|
الحرب في لبنان والمعارضة السورية
معقل زهور عدي
الحوار المتمدن-العدد: 1637 - 2006 / 8 / 9 - 10:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أثر حرب لبنان في المعارضة الوطنية الديمقراطية في سورية
لنعترف في البداية بوجود تيارين رئيسيين داخل المعارضة الوطنية – الديمقراطية ، أصبح ضروريا تلخيص وجهة نظر كل منهما للانتقال من مرحلة الغموض والاتهامات الى مرحلة الوضوح والحوار ، ويمكن ان يخدم ذلك في وضع تصور لكيفية تأثرهما بالحرب في لبنان . أولا : تيار اليسار الليبرالي أهم ما يميز هذا التيار تركيزه المفرط على الوضع الداخلي السوري ، ومحاولة تفكيك العوامل الخارجية في خطابه السياسي ، بالتالي وضعها في مرتبة ثانوية ، وحصر الرؤية السياسية بمسألة الديمقراطية وترحيل ماعداها الى حقبة تاريخية لاحقة . لكن ذلك لاينفي وجود رؤية للسياسة الخارجية ، فالمسألة هنا تكمن فقط في فصل اجرائي بغرض تخفيض الاضاءة فوق عناوين السياسة الخارجية وتركها كحديقة خلفية متاحة للمناورة . تستند السياسة الخارجية للتيار السابق الى القناعة بوجود تقاطع بين المطلب الديمقراطي الداخلي وماهو متصور من وجود مطلب ديمقراطي للولايات المتحدة الأمريكية ( ظهر بعد ايلول – 2001 ) تعمل على تحقيقه في المنطقة العربية ، دون ان يعني ذلك بالضرورة تأييد السياسة الأمريكية كما هي عليه في العراق والمنطقة العربية المسالة هنا تعرض كاستفادة من تقاطع موضوعي والسعي لاستثماره من أجل انجاز المهمة الديمقراطية . يعطي تيار اليسار الليبرالي أهمية لوجود ( مجتمع دولي ) يدفع باتجاه نشر الديمقراطية ، ودورا ايجابيا للاتحاد الأوربي يمكن الاستناد اليه حين يتعثر الدور الأمريكي وتتفاقم ردود الأفعال الشعبية ضده. يجد الخطاب السياسي لتيار اليسار الليبرالي سهولة في ترحيل أي مقاربة لمسألة الصراع العربي- الصهيوني الى مابعد انجاز المرحلة الديمقراطية ، وكذا الحال بالنسبة للمسألة الاجتماعية . هنا ثمة محاولة لفصل المسألة الديمقراطية وتعظيمها ووضعها في تراتب زمني تسلسلي ، بحيث يصبح التعاطي مع المسائل الأخرى خلفها وليس معها في وقت واحد . ينكر تيار اليسار الليبرالي وجود مشروع للهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية ، وفي أفضل الحالات يعتبر وجود مشروع كهذا جزءا من المعطيات الجيو-سياسية التي لايمكن مواجهتها في هذه المرحلة الموصوفة بمرحلة الانجاز الديمقراطي . ( القول بمقاومة مشروع الهيمنة الأمريكي يضعنا في مواجهة خصمين في وقت واحد الاستبداد والخارج هكذا تستحيل المسألة وتصبح ضربا من الرومانسية السياسية ، الحل: مهادنة الخارج ومواجهة الاستبداد في الداخل ) ذلك هو منطق اليسار الليبرالي . في السياسة العربية يحاول اليسار الليبرالي شق طريق صعب بين تقييم ايجابي لنهج محمود عباس ومراعاة الابتعاد عن مواجهة علنية مع تيار المقاومة متمثلا في حماس ، اما في لبنان فهو أقل حذرا في اظهار تعاطفه مع قوى 14 آذار التي ذهبت شوطا بعيدا في التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وبخصوص العراق لايخفي التنكر للمقاومة العراقية واثارة الشكوك حول طبيعتها ومشروعيتها . يطرح تيار اليسار الليبرالي سقفا خطابيا أعلى في معارضة النظام ، بغض النظر عن نتائج ذلك وجدواه وهل استفادت منه المعارضة في التقدم نحو الأمام أم أنه أسهم في تراجعها نحو الخلف ؟ أخيرا يتصور تيار اليسار الليبرالي أنه المعبر الشرعي عن المعارضة الوطنية الديمقراطية ، فهو لايرى هامشا بين المعارضة متمثلة بخطه الفكري السياسي وبين معسكر النظام . ثانيا : التيار الوطني – الديمقراطي يستند التيار الوطني الديمقراطي الى فكرة اندماج المهمات الثلاث الوطنية – القومية ، الديمقراطية ، الاجتماعية ، ونفي أية امكانية للفصل بينها في تسلسل تاريخي مزعوم . وتأتي في مرتبة بارزة فكرة الانحياز لخط مقاومة مشروع الهيمنة الأمريكي – الصهيوني على المنطقة العربية وبناء علاقة استراتيجية مع قوى المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان . الديمقراطية كما يفهمها هذا التيار هي ديمقراطية المشاركة الشعبية الواسعة التي لاتنحصر بالتمثيل البرلماني وهي ديمقراطية وطنية مناقضة للديمقراطية الطائفية وفق النموذجين العراقي واللبناني . الديمقراطية هنا ليست مهمة تاريخية مقطوعة الروابط بالمهمات الأخرى الوطنية – القومية والاجتماعية ، ولكن مندمجة مع تلك المهمات في سياق تاريخي واحد . لايرى التيار الوطني – الديمقراطي أي تقاطع مع الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على المنطقة العربية بل صراع متصل معها ، صراع ذو أشكال متعددة ، بعضها عنيف وبعضها سياسي وبعضها ثقافي – فكري ، بالتالي فانجاز المهمة الديمقراطية لايمكن ان يتم خارج هذا الصراع بل داخله ، وليس بالتقاطع مع استراتيجية الولايات المتحدة بل ضدها بالضبط . ينظر التيار الوطني الديمقراطي الى عملية التحول الديمقراطي باعتبارها مسالة تحول مجتمع وليس مسألة تغيير سياسي فقط ، لذا فالتركيز الرئيسي لديه هو على مطالب ديمقراطية تسهم في بناء قوى اجتماعية داخلية تحمل مسؤولية التغيير دون أي تقاطع مع أجندات خارجية ، ويرى هذا التيار أن العمل في ضوء التقاطع مع أجندات خارجية منزلق خطر يدفع نحو رهانات سياسية ضارة . فالخارج الفاعل سياسيا في المنطقة هو سياسة الولايات المتحدة وحلفائها والسياسة الأوربية التي تزداد تبعية لها ، أما الخارج الوحيد الذي يمكن التقاطع معه فهو خارج الحركات التحررية والشعبية، خارج المنظمات المدنية المستقلة غير الخاضعة لتمويل الدول والاحتكارات العالمية ، وبالتالي فهو الخارج الذي يعمل بوضوح ضد سياسة الهيمنة الأمريكية ومشروعها الشرق أوسطي . ينظر التيار الوطني – الديمقراطي الى العلاقة مع التيارات الأخرى داخل المعارضة بوصفها خاضعة للنقد ، فوعي الفرق بين الخطوط السياسية وتميز الخط الفكري – السياسي للتيار الوطني – الديمقراطي هي أمور لايمكن المساومة عليها . مسألة التحالف هي في جوهرها مسألة تكتيكية هدفها حشد الجهود من أجل انتزاع المطالب الديمقراطية وترسيخها ، لكن ذلك لايمكن ان يوجد على حساب المسائل المبدئية وعبر طمسها وتمييعها . الموقف من الحرب في لبنان : منذ البداية أظهر تيار اليسار الليبرالي تحفظا على الوقوف مع المقاومة اللبنانية وميلا حذرا لللأخذ بوجهة نظر قوى 14 آذار في تحميل حزب الله مسؤولية ( توريط ) لبنان في حرب شاملة ، وقدمت التحليلات السياسية التي تفسر ماجرى بوصفه صراعا بين محاور اقليمية ودولية ، وبسبب موجة التعاطف الشعبي الواسع في سورية مع المقاومة فقد تراجع اليسار الليبرالي قليلا دون ان يغير في جوهر موقفه . في المقابل وقف التيار الوطني الديمقراطي منذ بداية الحرب بوضوح ودون تحفظ مع المقاومة اللبنانية معتبرا أنها تخوض معركته ضد مشروع الهيمنة الأمريكي – الاسرائيلي في لبنان . مابعد الحرب على لبنان : من المبكر وضع تصور لانعكاس الحرب في لبنان على الساحة السورية ، والمسألة في أحد جوانبها مرتبطة بالنتيجة التي ستنتهي اليها تلك الحرب مما لايبدو واضحا في الأفق الآن .
مهما بلغ حجم التدمير الذي تتعرض له البنية التحتية في لبنان ، والخسائر البشرية ، فان وقف اطلاق النار دون ان تتمكن اسرائيل من فرض شروطها المعلنة للحرب سيشكل انتصارا سياسيا ومعنويا للمقاومة ، ويضع تيار قوى 14 آذار في موقف الطرف الأضعف ، وسيستتبع ذلك انحسار النفوذ الأمريكي والفرنسي عن لبنان ، وهو أمر لايمكن لتلك الدول التسليم به بسهولة ، من أجل ذلك فالمرجح ان يستمر الصراع بأشكاله المختلفة السياسية والديبلوماسية والعنيفة ، وسيؤدي استمراره لتغييرات في البيئة السياسية اللبنانية يصعب التنبؤ بها . لايمكن ان يستمر الصراع في لبنان فترة طويلة دون ان يمتد خارجه وبالتحديد باتجاه سورية .
لنلخص : الفرز السياسي داخل المعارضة الوطنية الديمقراطية في سورية يتعمق في ضوء الموقف من المقاومة اللبنانية والحرب الدائرة في لبنان ، واليسار الليبرالي مازال بعيدا عن الوقوف الى جانب المقاومة اللبنانية ، متقاطعا بذلك مع الموقف العربي الرسمي ، ومالم تتم مراجعة ذلك الموقف فسيكون من الصعب جسر الفجوة بينه وبين التيار الوطني-الديمقراطي حين تضع الحرب أوزارها في لبنان .
#معقل_زهور_عدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاحتمالات المستبعدة في توسع الحرب نحو سورية
-
أزمة العلاقة بين الرجل والمرأة في الأسطورة التاريخية
-
كيف ستخسر اسرائيل حربها اللبنانية
-
آفاق التعايش العربي - الكردي في سورية
-
الطبقة الوسطى في سورية - الواقع والدور -2/3
-
الطبقة الوسطى في سورية - الواقع والدور 3/3
-
الطبقة الوسطى في سورية - الواقع والدور 1/3
-
استفتاء نحو الهاوية
-
الصراع الاجتماعي والانقسام الطائفي
-
من يسعى لشق المعارضة في سورية
-
استدعاء التدخل
-
لماذا تئن النواعير
-
أكرم الحوراني - استعادة رجل واستعادة مرحلة
-
في ضرورة الاختلاف
-
تحولات العقل العربي
-
لماذا الحديث عن تأسيس تيار وطني ديمقراطي اجتماعي في سورية
-
حول المسؤولية في التطاول على النبي الكريم
-
درس في الديمقراطية من القدس
-
نقد الفكر المعارض في سورية
-
هوامش على كتاب سمير امين وفرانسوا اوتار ( مناهضة العولمة – ح
...
المزيد.....
-
بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا
...
-
واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية
...
-
مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري
...
-
الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني
...
-
حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه
...
-
ردود الفعل على قرار بايدن وقف تسليح
-
بعد اكتشاف مقابر جماعية.. مجلس الأمن يطالب بتحقيق -مستقل- و-
...
-
الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ
...
-
حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة
...
-
أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية
المزيد.....
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
-
حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2)
/ جوزيف ضاهر
-
بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول
/ محمد شيخ أحمد
المزيد.....
|