أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن رجب - نهاية وباء والرجل الذي أكل والد صديقه














المزيد.....

نهاية وباء والرجل الذي أكل والد صديقه


حسن رجب

الحوار المتمدن-العدد: 6845 - 2021 / 3 / 19 - 22:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(سليمان فائق) وهو أحد الذين ينقل عنهم عالم الاجتماع الكبير د.علي الوردي الوقائع التاريخية في كتابه 《لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث》 يحكى أنه كان في بغداد بداية انتشار الطاعون ، وكان يومذاك شاباً سجل بعض ذكرياته عن تلك الايام ، وهي ذكريات لاتخلو من دروس اجتماعية يمكن اعتبارها متممة لتلك التي سجلها (غروفز) .

يقول فائق : إنه عندما بلغت الجنائز اليومية بين الستمئة والسبعمئة جنازة ؛ زاد خوفه واضطرابه وذهب الى والده يستأذنه في الخروج الى البادية فراراً من الطاعون . لكن والده أجابه قائلاً :
《يا بني لايجوز الفرار من الوباء ، فإن الذين ماتوا هاربين يصبحون عصاة ، فلنبق في المدينة فمن مات منا أصبح شهيداً ، وأما من نجا بنفسه فيصبح من السعداء》 .

وقد بذل فائق جهده من أجل اقناع والده على تغيير رأيه ، مبرهناً له أخطاء "رجال الدين" الذين حرَّموا الحجر الصحي وأن الشريعة الاسلامية لا تؤيدهم في ذلك .

وبعد أن اقتنع والده برأيه قال له : 《يابني ليس من اللائق لحقوقنا القديمة ومناسباتنا العامة أن اترك (داود باشا) وأخرج .
فاخرج أنت واذهب ، أما أنا فسأمكث هنا متوكلاً على الله ، وان شاء تعالى فإني معتزم السفر الى الآخرة مع هذه القافلة الطبية دون أن اقتل في اواخر عمري بسيف السياسة》 .

فخرج فائق وأفراد اسرته برفقة بعض سكان بغداد ، فخيموا في الصحراء على مقربة من بعقوبة .

كان فائق يغير موضع خيامه مرة كل أربعة أو خمسة أيام ، حذرا من العدوى ، وقد نجا منها فعلاً هو ومن كان معه . فلم يمت منهم سوى الذين أرسلوا الى القرى لطحن الحبوب . وعندما خف الطاعون عزم فائق أن يسرع في العودة الى بغداد ، ومما دفعه الى ذلك خطر النهب من قبل بعض العشائر المحيطين بهم ، فقد كان (محمد البردي) شيخ شمر طوقة ، يرسل رجالاً من عشيرته حول المخيم ، بغية نهبه ، والظاهر أنهم انتهزوا فرصة الطاعون هناك ، كمثل ما انتهزها اللصوص في بغداد .

وعندما وصل فائق وأهله الى مشارف بغداد ، لاحظ أن المدينة محاطة بالمياه من جهاتها الأربع ؛ لان النهر كان قد فاض في أواخر أيام الطاعون ، ولم يكن في المدينة من يقدر على مكافحته ، فأغرق الكثير من محلاتها ، فأجر فائق "قفة" وركبها وأهله ثم ساروا بها داخل المدينة حتى وصلوا الى الموضع المسمى 《حمام الراعي》 ، وهناك نزلوا من القفة وبدأوا يسيرون على أقدامهم .

يقول فائق : إنهم لم يجدوا في الطرقات التي مشوا فيها أي انسان ، حتى أن أُمهُ قالت لمن برفقتها من النساء : 《أيتها البنات ، لا يوجد أحد في الطريق فلم نسير وقد أسدلنا هذا النقاب؟》 . فرفعت النساء النقاب عن وجوههن وسرن نصف ساعة من دون أن يشاهدن انسانا .

وعند وصولهم الى محلة النصارى ، شاهدوا امرأة تطل عليهم من نافذة احدى الدور ، وأخذت المرأة تستفسر منهم عن حالتهم ، ثم التفتت نحو داخل الدار تخبر من فيها بوجود بشر في الطريق لايزالون على قيد الحياة ، وقد سأل فائق المرأة عن سر بقائها هي وأهل بيتها احياءً لأنه لم يشاهد أحداً في جميع الطرقات التي مر بها ، فأجابته المرأة قائلة :《نحن نصارى ، وقد جئنا الى هنا بضع أسر وأقمنا الحجر على انفسنا ، وكنا في بداية الحجر واحداً وأربعين شخصاً بالتمام ، فأصبحنا بحمد الله ثلاثة وأربعين بولادة طفلين . وبما أننا لم نر بشراً منذ مدة يمر من هذا الشارع ، فعندما شاهدناكم علمنا أن الطاعون قد ولى ، ففرحنا لذلك》 .

وبعد وصول فائق هو والنساء الى دارهم ، ذهب لزيارة (داود باشا) في مقره فوجده في دائرة الحرم مطروحاً في الفراش وهو في غيبوبته لإصابته بالطاعون .
وبعد مرور بضعة أيام تحسنت صحته بعض التحسن ، وعند ظهور اللصوص في المدينة وانتشار الحوادث المخلة بالأمن ، أخذ (داود باشا) يعين الموظفي ويشرف على شؤون الحكومة بالرغم من ضعف صحته .
وكانت جثث الموتى اذ ذاك لاتزال مطروحة في البيوت والأسواق والطرقات . حيث بلغ تعفن الهواء حداً لا يطاق ، فعين (داود باشا) جنوداً لتنظيف بغداد ، وجعل مقداراً من المال لنقل كل جثة . فألقيت آلاف الجثث في نهر دجلة من غير تكفين وتجهيز ، وكانت أكبر الجثث تُشد من أرجلها بالحبال وتُربط بذيول الحيوانات السائبة التي لم يكن لها مالك ، فتسحبها تلك الحيوانات وهي مقلوبة على وجوهها حتى شاطئ النهر .

واحدة من الحوادث التي يذكرها الدكتور علي الوردي في كتابه الذي نقرأ الان شيئا منه ، هي حادثة وقعت وقت انتشار الوباء ومنع السلطة العثمانية دفن الموتى في النجف قبل أن تجف جثثهم أو تتحول الى عظام ، حيث يحكى أن رجلاً جاء من ايران توفي والده ايام انتشار الوباء ولأنه كان يعلم بالاجراءات المذكورة ، قرر أن يتحايل عليها عبر عزل لحم جثة والده عن العظام ووضعه بإناء يدعي عند سؤاله من قبل السلطات عنه بأنه لحم حيوان . وفي ليلة من ليالي ايام الطريق نام الرجل الذي كان برفقة صديق قدم معه لدفن والده ، ثم صحى في اليوم التالي ولاحظ أن لحم والده أصبح أقل مما كان عليه !
وعندما سأل صديقه عن سر هذا النقص ؛ أخبره بأنه طبخ وأكل شيئاً منه ظاناً بأنه فعلا لحم حيوان لأنه لم يخبره بأنه لحم والده !!!

وبهذا تنتهي حكاية وباء من "الاوبئة" التي ضربت العراق عام ١٨٣١ م ، عافنا واياكم من وباء الكورونا الذي حجرنا منتصف آذار ٢٠٢٠ في بيوتنا وذكرنا به ..



#حسن_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأوبئة في العراق وموت بائع الكفن
- الأوبئة ومواقف المتدينين وحكاية طريفة في العراق
- هل أهدى ماركس (رأس المال) لداروين؟
- مزرعة الحيوان ووصايا القائد
- وفد العراق في الصين ألف سلامة
- وظيفة الصحفي وحريته
- فزاعة الإلحاد وبعبع الإنحراف الأخلاقي
- على أي شيء نشكر العبادي؟
- الأولى لوضع صورته أو إسمه على العملة
- رؤية مصرية نأكل أرضنا الخضراء


المزيد.....




- تسببت بوميض ساطع.. كاميرا ترصد تحليق سيارة جوًا بعد فقدان ال ...
- الساحة الحمراء تشهد استعراضا لفرقة من العسكريين المنخرطين في ...
- اتهامات حقوقية لـ -الدعم السريع- السودانية بارتكاب -إبادة- م ...
- ترامب ينشر فيديو يسخر فيه من بايدن
- على غرار ديدان العلق.. تطوير طريقة لأخذ عينات الدم دون ألم ا ...
- بوتين: لن نسمح بوقوع صدام عالمي رغم سياسات النخب الغربية
- حزب الله يهاجم 12 موقعا إسرائيليا وتل أبيب تهدده بـ-صيف ساخن ...
- مخصصة لغوث أهالي غزة.. سفينة تركية قطرية تنطلق من مرسين إلى ...
- نزوح عائلات من حي الزيتون بعد توغل بري إسرائيلي
- مفاوضات غزة.. سيناريوهات الحرب بعد موافقة حماس ورفض إسرائيل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن رجب - نهاية وباء والرجل الذي أكل والد صديقه