علي لهروشي
كاتب
(Ali Lahrouchi)
الحوار المتمدن-العدد: 6841 - 2021 / 3 / 15 - 20:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا كان تعريف الخيانة هو انتهاك أو خرق لعهد ما ، أو عدم الوفاء بالأمانة ، أواستغلال الثقة المتبادلة و البوح بالأسرار التي تطغى على العلاقات التي تربط بين الأفراد أو المنظمات أو الجماعات ، أو العمل على استدراج الأخر للاقاع به ، أو استغلال السلطة ، و المسؤولية من أجل تحقيق أغراض شخصية وعائلية على حساب الأخرين . فإن هذا التعريف ينطبق أساسا على القبيلة العلوية ، و أعوانها من عملاء فرنسا ، الذين انتهكوا حتى العهد الذي قطعوه على أنفسم من أجل العمل على تقدم المغرب على جميع المستويات و الأصعدة ، الشيء الذي لم يحصل إلى حد الأن ، ثم عدم وفائهم بالأمانة و المسؤولية التي حملوها على أكتافهم ، المتجلية في بناء مغرب مستقل يتم فيه إحقاق العدل ، و أنصاف المظلوم ، وارجاع الحقوق لأصحابها ، كما استغلوا الثقة التي وضعها فيهم كل من فاوض و تفاوض من أجل تربعهم على العرش بالمغرب ، للعمل على بناء مغرب حر تسود فيه الديمقراطية و الحرية ، و الحقوق وهو ما لم يحدث ، ناهيك على أنهم باحُوا حتى بالأسرار التي أدت إلى تصفية المقاومين وجيش التحرير من قبل الحماية الفرنسية . ثم عدم تحليهم بالمسؤولية لما جلبوا تلك الحماية و وقيعوا على معاهدتها . ,اخيرا استغلوا مواقعهم للإغتناء الفاحش على حساب تفقير الشعب .
فمنذ توقيع معاهدة الحماية الفرنسية لاحتلال المغرب في 30 مارس 1912 من طرف السلطان عبد الحفيظ ، مرورا بيوم 18 نوفمبر 1956 حيث قرر الفرنسيون مغادرتهم المغرب على الصعيد العسكري فقط ، فإن المغرب لازال لم يحصل على استقلاله التام ، و الكامل و الشامل من فرنسا بعد على مُختلف الأصعدة ، لما فرضته مفاوضات إيكس ليبان التي جرت خلال الفترة الممتدة ما بين 20 و30 أغسطس 1955 بين بعض الأعضاء المننتسبين لما كان يسمى بالحركة الوطنية المغربية من جانب ، ومن جانب أخر ممثلين عن السلطات الفرنسية . دامت تلك المفاوضات خمسة أيام ، حضرها من جانب الوفد الفرنسي كل من إدغار فور رئيس الحكومة ، و بيناي ، وزير الشؤون الخارجية والجنرال كوينغ وزير الدفاع ، و روبيرت شومان ، و بيير جولي . بينما كان الوفد المنسوب للمغرب يتشكل من 37 شخص من بينهم مبارك البكاي ، والفاطمي بن سليمان ، و محمد المقري ، ثم ممثلي الأحزاب : عبد الرحيم بوعبيد ، و محمد اليازيدي ، وعمر بنعبد الجليل ، والمهدي بن بركة ، و عبد القادر بن جلون ، وأحمد بن سودة ، وعبد الهادي بوطالب ، ومحمد الشرقاوي ، بالإضافة إلى بعض الفقهاء و القُوَّاد .
لم يرض جيش التحرير والمقاومة المسلحة عن تلك المفاوضات لأسباب عديدة و متعددة من بينها : قوة الجانب الفرنسي في المفاوضات ، وتفاوضه مع المغاربة الخونة المتعاونيين مع سلطات نفس الحماية الفرنسية ، إذ أنها مجرد مفاوضات تصب في صالح فرنسا ، اعتبرها و لازال يعتبرها الأحرار المغاربة بالخيانة التاريخية ، بعد خيانة توقيع معاهدة الحماية لإحتلال المغرب ، وقتل شعبه . وهي مفاوضات أساسها سحب محمد بن عرفة ، و إنشاء مجلس للحفاظ على العرش ، و تعيين ما كان يسمى بالسلطان محمد بن يوسف لحكومة تعمل على تنفيذ قرارات تلك المفاوضات بعد عودته من مدغشقر إلى فرنسا ، ثم خلق مجلس وصاية العرش ، الذي عُين فيه رسميا في 15 أكتوبر 1955 كل من الصدر الأعظم المقري، والباشا الصبيحي ، والقبطان الطاهر أوعسو ، والباشا البكاي . وفي 3 نونبر 1955 قدم مجلس وصاية العرش استقالته إلى الإقامة العامة الفرنسية ، وفي 16 نونبر 1955 هبطت طائرة محمد الخامس بمطار الرباط سلا عائدا إلى المغرب ، بعدما قبل طبعا بكل شروط فرنسا ، والتزامه بتنفيد أوامرها ، و هو ما جعل فرنسا تقرر مغادرتها المغرب على الصعيد العسكري فقط ، دون أن تغادره على الصعيد السياسي ، والاستخباراتي ، والمالي ، والتجاري ، والاقتصادي ، والثقافي ، و اللغوي . إلى أجل غير مسمى ، إذ لم تعد في حاجة إلى ضرورة بقاء جيشها بالمغرب لاستعمال السلاح ضد الوطنيين الحقيقيين ، وجيش التحرير ، بعدما تمكنت من تعينها لمقيمها العام الجديد ، و الدائم بجلباب إسلامي ، الذي هو محمد الخامس و أسرته العلوية ، ليتولوا بعد ذلك مأمورية سحق المقاومين ، و كل من يعارض ما أقرته فرنسا و ما ستقره في المستقبل عبر مقيمها العام المغربي .
إن عدم استقرار المغرب على جميع الأصعدة : أمنيا ، وسياسيا ، وماليا ، واقتصاديا ، وثقافيا ، ولغويا ، لا في الماضي ، ولا في الحاضر و لا في المستقبل قد ترجع بعض أسبابه المعاصرة ، و جذوره أساسا إلى ما خلفته تلك المفارضات من فرض مخطط فرنسي لم يرض فئة من الشعب المغربي ، مما خلف بذلك جروحا في قلوب ، وعقول ، وذاكرة هذه الفئة ، لا يمكن علاجها إلا بتنحية المقيم العام الفرنسي الذي هو القبيلة العلوية و عملائها عن الحكم بالمغرب. فقد تم تقسيم المغرب في القرون الماضية إلى " مغرب السيبة ، و مغرب المخزن " ، ثم بعد ذلك تغيرت تلك التسمية لتصبح " المغرب النافع و المغرب الغير النافع " ، نتج عن ذلك تقسيم المغاربة إلى فئتين متناقضين " قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَار " أي قَدْ كَانَ لَكُمْ مغرب فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ، فِئَةٌ المحكومين الأبرار ، و الأحرار ، التي تناضالُ من أجل تحرير الإنسان و الوطن من قبضة الخونة من العملاء العلويين الدخلاء ، و فئة من الحاكمين الخونة الأشرار الحاقدين ، و من يساندهم من أقنانهم و عملائهم ، غرضها استغلال الشعب ، و نهب ثرواته ، واستعباده من أجل خدمة مصالحها الخاصة الضيقة ، التي لا تنفصل عن مصالح القوى الخارجية التي تحميها ، يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ و الحماية الفرنسية و الصهاينة يُؤَيِّدُون بِنَصْرِهِم مَن يَشَاؤون إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ و الألباب.
إن الصراع بالمغرب بين هاتين الفيئتين رغم عدم التكافؤ و التوازن فيما بينهما قد أهلك العديد من الأفراد ، و الجماعات ، و أضر بالكثير من الأسر من فئة المحكومين ، بسبب طُغيان و جبروت فئة الحاكمين من الخونة و العملاء ، فئة تدرك ، وتعلم علم اليقين أن أغلبية المحكومين من الشعب المغربي غير راضية عن حكمها ، و على أنها مجرد مقيم عام فرنسي، و هي فئة لا تقبل ، ولا تتقبل النقد ، و الانتقاد أبدا لا لتاريخها المزيف ، و لا لمخططاتها الهدامة ، و لا لشرعيتها الوهمية ، و لا لمشروعيتها المبنية على الغش و التزوير و الخيانة ، و هي فئة لا تتوفر على أي مواصفات من مواصفات الإنسان و الإنسانية كالصدق ، و الأَمانَة ، و الوَفاء ، و الثِّقَة ، و الأمانٌ و الإِخْلاصٌ ، و الاستقامَةٌ ، و النَزاهَة ،كما أنها في واقع الأمر فئة ضعيفة على جميع المستويات مُقارنة مع قوة الشعب ، لكنها تستمد غطرستها عبر استقوائها بالقوى الخارجية كفرنسا و إسرائيل من جهة ، ثم من قبل ببعض الانهازيين ، و العملاء ، و الخونة من فئة المحكومين أي من بعض أبناء الشعب ، ممن يساعدها على البقاء في الحكم .
فالخونة يستخدمون مصطلح هيبة الدولة للقضاء على كل الأصوات الحرة ، و الزج بها في السجون ، و إطلاق العنان للأبواق الإعلامية المسخرة و المأجورية لشرعنة الجرائم باستعمال تسميات لا أساس لها على أرض الواقع كتطبيق ما يسمى بالمساطير القانونية ، و المحاكم ، و استقلال القضاء ، و الفصل بين السلط ، و صلاحيات البرلمان ، و دورالمجالس القروية و الحضارية ، و تنظيم الانتخابات ، ودور الأحزاب ، و النقابات و الجمعيات و المنظمات ، و التبجح بوجود ما يسمونه بالمجتمع المدني ، و النزاهة ، و الإعلام الحر ، و المصداقية ، و المواطنة ، و حرية التعبير ، و مجلس حقوق الأنسان ، و الأنصاف و المصالحة ، و مجلس المظالم ، و المجلس الأعلى للقضاء ، كلها مجرد تسميات الهدف الأساسي منها هو رغبة الخونة إظهار المغرب للمنتطم الدولي على أنه دولة مدنية تتوفر على مختلف الأجهزة ، و المؤسسات ، بالرغم من كون المغرب في حقيقة الأمرمجرد مجتمع لا ينطبق عليه مفهوم الدولة بعد ، مجتمع محكوم من قبل الأجهزة القمعية الأمنية ، و العسكرية ، و الأستخباراتية ، التي تتحكم في كل شيء ، وتصنع كل شيء ، و تسمي كل شيء ، و كل من يريد فضح ذلك كان مأله الاغتيال أو التشريد أو الزج به بالمؤسسة السجنية عبر تلفيق تهم لا أساس لها من الصحة ، وذلك هو مفهوم هيبة الدولة لدى الخونة العلويين ، إذ أن سجونهم الملكية ، ومخافر شرطتهم الملكية ، و سراديب مخابراتهم الملكية لم تُفرغ في يوم من الأيام عبر تاريخ حكمهم للمغرب من المعتقلين الضحايا ، إذ صار لكل حاكم أو سلطان ، أو ملك علوي جرائمه و معتقليه ، وضحاياه .
لهذا فإن تعريف الخيانة لا ينطبق أبدا و بالمطلق على المغاربة الأحرار الذين يقاومون بشتى الوسائل وبكل الإمكانيات التي يتوفرون عليها ، وهم يواجهون بفئة الطغاة من الحاكمين و على رأسهم الملك الديكتاتور ، لأنهم لم يعاهدوا ، ولم يبايعوا أحدا ، ولم يخونوا أية أمانة ، أو استغلوا ثقة أحد ، أو قاموا باستدراج أحد للإقاع به ، أو سبق لهم أن تحملوا مسؤولية ما و أخلوا بها ، بل بالعكس يقاومون ويضحون من أجل أصلاح ما أفسده الخونة ، ويناضلون من أجل تحرير الشعب من العبودية و الاستعباد ، و الاستغلال ، و الادلال ، و يرغبون في بناء مغرب تكون هبته الحقيقية هي العدل ، و المساواة ، و الديمقراطية ، وتقسيم الثروة ، و حرية الإنسان ، و حقوقه الكاملة بدءا بحقه في الشغل و التعويض عن البطالة ، حقه في السكن ، و التعليم ، و التطبيب ، و التأمين ، و التنقل ، و الرأي ، لأنه بدون استفادة الإنسان من هذه الضروريات الأساسية ، فلن تكون هناك أجواء صافية بل ستبقى أجواء عكرة يهيمن عليها الفاساد ، و المحسوبية و الزبونية ، والرشوة ، والانتهاكات الصارخة للقوانين و غيره من تجاوزات.
أمستردام هولندا
#علي_لهروشي (هاشتاغ)
Ali_Lahrouchi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟