أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية - عصام شعبان حسن - ضبط الثقافة لخدمة السلطوية















المزيد.....

ضبط الثقافة لخدمة السلطوية


عصام شعبان حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6493 - 2020 / 2 / 17 - 15:45
المحور: ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية
    


عن معرض كتاب القاهرة

مبهجٌ ويستحقُّ الاحتفاء أن يقترب عدد زوارض القاهرة الدولي للكتاب الدولي من ثلاثة ملايين، بما يعني أنه ما زال للكتاب والثقافة منزلتهما في مصر، على الرغم من ارتفاع أسعار الكتب الذي يرجع جزء منه إلى زيادة تكاليف إنتاجها، إضافة إلى ما طرأ على الأجور والدخول من انخفاض، نتاج سياسات اقتصادية، منها تعويم الجنيه، وزيادة أسعار الخدمات. وهذه أعباء تركت آثارها على المواطن المصري، ما استدعى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق عند بعضهم. كما أن إقبال الزوار على المعرض في دورته أخيراً جاء على الرغم من محاولات تهميش الثقافة، وتأميم المجال العام، ما يشير إلى روح نابضة للشعب المصري، فالقراءة والخروج في الفضاءات العامة دليل حيوية بل ومقاومة، بما يحملانه من رغبةٍ في الاطلاع والفهم والحوار والاشتباك مع مجالات الثقافة. وللموضوعية، اتسم المعرض بالتنظيم إلى حد بعيد، وجذب كثيرين، على الرغم من بعده وأن الوصول إليه غير يسير، وربما يمثل لبعضهم رحلة سفر، والوصول إليه يتطلب من بعضهم مشقة استخدام وسائل مواصلات متعدّدة.
وكان قد تم نقل معرض الكتاب، العام الماضي، من أرض معارض مدينة نصر إلى مركز المعارض الدولية، بتبرير أن المكان القديم لم يعد صالحا، وهذا صحيح في جانب منه، ولكن لم توضح أسباب اختيار المكان الجديد، البعيد عن القاهرة، وصعوبة الوصول إليه، ولماذا لم توجّه
الدولة قدراتها في تجديد (أو إعادة تخطيط) مكان إقامة المعرض القديم، لتتناسب منشآته وتليق بالمعرض كما المقر الحالي، أو تحتار مكانا آخر في قلب القاهرة.
برّر وزير مصري سابق للثقافة النقل بأسباب مشابهة. وردّا على تلميحاتٍ عن تبعية المكان للقوات المسلحة، قال إنه في النهاية تابع لإحدى هيئات الدولة. ورأى، في سياق مشابه، ولكن بعد خروجه إلى التقاعد، أن أحد أبرز التحدّيات التي واجهت الدولة تاريخيا خلال معرض الكتاب، محاولة استغلال جماعات سياسية له. وفي هذا السياق، تصبح رؤية الدولة للتعامل مع أحد تجليات الثقافة المصرية وفاعلياتها مجسّدة في مقولات رجالها، أي أنها تثبت التحليل القائل إن نقل المعرض جاء ضمن سياقات ضبط الدولة المشهد الثقافي، وأحيانا تهميشه، وهو ما يمكن تلمسّه في دورة معرض الكتاب العام الحالي، والتي اختفت فيها مظاهر التنوع والسجال الفكري والسياسي، والتي كانت ميزة لمعرض القاهرة، حتى قبل اندلاع ثورة يناير ضد نظام حسني مبارك. كانت فاعلياته الرسمية تمثل ساحة للتفاعل، وتشهد سجالاتٍ في الفكر والسياسة. وشهد المعرض، في سياقات غير رسمية، فاعليات سياسية، مظاهرات عدة، تطالب بالتغيير السياسي، كمظاهرات

الحملة الشعبية للتغيير وحركة كفاية (الحركة المصرية من أجل التغيير، وفاعليات التضامن مع الشعب الفلسطيني. وكان للمثقفين في المعرض دور في مناهضة التطبيع مع إسرائيل، فقد شهد في يناير/ كانون الثاني 1981 مظاهرة رافضة لمشاركة دولة الاحتلال فيه، واستمرت جهود مواجهة التطبيع الثقافي، حتى أنهت رغبات المطبعين وإسرائيل في التمثيل في معرض الكتاب بشكل نهائي، بعد محاولاتٍ دامت عامين. ولعب مثقفون وطنيون، انتظم معظمهم في لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، دوراً مهماً، وكانت الواقعة التي شهدها معرض الكتاب محطة رئيسية لمواجهة التطبيع.

لم تُذكر، في دورة معرض الكتاب أخيرا، قضايا التغيير السياسي محليا أو إقليميا، ولا حتى أفريقياً، على الرغم من الاحتفاء الشكلي بأفريقيا، ولم تكن الثورتان، السودانية والجزائرية، محل اهتمام أو نقاش، وخفتت القضايا السياسية عموما. وباستثناءات ضئيلة، لم يتم تناول ثورة يناير، منها ندوة للمفكر الاقتصادي، جودة عبد الخالق، والذي أبدى فيها دفاعا عن ثورة يناير، في أثناء مناقشة كتابه "من الميدان إلى الديوان"، بينما شهد المعرض وجودا مكثفا لوجوه إعلامية معروفة بدفاعها عن مظاهر السلطوية، متحصّنة خلف شعارات الحرص على الدولة، ومواجهة الإرهاب، تهاجم حركات الشعوب وتشوهها، وتعتبرها مؤامرة، وإعادة تموضع للفوضى. وبينما كان المعرض، في سنوات مضت، يحمل قدرا من التنوع، يتناسب مع المرحلة السياسية، كانت دورة العام 2012 احتفاء بثورتي تونس ومصر. وفي العامين اللاحقين، انعكس الصراع السياسي والفكري على فاعليات المعرض وأنشطته، ثم انتهى هذا المشهد، في محاولةٍ لفصل الثقافة عن المجتمع، وفرض ثقافة القبول والإذعان، الصوت الواحد، الدعاية المكثفة.
لا مكان سوى لأطروحاتٍ ترضي النظام، وتدافع عنه، وتبرّر مثالبه، وتضخّم إنجازاته، ذلك لأن الثقافة، بالنسبة للنظم السلطوية، أداة لخدمتها والدعاية لها.
ضبط المشهد الثقافي واحتلال النظام مساحاته مجسّد في برنامج معرض القاهرة الدولي للكتاب وفاعلياته، وفي مقرّه الجديد، ومن يشارك من دور النشر، ومن محظور عليه المشاركة. تتجلى آليات التحكّم، حتى في أبسط التفاصيل، كالصورة الضخمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتي احتلت مساحة تزيد على ثلثي ارتفاع القاعة الثالثة. وهذه الملاحظة، وإن كانت عابرة، إلا أنها تعبر عن الذهنية التي خلفها. السلطة لا تريد أن تستخدم الثقافة لصالحها أو فقط تحيدها، ولكنها تدمغها رمزيا وماديا أيضا. معرض الكتاب، بفاعلياته ومظهره، مثل غيره من أنشطة الثقافة ومظاهرها ومنتجاتها. يُراد لها أن تكون واجهة للنظام، منضبطة، تحدّد من ينتج ومن يبدع ومن يشارك في المعارض والفاعليات الثقافية والفنية، فاعليات مسيّرة بشكلٍ شبه كامل، ومحكومة بتصوّرات لا تقبل الاختلاف والتنوع، حتى وإن رفع معرض الكتاب شعار مصر أفريقيا ثقافة التنوع.

ينسحب ما جرى في المعرض على مختلف مظاهر الثقافة والإبداع والفنون، منها الإنتاج السينمائي والدرامي، والذي تستحوذ عليه شركة تابعة لرموز السلطة، وتتحكّم في المنتج الفني ومضمونه، وتزيح آخرين، وتمنعهم، بطرق عدّة، من أن ينتجوا شيئا مغايرا. طريقة للتعامل مع الملف الثقافي ترتكز على استبعاد السلطة من لا يدور في فلكها، مع التضييق على المختلفين على الأقل، والاستحواذ على الفضاء العام عموما، ومنه الإنتاج الثقافي، لتكون مخرجاته في خدمتها. وهذه واحدة من مشاهد خنق الإبداع ضمن سلسلة التضييق على الحريات. وبهذا يخسر المشهد الثقافي المصري إحدى أهم سماته، وهي التنوع والثراء والجدل بين مكوناته، والتي تمثل جانبا من شخصية مصر التاريخية المميزة التي يحتفي بها
أهلها ومحبّوها.



#عصام_شعبان_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة السودان ووهم المراهنة على التطبيع
- الشباب المصري وغياب السياسة .. المشاركة بعد 30 يونيو
- عن التحرّش في مصر ومواسمه
- مستقبل مصر لا تبنيه البطاطين
- احتجاجات فرنسا... أزمة الاقتصاد والديمقراطية
- مؤشرات الجوع في مصر
- عن تقرير مصر في مجلس حقوق الإنسان
- ضرورة الكتلة التاريخية.. في نقد الحالة المصرية
- تمرّد محمد علي والحراك المصري
- العمالة غير المنتظمة: تهميش قيمة العمل والإنسان
- عن أبطال التغيير العربي وبطلاته
- جامعة حلمى شعرواي
- شهيد القطار.. موجز عن المأساة في مصر
- تجاوز الطائفية والطبقة السياسية
- المرحلة الانتقالية في السودان.. انتصار منقوص واحتواء للمعارض ...
- فيسبوك-.. الصراع على العقول والمجال العام
- عن المفقودين والسجناء.. في مصر وغيرها
- عندما يحتفي نتنياهو بثورة يوليو
- اعتقالات مصر.. تشويه اليسار وتجريم السياسة
- مدينتي والصراع الاجتماعي في مصر


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- ثورة تشرين الشبابية العراقية: جذورها والى أين؟ / رياض عبد
- تحديد طبيعة المرحلة بإستخدام المنهج الماركسى المادى الجدلى / سعيد صلاح الدين النشائى
- كَيْف نُقَوِّي اليَسَار؟ / عبد الرحمان النوضة
- انتفاضة تشرين الأول الشبابية السلمية والآفاق المستقبلية للعر ... / كاظم حبيب
- لبنان: لا نَدَعَنَّ المارد المندفع في لبنان يعود إلى القمقم / كميل داغر
- الجيش قوة منظمة بيد الرأسماليين لإخماد الحراك الشعبي، والإجه ... / طه محمد فاضل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية - عصام شعبان حسن - ضبط الثقافة لخدمة السلطوية