محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1638 - 2006 / 8 / 10 - 10:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حينما تشعر أنك تمضغ شوكاً , أو تلوك صباراً مراً , أو تبتلع حنظلا , أو تمشي علي أرضاً ملغمة , حينما تعتقد إعتقاداً جازماً أن بعد جفاف الأرض وإرتفاع شدة الحرارة في الجو سوف يتبعه هطول الأمطاروالري والنماء فلا تجد إلا إشتعال الحرائق والدمار , وحينما تنتظر البشارة فتصخ آذانك أصوات نفير النذارة , حينما تريد أن تهنأ بالعيش والحياة وتريد أن تسير في بلاد الله آمناً مطمئناً ويأتي من يطعنك بسكين فينزف قلبك دماً ويتمزق داخلك و تخرج أحشاؤك , ييتم أبناؤك وترمل زوجتك , وينظرإليك ضيقي الأفق والصدر , محسوري العقول والأفهام الذين علي قلوبهم أغلفة من الغلظة والشدة والحقد الأعمي ويتهمونك بالكفر والضلال حينما يكون ذلك كذلك فاعلم أن أبواب الرحمة قد أوصدت وأبواب العقل قد خلعت وبني علي آثارها حوائط من الحجر , وينعدم الفهم ويضيع التواصل في الفكر والثقافة ويصير الحوار أحادياً ومن هنا تبدأ الوصاية , ومن هنا تبدأ أزمة الخطاب الديني .
الخطاب الديني أزمته الرئيسية فيمن يتناول النص الديني المقدس بالقراءة والفهم والتفسير والتأويل , يتناول النص الديني المقدس للتخويف من الآخرة ومن عذابات النار المتعددة الكثيرة الأ لوان والأصناف , والتي تبدأ من لحظة الوفاة وما يلاقيه الإنسان من عذابات لحظة الوفاة وخروج الروح وحتي دخوله وما ينتظره من ألوان جديدة من العذابات في القبر من الضرب بمقامع من حديد ومواجهة الثعبان الشجاع الأقرع وتضييق القبر علي الإنسان حتي تختلف أضلاعه وتتداخل في لحمه وعظامه , إلي أن يأتي يوم القيامة يوم الطامة يوم الصاخة التي تصخ الآذان وترعب الناس وتجعلهم كلٌ في شأن مختلف عن الآخر لدرجة أنهم حفاة عراة غرلاً محجلين ومن الهول الأكبر لاينظر أحدهم لعورات بعض .
وكأن الخطاب الديني ليس له من دور سوي الترعيب والترهيب والتخويف وأساسه هو النذارة فهو ينذر الناس بما سيلاقونه من أهوال ومن عذابات فقط أما البشارة في الخطاب الديني فهي تتحدث عن الإنسان أيضاً منذ بداية خروج الروح الطيبة ودخولها القبر وما يلاقيه الإنسان المؤمن من إتساع في القبر وكأن القبر روضه من رياض الجنة وحتي دخوله الجنة والتنعم بمافيها من فواكه وحور عين وخمور وألبان عبارة عن أنهار تسير في الجنة دون إنقطاع لمعينها النابض المستمر في العطاء بلا إنقطاع .
وإذا كان الخطاب الديني قد بني أسس مفرداته اللغوية علي البشارة بالجنة والنذارة من النارورغب الطائعين ورهب ورعب العاصين , فإن أساس مفرداته اللغوية المكملة لخطابه هي الحلال والحرام وهما المفردين اللغويين المرتبطين بالمقابل للجنة والنار, للنعيم والجحيم , وإذا كانت الجنة مؤجلة والنار مؤجلة والتخويف والترعيب من المؤجل الذي لم يحل آوانه بعد فما هو دور الحلال والحرام في الآني القائم أمره في حياتنا الدنيا ؟
مادام الخطاب الديني يسعي لإدخال الناس الجنة ويجاهد في عدم دخولهم النار فلماذا لايجاهد في سبيل إقامة جنة الدنيا قبل جنة الآخرة ؟
ولماذا غابت مفاهيم التنمية والحضارة والثقافة والعلم والتقدم عن مفردات لغة الخطاب الديني ؟ اين هي الخطط والبرامج في الخطاب الديني لمكافحة ظاهرة الفساد العام من أعلي رأس في السلطة وحتي أدني رأس ؟ ماهو مشروع الخطاب الديني في مكافحة ظاهرة البطالة , وظاهرة العنوسة , وظاهرة الأمية ؟
ماهو دور الخطاب الديني في مواجهة أزمات المجتمعات من الفقر والجهل والمرض ؟ وماهي الخطط والبرامج التي يمكن أن يتم إتباعها والعمل عل منوالها حتي يتم الخروج من نفق هذه الأزمات ؟ ولماذا غاب عن الخطاب الديني البرنامج السياسي الكامل الذي من خلاله يطرح رؤية سياسية لحل جميع المشاكل من الإستبداد بالحكم والسلطة وإغتصابها وطريقة تداول الحكم وأسلوب تبادل السلطة وماهو النظام المتبع في ذلك هل سيكون شورياً أو ديمقراطياُ أم برلمانياُ أوحتي دينياً ؟ إين هو البرنامج السياسي الذي من خلاله يتم وضع التصور والتخيل لحل جميع مشاكل الواقع السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتعليمية والصحية والعلاقات الخارجية والداخلية ؟ أين هذه الرؤي والتصورات ؟
أعتقد أن الرؤي والتصورات تم إختزالها في الجنة والنار فمن هو مؤمن بالخطاب الديني بشكله الراهن ورسمه الحالي وتصوراته المعروضة من زواية الجنة والنار فهو الذي سيلتقي بالنعيم في الآخرة ومن عارض لغة الخطاب الديني فهو سيلتقي بالجحيم في الآخرة والعذاب مصيره والهلاك موعده !!
من ثم فإن الخطاب الديني همه الوحيد هو عمارة الآخرة علي حسلب خراب الدنيا ودمارها حتي لو تكلمت مع أحد من أصحاب الخطاب الديني عن العلم والتقدم وما هو دوركم فيه وتحفيز همم الناس علي التمسك بتلابيب العلم وأسباب التقدم والحضارة يكون الجواب والرد الحاضر : إن الله سخر لنا الكفار ليخدموننا بأسباب حضارتهم وعلمهم وأننا إذا أطعنا الله سير لنا كل شئ وأطاع لنا كل شئ حتي الحجر والشجر والماء والنار وحتي السلاح الذي بيد الأعداء , هذا هو الرد الجاهز المنقول من عقل إلي عقل ومن فكر إلي فكر ومن ثقافة إلي ثقافة في بيئات متعددة لايفصلها حاجز مكاني أو جغرافي ولا تفصلها تغيرات لغة أو لهجات أو ثقافات فالخطاب الديني موحد رغم إختلاف الأمكنة والأزمنة ورغم تعدد اللغات وتباين اللهجات .
وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل المصيبة في تناول الخطاب الديني لمسائل لوعرضت علي الأنبياء الان لرفضوا الإجابة عنها ومن هذه الأمثلة: حكم الدين في الفأر يقع في السمن !! رضاع الكبير !! التصوير !! عمل المرأة !! الكومبيوتر والإنترنت !!
بل لو جد الأنبياء بيننا الآن ماهي القضايا التي ستشغل تفكيرهم , وتصبح لها أولوية في العمل علي إيجاد حلول لها ؟
لوكان الأنبياء والمرسلين المؤيدين بالوحي والرسالة بيننا ماهي القضايا التي كانت ستؤرق بالهم وتعكر صفوهم ؟ هل هي قضايا الإيمان ؟ أم هي قضايا العقيدة والجنة والنار ؟ أم هي المعجزات وخوارق العادات ؟ أم قضايا الإستبداد وإغتصاب الحكم والسلطة وسرقة الأوطان ؟ وماهي نظرتهم لقضايا الحريات والمرأة وحقوق الإنسان ؟
وماذا كانوا سيصنعون في مواجهة قضايا البطالة والفقر والإستعمار الوطني والإستعمار الأجنبي؟ هل كان هم الأنبياء هو الإنشغال بقضايا التكفير والترهيب والترعيب ؟
وهل كان دورهم ينحصر في الحديث عن الجنة ونعيم الجنة ؟
هل كان الأنبياء والمرسلين سيسكتوا عن إستيراد الغذاء والدواء من الدول المخالفة لهم في الدين والعقيدة ؟ وهل كان الأنبياء والمرسلين سيقبلون بمبدأ الإقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بفوائد يحددها الدول الكبار في هذين المصرفين الدوليين ؟
وهل كان الأنبياء والمرسلين سيمتنعوا عن وضع خطط وبرامج سياسية وإقتصادية وتنموية لحل أزمات الغذاء والطاقة والتعليم والصحة والأمن الداخلي والأمن الخارجي ؟
وهل كان الأنبياء والمرسلين سيقسمون العالم لمعسكرين أحدهما للكفر والآخر للإيمان ؟
وماهو دورهم في العلم والحضارة والتكنولوجيا وهل كانوا سيسكتون عن الأخذ بأسباب العلم والحضارة وغزو الفضاء وصناعة الصواريخ وإكتشاف العلاجات والأدوية ؟
هل كانوا يسعون في حل هذه المشاكل والمصاعب أم كانوا سينتظروا الوحي والمعجزات لحل هذه المشاكل ؟!!
أزمة الخطاب الديني أنه منعزل عن الحياة والواقع في خلطه بين الديني والسياسي , بين الديني والدنيوي , بين المقدس والمدنس , بين ماهو يحتمل الصواب والخطأ وبين ماهو عرضة للحلال والحرام أو الجنة والنار !!
أزمة الخطاب الديني متعلقة في عجزه عن السعي لإيجاد الحلول للمشاكل والتعزي بالجنة المؤجلة التي هي أصل النعيم الدائم ومن ثم كانت عمارة الآخرة هي العمارة الوحيدة في مقابل خراب عمارة الدنيا ومن ثم كانت الحلول مؤجلة والعجز قائم !!
أزمة الخطاب الديني في أن صاحب الخطاب الديني مع عجزه وقصوره يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وأن غيره لايمتلك إلا الباطل المطلق ومن ثم كان سلاح الهروب من المواجهة هو سلاح : أنت كافر .
ومن هنا ينقطع الأمل وينقطع التواصل .
فما الحل ؟
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟