رد فعل المجتمعات للخطر: وجهة نظر

جواد الديوان

الحوار المتمدن-العدد: 6956 - 2021 / 7 / 12 - 10:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تختلف المجتمعات في استجابتها للخطر، وجائحة كوفيد-19 مثال على الخطر الذي يتهدد المجتمعات. فقد تسببت الجائحة بوفاة 3 ملايين شخص في العالم، ونسب الوفيات تختلف بشكل كبير بين المجتمعات في العالم. بعض البلدان استجابت لبدايات تفشي الجائحة بإجراءات سريعة وحاسمة، وفرض عمليات اغلاق شاملة، واغلاق الحدود، وفرض التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وغيرها. وتجنبت هذه الدول عواقب الجائحة، وشهدت عددا من منخفضا للإصابات والوفيات. وكافحت دول أخرى لدرء المرض بنتائج مأساوية، وشهدت تفشي المرض، ومستشفيات مكتظة وزيادة في الوفيات واضحة.
وتشير الدراسات الى ان الدول التي تعرضت في تاريخها الى العديد من الاخطار والتهديدات (امراض وغزوات وكوارث طبيعية وغيرها) تطورت عندها ردود الفعل للأخطار على مدى قرون. وأصبح الناس أكثر قدرة على اتباع القواعد والأنظمة في الازمات. اما البلدان التي واجهت القليل من التهديدات لكيانها، فشلت في تطوير ردود الفعل، وسقطت عند تعاملها مع تهديد فيروس جديد وخطير.
الدولة التي تراقب وتدعم الأعراف الاجتماعية عن كثب هي دولة متشددة، والناس فيها لا تتسامح مع الانحراف، ويتبعون القواعد بشكل عام. وتحتفل الدولة الفضفاضة (بالضد من المتشددة) بالأبداع والحرية الفرديين، والناس فيها متراخون في الحفاظ على القواعد والعادات، ومتسامحون مع الأفكار الجديدة.
الأعراف الاجتماعية social norm تشكل الجهاز العصبي للدول، ومثلما يستجيب الجهاز العصبي لدى الانسان للحوافز الحسية، يستجيب الجهاز العصبي للدول في ردود فعل عقلية وجسدية يمكن التنبؤ بها.
من مشاهدات المؤرخ الاغريقي هيرودوتس في سفراته حول العالم في القرن الخامس قبل الميلاد، الاتجاهات المتعارضة لمواقف المجتمعات تجاه النظام او التسامح. ووثق انفتاح الإمبراطورية الفارسية على الأفكار والممارسات الأجنبية. وأشار الى انه لا توجد امة تتبنى بسهولة العادات الأجنبية مثل الفرس. وبعد قرنين يشير المؤرخ الاغريقي باليبوس الى الانضباط الروماني، والعقلانية والفوضى والشغف في ساحة المعركة.
وفي الستينات من القرن الماضي ظهرت مصطلحات ضيق tight لوصف دول تتميز بمعايير قوية وعقوبات صارمة لانتهاكات القواعد. وامثلة ذلك مناطق في اوغندا وامريكا الشمالية. وكذلك كلمة فضفاض loose لوصف دول بمعايير اضعف وتحمل اكبر للانحراف ومن امثلتها مناطق في فنلندا وجنوب افريقيا والبرازيل.
النمسا وألمانيا واليابان والنرويج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتركيا تتجه الى الضيق في الأعراف الاجتماعية، في حين البرازيل واليونان وهولندا ونيوزيلندا واسبانيا والولايات المتحدة تتجه نحو الرخاوة (فضفاض) في الأعراف الاجتماعية.
تتكون المجتمعات ذات الثقافات الضيقة من افراد اكثر انتباها للقواعد، ولديهم سيطرة على الانفعالات، واكثر اهتماما بمعاقبة من يرتكب الأخطاء. وفي الثقافات الفضفاضة النظام أضعف، وقدرة الناس على التحكم بالانفعالات قليلة، ويعانون مستويات عالية من الديون والسمنة والادمان على الكحول وتعاطي المخدرات. وتفتخر البلدان ذات الثقافات الفضفاضة بمستويات اعلى من الانفتاح، واكثر تسامحا مع الأشخاص من مختلف الأعراق والديانات والتوجهات الجنسية، وشعوبها اكثر ريادية ولديهم مستويات اعلى من الابداع.
ولا يفسر النمو الاقتصادي اتجاه الدول فضفاضا او ضيقا. ومثال ذلك اليابان دولة غنية والباكستان دولة فقيرة الا تمتع الدولتين بثقافات ضيقة. والولايات المتحدة دولة غنية والبرازيل دولة فقيرة، وفيهما ثقافات فضفاضة.
تصارعت الثقافات الضيقة مع الكوارث الطبيعية الأكثر تواترا، وانتشار الامراض، وندرة الموارد، وارتفاع الكثافة السكانية، والغزوات الطبيعية. وبذلك تلجا هذه المجتمعات الى قواعد صارمة للتنسيق من اجل البقاء. والمجموعات التي تعرضت بشكل اقل للأخطار تكون متساهلة.
يتبع

#جواد_الديوان (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل