أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تيسير حسن ادريس - دروس وعبر في دفتر الثورة السودانية (1/2) عبقرية الجماهير وضِرَارَ -قحت-















المزيد.....

دروس وعبر في دفتر الثورة السودانية (1/2) عبقرية الجماهير وضِرَارَ -قحت-


تيسير حسن ادريس

الحوار المتمدن-العدد: 6910 - 2021 / 5 / 27 - 19:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المبتدأ: -
(من الضروري السير مع الجماهير حين تثور؛ والتعلم منها؛ وعدم إلقاء الدروس البيروقراطية عليها حول احتمالات نتائج نضالها الثوري) لينين.
الخبر: -
إن التغيير كعملية ثورية تراكمية لا يسير في خط مستقيم ولا في مجرى وأحد؛ بل هو سيرورة مركبة تتنازع اتجاهاته؛ المصالح التي تعبر عنها برامج القوى المختلفة المتصارعة على الساحة السياسية؛ والاتجاه الذي سينتصر ويصبغ عملية التغيير بلونه؛ هو ذاك الذي تتوافر شروط ذاتية وموضوعية لنصره. عليه فإن الهدف الأساسي لقوى التقدم والاستنارة؛ يجب أن ينحصر في النضال وتسخير كافة الإمكانيات؛ الفكرية والسياسية والتنظيمية؛ لكي يكون مشروعها للتغيير؛ هو الأجدر بالانتصار في صراع البرامج؛ والاكثر قدرة على تغيير الحاضر وصياغة المستقبل.
(1)
وفق التصنيف المتعارف عليه نظريا؛ فثورة 19 ديسمبر 2018م السودانية؛ هي حلقة مهمة من حلقات الثورة السودانية؛ في العصر الحديث؛ هذا إذا ما تجاوزنا جدل تصنيفات النخب ؛ لطبيعة حراك المجتمعات ذو الحمولة الايدلوجية المكثفة؛ الذي عادة ما يثير اللغط؛ ويغبش الوعي الجماهيري؛ ويقحمه في معترك التصنيفات الفلسفية؛ التي تضع تعاريف نظرية معقدة تفرق بين الثورة والانتفاضة والحراك الاجتماعي؛ متجاوزة لحقيقة أن كل هذه المصطلحات لا تعني في نهاية الأمر سوى تمرد الشعب على السلطة القائمة؛ بغض النظر إن قام بهذا التمرد كل الشعب أو جزء منه، وسواء كان الحراك الجماهيري واضح الأهداف أم لا، وأيضاً سواء انتصر الحراك في نهاية المطاف أو انهزم؛ فكتب التاريخ تحوي العديد من التجارب الثورية المهزومة. مفهوم (التمرد) هذا يعني الثورة؛ كما يعني الانتفاضة الشعبية والحراك الاجتماعي؛ بعيدا عن الفذلكات النظرية والتأطير الفلسفي؛ لان الانتفاضة الشعبية في جوهرها، ماهي إلا مظهر من مظاهر الثورة؛ فليس هناك انتفاضة شعبية أو حراك ثوري أو اجتماعي تغيب عنه الجماهير؛ لهذا فمفهوم الثورة متعدد الدلالات، ويتلون بألوان اللحظات والحقب التي أفرزته، وبالثقافات السياسية للشعوب التي أنجزته.
(2)
من هذا المنطلق يمكننا القول بكل ثقة إن حراك 19 ديسمبر 2018م؛ هو حلقة اصيلة من حلقات الثورة السودانية؛ الباحثة عن تحقيق نصر نهائي يستكمل مسار حلقاتها السابقة، ولكي تصل لهذا النصر النهائي لابد لها من تنظيم قائد ورؤية، وبرنامج متوافق عليه؛ يستطيع أن يحدث تغيير جذري؛ في تركيبة وبنية وفكر الدولة، ليعبّر عن طموحات ومصالح الجماهير؛ ويتجاوز تجاوز نوعيا للتغيير الشكلي الذي قد تم فيما سبق من حلقات ثورية. وكما أشرنا فالانتفاضة الشعبية هي شكل من أشكال الحراك الثوري، الذي تتعدد تمظهراته سلميا في شكل (اضراب عام او عصيان مدني)، وعنفيا في شكل (نضال مسلح)؛ ووفق هذا الفهم نصل الى خلاصة أن الانتفاضة الشعبية؛ ما هي إلا تجليا ثوريا؛ يتلون بألوان اللحظة التاريخية التي أفرزته، وبالثقافة السياسية الشعبية التي أنجزته.
(3)
لذا فمسميات عديدة يمكن أن نطلقها على ثورة 19 ديسمبر المجيدة، لكن الوصف الأكثر دلالة والمعبر عنها؛ هو أنها ثورة شعبية سلمية؛ لعبت فيها الجماهير الدور الأهم في تجاوز تاريخي للشكل الكلاسيكي المتعارف عليه؛ والذي عادة ما تلعب فيه النخبة السياسية الدور الرئيس؛ فثورة 19 ديسمبر لم تتنزل من قمة الهرم الاجتماعي النخبوي كالمعتاد، إنما فرضتها الجماهير وفئات الشعب المسحوقة المختلفة؛ متخطية النخبة السياسية؛ وعابرة بحراكها المباغت لخلافات المجتمع الفكرية والدينية والاثنية، ومتغاضية عن تباينات مكوناته السياسية والأيديولوجية؛ وهذا ما ميزها ويجعل منها حلقة ثورية متفردة؛ وذات خصائص وطبيعة جامعة خلافا لما سبق من حلقات الثورة السودانية.
(4)
في العموم أن أية ثورة لا تأخذ سماتها فقط من حجم ما تحدثه من تغيير في بنية وتركيبة السلطة؛ وإنما أيضًا من تنوع وتعدد فئات المجتمع المساهمة في اندلاعها؛ والمؤمنة بأهدافها؛ والعاملة على تحقيق مراميها الآنية والمستقبلية؛ تميزت ثورة 19 ديسمبر عن ما سبقها من ثورات سودانية بجماهريتها الصارخة؛ قافزة فوق تعقيدات اطروحات النخب السياسية؛ حيث سبقت خطى الجماهير؛ خطى الأحزاب والمنظمات السياسية؛ مستفيدة من أرث التجارب السابقة؛ نلحظ هذا في انضباط مسارها واتزان ايقاعها؛ رغم محاولات اجهاضها من قبل قوى الثورة المضادة؛ ومحاولات حرفها عن مسارها من قبل قوى انتهازية ارتبطت بالثورة والتحقت بقطارها في اللحظات الأخيرة؛ مضمرة لأهداف ومرامي تتعارض جلها مع أهداف ومرامي الثورة. إن إصرار القوى الثورية على تنفيذ شعارات الثورة وأهدافها واستكمال مسارها؛ يتجلى في كم الشهداء وضخامة التضحيات التي بذلت في سبيل نصرها؛ ويظهر أيضا في سلوك حراكها السلمي الحضاري؛ الذي أدهش العالم؛ وكشف عن مدى الرقي الإنساني والأخلاقي؛ لشعبنا الثائر.
(5)
الزخم الذي صاحب ثورة 19 ديسمبر؛ لم يأت فقط من كونها قد قامت ضد واحد من أعتى نظم الاستبداد في المنطقة، وإنما أيضًا من كونها استطاعت المحافظة على طبيعتها السلمية والمدنية طوال كافة مراحلها، وبسبب صمودها الأسطوري أمام آلة النظام الاستبدادي الباطش؛ حتى انجزت هدفها الرئيس المتمثل في خلع نظام الحركة الإسلامية الغاشم من جذوره والقذف به في مزبلة التاريخ؛ رغم تحوطاته الأمنية واجهزته الباطشة؛ التي بناها طوال ثلاث عقود عجاف؛ في السلطة متدثراً بعباءة الدين ومستخدما العقيدة كسلاح لتغبيش الوعي؛ وفي هذه النقطة بالذات تتجلى "عبقرية" ثورة 19 ديسمبر؛ التي استطاعت في أيام وجيزة هزيمة نهج المتاجرة بالدين؛ واستنهاض الوعي الجماهيري؛ واستعادة مثل وقيم الشعب السوداني التي شوهت طوال ثلاث عقود؛ لقد نجحت ثورة 19 ديسمبر في صهر تناقضات المجتمع السوداني؛ في بوتقة واحدة عمقت إحساس الفرد بهويته الوطنية؛ وزرعت فيه الأمل في مستقبل تسوده قيم الحرية والسلام والعدالة.
(6)
عبقرية ثورة 19 ديسمبر قد تجلت أيضا؛ في نجاحها في استنهاض طاقات الشباب غير المنتمي؛ الذي لم يكن معني قبل اندلاعها بممارسة السياسة، وقد ساعدت هذه النقلة النوعية؛ في استقطاب مزيد من الشرائح الاجتماعية الداعمة للثورة؛ التي مثلت بيئتها الحاضنة في مواجهة بطش وعنف أجهزة أمن النظام البائد. لقد قادت جولات الحراك الثوري الأولى؛ طليعة ثورية محدودة العدد نسبياً، كان من الممكن القضاء عليها بسهولة؛ لولا توافر البيئة الحاضنة التي وفرت الملاذات الامنة؛ لحين فقدان النظام تدريجيا لمشروعيته في الشارع؛ بانضمام فئات الشعب المختلفة، كالقوى المهنية، والأحزاب السياسية؛ التي كانت مترددة ترقب وتقيم؛ وبهذا تكاملت كافة اركان الثورة؛ ونضج شرطاها -الذاتي والموضوعي.
(7)
اختيار النضال السلمي الإيجابي، لمواجهة نظام الاستبداد المدجج بآلته الباطشة؛ يعتبر قمة تجليات عبقرية ثورة 19 ديسمبر المجيدة؛ فهو أسلوب قد استجاب لروح عصرنا الرافض للعنف والإرهاب؛ وقد أبدع هذا الأسلوب ما تلى من تكتيكات محكمة اتبعها شباب الثورة، وصولا لذروة المواجهة باعتصام "القيادة العامة" الذي بدا في ٦ ابريل ٢٠١٩م؛ حين اقتحام الثوار بأعداد مهولة المنطقة المحيطة بالقيادة العامة؛ وقد كان هذا مؤشر بالغ الدلالة على دخول المواجهة لمرحلة حاسمة. مثل اعتصام القيادة بأنشطته السياسية؛ والثقافية والاجتماعية والصحية والفنية؛ ملحمة عظيمة عبرت عن اشواق الشعب السوداني؛ ورغبته الاكيدة في استعادة كامل منظومته الأخلاقية والقيمية؛ التي زلزل دعائمها نظام الحركة الإسلامية؛ وقد استفزت (يوتوبيا) مجتمع الاعتصام؛ -الذي افرز وعيا شعبيا جديدا-؛ مشاعر خفافيش الظلام؛ وتعداها ليستفز أنظمة دول الجوار؛ التي باتت تخشي أن يمثل هذا المجتمع "الحلم" مثالا تحتذي به شعوبها؛ التي تعاني الكبت والاضطهاد؛ فنشطت في معاونة قوى الثورة المضادة اعلاميا؛ وبذلت جهدا كبيرا لتشويه الصورة الزاهية التي ظهر عليها؛ وذلك بإطلاق الشائعات والأقاويل وبث الأخبار الكاذبة؛ عن ممارسات غير أخلاقية ترتكب في جنباته؛ وهناك معلومات تسربت تشير الى أن جريمة فض الاعتصام قد ارتكبت بعد مشاورات كان طرفها بعض دول الجوار.
(8)
لقد فجرت الجماهير ثورة 19 ديسمبر وفرضتها وسط فراغ سياسي مخيم، فإعلان تحالف قوى الحرية والتغيير؛ قد تم على عجل في محاولة متسرعة من النخبة السياسية للحاق بالحراك الجماهيري؛ على آمل ملء الفراغ الذي أشرنا إليه، ولم تراعي هذه العجلة تحقيق أدنى توافق بين مكوناته المتناقضة البرامج والاهداف. لقد لعب تحالف قوى الحرية والتغيير دورا مهما في إنجاز بعض الخطوات التي جاءت ملبية لمطالب الجماهير في بداية الحراك الثوري؛ ولكن ما لبث هذا الدور حتى تقلص؛ لتظهر تناقضات مصالح مكوناته بعد سقوط رأس النظام مباشرة؛ فغدا التحالف الهش يفكر بعقلين وينطق بلسانين؛ لسان مبين يؤمن بالثورة وبالتغيير يقبض بكلتا يديه على جمر القضية؛ ولسان ملعثم يخشى الثورة ولا يقوى على دفع استحقاقاتها؛ وقد التحق بقاطرتها مجبرا لشيء في نفس يعقوب!!.
يـــتـــبـــع



#تيسير_حسن_ادريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (7من 7) هزي ...
- هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (6من 7) انت ...
- هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (5من 7) الن ...
- هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (4من 7) أزم ...
- هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (3من 7) خطأ ...
- هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (2من 7) هل ...
- هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (1من 7) مفا ...
- الفترة الانتقالية بين الثورية والرَّكُوسيّة النخبوية
- إستبهام الثورة السودانية وارتكاس التحالفات المرحلية
- الْمُرُوقُ قولا ومقالا
- ثورة 19 ديسمبر اكْتِناز الوعي الجماهيري وضُمُور الزيف النخبو ...
- في الاستراتيجية والتكتيك وما بينهما!!
- أم الفضائح .. الحركة الاسلامية تستكمل فصول سقوطها
- الحركة الاسلامية السودانية أكل النفس ونحر الذات
- في طريق كسر الحلقة الشريرة (2) ... تسقط بس!!
- في طريق كسر الحلقة الشريرة (1) عفارم.. عفارم.. يا شعباً مسال ...
- من دفتر يوميات الثورة .... الحركة الاسلامية السودانية الرهان ...
- حيرة مقتفي الأثر عند حافة الفكر اسقاط النظام أم الامبريالية! ...
- مبادرات رفع العتب وآليات تجريف الوعي من يأمر ومن ينفذ؟
- لب المقاومة السلمية وقشورها


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تيسير حسن ادريس - دروس وعبر في دفتر الثورة السودانية (1/2) عبقرية الجماهير وضِرَارَ -قحت-