عدنان إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 6844 - 2021 / 3 / 18 - 12:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حـكـمة
• رحمة الله بك أولى من رحمتك بنفسك، فالزم ما أمرك الله به، وارض باختياره، تكن أحسنت إلى نفسك.
• الصانع أعلم بما به حِفْظُ وجمال صنعته، فاسكن إلى مولاك وحافظ على أوامره، تُحفَظْ في سعادة.
• الغريب الذي يظن أنه سيعود إلى بلده يدّخر نفائس الأموال ليرجع بها لأهله، وينتفع بها في داره. فالمتيقن بالعيان أنه سيرجع إلى ربه، أولى أن يبخل بالنَّفَس والحركة أن يصرفهما إلا في طاعة.
• كل حي مشغول بما به سعادته في غد، مهموم في تدبيره مع شَكِّهِ في بقائه لغد، فكيف بمن تيقن بقاءه في دار سعادتُهُ فيها متوقفة على ما يُحَصِّله من هنا ؟.
• الوالد الحكيم الرحيم يسعى بلطف وحنانة وترغيب في سعادة ولده الأحمق، فلا يقبل من والده ويتهَكَّم به، وينفر منه. حتى إذا أصابته مصيبة سوء عاقبة المخالفة ندم ندامتين: ندامة على مخالفة أرحم الناس به، والإساءة إليه، وندامة على ما أصابه من المكروه. وهذا أمر مشاهد بالعيان. فالله سبحانه أَحَنٌّ على خلقه، وأرحم بهم من والد رحيم بولد وحيد، فيتنزل سبحانه ويرغب العبد ويحسن إليه، ويرسل الرسل وورثتهم بالحكمة والبيان، فيأبى المبعود متكبراً حتى إذا جاء الموت وحشر إلى النار قال: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) فمولاك غنىّ عنك، لا يضره كفرك ولا تنفعه طاعتك، ولكنه جل وعز رءوف لطيف حنَّان رحمن رحيم، يدعوك ليرفع درجتك ويمتعك في دار البقاء ومنازل السعداء فضلا منه إليك وإحسانا عليك، فسبحان المنعم المتفضل المعطي الوهاب الرءوف الكريم اللطيف الخبير.
مقامات الدين الإسلامي (الإسلام – الإيمان – الإحسان – الإيقان)
أولاً: الإسلام
المسلم:
المسلم إنسان آمن بالله وحده، وأسلم له سبحانه وجهه، وانقاد لأوامره، مؤمنا بكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر، والقضاء والقدر.. خيره وشره من الله تعالى، معتقداً أن كل من لم يكن على هذا فهو مشرك ضال. والإيمان هذا يوجب عليه القيام بما أمره به بقدر الاستطاعة، والتباعد عما نهى عنه جملة واحدة، إلا ما اضطر إليه اضطرارا يُقَدَّرُ بهلاك نفسٍ أو ما يساويها.
أوامر الله تعالى:
وأوامر الله تعالى تنحصر في أربعة أمور:
1- العقيدة:
أمر بعقيدة لابد وأن تُتَلقَّى من كلامه سبحانه، وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يتحقق المسلم أنه كامل الإيمان، مؤمن بحقيقة ما يجب عليه الإيمان به. على أن العقيدة التي يتلقاها عن الله سبحانه، وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، هي العقيدة التي يسَلِّمُها العقل الكامل، المجرد عن الحظ والهوى، والتقليد للأهل، والعصبية للجنس، لأنها نور يضيء، وحقٌ جلى بمنزلة المحسوسات بالنسبة للعقول السليمة من الأمراض النفسانية والعلل الفكرية، وقد فصلتها في باب العقيدة من كتاب " أصول الأصول ".
2- العبادة:
وأمر بعبادة للحق جل جلاله، من تعظيم لذاته، وذكر له سبحانه. ورياضات للنفس بإمساك عن الطعام بياض النهار. وبذله جزءا مما يملكه. وهجرة إلى مكان مخصوص وعمل مخصوص، وهي الحج في آنات مخصوصة، لا يخرج عن تكبير ودعاء وتلاوة كلامه سبحانه وتعالى بخشوع وخضوع لعظمة هذا الإله العلي الكبير الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين.
والأمر بالعبادة من أخص أركان الإسلام، حتى أن المسلم الذي يتهاون بأمر العبادة منزلته كمنزلة من لم يعتقد، لأن تكرار العبادات مذكِّر للقلب، مزيل للغفلة، يُقوِّي اليقين، ويزيد الإيمان، ويقرب العبد لمقام القرب وحسن الأخلاق.
فالعبادات هي الصفات التي تجعل المسلم مسلماً في عين إخوانه، وعند الله تعالى، وهي الواجبة عليه لربه المنعم المتفضل، وبالتهاون فيها يكون المسلم منافقا كاذبا مدعيا، وسينكشف الأمر ويضطر أن يندم حين لا ينفع الندم، وإن المتساهل أضر على المسلمين من عدوهم، بل من الشيطان، لأنه قد يكون رئيس قوم، أو كبير عائلة، أو والد جماعة، أو محبوبا لخصوصيته، فُيقلَّد في أعماله وأحواله، فَيُنْشَرُ ضرره، ويعم الفساد به، والله يحفظ المسلمين بسرعة الانتقام من المتساهل بالعبادة والمتجاهر بالمعصية، ليكون عبرة لغيره، ووقاية من شره، إنه مجيب الدعاء.
3- المعاملة:
المعاملات هي المقام العلي الذي يتفاضل فيه المسلمون, ويتسابق فيه أهل النفوس العالية, لأنه نتيجة اليقين الكامل بالتوحيد الخالص من شوائب الشكوك, وأدران الحظوظ, وَريْن التقليد والعصبية, حتى أن الإنسان ليكون أقرب من الملائكة عند الله تعالى, وأحب إلى النفس – عند العقلاء من إخوانه – بحسن معاملته وجميل أخلاقه, حتى يبلغ درجة من السعادة في الدنيا والآخرة لا يبلغها الشهداء.
وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدين في المعاملة حصراً حقيقياً, لأن الدين هو معاملة دائرة بين حقوق عليك لله تعالى, ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم, ولوالديك وأهلك وأرحامك, وخاصة المسلمين وعامتهم, وجميع بني آدم, وجميع الحيوانات الحية. فما من رتبة في الوجود إلا وأنت تطالبها بحق, وتطالبك بحق, فإذا حسنت معاملتك مع كل رتبة كنت مسلماً كامل الإسلام. و إذن فالدين المعاملة لا شك, وبها السعادة في الدنيا والآخرة.
والمعاملة نتاج العقيدة, فإن العقيدة تحقق لصاحبها بأن إلهاً متصفاً بجميع الجمالات والجلالات والكمالات, منفرداً بالإرادة والمشيئة في إيجاد كل موجود, وإمداده بما به بقاؤه, وهو المقدِّر لكل شيء, وإليه يرجع كل شيء, فإذا تحقق في هذا راقبه في خَلْقِه, وعامله في عباده (1), فلا يتحرك حركة ولا يتنفس نفساً إلا وهو ملاحظ عظمة هذا الرب الجبار المقدِّر, المنفرد بالتقدير, فيجعل كل حركاته وسكناته فيما يرضيه, وبما به يفوز لديه بنعيم جزائه, فتحسن معاملته لكل كائن حي, ومراقبته للخالق.
نموذج من حسن المعاملة:
إذا تحققت أنك تساء إذا اغتابك آخر أو سعى في مضرتك: مالاً أو جاها أو منزلة, أو استهان بك في حضورك أو غيبتك؛ وأنك بهذا تميل إلى الانتقام منه – بحولك وقوتك – بأكثر مما بلغك عنه, وتتلذذ بمضرته، وينشرح صدرك لذلك وتستحسنه، ولا تقبل نصيحة من ناصح فيه، فأحرى بك أن تمتنع عن أن تعمل في أخيك ما به يحصل له ما كان حاصلاً لك. فإذا وقعت في مثل هذا فاعتقد أن أخاك له العذر, وبادر إليه معتذراً لتزيل ما به من نار الغيظ (2), واسْعَ في معاملة الناس بما تحب أن يعاملوك به, مع المحافظة على النصيحة لهم بطريقتها الشرعية المألوفة للعقل والمروءة, واضعاً نفسك موضع من تنصحه, وأنه هو الناصح لك, فتستعمل الدواء الذي تحب أن تستعمله لنفسك عند انحراف مزاجك. ولا تنس مراقبة الحق, والإخلاص لذاته سبحانه وتعالى في كل ذلك, حتى تفوز برضاء الله تعالى, ورضاء إخوانك, ورضاء الفضيلة.
وليس من صلّى وصام وزكى وحج يكون كامل الإسلام، حتى تكتمل أخلاقه، وتطهر صفاته، وتزكو نفسه. فإن تلك الأعمال تنهى عن الفحشاء والمنكر لمن قام بها عاملاً بحقائقها، مراقباً في عملها مكانته من العبودية، ومكانة من قام بها لذاته العلية، من الألوهية والعظمة والقدرة والعزة والقوة، مُنَزِّهاً جنابه العلى عن العلة والغرض، والشريك والمعاون، حتى يتحقق بمقام الخوف والخشية والرهبة من جلاله وكبريائه. وبذلك تتزكى نفسه، وتتهذب أخلاقه، وتحسن معاملته لجميع إخوانه والناس أجمعين. وإذا كانت المقدمات لا تنتج فهي على غير وجهها الذي وضعت له، وإذاً لا تُنتج في الآخرة.
وإنَّ كثيرا من المسلمين في هذا الزمان يتساهل في القيام بأركان الدين، مادام في عافية من الأمراض والفقر والخوف. بل تأخذه العزة بالإثم فيعتقد عقيدة قارون (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) فيتكبر ويستهين بأعمال البِّر ومكارم الأخلاق ومعاملة ربه، ويزدري بالقربات وبأهل التمسك بالدين، ويفتخر بأَعمال الفُجَّار والمتهتكين وغيرهم، حتى إذا نزلت به نازلة المصائب، وفاجأته فاجئة البلايا (نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) وندم على ما فرّط، وسعى لأهل الصلاح تائبا مبتهلا، وأقبل على الله سبحانه. و لكن قلّ أن ينفعه إقباله، لأنه مخادع كاذب في دعواه، وما رجع به إلى الله إلا سوط النقمة وبادرة البلية.
فالعاقل من تقرب إلى الله في الرخاء، حتى يتقرب الله إليه في الشدائد، هذا وإن لم تبادره المصائب في حياته، واستدرجه الله سبحانه حتى غادرته منيته، وفاجأته المنون (فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) وكثير منهم من يكثر الصلاة والصيام وغيرهما مع قيامه بمضرة إخوانه المسلمين، وانتقادهم وإساءتهم وإظهار عيوبهم بغير أسلوب النصيحة، ويبيت الليل والنهار بين غيبة ونميمة، وتنقيص المسلمين، وسعى في مضرة أفرادهم، ويحسب أنه يحسن عملاً. مع أنه – والعياذ بالله تعالى – أشبه إبليس في علمه وعمله. و بحقك... متى يكون المشابه لإبليس مسلماً حقيقياً ؟!.
فيا أيها المسلم.. تحقق أن المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، أتحسب أن الإسلام طهارة بالماء ؟.. الماء لا يُطَهِّر الخبائث النفسانية، ولا يزكي النفوس الشيطانية، ولا يكون المسلم مسلماً إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه، وبذلك يُحْسَبُ مسلماً حقاً عدلاً عند الله وعند عباده.
4- الأخلاق:
1. الصدق: وهو تأدية الخبر كما شاهده، بشرط أن لا يقصد بذلك مضرة مسلم، ولا إفشاء عورة، ولا كشفا لقبيح، ولا إشاعة لفاحشة. وأن يكون مخبراً بالخبر لفائدة المسلم وعدم مضرة المسلم الآخر، مجردا عن الحظوظ والغايات والأغراض. فإن كان صادقاً في خبره وخالط خبره عيب من تلك العيوب، كان قد ارتكب كبيرة أكبر من الكذب. فإن الكذاب قد يرتكب مع الكذب كبائر أخرى بحسب مقاصده في كذبه، كما يرتكبها مع النية في نقله الخبر صادقاً. وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب صِدِّيقا، وإنه ليتحرى الكذب حتى يكتب منافقا. وأضر من صفة الكذب على المسلمين تصديق السامع للخبر وعمله به، فيكون الكاذب أهلك نفسه وأهلك معه كثيرين من المسلمين.
وصفة الصدق هي التي تحقق الإنسان بمقامات اليقين، وتقرب من رب العالمين، ومن جميع العالمين. وليس للكذاب عند الله تعالى ولا عند الناس عهد، وهي من أكبر الكبائر. والكاذب مسقوط العدالة في الرواية والدراية. وكفاه أنه ناقص في عين نفسه، لاعتقاده في نفسه أنه كذاب يختلق ما يقول. وتقبيح الكذب لا يحتاج إلى بيان، لأنه أمر محسوس بَدَهِيُّ القباحة والبشاعة.
ومن الحكمة أن السامع لابد وأن يتحرى عن كل ما يسمعه، ولا ينقله ولا يعمل بمقتضاه حتى يتحقق من صدقه، والله ولي التوفيق.
2. الأمانة والوفاء بالعهد، ومعاونة إخوانه، وإكرام الضيف، وإكرام الجار، وإغاثة الملهوف، ونصيحة إخوانه، وعيادة المريض، وصلة رحمه، والإحسان إلى الجليس، وحفظ لسانه، وحفظ بطنه وفرجه، والتباعد عن البدعة، والسعي في محو الفتن، والسعي في الصلح بين إخوانه، وقضاء حاجة السائل، وإدخال السرور على قلوب المسلمين، وستر عوراتهم، وعدم الخروج على أمرائهم، والإمساك عن الوقوع فيمن مات مسلما، والاجتهاد في تأليف قلوبهم على الحق. وإذا رأى قبيحا ستره ونصح من وقع منه في خلوة، ولو كان ذا سلطان عند القدرة.
3. الصبر على الشدائد، والثقة بالله تعالى، والاعتماد عليه، وشكر النعمة، وعدم المكافأة بالسيئة، والعفو عمن ظلمه، وإخفاء النقمة، والإحسان إليه وعدم أذيته كما أذاه، بل يحترس من شره. وإظهار النعمة والشكر عليها.
4. عزة النفس بالثقة واليقين بالله تعالى، وبأنه سبحانه قادر على أن يفعل ما يشاء.
5. الود في الله والزيارة في الله، والإكرام في الله تعالى، بدون أن يقصد مكافأة إلا من الله تعالى.
6. الرحمة بجميع المسلمين كل بحسبه، والشفقة عليهم، ومعاملتهم: الكبير كالوالد والمساوي كالأخ والصغير كالولد غير مؤاخذ لهم على سوئهم، ولا يظن بهم السوء، ولكن يحترس بنفسه من أن يقع في سوء، ويجعل المكافأة على حسن المعاملة من وجه الله تعالى بحسن اليقين وصدق العزم. المسلم يحب من أحبهم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويكره من كرههم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم معلومون لكل إنسان. ولكن قد يغفل المسلم فيحب من أُمِرَ بكراهيتهم، ويتودد إليهم بصدق وإخلاص ويعينهم، غافلا أنه بذلك صار منهم وحشر معهم.
فإذا كان المسلم يعتقد أنه مسلم بقوله دون عمله فقد أخطأ، ونص القرآن مؤيد: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) مع قولهم: (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) فمن لم يباشر قلبه نور اليقين، ويملأ خشية من الله تعالى، ومحافظة على ملاحظته سبحانه وتعالى في كل أعماله، حتى لا يحدث أمرا إلا بعد وزنه بموازين الشرع، ومحاسبته نفسه عليه، فهو كاذب في دعوى الإسلام، وربما كان ضرره على المسلمين أشد من ضرر عدوهم. فالله سبحانه يمنحنا هدايته، ويوفقنا لعمل الخير واتباع الشرع إنه مجيب الدعاء.
ثانياً: الإيمان
المؤمن:
المؤمن هو من جَمَّلَهُ الله تعالى بخصال المؤمنين، وتوفرت فيه شروط الإيمان. وإنما يَعْرِفُ الإيمانَ مَنْ عَلِمَ شرائطَه، ويَعْرِفُ المؤمنين من عرف خصالهم. إذا تقرر ذلك، ظهر لنا أن الإيمان على نوعين: ظاهر وباطن.
1- الإيمان الظاهر:
فالإيمان الظاهر هو الإقرار باللسان بخمسة أشياء:
أ) هو الإقرار بأن للعالم صانعاً: واحدا، حيا، قادرا، حكيما، أَحَداً، صمداً، عالماً، مريداً، مدبِّراً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، غنيًّا بذاته عن المكان والزمان، منزهاً عن الكم والكيف والنظير والند والضد. عَلِيًّا عن الإدراك؛ إذ لا يعلم حقيقته إلا هو وحده سبحانه. وهو الله خالق الخلق كلهم ومدبرهم لا أحد شريك له في ذلك.
ب) هو الإقرار بأن له ملائكة صفوة الله من خلقه، أقامهم لعبادته وطاعته، وجعلهم حفظة لخلقه ووكل كل طائفة بالقيام بشأن مما قدره ودبره وأراده من شئونه التي يبديها في خلقه، ولا يبتديها في عالم سمواته وأرضه (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (3)
ج) الإقرار بأنه قد اصطفى صفوة من بني آدم، هم رسله وأمناؤه، الذين يبلِّغون الناس كلامه سبحانه المنزل عليهم، ويدعونهم إلى توحيده سبحانه والعمل بما أمر.
د) الإقرار بأن هذه الأشياء التي جاءت بها الأنبياء عليهم السلام من الوصايا والأنباء باللغات المختلفة (4) منزلة من الله سبحانه وتعالى وحيا أوحى الله به إليهم بطرق الوحي المعلومة شرعا وثبتت عقلا.
هـ) الإقرار بأن القيامة لا محالة كائنة، وهي النشأة الآخرة، وأن الخلق كلهم يبعثون ويحشرون ويحاسبون، ويثابون بما عملوا من خير ومعروف، ويجازون بما عملوا من شر ومنكر، أو يغفر الله وهو الغفور الرحيم، وذلك قول الله تعالى:(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) وقال: (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
و) ويكمل الإيمان الظاهر بإقرار سادس؛ الإقرار السادس: أن يقر المؤمن بأن سيدنا ومولانا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الرسل وخيرهم، وأن كتابه مهيمن على جميع الكتب، وأن الدلائل والبراهين التي أقامها الله تعالى في القرآن تكفي لمن سلم قلبه من العناد، وطهرت نفسه من الخبث أن يتحقق أنه رسول الله، وأن القرآن كلام الله، وأن من لم يؤمن به صلى الله عليه وآله وسلم كافر، وأن القضاء والقدر خيره وشره من الله تقديرا وإرادة وإيجادا، وأن التكلم فيه بدون علم وتسليم ربما أدى إلى سلب الإيمان.
ولا يكمل الإيمان الظاهر إلا بالعمل على قدر الاستطاعة بما أمر الله به، والنهي مطلقا عما نهى الله عنه – إلا لضرورة شرعية – ومجموع هذا هو الإيمان الظاهر الذي دعت الأنبياء عليهم السلام الأمم الْمُنْكِرَةَ لهذه الأشياء إلى الإقرار بها، وهو يؤخذ تلقينا كما يتلقن الصغار من الكبار، والجهَّالُ من العلماء.
2- الإيمان الباطن:
عقد القلب على اليقين الحق بما أقر به لسانه، فهذا هو حقيقة الإيمان بحيث يكون عقد القلب كعقد قلب من شهد بعيني رأسه عقداً لا يعتريه شك ولا ريب.
المؤمن ظاهرا:
هو المقر بهذه الأشياء بلسانه، المتميز من اليهود ومن النصارى والصابئين والمجوس الذين أشركوا، وبهذا الإقرار يجري عليه أحكام المسلمين من الصلاة والزكاة والحج والصوم وما شاكلها من مفروضات شريعة الإسلام وسنة المؤمنين.
المؤمن ظاهرا وباطنا:
أما الذين مدحهم الله في كتبه ووعدهم بالجنة، فهم الذين يتيقنون بضمائر قلوبهم حقائق هذه الأشياء المقر بها. وأما الطريق إليه سبحانه فهو بالتفكير والاعتبار والقيام بشرائطها وواجب حقها كما قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).
مذكرة المرشدين والمسترشدين
الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
الطريقة العزمية بمصر والعالم الإسلامي
_______________________________
(1) هذا ما يفتقده التدين السلفي الوهابي المعاصر، وأقول التدين لا الدين، والتأسلُم لا الإسلام، لأن الإسلام واحد وكل ما استجدّ واستُحدث فهو بدع مضلة، فالدين واحد ولكنه يحتاج إلى تجديد لمفاهيمه، كما فعل الإمام أبو العزائم ويفعل خلفاؤه من بعده.
(2) من أخص خصائص ما نتعلمه من الإمام أبي العزائم: أن المسلم لا يعيش لنفسه، ولا يعامل إخوانه معاملة المراهق، ولكن يعاملهم معاملة الإنسان الناضج المحب الحريص عليهم، فهو لصغيرهم أب ولكبيرهم ابن بار ولنظيرهم أخ محسن، يرى الجميع خير منه عند الله، تواضعاً لله وتربية للنفس.
(3) كل أمور عالم الإنسان ألإراداً ومجتمعات تُدار من خلال عالم الأرواح السامية المسمى بالملائكة، فهم يسعون لترقية الإنسان بكل الطرق المتاحة والممكنة له، ويشجعونه ويدعمونه ويوحون إليه بالأفكار النافعة التي تعمل على تنميته وترقيه، ولكنهم لايقدرون على ترقيته دون موافقه ومعاونة منه، ولكن هذا معلق على قدر استجابته لهم، فإن لم يستجب لهم حزنوا لذلك وابتعدوا عنه مراقبين له أدنى تفكير فيهم وفي طلب المساعدة، فيسرعون إليه ملبين.
(4) يخبرنا القرآن أن الله تعالى بعث لكل أمة رسول بلغتها، قال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) وليس صحيحاً أن الإرسال مقتصر على العرب بما يسمى الديانات الإبراهيمية، فكل أمة بعث الله فيها رسول من عنده، قال تعالى (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وإن.. إلا أسلوب حصر، بمعنى أنه لا توجد أمة إلا وأُرسل فيها من يقوم بتعليمها وترقيتها، قال تعالى (ولكل قوم هاد) وقال (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) وعليه: فليس صحيحاً أيضاً أن لنا حجة على الله بعدم إرسال رسول فينا يرشدنا إلى الطريق المستقيم الواضح الأقصر والأقل تعباً ومشقة، وقد قال لنا هذا في آيات متعددة كقوله (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم..) وقوله (واعلموا أن فيكم رسول الله) فوصفه بالرسالة ولم يعيّن اسمه لكي تظل الرسالة محفوظة في ورثته من بعده الذين يتولون الأمر بعده، قال تعالى (يا أيهاالذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وأولوا الأمر هم الورثة المجددون من أهل البيت، رجل واحد على رأس كل قرن، وليسوا هم الحكام والسلاطين كما قال كثير من المفسرين. وأمر الورثة المحمديين تم إخفاؤه عن عمد لأسباب سياسية ترجع لخوف الملوك والسلاطين من سطوة أهل البيت على قلوب الناس واتباعهم لهم، فكان خوف الحاكم والخشية من زوال ملكه ملازم له كالظل في كل مكان، لأن الناس كانوا ولا يزالون حتى الآن يحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حباً جماً ويفدونهم بأرواحهم، لِما رأوا منهم من كريم الخصال ومعالي الأخلاق المحمدية وإحقاق الحق وإبطال الباطل وقول كلمة الحق والصدع بها أمام الملوك مهما كانوا، لا يخشون غير الله ولا يخافون لومة لائم.. فلهذا السبب تم طمس عقيدة الإمامة تماماً وأمست أثراً بعد عين، فعند السنة لا تجد لها ذكر بالمرة، وعند الشيعة تجدها يحفها خرافة عقيدة الغيبة وأنها انتهت – عملياً – في القرن الثالث الهجري، وما الفرق بين الإمامة عند السنة أو الشيعة إن كانت قد انتهت عملياً ولم يعد هناك إمام حي قائم يأخذ البيعة لله من الناس على الإستقامة والإتباع وسلوك السبل المستقيمة ونصرة الأمة بالنفس والمال ؟! حتى أنك أمسيت تجد آثار التحريف المعنوي في تفسير النصوص واضحة جلية، كما حرفوا معنى قوله تعالى: (وأولي الأمر منكم) فجعلوا أولياء الأمر هم الحكام، وكما حرفوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) فقالوا: أي يبايع الحاكم!
ولذلك نحن نعيش اليوم جاهلية حقيقية تشبه جاهلية ما قبل البعثة، بلا إمام ولا مرشد، ومهمة التجديد وتعريف الناس بعقيدة الإمامة من جديد أمر صعب للغاية، يحتاج لتعاون وتكاتف كافة ذوي الغيرة على أمتهم، من علماء وأثرياء، وتسخير الإعلام لهذه المهمة الكبيرة، والإستعداد لمواجهة هجوم ذوي المصالح.. هذا هو الطريق الوحيد لنهضة هذه الأمة نهضة حقيقية بأقصر الطرق وأسرعها.
#عدنان_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟