أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن حسن - بيت بلزاك














المزيد.....

بيت بلزاك


سوسن حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6698 - 2020 / 10 / 9 - 18:06
المحور: الادب والفن
    



ما أن تصل إلى بيت بلزاك الكائن بباريس بعد رحلة ارتفاع شاقة على الأقدام، لا تستطيع سوى إظهار مشاعر الإنبهار، ثم تخيل جو العمل مثالي الذي يليق بشخصية الكاتب على مكتبه. أحسب أنه قال في إحدى رسائله لعشيقته الكونتيسة هانسكا التي ظل يتودد إليها سبعة عشر عاماً: “لهذا يا عزيزتي أعشق السكن في بيت هادئ، اذ لديّ الفناء والحديقة الخضراء المزينة بعطر البنفسج في آن، بيتي هو العش والصدفة، بيتي هو الظرف الذي يحملني، إذ أنا الرسالة و أنتِ قارئتها”.

الحق يقال؛ هذا البيت المبني على حديقة سلفاً حوى بلزاك سبع سنوات، أي بين العام ١٨٤٠ حتى العام ١٨٤٧، وبالرغم من أنه كان غارقاً في الديون، استطاع أن ينجز فيه روايات عدة ك”الأوهام المفقودة”، “مباهج و مآسي العشيقات”، “العمة بيت”، “العم بونس”، وغيرها من الأعمال البارزة.

شغل بلزاك الطابق الثاني من البيت، وكان يحتوي على مطبخ، غرفة نوم، مكتب عمل، وغرف أخرى أعارها بلزاك بمبلغ على أصدقائه الفنانين لتسديد قليل من الديون. كل هذا غير مهم، المهم هو طريقة رؤية بلزاك لمكتبه اذ كان يصوره “بالصومعة” أو “السجن”، وهو الساجن والمسجون. وذلك لأنه لم يكن يسمح لنفسه بالخروج من طاولة العمل قبل إنجاز ما عليه من كتابة. يكتب صباحاً ومساء وأحياناً أياماً كثيرة من دون توقف عن الكتابة والتفكير إلا في أوقات الوجبات. يذكر أن الكتب الموجودة فاضت على مساحة المكتب، فبعثرها في كل ردهات البيت، مع عدد يتخطى أربعة آلاف عنوان.

كان يرى في الكتابة أحسن تمثيل لمفهوم العمل، ويحمل شخص الكاتب فيه مسؤولية الإتقان الكلي لكل تحفة أدبية يقبل عليها؛ “العمل الدؤوب المستمر هو قانون الأدب مثلما هو قانون الحياة، ذلك لأن الأدب يتطلب من المؤلف أن يكون رب الخلق المثالي. أيضاً الكتّاب العظماء والشعراء النموذجيين لا ينتظرون أمراً من دار نشر أو زبون للمباشرة في الكتابة. هم لا يتوقفون عن الولادة اليوم وغداً ودائماً”.

استطاع بلزاك إنهاء “الملهاة الإنسانية” بفضل حس الإلتزام هذا وكانت هي أكبر مشاريعه. أذكر أنه وعد في أحد رسائله أن يتفوق هذا العمل على علو أحد كتدرائياته المفضلة. وبالفعل، لم يكذب بلزاك في ذلك لأن الملهاة أصبحت أحد أكبر السلاسل الأدبية المنتجة في القرن التاسع عشر؛ كل العناصر كانت فيها منظمة لاحتضان العصر كله، بحميع خلفياته الاجتماعية وتطوّر أقدارها.

المبهر في كل ذلك أنه أنجز ما خطط لإنجازه قبل أن تأخذه المنية في سن الخمسين، وبأن المنية أخذته أساساً بسبب نظام الحياة القاسي الذي فرضه على نفسه. كان يقبل على الكتابة كعامل المصنع الذي يبدأ صباحاً وينتهي مساءً، وإهماله لصحته منع طبيبه من تدارك المرض الذي ألمّ به. من قلة النوم، قضى بلزاك آخر سنة من حياته وهو يخلط بين طبيبه وبين الطبيب “هوراس”، أحد شخصياته في “الملهاة الانسانية” حتى أضحى يمزج بشكل دائم بين الحقيقة و خياله الأدبي.

اللافت في النظر أن الأغلبية الساحقة التي حضرت جنازة بلزاك كانت تنتمي للطبقة العاملة في باريس. أحسب أن الناس البسطاء التمسوا في أعمال بلزاك أمثل تصوير لحالهم مع نخبة من الكتاب المعروفين أمثال فيكتور هيوغو وسواه، حتى أنه ختم الجنازة بهذه الكلمات :”كل رواياته تتلخص في رواية واحدة حية، ومضيئة، وعميقة، نذهب بها بعيداً ونرجع، نتحرك من خلالها، ونتأثر، مع خيال مخيف وعظيم ممزوج بالواقع. كل حضارتنا مختصرة في هذه” الملهاة الإنسانية” التي يحق لبلزاك أن يسميها تاريخاً. دون أن يعرف صديقي ما سأقول، سواء أحبَّ ذلك أم لا، سواء وافق أو لم يوافق؛ مؤلف هذا العمل الهائل والغريب هو من فصيلة الكتّاب الثوريين”.



#سوسن_حسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرانسوا مورياك … على خطى دستويفسكي


المزيد.....




- مقتل الفنان المصري سعيد مختار في مشاجرة
- الفرنسي فارس زيام يحقق فوزه السادس في بطولة الفنون القتالية ...
- الفيلم التونسي -سماء بلا أرض- يحصد النجمة الذهبية بالمهرجان ...
- الممثل بورتش كومبتلي أوغلو قلق على حياته بسبب -بوران- في -ال ...
- -أزرق المايا-: لغز الصبغة التي أُعيد ابتكارها بعد قرنين من ض ...
- وزير الثقافة الباكستاني يشيد بالحضارة الإيرانية
- تحقيق يكشف: مليارديرات يسعون لتشكيل الرواية الأمريكية لصالح ...
- زيارة الألف مؤثر.. بين تسويق الرواية والهروب من الحقيقة
- إبادة بلا ضجيج.. اغتيال الأدباء والمفكرين في غزة
- -سماء بلا أرض- للتونسية اريج السحيري يتوج بالنجمة الذهبية لم ...


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن حسن - بيت بلزاك