أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عصام شعبان حسن - عبير موسي... إذ تستثمر الأزمة وتنتصر للثورة المضادة















المزيد.....

عبير موسي... إذ تستثمر الأزمة وتنتصر للثورة المضادة


عصام شعبان حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6936 - 2021 / 6 / 22 - 18:59
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


سمحت الأزمة المركّبة التي تمر بها تونس في أن تكسب رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى، أحد رموز نظام زين العابدين بن علي المخلوع، مساحات من الحركة والتأثير، وتقدّم نفسها بديلا ثالثا. وفي التفاصيل صراعٌ سياسيٌّ يفتقد لتقدير للعواقب، بين جبهتين، رئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء، بشأن تمرير التشكيل الوزاري، وكلاهما يوظف الشارع من أجل تسيّد موقفه. تتظاهر حركة النهضة وتلوّح بخيارين، تمرير التشكيل أو حجب الثقة عن قيس سعيد، والأخير يهدّد بحل البرلمان، وإن كان الصراع يدور في أطر ديمقراطية، وبشكل سلمي لا يخلو من مناوشات، ويستند على تفسيرات دستورية متعارضة في غياب المحكمة الدستورية، إلا أنه وإن لم ينته بحوار جاد، يمكن أن يفضي إلى انقلابٍ على مسار الثورة ككل، وليست الانقلابات محصورةً في شكلها العسكري، خصوصا في ظل سياقات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
ينشئ هذا المشهد، بتفاصيله من صراع سياسي وأزمة اجتماعية لم تنفك، مساحة لورثة حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ، في أن يجمع شتاته مرّة أخرى، ويعيد تمترسه خلف الحزب الدستوري الحر، حتى وإن كانت كتلته في البرلمان الآن محدودة (16 عضوا). ومما يؤشر على احتمالية هذا المسار أن هناك أصواتا عديدة من نخب تونسية تعلن، بصراحة، خلال اجتماعات وفاعليات وأحاديث إعلامية، دعوتها إلى الاصطفاف مع عبير موسى، مستخدمين خطابا يرتكز على خطاب الهوية الوطنية والثقافية وحقوق المرأة والتنوير. وينطلق هذا الخطاب على مرتكزاتٍ تستهدف الطبيعة المحافظة لكتلة النهضة وتصوراتها الموسومة بالرجعية، غير سياساتها في الحكم التي ساهمت في إنتاج مشهد الأزمة. ولكن في الوقت ذاته لا شواهد على تقدّمية عبير موسى، ولم تعرف في تاريخها السياسي وانتمائها لنظام الديكتاتور سابقا، ومواصلة المسير على خطاه لاحقا وبعد الثورة، أنها دافعت يوما عن الحقوق والحريات العامة أو الفردية، ولا دلائل على انحياز لقضايا المرأة، إلا إذا كان شغلها موقع أمينة للمرأة في حزب التجمّع الدستوري تعبيرا عن انحياز لقضايا النساء على أرضية النوع والمطالبة بالعدالة الجندرية، ولم توظف الحاصلة على شهادة الماجستير في القانون موقعها ذاك للدفاع عن المظلومين أو المساواة أو استرداد حقوق مهدرة.
على النقيض من كل تصريحاتها عن الحقوق والحريات والديمقراطية، تقف عبير موسى بمواقفها ضد الثورة التونسية، وما الصراخ الذي تمارسه والشعارات التي تطرحها إلا تسويق وغلاف للثورة المضادّة، لا يخفى المضمون والأهداف. وفكرياً تتبنى مواقف محافظة تتشاركها مع "النهضة"، بل وتزايد عليها أحيانا، لتكسب أرضيةً في ممارسة شعبوية انتهازية واضحة، وقد سبق لها وأن هاجمت الاحتجاجات الاجتماعية التي انطلقت في الذكرى العاشرة لثورة تونس، ووصفتها بالفوضى والمؤامرة، كما وصفت الثورة من قبل. وإن كانت تحسّن خطاباتها اليوم، وتحاول تخليصها من فجاجةٍ ملحوظة، فإن المستهدف من هذه المراوغة في الخطاب والممارسة جذب كتلا من القوى المدنية وشخصيتها إلى صفها، لتكون المعادلة إسلاميين ضد حداثيين، لا قوى التغيير ضد قوى وسياسات النظام القديم. خطاب الثورة المضادة جزء من المشكلة أو عمقها في الحقيقة، والذي يعتمد على الاصطفاف والتحالف السياسي بهذه الكيفية، ويهمّش التناقضات الاجتماعية والطبقية، وما يرتبط بها من أهداف للثورة.
تخطب عبير موسى في الساحات ودّ الشعب التونسي، وتتاجر بالأزمات وتعتاش عليها، وتوظّف التاريخ لصالحها محطاته وشخوصه وتؤمّمه لصالح كتلتها. وفي الحوارات والاجتماعات والرسائل السياسية المباشرة، أو عبر وسطاء، تخاطب قوى مدنية شاركت في الثورة، ووجدت نفسها هامشية التأثير في الانتخابات، وتدعوها إلى العمل المشترك، ترفع شعارات الاستقلال الوطني، وتفرغه من مضمونه. تهذّب الاتهام الذي وجّه لقوى الثورة، بوصفها متآمرة، وتجمّعا للخونة، ينفّذون أجندة خارجية. وتنطلق من هذا الاتهام لتدين الواقع وتصادر على المستقبل. وضمنياً، يجب ألا تصل كل قوى الثورة إلى الحكم، حفاظا على الاستقلال الوطني، وقوة الدولة المهدّدة بالمشكوك في وطنيتهم. ولا يقتصر الهجوم على كتلة "النهضة"، فبعد أن نجح الحزب الدستوري في صناعة مشهد حاشد في صفاقس للاحتفال بذكرى عيد الاستقلال (20 مارس/آذار)، أصدر بلاغا (بيانا) يهاجم قيس سعيد، ويستنكر إهمال مؤسسة الرئاسة تنظيم موكب رسمي لائق بالذكرى، ويطالبه بتوضيح الأسباب. وكان سعيد الذي يحب أن يكرّر الشعارات الوطنية والقومية والعروبية، موضع اتهام، ومتواطئا مع الخونة الذين ينكرون تاريخ استقلال البلاد، ولم يلتحقوا بركب عبير موسى!
كما تتهم موسى الأحزاب والقوى التونسية التي لا تريد الاصطفاف معها بأنها متحالفة مع القوى الظلامية، أي تضع الجميع في معادلة إما معي أو مع "النهضة". ببساطة تقول إنه لا مكان لفعل مستقل أو تعدّدية ولا خيار ثالث، وهذا التصوّر السلطوي، ترجمة وتعبير أصيل عن إرث النظام الاستبدادي الذي يعادي التحزّب والتعدّدية السياسية، ومارس ضغوطا على الحركة النقابية وكوادرها. وما زال أنصاره يهاجمون اتحاد الشغل والحركات الاجتماعية إجمالا. وحتى وإن هتفت عبير موسى، في مظاهرتها السينمائية، باسم القائد العمالي الأشهر، فرحات حشاد، فهذا لا يلغي موقفها المعلن من الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي تحفّظ على إشراكها في الحوار الوطني لمناقشة الأزمة الحالية، لإدراكه أن كتلة "الدستوري الحر" معادية للحركة النقابية. وإذا كانت عبير موسى تستخدم أدوات ديمقراطية، كالتظاهر والاعتصام، فإن ذلك لا يغير مضامين تتبنّاها، معادية للحقوق والحريات. ولا يخفى أنها تقدّم كتلتها بديلا سياسيا، وهي في صورة المخلص والمناضلة في مواجهة تحالفات "النهضة" والقوى السياسية خارج هذا التحالف.
خلاصة القول، لم يكن بمقدور رموز النظم القديمة، وهي من مكونات الثورة المضادّة، النفاذ والتأثير، إلا بضعف قوى الثورة نفسها، وإخفاقها في إيجاد تحالفاتٍ تدعم أهدافها، بل والتخلي عن برنامج الحد الأدنى الذي جمعها قبل الانتفاضة. والحاصل في تونس، وما تجسّده عبير موسى نموذج يمكن قراءته على هذه الأرضية. ولولا الأزمة السياسية والاجتماعية العميقة، ما كانت قد استطاعت أن تجد لها مساحة وافرة للوجود، وهي قابلة للتوسّع، طالما بقيت الصراعات في مستواها السياسي الشكلي الذي يركّز على قضايا الهوية والثقافة، ويهمّش مطالب جوهرية اجتماعية واقتصادية. وكما تجربة مصر، يمكن أن يتم تجييش الرأي العام للعودة إلى ما قبل الثورة، في شكل انقلابٍ ناعم، فالجمهور في ظل الأزمات ينطلق من أزمته. ويحلّل الواقع بمنظور واقعه، ويقارن بين أداء دولة كانت مستبدّة وأداء من يصوّرون أنفسهم تجسيدا للثورة، لكنهم عاجزون عن إدارة الدولة، وتيسير شؤون الناس. وليس من المتوقع أن تنتهي الأزمة التي لا يمكن اختصارها في صراع الرئاسة ومجلس الوزراء، إلا بحوار وطني ومراجعة حقيقية للسياسات الاقتصادية، وبناء تحالفاتٍ سياسيةٍ على أساس برنامج التغيير، وأن يتم وضع نظام انتخابي يسمح بتمثيل الطيف الواسع من قوى الثورة. من دون ذلك، تبقى احتمالات توسع نفوذ قوى النظام القديم قوية، سواء من خلال تحالفاتها مع حركة النهضة في البرلمان أو خارجه، والذي اتخذ شكلا من أشكال تقاسم السلطة، أو من خلال الحزب الدستوري الحر الذي يريد إعادة المسار إلى ما قبل الثورة، وتتزعمه عبير موسى.



#عصام_شعبان_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوادث العمل في مصر... دلالات ومؤشرات
- لكي لا نفرط في التفاؤل
- سد النهضة .. الأزمة المصرية ودروس الفشل
- أنثروبولوجيا المرض وحروب كورونا السياسية
- مصريات في مواجهة كورونا
- ذكرى يناير وفرص تجدّد الحراك في مصر
- ضبط الثقافة لخدمة السلطوية
- أزمة السودان ووهم المراهنة على التطبيع
- الشباب المصري وغياب السياسة .. المشاركة بعد 30 يونيو
- عن التحرّش في مصر ومواسمه
- مستقبل مصر لا تبنيه البطاطين
- احتجاجات فرنسا... أزمة الاقتصاد والديمقراطية
- مؤشرات الجوع في مصر
- عن تقرير مصر في مجلس حقوق الإنسان
- ضرورة الكتلة التاريخية.. في نقد الحالة المصرية
- تمرّد محمد علي والحراك المصري
- العمالة غير المنتظمة: تهميش قيمة العمل والإنسان
- عن أبطال التغيير العربي وبطلاته
- جامعة حلمى شعرواي
- شهيد القطار.. موجز عن المأساة في مصر


المزيد.....




- إبعاد متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين من حفل تخرج جامعة ميشيغان ...
- لقاء مع عدد من الناشطات والناشطين العماليين في العراق بمناسب ...
- صادق خان يفوز بولاية ثالثة لرئاسة بلدية لندن.. ويعزز انتصار ...
- الختان، قضية نسوية!
- جرائم الشرف، كوسيلة للإدامة بالأنظمة الإسلامية القومية في ال ...
- الرئيس السوري يؤكد أهمية المحاسبة داخل حزب البعث العربي الاش ...
- التصور المادي للإبداع في الادب والفن
- حوار مع العاملة زينب كامل
- شاهد كيف رد السيناتور بيرني ساندرز على انتقاد نتنياهو لمظاهر ...
- وثائق: تأييد عبد الناصر لفلسطينيي غزة أزعج بريطانيا أكثر من ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عصام شعبان حسن - عبير موسي... إذ تستثمر الأزمة وتنتصر للثورة المضادة