أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مصعب قاسم عزاوي - صناعة الإلهاء والتنفيس















المزيد.....

صناعة الإلهاء والتنفيس


مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6887 - 2021 / 5 / 3 - 15:34
المحور: المجتمع المدني
    


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هو برأيك الدور الوظيفي لذلك الكم الهائل من الاستثمارات في المؤسسات الرياضية كنوادي كرة القدم الدولية، وذلك العدد المهول من القنوات المرئية والمسموعة المختصة بالرياضة؟

مصعب قاسم عزاوي: أهمية النشاط البدني والرياضي في حيواتنا المعاصرة، وخاصة تلك المغرقة في نمطها القعود الذي ليس فيه للجهد الجسدي فيزيائي دور محوري، لا يمكن إلا التشديد على أهميتها الاستثنائية في كل مكان وزمان، ولا بد من التركيز على جوهرية انخراط الكل فيها بكل شكل متاح دائماً وأبداً.
وتعزيز قعود البشر وإقصاء أنفسهم عن أي نشاط بدني فيزيائي، بالتحول إلى قطيع من النَظَّارة لأنشطة رياضية يقوم بها رياضيون محترفون في نسق استثمارات مالية مهولة تقبع خلف تلك الأنشطة، وعدد لامتناه من الأقنية البصرية والسمعية التي تغطي تلك الأنشطة، ما هو إلا إعادة لإنتاج النمط المعاش لحيوات بني البشر بشكل مسخي يقع على النقيض شبه المطلق من مصلحة الإنسان العضوية والطبيعية في المشاركة والانخراط الفعلي بأي نشاط رياضي بدني ضروري من الناحية الطبية الوقائية كحد أدنى.
وقد يستقيم اعتبار «الإلهاء والتنفيس» الهدفين الأساسيين من تلك النماذج من «صناعة الفرجة الرياضية»، حيث أن هناك مبدأ أساسياً تدركه كل الفئات المهيمنة على السلطة والثروة والإعلام على المستوى الكوني يرتبط بالميل الغريزي للإنسان للاستكشاف و استشراب المعارف والتعلم واستخدام طاقاته العقلية الفطرية في أي نشاط عقلي يتطلب تلك الطاقات الفكرية، وهو ما يجب إيجاد مخرج مناسب له بدل أن يتم توجيهه في التفكر في أسباب معاناة ذلك الشخص أو ذاك في حياته اليومية والصعوبات التي تواجه مجتمعه الذي يعيش فيه، والأسباب الكامنة التي قادت إلى تشكيل وتوطيد تلك الصعوبات، وهو ما قد يقود ذلك الشخص بشكل فطري و عفوي لتكشف خفايا آليات الهيمنة والاستبداد التي تريد منه دائماً الإيغال في حالة «الاستقالة العقلية المستدامة»، و «تسليم شؤون إدارة حياته ومستقبله إلى أولي الأمر من العارفين والخبراء» دون السماح له بالتفكير أبعد من ذلك لاستكناه آليات الهيمنة والتهميش التي يراد له البقاء أسيرها، و تمويه كل ما قد يسهم في تعرية أولئك الخبراء والعارفين و إظهارهم بشكلهم الحقيقي الذي لا يتجاوز دورهم الوظيفي «كوعاظ سلاطين» مهمتهم توطيد الاستبداد ومفاعيله، و إشاحة بصره عن الحقيقة المرة بأن جميع الشؤون التي يتبجح أولئك العارفون بخبرتهم فيها، ما هي إلا تورية و تعمية للحقائق الأكثر التصاقاً بضيق الحال المستدام الذي يعاني منه، والمرض والسقم الذي يلاحقه وأسرته في كل زاوية وكل حين، وحالة انعدام الآفاق التي يراد له الظن بأنها من طبائع الأمور وسنن الحياة على الرغم من أن جميعها قضايا اجتماعية يمكن تبسيطها وجعلها ميسرة لأي إنسان مهما كان بسيطاً في إدراكه ومعرفته ومستوى تعليمه بشكل يمكنه من إبداء رأي متعقل وصالح فيها، إذ أنها تمثل جوهر وجوده العياني المشخص في حياته، والتي لا بد أن يكون له رأي فاعل مكثف فيها، حتى لو كان بسيطاً غير منمق ببلاغة لفظية لا تزيد من القيمة المعرفية لذلك الرأي. والحقيقة أنه ليس هناك إنسان طبيعي من فئة المقهورين المستضعفين على وجه البسيطة لا يمتلك رأياً حتى لو كان جنينياً عن الآلية التي يمكن بها أن ينفرج ضيق الحال السرمدي الذي يكابده يومياً، و يختزن في وجدانه رغبة راسخة في أن يحصل أبناؤه على أفضل تعليم ورعاية صحية لا بد للمجتمع ككل من سداد فواتيرها لأجل ضمان تخليق جيل جديد متعلم صحيح معافى قادر على تحمل مسؤولية العناية بشيوخه لاحقاً، واتفاقاً كليانياً مع أي مبادرة حقيقية قد تصحح ذلك الوضع السوداوي من انعدام الآفاق والمستقبل المغلق الذي يعاني منه البشر في مجتمعه الصغير و في عموم أرجاء الأرضين.
وهنا يأتي دور «صناعة الفرجة الرياضية» لإلهاء المواطن وتوجيه طاقاته العقلية الفكرية الفطرية لحفظ أسماء اللاعبين، ومواقيت وجداول المباريات، والتبحر في التفاصيل والأخاديد التي قادت فريقاً لخسارة مباراة ما، والدخول في حوارات مطولة مع أقرانه حول تلك المواضيع، التي يصرف فيها طاقة عقلية استثنائية وجهداً معرفياً جباراً في الكثير من الأحيان كان من الممكن صرفه في أي جهد فكري قد يسهم حتى لو بشكل مجهري في كشف آليات الهيمنة والاستبداد والتغول على عقله وروحه وقوت أبنائه ومستقبلهم وصحتهم وطبيعة وشكل المجتمع الذي سوف يعيشون في كنفه في قابل الأيام.
ومن ناحية أخرى فإن «صناعة الفرجة الرياضية» تمثل حلاً سحرياً للفئات المهيمنة على مصادر الثروة والسلطة والإعلام للتعامل مع ذلك الميل الغريزي للبشر إلى الانتظام في مجموعات بشرية تؤمن لهم درجة أعلى من الحماية والتعاضد والدعم المعنوي وفرصاً أكثر للبقاء وحفظ النوع باستعارة صرفة من قاموس علم النفس التطوري. وهي المجموعات التي تتمظهر في مجتمعاتنا المعاصرة أساساً في أشكال النقابات، ومنظمات المجتمع المدني، والأحزاب، وجميعها أصبحت شبه معدومة من الناحية العملية في مجتمعات تم تحويل المواطنين فيها إلى حفنة من «المستهلكين» يجمعهم التواجد في نفس المكان والزمان فقط دون أن يعني لهم ذلك شيئاً يقترب من مفهوم «المجتمع» لاندثار وعدم تحقق أي نموذج ضمني أو فعلي من «العقد الاجتماعي» الذي يؤسس لعلاقة أولئك «المواطنين الافتراضيين»، ويؤطر علاقاتهم وشروط تبادلهم للمنافع في نموذج اقتصاد السوق الليبرالي المتوحش الذي ابتلع مفهوم المجتمع بكليته حسب إعلان رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر بأن «لا وجود هناك لأي شيء اسمه مجتمع، وإنما هناك فقط أفرادٌ أحرارُ» في إشارة ضمنية إلى «حريتهم في استهلاك ما يحلو لهم في اقتصاد السوق والتحول إلى مستهلكين حصريين بامتياز».
وذلك الواقع المؤوف عمقاً و سطحاً على المستوى الكوني من التصحر «المجتمعي» أفصح عن نفسه بتراجع الأحزاب، وتضيق طيفها الذي تتحرك فيه، إلى درجة أصبحت خطاباتها شبه متطابقة على المستوى الكوني، وتآكل حجم النقابات ومؤسسات الدفاع عن حقوق العمال على المستوى العالمي إلى درجة دراماتيكية، وتحول معظم أنشطة المجتمع المدني إلى أنشطة خيرية تقوم برتق الثغرات التي تركها تراجع الدول عن دورها في رعاية مواطنيها دون أن يقترن ذلك في غالب الأحيان بأي دور تنويري آخر مما أفقدها كثيراً من حضورها الضروري في عملية ترقية المجتمعات.
وهنا يأتي دور «مؤسسات ونوادي الفرجة الرياضية» وفيالق ومجاميع «المشجعين المنتظمين حديدياً» في التزامهم بالقيام بواجبهم الدوري في التشجيع في المباريات والمنافسات وغيرها، لتقدم نفسها بمثابة البديل الوحيد المتاح «لتنفيس» الحاجة الفطرية لدى الإنسان للانتظام في مجموعة ينتمي إليها دون أن تنطوي تلك المجموعة في تلافيفها على أي ممكنات للتفكر في الكشف عن آليات الهيمنة والاستبداد، أو التحرك في اتجاه إعادة الاعتبار «للحراك الاجتماعي» الذي كان من الممكن أن يقوم به أناس مجتهدون من خلال مؤسسات المجتمع المدني أو النقابات أو الأحزاب في مجتمعات لم يأكل الزرع والضرع فيها اقتصاد السوق الليبرالي المتوحش.



#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)       Mousab_Kassem_Azzawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسباب وأعراض سرطان المريء
- خطران مهولان يهددان صحة بني البشر
- جهود مكافحة الفساد
- أسباب وأعراض سرطان البلعوم
- تحولات الرأسمالية بين آدم سميث واقتصاد السوق المتوحش
- أسباب وأعراض الورم النخاعي (النقوي) المتعدد
- صيرورة التكوين العقلي لشخصية الجلاد
- صحة الإنسان في عصر علوم الجينوم (طب المورثات)
- أس التعايش الوجودي بين عنف الإسلام السياسي والفئات المهيمنة ...
- أسباب وأعراض سرطانات التجويف الفموي
- ما هو نموذج الطب التكاملي الشخصي؟
- بهلوانيات تورية الخطاب السياسي العالمي
- في رثاء الراحلة نوال السعداوي
- أسباب وأعراض سرطان الدم النخاعي المزمن
- إصلاح الاستبداد من الداخل
- الفيتامينات والمكملات الغذائية
- أسباب وأعراض سرطان الدم الليمفاوي المزمن
- تصحر الثقافة السياسية
- الإكسير السري للصحة والعافية والعمر المديد
- أسباب وأعراض سرطان الثدي عند الرجال


المزيد.....




- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...
- -العفو الدولية-: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريك ...
- صحيفتان بريطانيتان: قانون ترحيل اللاجئين لرواندا سيئ وفظيع
- قبالة جربة.. تونس تنتشل 14 جثة لمهاجرين غير شرعيين
- بعد إدانتهم بـ-جرائم إرهابية-.. إعدام 11 شخصا في العراق
- السعودية وقطر تُعلقان على تقرير اللجنة المستقلة بالأمم المتح ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مصعب قاسم عزاوي - صناعة الإلهاء والتنفيس