أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فكري آل هير - الطاغية والفراشات الجميلة














المزيد.....

الطاغية والفراشات الجميلة


فكري آل هير
كاتب وباحث من اليمن

(Fekri Al Heer)


الحوار المتمدن-العدد: 6913 - 2021 / 5 / 30 - 17:20
المحور: الادب والفن
    


كنت أتأمل عينيها في الوقت نفسه الذي كنا نتحدث فيه معاً بهدوء، وبإيحاء منها كان عليّ تلبية رغبتها غير المعلنة في أن تكون هي موضوعي الذي أتحدث فيه حين أخبرها عني..!!
..
نعم.. لسنوات طويلة كنت عاشقاً مولعاً أهوى مطاردة الفراشات الجميلات، حتى استيقظت ذات صباح وقد صرت راشداً بما فيه الكفاية لأتخلص من ذلك العشق والولع، أتذكر جيداً كل التفاصيل التي لن يفهمها أو يصل إليها أحد في أعماقي حين أدركت أنه لن يكون بوسعي من قبل أو من بعد الوصول إليهن جميعاً، وإذا لم أتوقف فعلاً، فما جدوى الاستمرار؟!
..
لم تكن الفراشات الجميلات لتدرك حقيقة ما كنت أفعله، كما أن المسافات الغبية اللاتي كن يصنعنها بيني وبينهن لم تمنحهن فرصة لرؤيته حقاًً.. كانت حكمتي تضيع في مهب الريح التي أوهمتهن دائماً بأنها تهّبُّ لتمنحهن الحرية ولتساعدهن على الخلاص والنجاة..!!- والريح لا تصنع جميلاً لأحد..
..
هاأنت تتحدث كطاغية؟!- قالت لي ذلك، وعلى وجهها ابتسامة حاولت اخفائها في رشفة من فنجان قهوتها، وهي تقبض على أذنه وتحاصر دائرته البيضاء بأظافرها التي لم تغادرها بعد رائحة الطلاء.. لا أعرف كيف تكون رائحة القهوة أو مذاقها حين تخالطه رائحة طلاء الأظافر..؟!
لا شيء يفوتني، وهذا ما لم تعرفه هي، ولم أحرص أنا على أن تعرفه..؟!
..
ما من ثورة أوقفتني أو تمرد قامت به أي فراشة خارجاً عن إرادتي؛ ولمجرد أني كنت مولعاً بمطاردة الفراشات الجميلات فهذا لم يكن ليصنع مني طاغية؛ فقط كل فراشة كانت تريد أن أكون كذلك ولو على سبيل التوهم والتظاهر لتغدو هي ثائرة ومتمردة..!!
..
ما لا تعرفه الفراشات الجميلات في هذا الشأن، هو نفسه ما لا يدركه الكثير من البشر، وهو أن كلمات مثل الثورة والتمرد ليست إلا تسميات لطيفة للطغيان، وأن الطاغية يصنع طاغية آخر يخرج من جلبابه متمرداً وثائراً عليه، وأي فرق بينهما لن يكون إلا في الخطاب وفي اللغة والمفردات التي يختارها كل منهما لمغازلة فراشاته أو حتى جمهوره..!!
..
تقول الحكمة القديمة أن هناك ثمة من هو مختلف ومتفرد دائماً، ولطالما كانت لغتي وحكمتي واحدة، متفردة ومتناغمة مع كل الفراشات الجميلات اللاتي حظيت بهن ولم يشعرن بحظوتهن تلك لدي، إنها اللغة والحكمة نفسها التي لم تدفعني يوماً الى أن أضع فراشة جميلة في قفص.. أو أن أدفنها بين دفتيّ كتاب وما شابه.
...
كل ما في الأمر، أني كنت أمنح نفسي فرصة للتأمل في كل فراشة في محاولة لاكتشاف ما يميزها كبصمة متفردة، عدا عن ذلك، فقد كنت أترك لها أن تقرر ما تشاء، مع ثقتي الكاملة أن أي فراشة دون تلك البصمة المتفردة لن تقرر البقاء معي.. وأنها بمجرد ما أن أفرد لها راحة يدي ستطير وتحلق بعيداً، وأني لن أهتم إذا كانت ستلتفت الى الوراء وتمنحني نظرة أخيرة.. أم لا.
..
صحيح أن الفراشات الملونات زاهيات وجميلات للغاية، إلا إنهن على الشيوع في طبيعتهن العامة غير مخلصات بالأساس، لا يدركن أن بوسعهن التحليق في سماء من يحببهن فعلاً ولم يسع يوماً الى قمعهن.. أن تحلق فراشة في سماءك، فهذا لا يعني أنها صارت جزء من حياتك أو فيها، كما أن الفراشة في غير الفضاء الذي تحلق فيه لن تكون فراشة زاهية أو جميلة..
..
من دون أن يخطر في بالي أن أعقد مقارنة ما بشكل أو بآخر ، قالت معترضة ومستبقة الأمور: لا لا، لن تخبرني عن ماوتسي أو جورج واشنطن.. لن تفعل؟!
..
بالرغم من أني أكنُّ احتراماً لصدام حسين وطغاة آخرين، فإني لم أكن لأفعل حقاً ذلك الذي أرادته وأظهرته توقعاً؛ فما كان لطاغية أبداً أن يكون لديه ذلك العشق والولع الذي كان بي.. وهذا هو الفرق الوحيد الذي لم تكن تراه الفراشات، ولم تراه هي أيضاً..
..
كيف لفراشة جميلة بوعيها المحدود أن تدرك أن التفرد لا يطيق وحدته بل ويستوحش منها، ولهذا السبب يسعى الى أن يجد لنفسه تفرداً موازياً.. كان الأمر سيؤول مختلفاً لو أن ذلك حصل بالفعل لدى أياً منهن أو لديها هي، فتراه وترى نفسها وتراني كما لو كانت تنظر للتو في مرآتها، وبقدر ما أردت أن تكتشف هي حقيقة الأمر فأرى ميزتها، كنت امتنع عن إخبارهن بالحقيقة..!! – لكنت جارحاً وسفاحاً إن فعلتُ ذلك.
..
لقد ساعدني الوقت كثيراً وحصيلة تأملاتي لأدرك في لحظة ما بأني أصبحت راشداً بما فيه الكفاية، وأنه آن أوان أن أتخلى لمرة واحدة عن كل الفراشات الجميلات بعد أن تخلين عني واحدة تلو الأخرى لمرات ومرات، دون أي حديث عن المشاعر التي كان يخلفها الأمر في كل مرة، فهذا لن يكون مجدياً اليوم، كما لم يكن ممكناً في وقته..
..
كان هذا هو تأملي الأخير..
مودعاً، فتحت لها راحة يدي لتمضي، وحتى إذا قررت أن تلتفت وتمنحني نظرتها الأخيرة فإنها لن تراني في مكاني أبداً..
..
في قرارة نفسي كانت هي آخر فراشاتي الجميلات..!!



#فكري_آل_هير (هاشتاغ)       Fekri_Al_Heer#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 52 كيلو/بت مجاناً..!!
- حرب الدعاسيق
- اليمن والعُقدةِ اليَزنية: قراءة سياسية للتاريخ
- المرضعات والباحثون عن الأثداء: حديث في الجنس والدين والسياسة
- التوظيف الأيديولوجي للبحث الأثري: محمد مرقطن نموذجاً
- الأقيال،، الآمال: دعوة للمراجعة
- لغويات جندرية: تلميحة جديدة في مفهوم المتلقف والملقوف
- عن أزمتنا وأجمل ما فينا
- #نون النسوة واو الجماعة: الحرية الشخصية والنفاق الاجتماعي
- عقول أم مؤخرات: في سيكولوجية القطيع
- استدراك حول الاسم الحقيقي لملكة سبأ
- لأول مرة على الإطلاق: الاسم الحقيقي لملكة سبأ
- حول اسم عاد: دراسة في المعاني والصلات التاريخية
- العقيدة الرسمية والوجه الآخر لتاريخ الحقيقة
- يوم البُّن والحقيقة: المسودة الكاملة لدراسة -جغرافية التوراة ...
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب- القسم الثاني كاملاً- فكري ...
- الدولة والدولة الطائفية في فكر عامل
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (2 – 4) - أقواس الربيعي الف ...
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (2 - 3) - هورشلم حوتس لآرتس ...
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (2 - 3) - هورشلم حوتس لآرتس


المزيد.....




- اختفاء يوزف مِنْغِله: فيلم يكشف الجانب النفسي لطبيب أوشفيتس ...
- قصة القلعة الحمراء التي يجري فيها نهر -الجنة-
- زيتون فلسطين.. دليل مرئي للأشجار وزيتها وسكانها
- توم كروز يلقي خطابا مؤثرا بعد تسلّمه جائزة الأوسكار الفخرية ...
- جائزة -الكتاب العربي- تبحث تعزيز التعاون مع مؤسسات ثقافية وأ ...
- تايلور سويفت تتألق بفستان ذهبي من نيكولا جبران في إطلاق ألبو ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- حوارية مع سقراط
- موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1 ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فكري آل هير - الطاغية والفراشات الجميلة