أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد هيكل - العلاقة بين تراجع دور التعليم والثقافة وانتشار الفكر الأصولىّ














المزيد.....

العلاقة بين تراجع دور التعليم والثقافة وانتشار الفكر الأصولىّ


أحمد هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6935 - 2021 / 6 / 21 - 21:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تغلغل فكر التيارات الدينية فى المجتمع المصرى لا يُعزَى فقط إلى قلة المعرفة أو سطحية الثقافة التى ينالها المتعلمون فى بلادنا، بل -بالأحرى- إلى نوع ونمط التعليم الموجود الذى يقوم بالأساس على التلقين، ويلعب الطالب أو التلميذ فيه دور المتلقى السلبىّ بدون أن تحدث عملية تشارك فكري ووجداني بين المعلم والطالب، إذ لا يُسمَح له بإبداء رأيه مطلقا. فهذه العلاقة الأبوية السلطوية بين الطالب والمعلم لا تخرج إلا جيلا منقادًا مطيعًا نمطيًّا؛ فطالما ألغيت النقاش، وهمَّشت الرأى، وأبعدت المسافة بينك وبين الطالب، فأنت تقتل روح الإبداع والتفكير وملكة الحس النقدى لدى الطالب؛ ومن ثمَّ يصبح عقله وعاءً لأى فكر؛ لأنك قتلت عنده الملكات العقلية، والنفسية أيضًا؛ فقد أفقدته ثقته بنفسه عندما صادرت رأيه. ولذا فإن كل ما ينفق على التعليم من أجل تطويره والرقىّ بمنظومته، بداية من تطوير المعلم نفسه وتأهيله وتدريبه، وصولاً إلى تطوير المناهج والأفكار، هو خصم من المساحة أو المكانة التى يحتلها الفكر الرجعى المتشدد. فلم يتراجع العقل المصرى ويتقهقر إلى الوراء إلا عندما أهْمِلَ دورُ التعليم كحجر أساس فى بناء الشخصية المصرية، ومن ثمَّ تم ملء الفراغ بفكر الجماعات. ولم يظهر دورٌ فاعل للفكر السياسى الدينى فى الحياة السياسية والفكرية المصرية إلا بعد انقلاب 52، وقبل ذلك كان وجودهم لا يمثل خطرًا حقيقيًا علي الحياة الثقافية المصرية؛ فقد كان التعليم حينها لا يزال قويًّا، وكان لدينا على رأس وزارة المعارف عميدُ الأدب العربى الدكتور طه حسين، وكانت لدينا حياة ديمقراطية ونيابية فاعلة لم يحظ هذا التيار فى ظلها بشعبية جارفة، ولم تكلل جهودهم بالفوز ولو حتى بنسبة ضئية من مقاعد البرلمان فى الفترة التى سبقت انقلاب 52 . المشكلة بدأت تحديدًا مع انقلاب 52 الذى عصف بالحياة الديمقراطية وقمع العقل المصرى، فقد مثل الواقع الجديد الذى أرساه انقلاب 52 بيئة خصبة ترعرعت فيها كل الأفكار المعادية للديمقراطية والتقدم والإنسانية، فلا تنبت الأفكار الفاشية والرجعية إلا من رحم الديكتاتورية، بل إن الفكرة قد تكون مسالمة متصالحة مع المجتمع والواقع أوَّلَ الأمر، فإذا اضطهدت وأقصيت وتعرضت للعنف تصلبت وأصبحت أكثر عنفا وقسوة مع الآخر.. وهذا ما حدث. فالدكتاتوريات تمنح قبلة الحياة لقوى الرجعية. حيث تمثل الثقافة لدى السلطات الدكتاتورية فعلا معاديا لها، وتراها خطرا دائمًا يتهدد وجودها، فحيازة كتاب أخطر من حيازة قنبلة! وأن تمتلك وعيا وعقلا ناضجا أخطر من أن ترتكب جريمة قتل! هكذا يبدو الفعل الثقافى لكل سلطانٍ أحمقَ غشوم. وبغياب دور الثقافة تحل الخرافة وتتسيَّد الأصولية الساحة، فيسود الاعتقاد القائل بأن الدين هو المرشد الكافى والمعين الوافى لأمور حياتنا المعاصرة! وأنَّ الحلَّ يكمن فى العودة إلي الماضى واستنساخ تجرِبته، وأنه لا يسعنا إلا اتباع منهج السلف كما وصل إلينا!
ولا أصدق أن حاكما مستبدا يخفى نخبة الوطن من مفكريه ومثقفيه وسياسييه وراء القضبان، لا أصدق أن هذا الحاكم هو حاكم مستنير، لا يمكن أن أسيغ هذا بحال؛ فالاستبداد على النقيض تمامًا من التنوير والاستنارة، ففى ظل كلمة مقموعة ووعى مقموع لا يمكن أن تنمو نهضة، لأن أساس التقدم هو توفر مناخ من الحرية يسمح بتداول المعلومات والأفكار ولا يحظر الإبداعات الفكرية والثقافية. ولا خيرَ فى وطن يُحكم بقوة السلاح ويُلجَم فيه صاحب العقيدة والفكر عن إبداء فكره أو معتقده، فالاستبداد لا ينتج إلا عقولاً مُشوَّهة، ولا يمكن أن يتكون فى ظله جيل محترم أو فكر متمرد مقاوم. وقد يتصالح الاستبداد مع عدوٍّ خارجيّ أو يعفو عن عُتَاة المجرمين بعد قضاء نصف المدة أو أقل، لكنه لا يقبل أن يتسامح أو يعفو عمَّن حرَّض أو جيَّش مشاعر الناس وألَّبهم على الطغيان. ولا أذكر أن تجربة واحدة من تجارب إقامة دولة دينية فى عصرنا قد جاءت فى سياق موجات تحرر وطنى أو بناء حياة ديمقراطية، بل على العكس نجد أن أغلبها قد كان نتاجا حتميا لانقلابات عسكرية أو للتحالف مع قوى خارجية استعمارية، فالأصولية الدينية الإسلامية نشأت من رحم الصراع بين قوتين كبريين، بين الشرق ممثلا فى الاتحاد السوفيتىّ والغرب ممثلا فى الرأسمالية العالمية، وقد كانت الأصولية الإسلامية هى الذراع الطولى للغرب الرأسمالىّ فى أتون هذا الصراع. وهذا الربط بين صعود الرأسمالية والأصولية ليس غريبا؛ فالأصولية حليفة الرأسمالية وسر بقائها، فعليها تعتمد الأخيرة فى تحقيق أهدافها عن طريق توظيف الكيانات الأصولية فى إحداث وخلق فوضى لتفتيت الدول، وتلك الجماعات دأبها خلق حالة من اللادولة؛ فهى فى سبيل سعيها لإنجاح مشروعها الفكرى والعقائدى تتجه إلى ضرب الدولة واستهداف وجودها، وهو ما حدث فى عدة دول اكتوت بنار جماعات الإسلام السياسى، فالقاعدة -على سبيل المثال- هى منظمة جهادية أصولية تحظى بدعم وتمويل أمريكى فائق، وقد لعبت هذه المنظمة العقائدية الخطيرة دورا كبيرا فى إضعاف شوكة الدب الروسى لصالح الأمريكان، كما لعبت دورا كبيرا فى إسقاط كيانات عربية كبرى فى المنطقة، كما لا يخفى على أحد الدور الذى لعبته جماعات اليمين الدينى المسيحى المتطرف فى أمريكا أثناء الحرب الباردة من توظيف الدين واستغلاله فى الصراع السياسى الدولى ! والخلاصة أن الفكر الدينى التقليدى لا يزدهر إلا فى أوقات انهيار الدول وإثر سقوط مشاريع التقدم، حيث يحل المشروع الأصولى السياسى الدينى كبديل يملأ فراغ الساحة الفكرية والثقافية حينئذ، وتظهر دعوات العودة إلى الماضى، وإحياء النزعات الدينية الضيقة والعنصرية، واستجلاب أسوأ ما فى التراث الدينى من نماذج وصور.



#أحمد_هيكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعتزلة وأزمة العقل المسلم مع التنوير
- الثقافة الذكورية وجسد المرأة
- جمود الحركة الإسلامية نذير بزوالها
- عرىّ الجسد.. بين النظرة الجمالية والشهوانية
- هل الأسرة التقليدية هي أفضل أشكال الروابط الاجتماعية ؟
- عن الأسرة والتحولات الاجتماعية مرة أخري
- كيف نشأت العائلة ؟
- الحرية بين الإسلام والثقافة الغربية
- الصراع بين الدين والعلم من جديد
- ماذا بعد الكورونا ؟
- العالم بعد كورونا


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد هيكل - العلاقة بين تراجع دور التعليم والثقافة وانتشار الفكر الأصولىّ