أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفين اوسو - عائدون يا زهرة الزيتون














المزيد.....

عائدون يا زهرة الزيتون


أفين اوسو
(Avin Oso)


الحوار المتمدن-العدد: 6847 - 2021 / 3 / 21 - 10:36
المحور: الادب والفن
    


خيوطُ الدخانِ في المدن كانت تخنقُني منذ الصغر،
فألوذُ بالفرار إلى القرية
أفرشُ الأرضَ، ألتحفُ الهواءَ وأحصي العقيقَ في جيد السماء،
أداهمُ عزلةَ جدّتي في بيتها السامقِ على سفح جبلٍ يجاري صمتَ المقبرةِ.
أندثرُ بهلوسات الليلِ على سطح الدار، أعومُ في صخب تخيّلاتٍ لظلّ أشباحٍ يرقصون على إيقاع الرياحِ، فأتكوّرُ تحتَ اللحافِ بمحاذاة جدّتي،
يتوسّطُنا سلاحٌ أبيضُ صغيرٌ يفزعُني،
لأهذي حتى أسقطَ في حفرة النومِ مُتعرّقةً بخوفي وتعويذاتي.

صرخةُ الشمسِ في وجه الصباحِ تنتشلُني؛
لتحطَّ يدٌ من عطر الزيزفونِ والقرنفلِ تمسّدُ رأسي، أتحسّسُ بللَ الفِراشِ وأتأكّدُ أنها فعلةُ الندى...
أجرُّ غفوتي وأحظى بقُبل جدّتي الممزوجةِ بأنفاس الزعتر والرمان
وكأنني كنتُ أضغطُ على مكابح العمرِ يقيناً بأننا سنكبرُ فجأةً وستخرجُ مراكبُ أحلامِنا عن السيطرة ونهرسُ تحتَ عجلاتِ الأوجاعِ.
أركضُ حافيةَ القدمين بينَ المروجِ، أتعربشُ بأشجار اللوزِ وأكسرُ الأغصانَ، أشهدُ ولاداتٍ للخراف وأسرقُ البيضَ خطفاً من قنّ الجيرانِ حينَ أخسرُ الرهانَ.

بقيتُ على شقاوتي رغمَ مرورِ أعوامٍ، لتأتى محاولاتُ جدّتي بالفشل وهي تنفضُ غبارَ الطفولةِ عني؛ لتتوّجَني بعالم الأنوثةِ إكراهاً، تمنحُني خيوطاً ملونةً وقطعَ قماشٍ بيضاء؛ لأنسجَ وروداً تؤطرُ الوسائدَ وتزيّنُ الطاولاتِ، كنتُ عصيّةً ولا أنصاعُ لطلباتها، لتنحرَني «جيلٌ لن ينهرمَ، خلقَ للهو وتضييعِ الوقتِ»، وها نحن هرمْنا قبلَ الأوانِ حتى كدْنا لا نستدركُ الزمانَ والمكانَ.

كنتُ حينَ أعودُ من رحلتي إلى المدينة كالحةَ اللونِ تطفو الندَبَاتُ على بركة من مساماتي، وضفائرُ شعري مبتورةٌ كقلبي اليوم، إثرَ ملاحقة جدّتي لكتائب القمل بينَ خصلاتي.
كانتْ على حقّ حيث تستقبلُني بالقُبل وتودّعُني بالشتائم والركل.
واليومَ طويلةٌ باتتْ ضفائرُ شعري، تفتّشُ عن يد جدّتي، التي طالَ مكوثُها وهي تنتظرُني، وهذا المعصمُ المُزدانُ بالخدوش والندَبَات يجرجرُني فوقَ حصاةِ الذاكرةِ ويدميني.

كانَ السلامُ يجولُ في رَاحِنا
فجأةً!!!
لعنةٌ استفاقتْ تحتَ الطاولاتِ، إبرامُ اتفاقياتٍ تستنكرُ في العلن وتصفّقُ لها في الخفاء
اقتحموا القرى
أضرموا نيرانَ غلِّهم وحقدِهم المستباح
لنجرَّ جثثَ أرواحِنا ونتسلّلَ القارّات
نلوّحُ بالخيبات لأعشاش مهجورةٍ، يتردّدُ صدى الحياةِ في فراغها، وأغصانُ شجرةٍ تنقبُ عن ظلّنا مفتّشةً عن أيدينا
عن خيول ماتتْ مسمّمةً بأعشاب أرضٍ دُنستْ تحتَ خطى محتلٍّ هو عبدٌ بيد محتلٍّ آخر.

سلامٌ
لانتظار جدّتي الطويل،
التي نخرَ بردُ الوحدةِ عظامَها
وخيبةُ طريقٍ تنتظرُني فيها.
عائدون يا سنابلَ القمحِ
يا أزهارَ الزيتونِ...
عائدون بحناجر بلْكُو وجُوان ونِيشان
عائدون،
فنحن أيتامُ وطنٍ من قشّ انكساراتِنا نشيّدُ حصوناً وقلاعاً لن تركعَ.


19 آذار، 2021م
فيشتا – ألمانيا



#أفين_اوسو (هاشتاغ)       Avin_Oso#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع الطوابير
- وطن نحمله بين طيات أحلامنا
- بارود... ولعنة زيتون
- نزيف الذاكرة
- مونولوج مع مرارة الرحيل
- فوارغ الرصاص


المزيد.....




- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفين اوسو - عائدون يا زهرة الزيتون