أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى _ ح1















المزيد.....

فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى _ ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6891 - 2021 / 5 / 7 - 01:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى
جدلية الخطيئة والفداء واحدة من إشكاليات الفكر الديني على مر التأريخ وشكلت واحدة من مميزات المعرفة الدينية حتى وصلت لتكون أحدى أهم أصول التدين، في الوثنية الدينية وأيضا في الرسالات التي تبدلت وتحورت وتغيرت نتيجة التلاقح الفكري أو تحت إدعاءات وضرورات سياسية مصدرها السلطة الدنيوية التي تنحاز لهذه العقيدة أو تلك وتسخر كل مصادر القوة في سبيل نصرة ما تؤمن به أو ما يوافق غايات وأهداف مشروعها السلطوي، هذه العقيدة المتجذرة في تأريخ الإنسان لا بد أنها تنبع من فهم واحد وأساس واحد ربما يكون مشتركا بتأثير عقيدي قديم كان يجمع الناس، ثم تفرقوا بعد ذلك نتيجة تطور المفهوم أو تطور الفهم لها، وبالتالي لا يمكننا أن نفصل هذه العقيدة عن جذرها بأفتراض أن الإنسان توصل لها تحت ظروف مختلفة وعوامل قد لا تكون واحدة، وبالتالي فهي عقيدة أصلية ولدت من رحم الحقيقة كما هي ثم تسللت للأديان بعد ذلك.
إذا هو الشعور نفسي بالآثم الذي أرتكبه أبو الإنسان حين أطاع الشيطان وأنخدع بحيلته، فأورث الأب كل بنيه هذا الشعور وأصبح متلازمة طبيعية لا يكاد يفارقها حتى لو أراد ذلك لأنه مولود منها، فالبعض من أهل العقائد يرى أن أو ما ولدت الخطيئة إنما ولدت في بطن آدم عندما تناول الكعام المحرم عليه، هذا الطعام تحول بحسب طبيعته إلى ما يشبه الفايروس الذي ينتشر في كل خلايا الجسم ويتحول إلى جينوم أساسي في خليته الناقلة للصفات الوراثية، لذا فهم يقولون أن الإنسان كائن شرير بالطبع لذا منحه الله العقل حتى يستطيع إن أراد مقاومة هذا الفيروس الجيني.
وحتى يستطيع الإنسان أن يقاوم عليه أن يتطهر دوما وأن لا ينسى تلك الخطيئة أبدا لأنها جزء أساسي منه، التطهير كما في العقائد الدينية لا بد أن يكون بالدم لأن الجينوم الخطيئي يسري في دم الإنسان، والدم لا يطهر إلا بالدم ولكن جسد الإنسان الخارجي يمكن تطهيره بالماء أو بالزيت المباركين، وعندما يصل الشرور في المجتمع إلى الدرجة التي لا يمكن معها أن نجد الطهر الكافي للتخلص من الذنوب علينا بالفداء، الفداء الذي لا بد أن يتناسب مع حجم الخطيئة التي يرتكبها بني الإنسان، هنا الفداء نوعي وليس كيفي بمعنى أن الفادي لا بد له من مواصفات خاصة قادرة على محو كل الخطيئة البشرية وينجي العالم من شرورها، فمثلا في العقيدة الرافدينية القديمة نجد الفكرة واضحة جدا لا تحتاج لشرح أو بيان (إن تموز الإله المولود البكر من عذراء، تألم من أجل الناس، ويدعونه : المخلص الفادي المصلوب، وكانوا يحتفلون في يوم مخصوص من السنة تذكاراً لموته، فيصنعون صنماً على أنه هو، ويضعونه على فراش، ويندبونه، الكهنة ترتل قائلة: ثقوا بربكم فإن الآلام التي قاساها قد جلبت لنا الخلاص)، هنا الآلام التي يقاسيها الإله تموز وليس غيره في إشارة إلى حجم الخطيئة وحجم الفادي هي وحدها من تحمل الخلاص لبني الإنسان .
هذه الفكرة التي قد تكون أنتقلت من بلاد الرافدين شرقا أو غربا أو نقلت لها أيضا من مكان ما تتداول في مختلف العقائد الدينية أما أنها كما قلنا ذات مصدر واحد حسب طبيعي أو أنها وجه واحد لتفكير بشري بقضية أعمق وأقدم، أو أنها عقيدة أسبق ذات أصل إنساني مشترك (ويعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو، الذي لا ابتداء له، ولا انتهاء على رأيهم، قد تحرك _شفقة وحنواً_ كي يخلص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه)، هنا الصورة واحدة إله أو أبن إله بقدم نفسه فاديا عن البشر لأن حجم الخطيئة أكبر من أن يكون بمستوى البشر كما عند المصريون القدامى الذين هم أقل تشددا في هذا المجال (فكانوا يقدموا الابن البكر من أحد العائلات الأتانية ذبيحة، يأخذونه إلى هيكل في (فستات في عالوس)، ويضعون على رأسه إكليلاً ثم يذبحونه قرباناً للإله، كما تذبح الأنعام).
يبقى موضوع الخطيئة والقربان والفداء يدور مع وعي الإنسان الديني كلما ضاقت عليه الحياة ليفسر ذلك بأنه إرادة الرب ومطالبته بالاعتراف بالخطيئة ومحاولة التطهر منها بالدم (وفي التبت والنيبال: يعتقدون في معبودهم الإله (أندار) الذي يعبدونه إنه سفك دمه بالصلب، وثقب المسامير كي يخلص البشر من ذنوبهم وإن صورة الصلب موجودة في كتبهم)، وليس ببعيد نرى الصورة بتعبيراتها وشكلها الموحد تتكر هنا في جنوب الهند وتنجور، وفي أيونديا (يعبدون إلها صلب اسمه (بالي) ويعتقدون بأنه (فشنو) تجسد: (أي ظهر بالناسوت) ويصورونه مثقوب الجنب واليدين)، علامة الثقب في اليدين لا تشير فقط إلى مكان التعليق بل تشير إلى معنى كسب الإنسان الخطيئة بيده ومنها لا بد أن يسفك الدم للتطهير.
إذا نحن نكرر التذكار ونكرر القضية كلما كانت الخطيئة محيطة بنا، لا كما يظن البعض ممن يؤمن بالفداء أن الفادي والمخلص إنما يحمل كل الخطايا عنا قديمها وجديدها والأتية مع المستقبل، إن تكرار فكرة الفداء وتنفيذها يعني أن القضية لم تحل ولم يهتدي الإنسان للخير وما زال شريرا، لأن جينوم الشر الذي في بنيانه الأول لم يتطهر ولم يقمع، فكان على الإله أن يتدخل في كل مرة بشكل مباشر أما بذاته أو بالتجسيد العملي لذاته (وبوذا في نظر البوذيين إنسان وإله معاً، وأنه تجسد بالناسوت في هذا العالم ليهدي الناس ويفديهم، ويبين لهم طريق الأمان وهذا التجسد اللاهوتي يعتقده كافة البوذيين، كما يعقدون أن بوذا هو، مخلص الناس)، الغريب أيضا أت الفكرة هذه برغم عدم عقلانيتها وأختلال منطقها الطبيعي ما زالت تحيا مع كل هذا التطور العقلي الذي عليه الإنسان وتوسيع دائرة معارفه التي مست حتى أدق تفاصيل العلم والمعرفة.
هذا التصور الخيالي الذي صاغته العقلية البشرية مدفوعة بعوامل وأسباب قد يكون لها تبرير في زمنها على أعتبار أن الشعور بالخطيئة لازمة نفسية وعقلية رافقت وجود الإنسان على الأرض، إنها من وثنية العقل الذي لم يحاول أن يفكك الإشكالية ويدرسها بمنهج عقلاني أو منطقي خاصة وإذا كان المؤمن بها هم من أتباع دين يفترض كما يؤمنون منزل من الله بواسطة نبي، هذا النبي الذي أراد أن يصحح مفاهيم الإنسان عن الله العادل الكامل ليكون مستقيما بعده، تحول هو إلى ضحية لوثنية العقل البشري، وتحول من رسول إلى مرتبة أعلى من خلال التقديس والتبجيل المبالغ فيه والذي لا يتوافق أصلا مع رسالته، فصار منقذا وفاديا بنظرهم بل أنهم وفي سبيل التعظيم أهانوا النبي وألصقوا به اللعنة الإلهية ("المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب معلون كل من علق على خشبة ") غلاطية الإصحاح الثالث عدد13.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محبة الجميع
- النداء الأخير
- عيسى عبد الله ورسوله
- صورة الله في سفر أيوب، الرب الذي يستكرهه الشيطان
- ذاتيات فردية
- عيسى أبن الله ح2
- عيسى أبن الله ح1
- وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ
- بين رائحة النرجس والطين
- إلى الشهيدة الشاعرة سميرة الأشقر
- إنها الحرب يا أمي.....
- الحساب والمحاسبة كمفهوم ودلالات في النص القرآني
- إشكالية الخمس والمخمس في الفقه الإسلامي بعد الرسول
- وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ
- فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
- نداء من فوق
- نحن والملح والموت
- رسالة إلى صاحب السعادة (حمار) أفندي
- الله عند سبينوزا والله في الأديان
- راقصة في مأتم


المزيد.....




- “سلى أطفالك واتخلص من زنهم” استقبل دلوقتي تردد قناة طيور الج ...
- جونسون يتعهد بـ-حماية الطلاب اليهود- ويتهم بايدن بالتهرب من ...
- كيف أصبحت شوارع الولايات المتحدة مليئة بكارهي اليهود؟
- عملية -الوعد الصادق- رسالة اقتدار وردع من الجمهورية الإسلامي ...
- تردد قنوات الأطفال علي جميع الاقمار “توم وجيري + وناسة + طيو ...
- -بالعربي والتركي-.. تمزيق 400 ملصق للحزب الديمقراطي المسيحي ...
- اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية تصدر بيان ...
- حدثها اليوم وشاهدوا أغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- السعودية.. فيديو تساقط أمطار غزيرة على المسجد النبوي وهكذا ع ...
- فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى _ ح1