى.. وبدأ هذا الإضراب في بغداد ( 5 / 7 / 1931 ، وفرضت السلطات الحكومية ضرائب جديدة على أصحاب الورشات وبعدها بحوالي عشرة أيام وفي 15 / 7 / 1931 قام عمال البصرة بإضراب كبير على أثره قامت أيضاً مظاهرة واسعة ساهم فيها عمال السكك الحديدية، وقد حدثت صراعات دموية بين العمال والسلطات الحكومية، حيث قامت السلطات باطلاق النار على الجماهير المتظاهرة مما أدى إلى استشهاد (3) عمال وجرح العديد منهم، وفي الوقت نفسه قامت مظاهرة في بغداد لكنها لم تكن بنفس القوة والحجم مثلما كانت أختها في البصرة، واعتقل العديد من العمال واتخذت هذه الإضرابات والمظاهرات طابعاً سياسياً أيضاً .

أدى نضال العمال إلى ( انتصار جزئي ) لاسيما بخصوص تخفيض ضرائب البلدية بشكل تدريجي وبالتالي إطلاق سراح المعتقلين من السجون والمعتقلات.

أمام هذه التحركات العمالية بدأت محاولات من قبل ( الأحزاب الإصلاحية) وبالأخص ( الحزب الوطني  والأخاء الوطني )  اللذان كانا يتفاوضان مع السلطات من جهة ثم مع القادة النقابيين المعتقلين من جهة أخرى.

على أثر ذلك قامت السلطات بغلق جمعية الحرفين في 27 / 8 / 1931 وشكلت بدلاً عنها ( منظمة العمال العراقيين ) وهي منظمة عراقية حكومية يقودها كبار الموظفين ورجال الشرطة.. إلا أن ذلك لم يمنع العمال من العمل في اتحاد الميكانيك بقيادة القزاز ورفاقه من العمال النشطين والمستخدمين.

على ضوء المقترح الذي قدمته منظمة العمل الدولية حينذاك إلى القزاز لتكوين ( اتحاد عمال العراق ) فقد تم تكوينه في عام 1933 وانظم إليه حوالي (20) اتحاد عمالي وجمعية كالسكك الحديدية، المطابع، الميكانيك، عمال الجلود، الحلاقيين.. وكانت شعارات الإتحاد مطلبية إقتصادية فقط شملت ساعات العمل، الضمان الاجتماعي، تشريع قانون العمل، الأجور، والبطالة ... الخ، ولم تكن شعارات الإتحاد تتضمن مطاليباً سياسية.

في 1932 – 1933 وتحت تأثير حزبي الأخاء الوطني، والحزب الوطني صدرت جريدة بأسم ( العمال ) في الموصل وقد أشارت إلى تكوين حزب بأسم ( حزب العمال) والذي نشر برنامجه بعد موافقة السلطات الحكومية، وتضمنت بنوده حول الإستقلال التام، وفي سبيل الوحدة العربية والقومية العربية، والدفاع عن حقوق العمال ومن أجل نشر الثقافة وغيرها.

لقد شوهت حركة الأثورين من قبل بعض الكتاب والمحللين العراقيين العرب الذين حاولوا أن يطمسوا مطاليب هذه الحركة وحقوقها القومية وجيروها فقط على بعض الممارسات الخاطئة التي تحدث في أية حركة جماهيرية ، سياسية أو مطلبية، وكان بالأحرى دارسة حيثيات هذه الحركة والخروج باستنتاجات واقعية بدلاً من إتهامها وكأنها كانت كالرتل الخامس لقوات الإحتلال الإنكليزية.. وبعد التحريض الشوفيني وقمع هذه الحركة بواسطة الجيش العراقي، استغلت شركة الكهرباء الإنكليزية هذا الوضع حيث تعاقدت مع الحكومة العراقية برفع سعر الوحدة الكهربائية إلى ( 28 ) فلساً بينما كانت تكاليفها أقل من (14) فلساً مما أدى إلى الإعلان عن مقاطعة الكهرباء في 15 / 11/ 1933 وكان القائد النقابي القزاز وبعض رفاقه من العمال النشطين قد لعبوا دوراً بارزاً في إثارة الجماهير للمقاطعة مما أدى إلى إعتقاله والآخرين ومنع الإتحاد من مزاولة نشاطه، فقامت تحركات عمالية واسعة كما مورست مختلف أشكال الكفاح بما فيها تقديم العرائض والمذكرات في سبيل إلغاء قرارات نفي القزاز وأصحابه وكذلك فتح المنظمات التي تم إغلاقها وتخفيض إجور الكهرباء، وبالفعل وتحت الضغوط العمالية تم إطلاق سراح القزاز وأصحابه.

لقد جرى قمع الحركة العمالية بشدة عام 1934 بعد المقاطعة الآنفة الذكر، وتراجعت نسبياً حركة الطبقة العاملة العراقية الفتية لكن في الوقت نفسه شهد تاريخ العراق مرحلة جديدة من العمل السياسي حيث أعلن عن تأسيس حزباً للطبقة العاملة العراقية وأداتها السياسية ( هكذا جاء في بيانات الحزب وبرنامجه اللاحق ) ألا وهو الحزب الشيوعي العراقي في 1934 ، والذ ي قاد بعد ذلك الكثير من نضالاتها السياسية والمطلبية الموجهة ضد الإستعمار البريطاني حينذاك وكذلك ضد السلطة الملكية حيث أعتبرها الحزب تابعاً لبريطانيا.

 

 



#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)       Moustafa_M._Gharib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لنحتال على الضحك........!
- هل جاء الإحتلال رحمة لأقطاب النظام العراقي ؟
- الفرق بين الشجاعة والتضحية ونبْلهما ومهزلة والجبن وعاره الأب ...
- المثقف وحرية الجماهير في طقوس الممارسة العكسية
- هل نستطيع التخلص من الغوغائية في الفكر والضوضائية في العمل ا ...


المزيد.....




- اعتقال وزير جورجي سابق خلال تجمع حاشد في تبليسي ضد قانون الع ...
- “رسمياً” موعد إجازة شم النسيم 2024 وعيد العمال بعد ترحيلها.. ...
- بعد تعليقها للبعض.. حقيقة تمديد وكالة التشغيل منحة البطالة ل ...
- رسميا الان.. تحديد موعد زيادة رواتب المتقاعدين بالجزائر 2024 ...
- بزيادة” 100 ألف دينار عراقي”.. سلم رواتب المتقاعدين في العرا ...
- “جدد هنا minha.anem.dz” رابط تجديد منحة البطالة الجزائر واحص ...
- عاجل “زيادة 15000 دينار ضمن الراتب”!.. “حكومة الجزائر” تُعلن ...
- “بعد الزيادة” سلم رواتب الموظفين الجديد العراق 2024 وطريقة ا ...
- زيادة عاجلة على رواتب المتقاعدين.. “الحكومة الجزائرية” تزف ب ...
- WFTU Statement on the World Day for Safety and Health at Wor ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - مصطفى محمد غريب - الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية تاريخ ونضالات وآفاق مستقبلية - الجزء الأول