أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الكبير الداديسي - تيمة الهجرة والرحيل في رواية قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط















المزيد.....

تيمة الهجرة والرحيل في رواية قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط


الكبير الداديسي
ناقد وروائي

(Lekbir Eddadissi)


الحوار المتمدن-العدد: 6934 - 2021 / 6 / 20 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


للروائي الكبير الداديسي
بقلم الدكتورة عائشة جنان
إذا توقفنا عند عتبة العنوان يوقفنا معنى كل من المعاناة والسعادة، حيث بدون أحدهما لا يستطيع الانسان تذوق طعم الحياة بكل تجاربها، بطعم كأس قهوة بالحليب، وبينهما يظل الانسان دائم التفكير في غد أفضل، متشبثا بخيوط الأمل، بين أمواج البحر وفضائه الرحب، الذي يتيح مساحة للبحث عن ذاتك، وتفريغ كل الالام التي يمكن أن تحملها، وتسافر عبره مترفعا عن كل ما يشوب الحياة من ألم ومعاناة. وهذا ما يتيحه الابداع أيضا باعتباره يتمخض عن عمق تفكير ورؤيا يرغب الأديب إيصالها إلى القارئ، وخلال قراءة الرواية نتذوق نكهة الجمال عن طريق التخييل الممزوج بالواقع، فتغدو لك الشخصيات أجسادا حية تتحرك بأفكارها ومواقفها، مقدمة بذلك عدة مواضيع بأسلوب جمالي وسردي يتدفق بين ثنايا سطورها، وسأحاول في هذه القراءة تسليط الضوء على تيمة الهجرة والرحيل، وليس بالضرورة أن يكون الرحيل مكانيا، بل يمكن أن يكون فكريا، وروحيا.
تحكي الرواية عن شابة سورية تدعى ميادة وشاب افريقي يدعى محمدو، اللذان حاولا الهجرة إلى أوروبا بشكل سري، لكن هدفهما يبوء بالفشل، لتلقي بهما أمواج البحر على شاطئ أحد المدن المغربية، حيث تمنحهما الحياة فرصة ثانية للعيش عكس الكثير من الجثث الغارقة، وهنا يبدأ المحكي عن طريق التذكر بين كل من الشخصيتين، ميادة وهي تسترجع مسار حياتها في موطنها بسوريا بمدينة حماة، و الأحداث التي صاحبتها رفقة أمها وزوجها العسكري وابنتها لمياء، و من الأسباب التي دفعتها إلى التفكير في الهجرة نحو الشمال أي أوروبا، نجد قطع رأس زوجها من لدن العصابات الإرهابية وتعرضها للاغتصاب، " ماذا فعلت لهم ليفعلو بي ذلك.. هرمت قبل الأوان.. اقتنعت أن لا بقاء لي في الشام، وصورة باسل أمام عيني تلاحقني أينما حللت.." ، وهنا يتم التناوب في المحكي بينها وبين محمدو الذي يتذكر بدوره موطنه بساحل العاج وحدث قتل أمه التي قطع رأسها من طرف العصابات،" كان كل ما نطمع فيه من الدنيا أن نحيا بسلام وان نجد قلوبا تحبنا.. قتلت أمي فطعن السلام في قلبي.."، الشيء الذي دفع به إلى الهجرة " كرهت نفسي، كرهت بلادي، انسدت كل الافاق أمام عيني... وفي سرب من الشباب وجدتني كقطيع فيلة متجها نحو الشمال هاربا من نار تلتهم الغابة وما فيها من شجر وحجر وبشر" . وفي محاولة معانقة كل منهما حلم الهجرة إلى أوروبا يجدان بعضهما، فتجمع بينهما علاقة عشق، " أنا وانت نكرتان تأثيرنا ضعيف جدا على حركية العالم، الأبيض والأسود لا وجود لهما في دائرة الألوان، ولكن يمكننا معا تغيير كل الألوان الأخرى" .
بتناول الرواية لتيمة الهجرة والرحيل كأساس للمحكي، فهي تمنح القارئ فرصة لمشاركة أبطالها الألم والرحيل والموت، مع انفتاحها على لحظات العشق والحب. ولعل تيمة الهجرة والرحيل قد اتخذت عدة صور:
صورة الرحيل عبر المكان: يتجسد في هجرة ميادة من موطنها حماة بسوريا، " في بساتين حماة عشت فراشة كل طفولتي، قبل أن ينتقل والدي إلى البارودية.." ، وهجرة محمدو من موطنه بساحل العاج" فبلادي كلها حديقة مفتوحة ... اليوم أقول أني كنت أعيش حقا حياة لم أقدرها قدرها.." ، "كنت حرا أسبح في نهر بانداما" ، ولعل المكان هنا هو ملاذ للشخصيات تتقاسم أحداثه للتعبير عن مشاعرها للإحساس بالدفىء، رغم ما تعيشه من تشرد وهجرة عن موطن الولادة. باعتباره مكانا يشكل أحد عناصر الفضاء، التي تؤثث السرد داخل الرواية، وبذلك فكل من الشخصيتين، وهما في مخفر الشرطة بالفنيدق، كثيرا ما يتذكران مسقط رأسهما، وهنا يقول كاستون باشلار" وفي مسقط الرأس نعطي أحلامنا مادتها، ومن خلاله يكتسب حلمنا مادته الحقيقية" ، فرغم رغبتهما في الرحيل والهجرة عن أرض الوطن، يبقى تذكر مكان الطفولة والموطن الذي عاش فيه الشخص رغم الاكراهات التي واجهتهما، سبيل لحماية ذكرياتهما، والدفع بهما للانخراط في مناخ الدفئ الأصيل. بعد فشلهما في الهجرة والرحيل إلى الديار الأوروبية ابتعادا عن جحيم الحرب المتأججة في بلديهما،" فرحت أني صرت على شفا المخرج العربي، قريبة من مجاري أوروبا، انتظرت أن يقذف بي إلى فضاء أرحب عساي أجف وأتخلص من روائحكم الكريهة، لكنني فتحت عيني وأنا أسبح في عفونتكم، قانعة قابعة في واقعكم من جديد" .
صورة الرحيل الروحي: يعيش الانسان رحيلا دائما من الولادة إلى الموت، رحيل كأنه السفر بين الحياة والموت، وقد كان الرحيل إلى الموت سببا في اختيارهما الهجرة، نجد مقتل والدة محمدو " عدت إلى المنزل كعادتي أبحث عما أملأ به بطني ...كان منظر أمي مقطوعة الرأس...أظلم كل المشاهد أمام عيني.." ، ومقتل زوج ميادة " كيف قتل أمام عيني من طرف ملثمين نحروه" ، ومقتل ريم المتهمة بالخيانة رجما، كان سببا في الهروب،" لا نجاة إلا بالهروب بعيدا بعيدا" ، " لا شيء أكثر يخيفني من الموت.. لا استقرار في أرض يهددني فيها الموت" ، ولعل هذه الأحداث جعلت من المواجع كائنا يستوطن الألم والرحيل.
صورة الرحيل عبر العشق والحب: يتخلل المحكي رغم ما به من معاناة فسحة من الأمل التي تتضح من تمسكهما بالحياة بسبب علاقة الحب التي جمعت بينهما" لكن عندما انظر إليك ميادة تستحيل الغرفة على ضيقها أملا" ، " أحبك محمدو ... مذ تعرفت عليك أضفت قهوتك لحليبي فأصبح لحياتي ذوق ومعنى.." ، ولعل الرحيل عبر العشق كان سببا في تغير مجرى أحداث الرواية لتحول السرد من طابعه المأساوي، حيث نقل الواقع المأساوي الذي عاشته الشخصيتين قبل و خلال هجرتهما السرية إلى طابع يتخذ من التشبث بالحياة أساسا له، عبر تذكر حدث لقاءهما " كانت ليلة بيضاء جمعتنا وغيرت نظرتي للسواد" ، ليجدا بعضهما البعض وتصبح لحياتهما معنى ويغيرا كل الأفكار المسبقة عن الأسود والأبيض ،" ميادة دعينا نمزج البياض بالسواد لنعطي جمالا تعشقه العين.. ضعي يدك في يدي نقدم للعالم فنجان قهوة بالحليب.." ، الحب كان بمثابة تخليص لهما من كل الاوجاع، والغاء لكل أشكال العنصرية والاضطهاد والعنف والحروب التي يذهب ضحيتها الأبرياء، الحالمين بحياة طبيعية و بنسمة الحرية كباقي البشر فوق هذه الأرض ."هذا ما فعلته يا وطن بنا.. هذا ما فعلته الطوائف الدينية والسياسية فينا انتخبناها لتهجرنا.." لكن الحب فشل في إزالة فكرة معانقة حلم الضفة الأخرى بأوروبا، حتى بعد فشل عبورهما الى سبتة ووفاة ابنة ميادة لمياء، بقي الحلم يطاردهما ففشلا للمرة الثانية ،ليقررا في النهاية الاستقرار بالمغرب وبداية حياة جديدة فيه.
عموما فرواية قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط رواية حافلة بأحداثها بالوقائع التاريخية و مسائلة لمشكلات الانسان وتفكيره في مصيره، عن طريق الرحيل و الهجرة إلى ما يجعله يعانق الإحساس بالأمان والشعور بالحرية، رغم كل ما يمكن أن يواجهه وهو في طريق الرحلة . و لعل الكاتب والروائي الكبير الدادسي قد نجح في رصد عوالم هذه الشخصيات التي تحلم بالهجرة إلى الضفة الأخرى، عن طريق لغة حافلة بالأبعاد الفنية والمعرفية.



#الكبير_الداديسي (هاشتاغ)       Lekbir_Eddadissi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توقيع رواية جديدة للكاتب الكبير الداديسي
- تصالح الألوان في رواية - قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوس ...
- المسألة الثقافية والمشروع التنموي بالمغرب
- ندوة: أسئلة النقد وأسئلة الرواية المغربية
- الناقد السوري عمر عزت يقرأ رواية قهوة بالحليب ....
- كيف يصور كتاب آسفي علاقة مدينتهم بالبحر روائيا ج1 ؟
- الحلوى الشباكية الهوية المغربية المنصهرة من روافد شرقية أندل ...
- أحسن ما ننعي به نوال السعداوي وقفة مع -زينة- آخر رواياتها
- عندما ينبعث الفن من رماد الحرب قراءة في رواية قيامة البتول ا ...
- المقالع المهجورة بين القانون والواقع في المغرب
- احتفال شعبي برأس السنة الأمازيغية 2971 في غياب الدولة!!
- بين العبرية واليهودية في الهوية المغربية من خلال الدستور
- الثقافة والمثقف المعاصر 3 - المثقف والمؤسسة
- أحسن ما ننعي به نبيل فاروق قراءة في أحدى رواياته الأخيرة
- سلسلة الثقافة والمثقف المعاصر (2)
- زيارة وزير التعليم لثانوية
- سلسلة الثقافة والمثقف المعاصر (1)
- الواقعية الطبيعية من المنظر إلى البورتيه في تجربة الفنان الع ...
- الرمزية في فيلم كيليكيس دوار البوم
- كتاب جماعي : أطولوجيا آسفي زمن الحجر: صرخة ريشة وقلم


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الكبير الداديسي - تيمة الهجرة والرحيل في رواية قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط