أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السمّاح عبد الله - أحلام الثراء














المزيد.....

أحلام الثراء


السمّاح عبد الله
شاعر

(Alsammah Abdollah)


الحوار المتمدن-العدد: 6901 - 2021 / 5 / 17 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


في حر الحادي والثلاثين من يوليو عام 1940، كان "نجيب محفوظ" يسير في شارع فؤاد الأول، عندما وجد صديقه "صلاح ذهني" مقبلا في الاتجاه المعاكس، استوقفه، وسلم عليه، وقال له:
أين أنت؟، إنهم يقلبون الدنيا عليك ولا يجدونك.
اندهش "نجيب محفوظ"، وسأله بدوره:
من هؤلاء الذين يقلبون علىّ الدنيا؟
أجابه بفرح:
أصحاب مجلة الثقافة.
لما وجد صديقه فرحانا استبشر خيرا، وطلب منه توضيحا أكثر وضوحا للأمر، فأجابه بابتسامة كبيرة:
لك مكافأة في مجلة الثقافة، وإن لم تذهب الآن لاستلامها، ستتسبب في أزمة مالية كبيرة لهم، لأنهم لا بد وأن يُقَفّلوا الميزانية اليوم، فإن العام المالي سينتهي خلال ساعات، والمراقب المالي في مقر الجريدة، ومكافأتك تمثل عقبة كبيرة لإتمام اعتماد الميزانية.
باندهاش كبير، وفرح أكبر سأله "نجيب محفوظ":
هذه أول مرة في حياتي كلها أعرف أن ثمة مكافأة يمكن أن تدفعها المجلة للكتاب، فأنا أكتب في مجلات كثيرة منذ أكثر من عشر سنوات، ولم يدخل جيبي مليم واحد، وقد نشرت حتى الآن أكثر من مائة قصة قصيرة، وعشرات المقالات، مجانا.
صديقه "صلاح ذهني" كان أكثر رغبة منه في مناقشة هذه الأمور، لكنه كان حريصا على إنقاذ الأمر، حيث نظر في ساعته، وقال له:
ليس أمامك الكثير، اذهب الآن، واقبض مكافأتك، وبعدها نكمل حديثنا.
لم تكن المسافة بين شارع فؤاد الأول ومقر مجلة الثقافة بعيدة، لكن السعادة التي كان يشعر بها "نجيب محفوظ"، جعلته يمشي وكأنه يطير، وخلال دقائق معدودات كان واقفا أمام الصراف، الذي ما إن رآه حتى تهلل وجهه، وصاح فيه:
أخيرا.
سأله "نجيب محفوظ":
وكم هي مكافأتي عن قصتي المنشورة عندكم؟.
بجديه تامة أجابه الصراف:
جنيه.
أرجو، عزيزي القاريء، ألا تندهش كثيرا من قلة المبلغ، فالجنيه في تلك الأيام كان ثمنا لمتر أرض في العباسية، احسب من فضلك سعر متر الأرض في العباسية الآن، لتعرف قيمة الجنيه الذي سيتسلمه "نجيب محفوظ"، ربما لا يكون هذا القياس صحيحا، لكن الجنيه كان مبلغا محترما بالفعل، حتى أن الناس وقتها لم تكن تطلق عليه اسم الجنيه، بل كانوا يقولون (مائة قرش)، مرة، ومرة (خمسة ريالات).
عندما كان "نجيب محفوظ" يهبط على سلالم المجلة متجها إلى الشارع، كان يشعر بسعادة غامرة، وقد أكد في أكثر من مرة، أن هذا اليوم كان يمثل بالنسبة له أكثر أيام حياته سعادة، وربما كان أكثر سعادة من يوم فوزه بجائزة الدولة التقديرية.
في المساء، اجتمع مع شلة العباسية، احتفالا بهذا الحدث الاستثنائي، وسهروا حتى الصباح، يغنون، ويمرحون، ويقولون النكات الخارجة، وقد كانت ليلة ليلاء، فها هو الأديب الشاب قد أصبح غنيا، يمتلك جنيها كاملا، لذا فقد كان كريما جدا مع أصدقائه، وعزمهم على كباب وكفتة ورِيَش وسلطات متنوعة، أما صاحب المطعم المعلك "كرشة" فقد كان أكثرهم فرحا، وراح يهلل ويقول:
أول مرة أعرف أن الأكب يكسّب فلوسا.
في اليوم التالي، فكر "نجيب محفوظ" في هذا الأمر جيدا، واكتشف أنه يستطيع أن يتكسب من قصصه التي ينشرها، الحكاية في غاية البساطة، ما عليه غير أن يكتب قصة، ويذهب بها إلى مجلة الثقافة، وأول الشهر تنشر القصة، ويقبض المائة قرش.
وهكذا، فرد أوراقه، وكتب قصة جديدة.
كانت الحرب العالمية الثانية تلقي بظلالها على القاهرة، وكانت طلقات المدافع تدوي وكأنها قريبة منك، حتى أن "نجيب محفوظ" صرخ مرة وهو يخاطف أمه في خوف:
المدافع في الجنينة.
وعندما علم صديقه "فؤاد نويرة" بذلك، ألف أغنية قال فيها:
صرخ وقال يا نينة
المدافع في الجنينة.
لم يكتف "فؤاد نويرة" بكتابة الأغنية، وإنما أعطاها لشقيقه الموسيقار "عبد الحليم نويرة"، فلحنها، وكان أصدقاؤه كلما قابلوه يغيظونه بها، فيهتفون بإيقاع موقع بكلام الأغنية الملحن.
كانت القصة الجديدة التي كتبها "نجيب محفوظ" عنوانها (في أثناء الغارة)، تصور أحداث الغارات والمدافع التي كأنها في الجنينة، والرعب الذي يسيطر على الناس، وينهي أحداثها بعودة الأم إلى البيت، لتجد ابنها ميتا، ورأسه مفصولا عن جسمه، وسلمها في اليوم نفسه لمجلة الثقافة، التي نشرتها بالفعل.
في الموعد المضبوط، اتفق "نجيب محفوظ" مع شلة العباسية على سهرة جديدة احتفاء بمكافأة قصته الجديدة، وتوجه من فوره لاستلام المائة قرش.
ما إن دخل المجلة، حتى هجم عليه سكرتير التحرير، والشرر يتطاير من عينيه، وكان يريد افتراسه، وفرقت بينهما الناس، لكن السيد سكرتير التحرير ظل يكيل الشتائم له، وبعد أن هدأت النفوس، عرف "نجيب محفوظ" سر غضب السيد المبجل سكرتير التحرير.
الرقابة العسكرية كانت تنبه على المجلات ألا تنشر شيئا يثير الرعب في نفوس القراء، وكانت قصة "نجيب محفوظ" الجديدة مثيرة لكم غير قليل من الهلع والرعب، الأمر الذي جعل الرقابة العسكرية توجه للمجلة إنذارا شديد اللهجة، ولم تجد إدارة التحرير بدا من توقيع الجزاء على سكرتير التحرير بخصم جزء من راتبه الشهري لعدم استدراكه للأمر، ولغفلته الواضحة في عدم تطبيق اللوائح العسكرية.
"نجيب محفوظ" بدلا من أن يقبض خمسة ريالات مكافأة قصته الجديدة، وجد نفسه مطالبا بدفع عشرة ريالات تعويضا لسكرتير التحرير عما ناله من أذى بسببه، فترك المكان كله، وفر هاربا إلى الشارع، تلاحقه شتائم سكرتير التحرير ولعناته.
وبذلك، انتهت أحلام الثراء في مخيلة "نجيب محفوظ"، الذي ذاق حلاوة الفلوس لأول مرة في حياته، وبدأ يعد نفسه من طبقة الأدباء الذين يقبضون مكافآت عن كتاباتهم في الصحف، مثل "طه حسين" و "توفيق الحكيم" و "عباس محمود العقاد".



#السمّاح_عبد_الله (هاشتاغ)       Alsammah_Abdollah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صوت الروح .. محمد أبو المجد
- أنا امرأةٌ قديمةٌ 4 – 6
- أنا امرأةٌ قديمةٌ 3 – 6
- أنا امرأةٌ قديمةٌ 2 – 6
- أنا امرأةٌ قديمةٌ 1 – 6
- لتحطمهم مثل الإبريق الخزف
- فِي نَامُوسِ الرَّبُّ مَسَرَّتَهُ
- الرجل ذو الجلباب الأزرق الباهت
- عن ضرورة البطل
- الدكتور جمال التلاوي، بين المبدع الصديق ورئيس مجلس الإدارة
- المثقفون والثورة
- بيان للناس
- أمير الشعراء أحمد شوقي ( 16 أكتوبر 1886 – 13 ديسمبر 1932 م ) ...
- الشاعر ولي الدين بك يكن
- بعد أن تغيب الشمس
- مدحت صفوت يكتب عن أغنية إلى النهار للشاعر السماح عبد الله
- محمد الفارس يكتب عن أحوال الحاكي للسماح عبد الله
- أغنية الشجرة قصة شعرية للأطفال
- لكأنك لا تبصر غيري
- هوامش على فكرة الزمن عند السماح عبد الله


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السمّاح عبد الله - أحلام الثراء