أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن حسن - يوم مع الموسيقى














المزيد.....

يوم مع الموسيقى


سوسن حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6971 - 2021 / 7 / 27 - 09:15
المحور: الادب والفن
    


في فرنسا، الموسيقى في كل مكان، في المسارح، والجامعات، والشوارع، في الأعراس والجنازات وحتى في المترو. أينما تذهب الموسيقى ترافقك. أتذكر أول مرة سمعت فيها صوت تلك الآلة الفرنسية كنت في محطة المترو وكانت الأصوات عالية، ليأتي صوت الأكورديون وينهي جميع الضوضاء المحيطة. صوته يشبه ملامح فرنسا، ملامح المكان وتاريخه. جعلني الصوت أسافر الى عوالم لم أعش فيها من قبل، تلك الخاصة بمغنيين مثل اديث بياف، جورج براسنز، فرانسواز هاردي، شارل ترينيه، باربرا، داليدا، جاك برل وغيرهم.

كنت في هذه الفترة، أتعلم اللغة الفرنسية ولم أكن أسمح لنفسي بسماع موسيقى غيرها لتساعدني على تعلم اللغة بسرعة. كل موسيقى عربية كانت ممنوعة بالرغم من حبي لها، حتى صوت فيروز كان ممنوعاً. استغرقني الموضوع سنة كاملة لأفوق من هذيان هذه الموسيقى، وأرجع الى عوالم الموسيقى العربية، التي بدأتها بالرجوع إلى موسيقى بلدي. رجعت لألحان خالد الشيخ و أحمد الجميري وأنغام أصدقائي الموسيقيين مثل حسن ومحمد حداد، ومحمد المرباطي ليذكروني برائحة الوطن، ومعنى أن يكون المرء في وطنه. كنت أسمع موسيقاهم كلما أشعر بشيء من الحنين فيكون استرجاعًا للفصل الأجمل من الحكاية مثلما يقول محمود درويش:

الحنين وجع البحث عن فرح سابق
لكنه وجع من نوع صحي
لأنه يذكّرنا بأننا مرضى
بالأمل…وعاطفيون!

كنت أحنّ لكل موسيقى تذكرني ببلدي وأسمعها صباحاً مساءً. كان لفيروز نصيب الأسد كل صباح مع فنجان قهوة ساخن، وكان للجاز حظّه، ولأم كلثوم وقتها في الليل. الموسيقى تجعلني أستذكر أحاديث ومشاهد عن الشعر والأدب. أذكر حديث لشخص عزيز وهو يسرد ذكرياته في السجن، ومعه شاعر. كانا يتأملان الليل مع بعض، وحدث أن لاحظ صديق الشاعر نور القمر وكان قمرا شاعرياً، فناداه وافرد له مكان بجانب النافذة ليستلهم من القمر شعراً، ويحفظ صديق الشاعر القصيدة عن ظهر قلب ويذكر صديقه بالشعر المكتوب بعدما شابا ولعب عليهما الدهر لعبة الزمن. هي أحاديث أسترجعها عندما أسمع تلك الأنغام وأحنّ الى أشخاص أحاديثهم تشبه الموسيقى.

أستذكر عازف عود أخبرني بأنه ترك عروسه في ليلة عرسه لانشغاله بالعزف في أمسية من أمسياته الموسيقية، وقدّم حب الموسيقى على حب المرأة. كان لي صديق آخر لا يعرف عمل شيء وهو يسمع فاغنر، بل كان يعتبر عمل شيء مصاحباً جريمة عند سماع الموسيقى. هم مجانين موسيقى كنت أرافقهم و كانوا يخبروني بهوسهم المجنون الذي قد يأخذهم بعيداً عن البشر. قد تشكّل الموسيقى درع حماية لهم من حوادث الدهر وخيبات الأمل.

أما أنا فالموسيقى كانت تعطي معنى لحياتي عندما لا يكون لها معنى. لا أعرف أن أقضي يوما دون سماع الموسيقى. الموسيقى تلهمني، ترافقني في فرحي وفي ترحي، بها أستطيع التفكير والتركيز والتخيل، تخيل قصص حب أتمنى لو أعيشها أو يتراءى لي أنني عشتها وانتهت.

كل هذه الموسيقى، تركت ذكريات الجزء الأكبر منها في فرنسا، لأنّ في السفر للموسيقى طعم آخر، عندما تكون لوحدك ولا يكون لديك رفيق غيرها. أتذكر بأن صديق أخبرني ذات يوم بأنه يريد صنع الموسيقى طوال حياته، و تجريد نفسه من أي عمل آخر أو حب آخر غير الموسيقى. أحببت هذا الشغف الذي تكون فيه الموسيقى أساس كل شيء وسبب عيّش.

في فرنسا كنت أذهب الى حفلات موسيقيّة عدة، وكنت أسافر إلى عوالم جميلة في كل أمسيّة، كان سفرًأ هادئًا يشبه العودة إلى الوطن، فيه أمان ولقاء الذات بالذات. تكون حاضرة تلك القشعريرة التي تُذكرنا بفرح قادم وذلك الحلم بالعيش في الموسيقى، نتخيل أحاديث جميلة بين الآلات، تلك الأحاديث التي نكاد نعرف هوية حاضريها ونريد أن نتعرف على كل واحد منها، حتى ينتهي العازف ويوقظنا من الحلم. وحتى ان استيقظنا من الحلم، تبقى الموسيقى عالقة في ذاكرتنا ونرددها أو ندندنها لحين اكتشاف موسيقى جديدة.

“في أعماقي موسيقى خفيّة أخشى عليها من العزف المنفرد”، يقول محمود درويش

نتمنى لو كان من نحبهم يصاحبونا في سماع الموسيقى التي نحبّها، فيهدي العاشق للعاشقة قصة حب موسيقية، يتقمصون شخصياتها، و تتقمصهم، فتصبح الموسيقى جماعية، معاشة، حية، تذكرنا بحنينا للحب ونشوته التي لا تكتمل إلا بالموسيقى.



#سوسن_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحرر من التعب
- علاقة المرأة باللغة
- بيت بلزاك
- فرانسوا مورياك … على خطى دستويفسكي


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن حسن - يوم مع الموسيقى