دروس عيد العمال :ليون تروتسكى

عبدالرؤوف بطيخ

الحوار المتمدن-العدد: 7237 - 2022 / 5 / 3 - 00:55
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

تكشف جنوة عن التناقض بين روسيا السوفيتية وبقية العالم. أعداؤنا مقتنعون بأننا اليوم أبعد ما يكون عن الاستسلام من أي وقت مضى. لكن أعداءنا ما زالوا أقوياء. الخطر أيضا عظيم.
كانت مظاهرات عيد العمال ضخمة في أبعادها ، ليس فقط في موسكو وبتروغراد ولكن أيضًا في خاركوف وكييف. حتى المسؤولون لم يتوقعوا مثل هذا العدد الكبير من المتظاهرين. لقد اندهش الأجانب ، بمن فيهم أولئك الذين يميلون إلينا بشدة. لاحظ أحد ممثلي أمستردام إنترناشونال ، تحت التأثير المباشر للمظاهرة ، أنه لم ير أبدًا أي شيء يمكن مقارنته باستثناء جنازة فيكتور هوغو. [1] وأتيحت له فرص ليست بالقليل من المظاهرات الجماهيرية في مختلف البلدان الأوروبية. تباينت الحالة المزاجية بين المتظاهرين بالطبع. البعض سار بحماسة والبعض الآخر بتعاطف مع الآخرين بدافع الفضول ، ويشدون الآخرين بدافع التقليد. لكن هذا هو الحال دائمًا في حركة تضم مئات الآلاف. بشكل عام ، شعرت الحشود بأنهم جزء من قضية مشتركة. وقد تم تحديد الإيقاع بشكل طبيعي من قبل أولئك الذين ساروا بحماس.
قبل أيام قليلة من عيد العمال ، أفاد الرفاق من المقاطعات أن جنوا [2] رفعت إلى درجة مذهلة المصالح السياسية والثقة بالنفس للجماهير العاملة. وأضاف آخرون أن الشعور بالفخر الثوري كان يلعب دورًا مهمًا في الأجواء السائدة. أجبرناهم على التحدث إلينا تقريبًا مثل البشر! لتصديق منشورات الحرس الأبيض و "الاشتراكية" الصادرة من برلين ، فإن الطبقة العاملة الروسية مليئة بالتشكيك ، بمزاج رجعي وتشاؤمي وعداء تجاه السوفييتات. من المحتمل جدًا ألا تكون كل هذه التقارير مؤلفة في برلين التي هي الآن مركز ليس فقط للملكية الروسية ولكن أيضًا مركز الاشتراكية الصفراء. من المحتمل جدًا أن يتم نسخ بعض هذه التقارير من الطبيعة. لكن كل واحد ينسخ الطبيعة كما يراها. يقترب المناشفة من كل شيء في الطبيعة من الخلف ، وهكذا ينسخونه. ليس هناك شك في أنه في أحياء الطبقة العاملة هناك استياء من مختلف جوانب الحياة الصعبة اليوم.
يمكننا أيضًا أن نسلم بأن الإيقاع البطيء للثورة الأوروبية النامية والعملية الشاقة والمليئة بالمخاطر لتنميتنا الاقتصادية تولد بين دوائر معزولة ، وليست بروليتارية بحتة ، بل دوائر كبيرة من الطبقة العاملة ، أمزجة من التشاؤم والارتباك تقترب حتى من التصوف. خلال أيام الأسبوع - وعصرنا العظيم ، أيضًا ، له أيام الأسبوع - يصبح وعي الفصل مشتتًا ومشتتًا بسبب الاهتمامات والمخاوف الحالية ؛ تأتي الاختلافات في المصالح ووجهات النظر بين المجموعات المختلفة داخل الطبقة العاملة في المقدمة. لكن الأحداث الكبرى التالية تكشف تمامًا الوحدة العميقة للطبقة العاملة التي مرت عبر مدرسة لهيب الثورة . لقد أتيحت لنا الفرصة لمراقبة هذا في أكثر من مناسبة على الطريق الطويل من التمرد التشيكوسلوفاكي في نهر الفولغا إلى المفاوضات في جنوة. قال أعداؤنا أكثر من مرة إن الانتفاضة التشيكوسلوفاكية أثبتت أنها مفيدة جدًا للقوة السوفيتية. يواصل المناشفة والاشتراكيون الثوريون وإخوانهم الأكبر سناً ، الكاديت من مجموعة ميليوكوف [3] ، تكرار أن التدخلات العسكرية ضارة على وجه التحديد لأن القوة السوفيتية تتعزز نتيجة لذلك. ولكن ماذا يعني هذا؟ لا يعني ذلك سوى أن جميع الاختبارات الكبرى والجادة تكشف الروابط العميقة بين السوفيتات والجماهير الكادحة ، على الرغم من الفوضى ، آثار الخراب ، وعدم الكفاءة رغم إرهاق البعض واستياء البعض الآخر.
بطبيعة الحال ، حتى الدولة التي تتعارض بالفعل مع التقدم الاجتماعي يمكن أن تجد نفسها أحيانًا أقوى في وقت الخطر الخارجي. لقد رأينا ذلك في حالة القيصرية خلال المرحلة الأولى من الحرب الروسية اليابانية ، وعلى نطاق أوسع ، في بداية الحرب الإمبريالية الأخيرة. لكن هذا كان صحيحًا فقط في المرحلة الأولى ، ألخ.. فقط حتى استطاع وعي الجماهير الشعبية استيعاب الحقيقة الجديدة. ثم جاءت تصفية الحسابات: فقد النظام البائد استقرارًا أكبر بكثير مما كان قادرًا على تحقيقه خلال المرحلة الأولى من الحرب. لماذا إذن تفشل هذه الظاهرة ، التي لها عالمية القانون ، في إظهار نفسها في مصير الجمهورية السوفيتية؟ لماذا دفعت تجربة ثلاث سنوات مع التدخلات العسكرية أعداءنا الأكثر وضوحًا إلى نبذ فكرة شن المزيد من الهجمات العسكرية؟ للسبب نفسه الذي أثار فيه مؤتمر جنوة الحماس بين الجماهير العمالية ، وأنتج مظاهرات كبيرة غير متوقعة في عيد العمال.
المناشفة والاشتراكيون الثوريون كانوا بالطبع ضد مسيرة العمال وأصدروا نداء بعدم المسيرة. تم الكشف بشكل أكثر وضوحا عن مدى إجماع الكادحين حول الأسئلة الأساسية المتعلقة بحياة جمهورية الكادحين. من الممكن بالطبع القول أن القمع أعاق نجاح الحرس الأبيض والدعاية "الاشتراكية" الصفراء. لا يمكن إنكار هذا. ولكن ، بعد كل شيء ، فإن النضال نفسه ينبع من أنهم يسعون للإطاحة بالقوة السوفيتية ، بينما يرفض الأخير السماح لهم بذلك.
نشعر بإيجابية أننا لسنا ملزمين بتوفير ظروف أكثر ملاءمة لنضالهم المناهض للثورة. بعد كل شيء ، لا تسعى البرجوازية في أي مكان إلى تسهيل ظروف عمل الشيوعيين ، ومع ذلك نمت الحركة الثورية واستمرت في النمو. كانت القيصرية تحت تصرفها أقوى أجهزة القمع ، لكن هذا لم ينقذها من السقوط. علاوة على ذلك ، ربما كتب المناشفة أنفسهم وقالوا أكثر من مرة إن القمع القيصري لا يؤدي إلا إلى انتشار الحركة الثورية وتلطيفها. وكان هذا صحيحًا. خلال الفترة الأولى من الحرب الإمبريالية الروسية اليابانية ، كانت القيصرية لا تزال قادرة على تنظيم مظاهرات وطنية ، حتى ولو على نطاق محدود للغاية. لكن سرعان ما بدأت شوارع المدينة تسقط تحت تأثيرالجماهير الثورية. وبالتالي ، فإن الإشارة إلى القمع لا تفسر شيئًا ، لأن السؤال الذي يطرح نفسه بشكل طبيعي: لماذا تنجح هذه القمع ، بينما يفشل النضال ضدها في تحقيق النجاح؟ والإجابة تقول: تفشل عمليات القمع في تحقيق هدفها متى تم تطبيقها من قبل دولة قديمة ضد قوى تاريخية جديدة وتقدمية. في يد قوة تقدمية تاريخيا ، يمكن أن تكون عمليات القمع فعالة للغاية في تسريع إزالة القوى التي عفا عليها الزمن من الساحة التاريخية.
ولكن منذ عيد العمال ، كشف النقاب عن أقرب رابطة داخلية بين الكادحين والنظام السوفيتي وبشكل عابر ، وكذلك العجز التام لأحزاب "الحرس الأبيض" و "الاشتراكيين الثوريين" ، ألا يجب إذن أن يستنتج المرء أن القمع غير ضروري؟ لماذا لا يتم إضفاء الشرعية على العجز الجنسي حتى لو كان معاديًا بشكل قاتل للثورة العمالية؟ هذا السؤال أيضًا يستحق إجابة واضحة تمامًا. لو تم الاحتفال بيوم العمال بالطريقة نفسها في جميع أنحاء العالم ، لما ظهرت مسألة القمع في روسيا.
ينطبق الأمر نفسه إذا كانت روسيا موجودة بمفردها في هذا العالم. ولكن ، بعد كل شيء ، فإن الكادحين في عيد العمال يخرجون بالإجماع في شوارع موسكو وبتروغراد ، خاركوف وكييف ومدن أخرى على وجه التحديد لأنهم أصبحوا من خلال جنوة أكثر وضوحًا ووعيًا بشكل مباشر لروسيا العمال والفلاحين التي تقف بمفردها ضد الدول البرجوازية ذات درجتين. داخل الحدود الوطنية لروسيا ، فإن المناشفة والاشتراكيين الثوريين حجم ضئيل للغاية. لكن على المستوى الدولي تظهر علاقة القوى بشكل مختلف. لأنه في السلطة في كل مكان - في أوروبا وفي جميع أنحاء العالم - تقف البرجوازية ، وتعمل المنشفية كآلية نقل سياسية لها. المنشفية الروسية في حد ذاتها غير ذات أهمية ، لكنها تمثل رافعة لنظام لا يزال قوياً ، وقوته الدافعة هي سوق الأوراق المالية في باريس ولندن ونيويورك.
تم الكشف عن هذا بوضوح استثنائي في حالة جورجيا. المناشفة ، تحت قيادة فاندرفيلد ، طالبوا بما لا يقل عن استعادة المناشفة لجورجيا. طالب م. بارثو ، وهو أكثر المنتفعين السياسيين الفرنسيين رجعية ، بدعوة الحكومة الجورجية المنشقة السابقة إلى جنوة. وبارثو نفسه لديه مفرزة رانجل في الاحتياط ، في حالة غزو شواطئ القوقاز. وفي النهاية يكمن جشع سوق الأوراق المالية في نفط القوقاز.
المناشفة والاشتراكيون الثوريون غير مهمين داخل الحدود الوطنية. لكن داخل حدود التطويق الرأسمالي كانوا ولا يزالون وكالات شبه سياسية وشبه عسكرية للإمبريالية ، مسلحون حتى أسنانهم. بعد فترة طويلة من أيام الأسبوع ، مع الحفر الصامت من كلا الجانبين ، كشفت جنوة مرة أخرى بشكل مثير ومذهل التناقض بين روسيا السوفيتية وبقية العالم. هذا هو السبب في أن الكادحين في بلدنا قد احتشدوا بالإجماع على الرايات السوفيتية. لقد عبرت هذه الحركة الرائعة عن القوة الثورية للجمهورية ، وكذلك - قوة الأخطار المحيطة بها.
اليوم لا جبهات ولا أعمال عدائية عسكرية ، لكننا ما زلنا حصنًا محاصرًا. لقد منحنا أعداؤنا هدنة وطلبوا منا إرسال مفاوضين. لقد استجوبنا أعداؤنا وأصبحوا مقتنعين بأننا اليوم بعيدون عن الاستسلام أكثر من أي وقت مضى. لكن أعداءنا ما زالوا أقوياء. وهذا يعني أن الخطر كبير أيضًا. هذه هي دروس عيد العمال.
فخورون بقوتنا قانونًا ، يجب ألا نخفف في المستقبل أيضًا من يقظتنا بمقدار ذرة.
• الملاحظات
1. كان فيكتور هوغو ، الروائي الفرنسي الشهير في القرن التاسع عشر ، معارضًا سياسيًا لنابليون الثالث (لويس نابليون) ونفي من قبل هذا الأخير. كانت جنازة هوغو في عام 1885 مناسبة لواحدة من أكبر المظاهرات الجماهيرية التي شهدتها أوروبا.
2. دعا المجلس الأعلى للحلفاء إلى عقد المؤتمر الاقتصادي لعموم أوروبا في جنوة (10-19 أبريل 1922) بهدف إحياء الحياة الاقتصادية لأوروبا. لقد مثلت المحاولة الأولى من قبل إمبرياليي الحلفاء لابتزاز "سلميًا" عددًا من التنازلات الاقتصادية من الاتحاد السوفيتي ، من بينها الاعتراف بالديون القيصرية.
3. ميليوكوف ، مؤرخ بارز ، كان زعيم البرجوازية الليبرالية الروسية وحزبها الكاديت (الديموقراطيون الدستوريون). بعد ثورة فبراير 1917 ، شغل منصب وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة وحاول مواصلة السياسة الخارجية للقيصرية. بعد ثورة أكتوبر ، هاجر إلى باريس ، حيث كان يحرر صحيفة يومية روسية.

22مايو-ايار2021
القاهره

نُشر لأول مرة في البرافدا ، العدد 102
10 مايو ، 1922

#عبدالرؤوف_بطيخ (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات